تشتغل الأسطـورة في المجتمعات كما يشتغـل الحلم داخل الأفراد. فالأسطـورة تتوفر، كالحلم، على عناصر من الماضي تنقلها، لكنها في الآن عينه تـنظمها بحسب معطيات الحاضر. فعندما يَكُونُ الأصلُ رضَّةً[1] أو مسألة تعذَّرَ تسويتها في حينها، لاتكف الأسطورة – كالحلم – عن إعادة تقديم ذلك الأصل وترتيبه من جديد إلى أن يصير بالإمكان تسجيله في التاريخ، إلى أن يغذو بالمستطاع، انطلاقا من النِّسْيَانِ – الْكَبْتِ، تسمية محتواه، بالمستطاع أن يصير ذاكرة.
لقد أَظهرَ فرويد جيدا، على امتداد أعماله وبالخصوص في كتابيه الطوطم والحرام[2] وموسى والتوحيد[3]، وُجُودَ أسطورة أوديب وكيفية اشتغالها. ومؤخرا حَلَّلَتْ مونيت فاكان[4] نشأة أسطورة حديثة وتطورها من خلال قصة فرانكنشتاين.
ورغم أن الثقافة العربية الإسلامية تتضمن بالقوة مادة ميثولوجية، فإنه نادرا ما تم التشديد على وجود ميثولوجيا دينية، كما أن إلحاح هذه الثقافة على مفهومي الحقيقة والخطأ لايتركان إلا حيزا ضيقا للمقاربة المتعارضة وجدانيا (Ambivalente) التي تطبع الأسطورة. والحال أنه من المعقول التفكير في أن الأسطورة تشتغل داخل هذه الثقافة كما تشتغل في سائر الثقافات الأخرى. وهذا ما أود إظهاره في الدراسة الحالية انطلاقا من أحد الأمثلة التي استقطبت اهتمام وسائل الإعلام مؤخرا.
ففي ماضٍ قريبٍ اهتـزَّ الرأي العام، فـي البلدان الإسلاميـة بالخصوص، لصدور كتاب للروائي سلمان رشدي[5] يحمل عنوان «الآيات الشيطانية». ومع أن هذا الاهتزاز يجد تفسيره الأول في إشارات المؤلف لشخصية نبي الإسلام وما أبداه من قلة احترام إزاءها، فإن عددا من الذين أدانوا الكتاب، وضمنهم مثقفين غربيين، لم يقرأوه لحظة اتخاذهم موقفا منه. وأقل منهم حالة الحشود التي ثارت ضد صدور الكتاب المذكور. ولهذا السبب، على الرغم من أنه نادرا ما تم التعرض لهذه الملاحظة، فإنني أعتقد أن كلمات العنوان هي التي أثارت هذا المفعول الـصاعـق. فعنوانٌ على هذه الدرجة من الأهمية أوْقَدَ فجأة تحت نيران الرَّاهِنِيَّة العالمية مسألةً قديمةً أجْهَدَ التَّقليدُ الإسلاميُّ بكامِلهِ نفسَهُ كي يدرجها في طيَّاتِ النسيان.
أيّ رِهَانٍ كانت تتضمنه المسألة؟ لماذا تمَّ إبداء انفعالٍ بمثل تلك الحدة؟ تقود قراءة أولى في هذه الأحداث إلى التفكير في أنَّ صدور كتاب سلمان رشدي – في جو من التوتر السياسي والاجتماعي والثقافي بين الغرب ودول ذات ثقافة إسلامية – يعد بمثابة سلاح خطيـر وحقود وضعه بين أيدي أعداء المسلمين مسلمٌ تجرأ على الردة لكنه يعرف جيدا، ومن الدَّاخِل، نُقطَ قابلية الانجراح والانثلام في هذه الثقافة. ولاشكَّ في أن مستويات هذه القراءة تتنوَّع. لكن يجب أيضا التساؤل: لماذا يشعرُ الإسلامُ اليوم – حسب ما يبدو – بهشاشةٍ مَّا تَعُودُ إلى مرحلةٍ عرَفَ التقليد كيف يعالجها، وهي مسألة أن الشيطان ربما أثَّرَ تأثيرا عابرا في الرسول، علما بأنه حتى لو افترضنا أن هذا التأثيرَ قد حَصَل فعلا فإنه لم يفلح في التشكيك في صحَّة رسالة النبي؟
والفرضيةُ التي سأنطلق منها هنا هي: إذا كان كتاب سلمان رشدي قد أثارَ غلياناً كهذا في جمهور المسلمين، فإنما لكونه يمسُّ نقطةً حسَّاسةً في الثقافة، في الماضي والحاضر على السواء، يمسُّ شيئا هامّاً يَطرَحُ اليوم مشكلة، وربما سيطرحها على الدوام. وسأترك كتاب سلمان رشدي جانبا لأتمسك، في ما تقوله المصادر العربية في هذا الموضوع، بفهم الرِّهَان الخفي في هذه المسألة. وهو رهان من الأهمية بحيث انتقل من جيلٍ إلى جيل تحت علامة النسيان دون أن يكف عن «الاشتغال» في التاريخ، تاريخ الأفراد وتاريخ المتجمعات على السواء. تمَّ الأمرُ كأنَّ عنصراً «منسيا» من الماضي قد أحدث تماسّاً كهربائيا مفاجئا مع وقائع الحاضر.
هل من الضروري الإشارة إلى أن هذه الزاوية للتأمل ليست دينية على الإطلاق؟ فمن المستحيل، وإلى الأبد، معرفة ما إذا كانت قصة الآيات الشيطانية قد وقعَتْ فعلا أم لا. بالمقابل، فالحقيقة الوحيدة التي نعرفها هي أن مجموعة من النصوص العربية تتحدث عنها. فقد انشغل فقهاءٌ وكُتَّابٌ مسلمون من جميع العصور لِنَقْلِ هذه الآيات وإيصالها رغم أنها كانت تزعجهم. ولعل هذه الملاحظة وحدها كافية للدفع إلى التفكير في أن هذه الآيات إنما هي كلمات مُحَمَّلَةٌ بمعنى هام بالنسبة للتقليد الثقافي للمجتمعات الإسلامية. وسنرى أنها – في الواقع – تمثِّلُ ثرْوَةً لانظير لها بالنسبة للمعيش العميق لهذه الثقافة المتأصلة في الإسلام.
ولإظهار ذلك، سأُذَكِّرُ بإيجازٍ بالأحداث التي تدور حولها المسألة، ثم سأسلك سبيل عرض آراء المصادر العربية، عرض هذا «المجهود» الكبير الذي بُذِلَ في سبيل محو «أَثَرٍ» مع الحفاظ عليه، ثم سأختم باستخلاص الوظيفة الأسطورية لهذه القصة.
1 – تذكيـر بالأحـداث
لقد تطرَّق منذ وقت طويلٍ لما يُسمَّى بمسألة «الآيات الشيطانية» المستشرقون الذين كتبوا عن الرسول، ومنهم بالخصوص مونتغمري واط[6] وغودفروي دومومبين[7] وماكسيم رودنسون[8]. لكن المصادر العربية التي سنذكرها سبقت إلى معالجة الموضوع نفسه منذ وقت طويـل.
ويمكن تلخيص قضية الآيات الشيطانية على النحو التالي: ذُكِرَ أن الرسول محمداً لَقِيَ في بداية دعوته بمكة مُعَارَضَةً قوية من محيطه، فخامرته نفسه بالاعتراف بآلهة خصومه، منطلقا في ذلك إما عن حساب سياسي (وهو ما رَفَضَهُ الباحثون عموما)، أو بالوقوع في شِرْكِ الشيطان (وهي فرضية مقبولة)، أو عن خطإ أو سهو، أو عن أمْنِيَةٍ شخصية (فرضية يجب دراستها جيدا، لكن المسلمين يرفضونها جملة وتفصيلا). ففي سورة النجم، ذَكَرَ آيتين تقولان إن تلك الإلهات الثلاث كانت جديرة بالتقدير. ولهذا السبب انضمَّ المشركون إلى الإسلام، وأدَّى انتشار الإشاعة في الحبشة إلى عودة بعض المهاجرين، لكنهم ما وَصَلُوا حتى وجدوا الوضع قد تغير. فخلال وقت معين (يُقَدَّرُ من ليلة واحدة إلى بضعة أشهر، لسْنَا متحققين من ذلك) أخْبَرَ الملاك جبريل محمداً بخطإه، فنسِخَت الآيات المعنية، وهي آيات لايتضمنها القرآن حاليا. فكانت النتيجة ردة وعداوة، من قبل أهل مكة، أَدَّيَا إلى هجرة الرسول إلى المدينة.
طبعا، لايمكن التحقق إطلاقا من مثل هذه الأحداث. والمؤشرات الوحيدة الموجودة هي مثابرة المؤلفين العرب في عرض القصة كاملة أو مقاطع منها (كالإشارة إلى إسلامٍ لأهل مكة أعقبته رِدَّةٌ)، أو تأكيدهم على وجود صلة بين هذه القصة وهجرة فئة من المسلمين الأوائل إلى الحبشة (لكن هذه الهجرة تُوضَعُ تارةً بعد الحدث، وغالبا قبله).
ويُعْتَبَرُ الانعكاس اللاهوتي أشد أهمية، مادام الفقهاء وأهل التقليد الامتداحي قد خشوا من أن تتأثر مصداقية القرآن بهذا التدخل الشيطاني – ولو أنه تأثير عابر – في نص الوحي. ومن هذا المنظور تشبت التقليد الفقهي الإسلامي بالتقليل من أهمية الحدث، بل وحتى بنفيه، مما يعتبر أيضا طريقة في نقله أو إيصاله.
2 – السيــاق القرآنـي:
عادة ما يتم رَبْطُ مقطعين من القرآن بهذا الحدث: الأولُ سورةُ النجم حيث توجد الآيتان المتجادل بشأنهما، لكن أيضا حيث يظل أَثَرٌ لفعل الإشارة إلى الإلهات الثلاث. أما المقطع الثاني فهو سورة الحج حيث توجد الإشارة إلى تدخل الله لإصلاح الخطأ الذي يقف الشيطانُ من ورائه.
سورة النجــم
النص الذي يتضمن هاتين الآيتين هو[9]:
أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى، وَمنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى، [تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتُهُنَّ تُرْتَضَى]. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى، إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى، أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى» (النجم: 19-24).
سـورة الحـــج
لايَرِدُ ذِكْرُ قصة الآيتين الشيطانيتين أبدا في مكانه الصحيح (النجم: 19 – 20)، وبالمقابل فهو يَردُ دائما أثناء شرح المقطع التالي الذي يُفْهَمُ باعتباره قد أُنْزِلَ لإصلاح «خطإ» الرسول:
«وما أرسلنا من قبلك من رسول ولانبي إٍلاَّ إذا تمنى ألقى الشيطانُ في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم. ليجعل ما يُلقي الشيطان فتنة للذين في قلُوبِهِم مَرَضٌ والقاسية قلوبهم وإنَّ الظالمين لفِي شقاق بعيد» (الحج: 51-52).
ومضمونُ هذه الآيات (بمقتضى ترجمةٍ حرفيةٍ لها) يُفيدُ أن النبي، داخِلَ أمنيته وبواسطتها، قد مكَّنَ منه الشيطانَ، لكن الله عرف كيف ينقذه ويصحح أخطاءه. وتأويل كلمة أمنية هذه هو ما رَكَّزَ عليه التقليدُ الامتداحيُّ الإسلاميُّ في عمق تناوله لهذه القضية.
3 – كلمـات للإيصــال
تتعدد المصادر المعروفة حول حياة الرسول. وأول سيرة نبوية نعرفها هي تلك التي كتبها ابن إسحاق حوالي سنة 767م. وقد ضاع نص هذه السيرة[10]، لكن أجزاء كثيرة منه قد وردت في سيرة ابن هشام (حوالي سنة 834م). فهذا لأخير كان يتوفر على نص ابن إسحاق ويُكْثِرُ من الإحالة عليه، مع الإشارة إلى أنه ذكر في مقدمة سيرته أنه سَيُعْرِضُ عن ذِكْرِ بعض المعطيات المشكوك في صحتها قائلا: «وأنا إن شاء الله (…) تارك بعض ما ذكره ابن إسحاق (…) مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ذكر، ولانزل فيه من القرآن شيء»[11]. وقد وصلنا نص ابن إسحاق بالخصوص عن طريق مؤلف آخر هو الطبري (225 – 310 هـ / 839 – 923م). والنتيجة، إذا كان مؤلفوا السيرة النبوية قد تَحَفَّظُوا عموما حول المسألة التي تعنينا (مع ذكرها بطريقة تلميحية)، فإن مفسري القرآن قد أوردوا عموما، في سياق شرح سورة الحج (الآيتين: 51 – 52)، حكايةَ الوقائع المرتبطة بهذه السورة، وذلك إلى حدود وقت قريب. والكتاباتُ اللاَّحقةُ عموما هي عبارة عن إعاداتٍ للروايات التي أوْرَدَهَا الطبري، ولذلك سأعتمد أساسا على هذا المؤلِّف لأنتقل بعد ذلك إلى بعض محطات هذا الإيصال، وهي: ابن منظور صاحب المعجم الشهير المسمى لسان العرب، وفخر الدين الرازي صاحب التفسير المسمى مفاتيح الغيب، وابن كثير صاحب تفسير للقرآن وسيرة نبوية، ثم الشيخ محمد عبده الذي يعتبر أحد دعاة تجديد الإسلام في القرن السابق (XIX)، لأذْكُرَ بعد ذلك بعضَ المعاصرين.
روايات الطبــري
الطبري مؤرخ توفي سنة 923م/310هـ. وقد خَلَّف تاريخا مطولا أسماه تاريخ الرسل والملوك يقع في 17 مجلدا، ويعد الطبري أحد المصادر الأساسية لبدايات التاريخ الإسلامي نظرا لغزارة كتاباته وأمانته في نقل مجموع الروايات التي سبقته، والتي غالبا ما لايعرفها أحدٌ سواه. وقد خَصَّهُ كلود جيليوت بدراسة معمقة[12]. وتكمن أصالة الطبري في كونه يورد أقوال سابقيه كما هي، وبكيفية تجعلنا نعثر في نصوصه على مقاطع من أعمال قديمة جدا تعرضت للضياع (ومنها بالخصوص السيرة الأولى للرسول التي ألفها ابن إسحاق). والطبري هو الذي أورد ما هو أساسي في روايات الحدث الذي نحن بصدده والتي سيرددها بعد ذلك أغلب مفسرو القرآن.
3 – 1 – كتـب التاريخ رسالة عـروة[13]
تتحدتُ هذه الوثيقةُ التي تقع في النص قبل العلاقات المتصلة بالقضية بالمعنى الدقيق عنْ تَلَقٍّ جيِّدٍ حظيت به رسالة محمد لدى «قومه» «حتى ذكر طواغيثهم»: في تلك اللحظة جاء أثرياء سكان الطائف لمعارضة النبي بقوة. وبعد هذه الاضطهادات أمر الرسول بعض أتباعه بالهجرة إلى الحبشة.
وتوحي هذه الوثيقة بأن الهجرة إلى الحبشة قد تكونُ تَمَّتْ بعد قضية الآيات الشيطانية (إذا كان الموضوع الذي تتحدث عنه هذه الوثيقة هو هذه المسألة)، والحال أن جميع العلاقات الأخرى تقع قبل ذلك.
لكن الروايات حول القضية بالمعنى الدقيق إنما تقع في الصفحات 1191 – 1195 من النص العربي. يجب إعادة النظر فيها بحسب تاريخ الطبري.
أ – روايـة أولـى (رواية ابن عباس)
«حدثني محمد بن موسى الحرشي قال: حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى قال: حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا وعدوا رسول الله (ص) أن يعطوه مالا، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يامحمد، وكف عن شتم آلهتنا، فلاتذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح، قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللآتَ والعُزَّى، ونعبد إلهك سنة، قال: حتى أنظر ما يأتي من عند ربي، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْ تُمْ، ولاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» (الكافرون)[14].
فأنزل الله:
«قل أفغير الله تامروني أعبد أيها الجاهلون، ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطني عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعْبُدْ وَكُنَّ من الشاكرين» (الزمر: 64 – 66).
ب – روايـة ثانيـة (رواها ابن عُلِيَّة عن ابن إسحاق)[15]
«… لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، وأمية بن خلف رسول الله (ص)، فقالوا له: يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونُشْرِكُكَ في أمرنا كله، فإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك كنا قد شركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، فأنزل الله ”قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ”… حتى انقضت السورة»[16].
وكان رسول الله «حريصا على صلاح قومه محبا مقاربتهم بما وجد إليه السبيل قد ذُكِرَ أنه تَمَنَّى السبيل إلى مقاربتهم»[17] (ترد سلسلة من الرواة)، ثم:
«لما رأى رسول الله (ص) تولي قومه عنه، وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه، وكان يسره، مع حبه وحرصه عليهم، أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم، حتى حدث بذلك نفسه، وتمنى وأحبه، فأنزل الله عز وجل ”والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى” [النجم: 1 – 2]، فلما انتهى إلى قوله ”أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى” [النجم: 19 – 20] ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يُحَدِّثُ به نفسه، ويتمنى أن يأتي به قومه: ”تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفاعَتُهُنَّ تُرْتَضَى”. فلما سمعت قريش فرحوا وَسرَّهُم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه على خطإ ولا وَهْمٍ ولا زلل. فلما انتهى (ص) إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لأمره، وسجد من في المسجد من المشركين، من قريش وغيرهم، لما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، إلا الوليد بن المغيرة، فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع السجود، فأخذ بيده حفنة من البطحاء، فسجد عليها، ثم تفرق الناس من المسجد، وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، يقولون: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. وقد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن ترتضى»[18].
«وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول اللـه (ص) وقيل: أسلمت قريش، فنهضت منهم رجال، وتخلف آخرون»[19].
«وأتى جبريل النبي (ص) فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوتَ على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل، وقلتَ ما لم يُقَلْ لك، فحزن رسول الله (ص) عند ذلك حزنا شديدا، وخاف من الله خوفا كثيرا، فأنزل الله عز وجل وكان به رحيما يعزيه ويخفض عليه الأمر ويخبره أنه لم يَكُ قبله نبيٌّ ولا رسولٌ تمنى كما تمنَّى ولا أحب كما أحبَّ إلا والشيطان قد ألقى في أمنيته كما ألقى على لسانه (ص) فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحْكَمَ آياته، أي فإنما أنت كبعض الأنبياء والرسل فأنزل الله عز وجلَّ ”وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألقَى الشَّيْطَانُ في أمْنِيَتِهِ فيَنْسَخُ الله مَا يُلقِي الشيطانُ ثم يحكِمُ آياتِه والله عَلِيمٌ حكيمُ» [الحج: 52]»[20].
«فأذهب الله عز وجل عن نبيه الحُزْنَ وآمَنَهُ من الذي كان يخاف، ونسَخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم إنها الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتضى بقول الله عز وجل حين ذكر اللاَّتَ والعُزَّى ومَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى ”ألكم الذَّكَرُ ولَهُ الاُنْثَى تِلْكَ إِذاً قْسْمَةٌ ضِيزَى، أي عوجَاء إنْ هي إلاَّ أسماءٌ سمَّيْتُموهَا أنتم وآباؤكم” إلى قوله ”لِمَنْ يَشَاءُ ويرضى” [النجم: 19-23]، أي فكيف تنفعُ شفاعة آلهتكم عنده. فلما جاء من الله ما نسخ كان الشيطان ألقى على لسان نبيِّه، قالت قريش: ندم محمَّد على ما ذكر من منزلة آلهتكم عند الله فغيَّرَ ذلك وجاء بغيره وكان ذانِّكَ الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله (ص) قد وقعا في فم كل مشرك، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه»[21].
«وأقبل أولئك النفر من أصحاب رسول الله (ص) الذين خرجوا من أرض الحبشة لمَّا بَلَغَهم من إسلام أهل مكة حين سجدوا مع رسول الله (ص) حتَّى إذا دنوا من مكَّةَ بلغهم أنَّ الذي كانوا تحدَّثُوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا»[22].
ج- الرواية الثالثــة:
عن راويين هما محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا:
«جلس رسول الله (ص) في ناد من أندية قريش كثير أهله، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه: “والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى” ]النجم: 1 – 2[، فقرأها رسول الله (ص)، حتى إذا بلغ “أفرايتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى” [النجم: 19 – 20]، ألقى الشيطان عليه كلمتين: ”تلك الغرانيق العلى، وإنَّ شفاعتهُنَّ لتُرْتَجَى”، فتكلَّم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلها، فسجد في آخر السورة، وسجد القوم جميعا معه، ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته، فسجد عليه، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود، فَرَضَوْا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، وهو الذي يخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإذ جعلت لها نصيبا، فنحن معك. قالا: فلما أمسى أتاه جبرائيل عليهما السلام، فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول الله (ص): افتَرَيتُ على الله وقلتُ على الله ما لم يقُل، فأوحى الله إليه ”وإن كادوا لَيفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتريَ علينا غيرَهُ” [الإسراء: 73]… إلى قوله ”ثم لا تجد لك علينا نصيرا” [الإسراء: 75]، فما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه: “وما أنزلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يُحكِمُ الله آياته والله عليم حكيم”»[23].
3 – 2 – تفسيـر القـرآن للطبـري
المقطع الذي يتعلق بهذه القضية في تفسير الطبري هو الآية 51 من السورة 22 (الحج). تقولُ هذه الآية:
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قبلكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَنَبِيٍّ إٍلاَّ إذا تمنَّى ألقَى الشيطانُ في أمنيته فينسخ اللهُ ما يُلقي الشيطان ثم يحكم الله آياتِه واللهُ عليمٌ حكيم».
وقد ترجمها بلاشير إلى الفرنسية على النحو التالي:
«Avant toi, nous n’avons envoyé nul Apôtre et nul prophète, sans que le Démon jetât [l’impureté?] dans leur souhait, quand ils [le] formulaient. Allah abrogera donc ce que le Démon jette [d’impur?] en ton message, puis Allah confirmera ses âyâ. Allah est omniscient et sage»[24].
ولتفسير هذه الآية، يورد الطبري قصة الآيات الشيطانية، بمعنى أنه يربطها بمرحلة نزول سورة النجم (1-20). ويسوق هذه الواقعة في روايات معتددة:
– الرواية الأولى: (ص. 174-175): نص مماثل تقريبا للرواية الثالثة التي يوردها في تاريخه ص. 1195 – راجع ما بعدها[25].
– الرواية الثانية: (ص. 175-176): نص قريب جدا من الرواية الثانية الواردة في التاريخ (ص. 1191) – راجع مابعدها[26].
– الرواية الثالثـة: ص. 176: رواية منسوبة إلى أبي علية، وتقول:
«حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن أبي العالية، قال: قالت قريش لرسول الله e إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان، فلو ذكرتَ آلهتنا بشيء جالسناك، فإنه يأتيك أشراف العرب، فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك، كان أرغب لهم فيك، قال: فألقى الشيطان في أمنيته، فنزلت هذه الآية (أفرايتم اللاَّتَ والعُزَّى، ومناة الثالثة الأخرى) [النجم: 19-20] قال: فأجرى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العُلَى، وشفاعَتُهُنَّ تُرْجَى، مثلهن لا يُنْسَى
» قال: فسجد النبي (ص) حين قرأها، وسجد معه المسلمون والمشركون، فلما علم الذي أُجْرِيَ على لسانه، كبر ذلك عليه، فأنزل الله (وما أنزلنا من قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِي إلا إذا تمنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَتِه)… إلى قوله (والله عليم حكيم).
روايات أخـــرى:
لا تأتي الروايات التالية بأي عناصر جديدة، كما يغيبُ فيها جميعا العنصرُ الثالثُ، وهو «مثلهن لا ينسى». وتَعْرِضُ إحدى هذه الروايات الأشياءَ بشكلٍ مختلف. فقد سَمِعَ أهل مكة الرسول يُرَدِّدُ هذه الكلمات بمفرده:
«سمعتُ الضحاك يقول (…) أن نبي الله (ص)، وهو بمكة، أنزل الله عليه في آلهة العرب، فجعل يتلو اللاَّتَ والعُزَّى، ويكثر ترديدها، فسمع أهل مكة نبي الله يذكر آلهتهم، ففرحوا بذلك، ودنوا يستمعون، فألقى الشيطان في تلاوة النبي (ص): تلك الغَرَانِيقُ العُلَى، مِنْهَا الشَّفَاعَةُ تُرْجَى…»[27].
ويختم الطبري عرض مختلف هذه الروايات بالتفسير التالي:
«واختلف أهل التأويل في معنى قوله تمنى في هذا الموضع، وقد ذكرتُ قولَ جماعة ممن قال ذلك التمني من النبي (ص)، ما حدثته نفسه من محبته مقارنة قومه، في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون، ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء»[28].
«حُدِّثْتُ عن الحسين بن الفرج، قال سمعتُ أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعتُ الضحاك يقول في قوله “إلا إذا تمنـى” [الحج: 52] يعني بالتمني التلاوة والقراءة».
وعلى هذا المنحى التأويلي سيتم تجريد الرسول من كل مسؤولية عن «خَطَئِـ»ـهِ عبر استفهامٍ حول معنى كلمة تَمَنَّى (رَغِبَ) المستعملة في القرآن، والمذكورة غالبا في التفسير. وهذه الكلمة يمكن أن تعني ما رَدَّدَهُ الرسولُ في قرارة نفسه عن رغبته في التأليف بين القريشيين، لكن التأويل الذي يظهــر (والذي سَيُرَدِّدُهُ التَّقْلِيدُ الإسْلاَمِيُّ بكيفية واسعة) يجعلُ من الكلمة المعنية مرادفا لـ «قرأ» أو «تلا» بمعنى رَدَّدَ. ولهذا التأويل ميزة جَعْلِ الرَّسُولِ بمنأى عن دَاخِلاَنِيَةِ الرَّغبة، وبالتالي حفظ عِصْمَتهِ. والعصمة، كما هو معلوم، مفهوم يعني في آن واحد تنزيهه عن الخطأ وعصمته من الضَّلال.
4 – المجهـود من أجـل مَحْوِ أَثَـرٍ
سرعان ما ظهر في تقليد المفسِّرينَ وكتب السيرة النبوية انشغالٌ بحفظ ما يمكن أن يشكل «خطأً» يُلْحِقُ شُبهـةً أو شَكّاً بمجموع القرآن.
لسـان العرب لابن منظـور (القرن XIIIم)
يورد ابن منظور على امتداد معجمه الكبير شواهد الآراء التي وَصَلَتْ إلى عصره. مع الطَّبَرِي كانَ شرح المقطع الخاص بالآيات الشيطانية قد ترَكَّزَ في تأويل كلمة تمنى (التي تفيد بالضبط معنى الرغبة) على معنى مشتق، هو «قرأ»، تلا «réciter»، «lire». وبذا فمن المفيد ملاحظة أن ابن منظور قد كرس هذا المعنى في معجمه:
فبخصوص الجذر مني[29]، بعد أن شرح المؤلف هذه الكلمة بالمعنى الشائع، وهو «أراد شيئا»، ذكر عبارة «تَمَنَّى الكتاب: قرأه وتلاه»، ومن خلال رجوعه ظاهريا إلى سورة الحج )الآية 51(، يشرح هذا المعنى قائلا: «والتِّلاَوَةُ سُمِّيَتْ أُمْنِيَةً لأنَّ تَالِي القرآن إذا مَرَّ بآية رحمة تمناها، وإذا مر بآية عذاب تمنى أن يوقاه»[30].
فخـر الدين الرازي (توفي سنة 606هـ/1209م)
هو صاحب تفسير للقرآن مشهور يسمى مفاتيح الغيب. وفي المقطع المخصص لشرح الآية 52 من سورة الحج، يتساءل عن أسباب نزولها، فيُذَكِّرُ بما سبق أن قاله الطَّبَرِي، وهو المعارضة التي لقيها النبيُّ، وَتَمَنِّيهِ ألاَّ ينزل عليه ما يُبْعِدُ أهل مكة عنه. وبذلك فهو يورد مجموع الآيات الشيطانية حسب رواياتها السائدة، ثم يذكر حزن النبي، ونزول الآية (الحج: 52) التي تخفف عنه. ثم يضيف: «هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين. أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول»[31].
ابن كثيـــر: (توفي سنة 774هـ/1373م)
له تفسير للقرآن وسيرة نبوية.
أثناء شرح الآية 52 من سورة الحج، أورَدَ عِدَّة رواياتٍ معروفة حول المسألة، ثم قال: «وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلام ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما بنحو من ذلك ثم سأل هنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله تعالى لرسوله (ص)، ثم حكى أجوبة عن الناس من ألطفها أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله (ص) وليس كذلك في نفس الأمر بل إنما كان من صنع الشيطان لا عن رسول الرحمن»[32].
لكن المؤلف نفسه كتَبَ في سيرته النبوية، أثناء ذكره للهجرة إلى الحبشة، ما يلي:
«وذكروا قصة الغرانيق، وقد أحْبَبْنَا الإضراب عن ذِكْرِها صَفْحاً لئلاَّ لا يضعها على مواضعها، إلاَّ أنَّ أصل القصة في الصحيح»[33].
يرى ابن كثيـر أن معرفة هذه القصة يمكن أن تكون ضارة للمؤمنين العاديين، ولذا فهو يفضل إيراد هذه الرواية كاملةً فقط للمؤمنين المتنورين من قراء القرآن وشراحه.
الشيــخ محمد عبـده (1849 – 1905م)
في أحد نصوص كتاب مشكلات القرآن الكريم تطرق المصلح المصري الشهير لمسألة الآيات الشيطانية. وقد سبق لهذا النص أن ظهر في مجلة المنار ضمن فصل عنوانه: مسألة الغرانيق[34] (صص. 75 – 100). ويَعْرِضُ الكاتبُ بشَكْلٍ مُلَخَّصٍ طَرِيقَتَهُ في معالجة المسألة على النحو التالي:
«تمهيــد. مصارعة الحق والباطل. رفع الإسلام مقام الأنبياء وحكمه بعصمتهم. عبث عشاق الروايات وإفسادهم الدين. الروايات واختلافها في مسئلة الغرانيق. مخالفة المحققين لها. الرجوع إلى أهل العلم الصحيح في إزالة الحيرة. الطعن في رواية تفسير التمني بالقراءة. الطعن في حديث الغرانيق رِوَايَةً. الطعن فيه دِرَايَةً. عصمة الأنبياء. الوجوه الدالة على بطلان حديث الغرانيق. تفسير الآيات على الوجه الموافق لأسلوب القرآن المنطبق على العقائد الصحيحة. السياق وسابق الآيات. التفسير الأول وفيه المقابلة بين الآيات وسورة آل عمران في المحكمات والمتشابهات. التفسير الثاني. أماني الأنبياء. سنة الله فيهم وفي أقوالهم. تأويل ثالث. وسواس الشيطان. اللغات في الغنوق ومعانيه. عدم ملاءمة معانيه لوصف الآلهة. انتفاء نقل ذلك عن العرب. الجزم بأن الحديث من وضع الأعاجم»[35].
بعد هذا التمهيد يواصل المؤلف:
«حديث الغرانيق صار مشهورا عند المتأخرين لوجوده في كثير من كتب التفسير التي تتناولها الأيدي ولو صح لكان أكبر شبهة على الدين ولكن المقلد البحت الذي لا نظر له، لا يبالي بالشبه ويقبل كل نقل، وإن كان الفرع فيه ينفي الأصل، وطلاب العنت يتشبثون بأهداب الشبه فيجعلونها معاول تهدم الأركان الثابتة، وتنفي القضايا المبرهنة. ولذلك كثر الطعن في هذه الأيام، بدين الإسـلام، من دعاة النصرانية، وبعض المفتونين بالشبه بالمادية، وأقوى تكأة لهؤلاء الطاعنين ما قاله بعض المفسرين في مسئلة زيد وزينب وفي مسئلة الغرانيق ومسئلة أخرى: أعني بهذه المسئلة ما رووه من أن النبي سُحِرَ.»[36].
ورغم معارضة محمد عبده الشديدة، فهو يذكر قصة نزول الآيتين ونصهما: «تلك الغرانيق الأولى، وإن شفاعتهن لترجى»[37]. وينتقدُ المؤلف نقل هذه المرحلة مِنْ قِبَلِ جُهَّالٍ، ويرُدُّ دِفَاعَهُمْ عنها من خلال تأويل كلمة «تَمَنَّى» بـ «تِلاَوَة» مفضلا إنكار القصة جملة وتفصيلا، فيستنتج:
«لو صح ما قاله نقَلَة قصة الغرانيق لا رتفعت الثقة بالوحي وانتقض الاعتماد عليه كما قاله القاضي البيضاوي وغيره ولكان الكلام في الناسخ كالكلام في المنسوخ، يجوز أن يلقي فيه الشيطان ما يشاء ولانهدم أعظم ركن للشرائع الإلهية وهو العصمة…»[38]. وينهي حديثه بهذه الكلمات: «فلا أظنك تعتقد إلا أنها من مفتريات الأعاجم ومختلقات الملبسين»[39].
ويعتبر محمد عبده هذه القصة حكايةً مُلَفَّقَةً، لكنه ضَمِن لها – إن صَحَّ التعبيرُ – نَقْلاً بِصِيغَةِ النَّفْيِ. وسيكون الأمرُ مختلفا تماما لدى لاحقيه الذين سيميلون إلى مَحْـوِ كلِّ أثرٍ لهذه الحكاية.
بعض المؤلفيـن المعاصريـن:
لن آخُذَ من الأدبيات التي ظهرت حديثا باللغة العربية حول المسألةِ إلاَّ ثلاثة كُتُبٍ، وذلك على سبيل الإشارة لا غير: الأول كُتِبَ حول قضية الشيطان قبل أن تُثَارَ مَسْأَلَةُ سلمان رُشدي، والآخران مأخوذان من الكتب العديدة التي ظهرت بعد هذه القضية. وسؤالي هنا يقتصر فقط على معرفة ما إذا كانت تضطلع هذه الكتابات بنقل هذه الكلمات – الآيات أو عدم نقلها:
الجـنُّ والشياطيـنُ بيـن العِلْـمِ والدِّيـن (1986)
أورد مؤلفُ هذا الكتاب رياضُ العبد الله (الذي كتبه قبل قضية الآيات الشيطانية)[40] شرحا للآيتين 52-53 من سورة الحج التي يَرِدُ ذكر قصة الآيات الشيطانية عَادة في تفسيرِهَا، لكن دون أن يقوم بأدنى إشارة إليها. ولا يمكن للأمر هنا أن يتعلق إلا برَقَابَةٍ، لأنَّ المؤلف الذي يدرُسُ مسألةَ الشَّيْطَان قَدْ قرأ بالضرورة بعضا من التفاسير. المحوُ هُنَا كاملٌ، وهَدَفُ الكتاب هو أساسا إظهارُ أن مسألة الشيطان ليست خاصة بالثقافة الإسلامية.
همزات شيطانية وسلمـان رشـدي:
بعد ظهور كتاب سلمان رشدي سنة 1988، قام صاحب الكتاب الحالي نبيل السلمان بالرد على الهمزات التي نَشَرَهَا كتاب رشدي ضد الإسلام، فتطرق في أماكن كثيرة من كتابه إلى ما يسمى بالآيات الشيطانية ومكانتها في التقليد الإسلامي. وقد وضع المسألة في إطار الهجومات الغربية (والاستشراقية) ضد الإسلام:
«إن المزاعم التي تقول أن الرسول r أضاف عبارات من عنده إلى القرآن الكريم وتحريفه لها حسب ادعاءات سلمان رشدي، هي محض افتراء، قد استمدَّ أصولها من واقعة سجود المشركين مع المسلمين حين عودة المهاجرين من الحبشة، إذ حاول بعض المرجفين دسها في ثنايا قصة اختلقوها أطلق عليها قصة الغرانيق العُلا، والتي استند إليها فيما بعد طائفة مضلَّة من المستشرقين، والمستغربين من أمثال سلمان رشدي»[41].
يسوق المؤلف قصة المرحلة كما تساق عادة[42]، لكن كي يجردها من كل حقيقة: فهو يرى أن المؤرخين يذكرون أن الكفار قد وضعوا هذه الحكاية ليوهموا ملك الحبشة بأن المسلمين والمشركين قد تآلفوا في مكة[43]، ويدفعوه بذلك إلى ترحيل المهاجرين المسلمين بالحبشة.
الآيـات الشيطانية بيـن القلم والسيف (1989)
من خلال تحليل أدبي لكتاب سلمان رشدي يحاول المؤلفان عبد الدرويش وعماد عبد الرزاق تمييز الحقيقة من الخيال، مما يسوقهما إلى طرح قضية الآيات الشيطانية، فيوردان مختلف الروايات[44]، لكن مجموع تحليلهما يتمحور حول إنكار وجود القصة جملة وتفصيلا، أي أنهما يجيبان بالنفي عن المسألة التي ذكَرتُ أعلاه أنها مسألة يعتذر حلها.
لقد تم دائما إيصال هذه الكلمات التي وإن كنا لا نعرف هل تمَّ التلفظ بها فعلا في الأصل، فإننا نعرف بالمقابل أنها تُربَطُ مع ذلك بوضعية وبوقائع محددة بالهجرة إلى الحبشة على الخصوص. يبدو أن هذا النقل كانَ في القرون الأولى يتِمُّ بحرية أكبر، بحيث كانت تنقَلُ القصةُ بنفس الصفة التي كانت تُنْقَلُ بها الأخبارُ والقصص التي تسمى إسرائيليات (وهي القصص التي تنحدر من التقليد اليهودي) والتي نقَّحَهَا بعد ذلك الأدب العربي الرسمي. لكن هذا النقل أو الإيصال كان دائما مضمونا، ولو بِحَدٍّ أدنى مُتَمَثِّلٍ في الإنكار، باستثناء الفتـرة الراهنة التي يبدو فيها أنها هذه الكلمات تميلُ نحو الامِّحَاء الكلي. أيُّ رِهَانٍ يمكن أن تنطوي عليه؟
5 – اشتغال الأسطورة في التاريـخ
بالنظر إلى الأمرين التاليين:
– كوننا نَتَمَوْضَعُ خارج كل انشغال فِقْهِيٍّ تجاه هذه الآيات التي وإن لم يكن مؤكدا أنها قد قيلت، فهي في كل الأحوال كُتِبَتْ ونُقِلَتْ؛
– كوننا في نهايةِ سلسلةِ إيصال طويلةٍ أحيانا «رغما عنها» (بصيغة النفي أو الإنكار) نَرَى هذه الكلمات تولِّدُ قلقا وعنفا في عالمنا المعاصر؛
أليس من الهام التساؤل عن معناها، أي عن الدلالات التي يمكنها أن تكون مُحَمَّلَةً بها فيما وراء معانيها الشائعة؟ لقد نبَّهَنَا فرويد منذ وقتٍ طويل إلى أنَّ الكلمات تكونُ مُحَمَّلَة بدلالاتٍ متعددةٍ، وأنَّ أهمَّ هذه الدلالات وأعمقَها يكون في الغالب مخبوءا بفعل عرضه في المعنى اللفظي أو الحرفـي.
مـن المؤنـث إلى الـمذكـر
أول ما يظهر عند قراءة هاتين الآيتين هو أن المسألة، مسألة التوحيد وتعدد الآلهة، سلكتْ سبيل التواء الكلمات لتأخذ شكل التقابل مذكر – مؤنث. وفي هذا الصدد يكفي التذكير بتتابع آيات سورة النجم:
«أفرأيتم اللات والعزى (19)
19. Avez – vous considéré al-Lât et al-Ozzâ
ومناة الثالثة الأخرى (20)
20. et Manât, cette troisième autre?
[تلك الغرانيق العلــى (20)
20bis. Ce sont les Sublimes Déesses
وإن شفاعتهن لترتجى (20)]
20 ter. et leur intercession est certes souhaitée
ألكم الذكر وله الأنثى (21)
21. Avez-vous le Mâle et, lui, la Femelle!
تلك إذاً قسمـةٌ ضيـزى (22)
22. Cela, alors, serait un partage inique!
أم للإنسان ما تمنى (24)
24. L’Homme a-t- il ce qu’il désire?»
سواء أتم الإبقاء على الآيتين المنسوختين (كما هو الشأن هنا بالحروف المائلة) أم تم حذفها، فالتركيز قائم على التقابل بين المذكر والمؤنث. والمفردات العربية واضحة: يتعلق الأمر بـالذكر والأنثى. ووحدانية الله موضوعة في تقابل مع اختلاف الجنسين، كما لو كانت في ترابط مع سُمُوِّ المذكر.
بالإضافة إلى ذلك، فالكلمة العربية شفاعة التي تُرْجِمَتْ إلى الفرنسية بـ«intercession» مشتقة من جذر يعني أساسـا «زوج» (pair)، وهو يقابل «فرد» (impair)، وكان يقال أيضا «ناقة شافع: في بطنها ولَدٌ أو يتبعها وَلَدٌ يشفعها، وقيل: في بطنها ولدٌ يتبعها آخر»[45]. وفكرة «زوج» المعبر عنها آنفا بالمذكر – مؤنث، هي هنا معكوسة في الزوج الذي تشكله الأم وصغيرها.
أما بخصوص هذه الشخصية الإلهة الوسيطة بين الله والمرأة، فإنه ليس بوسعي هنا إلا أن أحيل إلى التحليل الذي قامت به نيكول لورو[46] بشأنها في سياق آخر. وهو تحليل يظهر كيف أنه، وراء شخصية الإلهة الواحدة أو المثلثة (les Parques)، يرتسم جانبيا في الأفق الإغريقي استيهام الإلهة الأم.
لقد حلل فرويد في أحد نصوصه دلالة هذا الثالوث الإلهي، فاستخلص منها:
«يمكن القول إن ما مَعْرُوضٌ هنا هو العلاقات الثلاث الحتمية بين الرجل والمرأة: ها هي الخالقة، الرفيقة، والهدَّامَة. أو ما معروض هنا هو الأشكال الثلاثة التي تظهرُ بها – في مجرى الحياة – صُورَةُ الأمِّ نفسِها: الأم ذاتها، والمحبوبة التي يختارها الرجل على صورة أمه، وأخيرا الأرض – الأم التي تستعيده» [47].
وإذا كان أول اسم من أسماء الآلهة الثلاث يوحي بالأم، والثاني يوحي بالمحبوبة، فإن للإسم الثالث، وهو مناة، صلة واضحة بالموت.
الأمنية والمــوت
تحتل مسألة الأمنية مكانة مركزية في حكاية الآيات الشيطانية. فالرغبة تشكل الموضوع الأساسي للآيتين 51 – 52 من سورة الحج، لكنها حاضرة أيضا في سورة النجم (الآية 24: أم للإنسان ما تمنى؟). وقد رأينا المجهود التأويلي الذي بذله المفسرون لإفراغ كلمة تمنى هذه من معناها، وهو الرغبة، وتحويله إلى معنى القراءة والتلاوة، أي إلى فعل مادي يتيح وضع مسافة بين فعل النبي وإرادته الشخصية.
وفي هذا السياق، تُقَدَّمُ الأمنية حقّاً بمثابة نقطة الضعف لدى النبي محمد، والتي تُمَكِّنُ الشيطانَ منه شأنه في ذلك شأن باقي الأنبياء. والجذر العربي الذي اشتُقَّ منه فعل تمنى، وهو مَنِيَ، يَعْنِي في المقام الأول، حسب لسان العرب[48]، «المنى، القدر» الذي ينضاف إليه «الموت لأنه قدر علينا»[49]. الجذر يتضمن أيضا معنى «المني»، وأخيرا معنى «التمني». وقد ذكرتُ في نهاية الفقرة السابقة أن إسم الإلهة الأخيرة مناة مشتق من هذا الجذر نفسه.
الذاكــرة والنسيـــان
تُضِيفُ إحدى الروايات التي أوردها الطبري للصياغة المعتادة آيةً ثالثةً هي: «مثلهن لا يُنْسَى»[50]. والنسيان هنا بمعنى مَّا هو الموازي لنَسْخِ الآيتين. إنه يُعَارِضُ الذاكرة، يقابل الاستذكار.
بيد أننا نجد أن الجذر العربي الذي يعني الذَّكَر يُفيدُ أيضا معنى ذَاكِرَة (الحج: 22). والمفرداتُ العربية تضَعُ بالتَّوَازِي ذاكرة – نسيان، وذكر – أنثى. فالكلمة التي تدل على femmes (نساء) توجد في نقطةِ تَقَاطُعِ جذرين، أحدهما يفيد معنى النسيان والآخر يدل على تأخُّرِ دم الحيض لدى المرأة الذي يُؤَشِّرُ على الحَبْلِ والولادة[51].
من هذا المنظور، فالمنسيُّ هو مالا يُذْكَرُ، لكنه يُنْقَلُ ويؤَجَّلُ ليُوَلِّدَ آثارا – هناك، في مكان آخر – كما توحي الآيـة القرآنيـة (البقرة: 106): «ما ننسخ من آية أو ننسيها» التي ترجمها بلاشير بـ: «Dès que nous abrogeons une âyâ (verset) ou la faisons oublier» [52]. حسب ما يورد صاحب لسان العرب، فإنَّ بعض المفسرين يُقَدِّمُون قِرَاءَةً أخرى في هذه الآية، وهي: «ما ننسخ من آية أو نَنْسَأهَا، المعنى: ما ننسخ لك من اللوح المحفوظ، أو ننسَأْهَا: نؤخرها ولا نُنْزِلْهَا»[53].
هكذا يتضح أن ما تقدمه لنا هذه النصوص هُوَ تأمُّلٌ عجيبٌ في مسألة اختلاف الجنسين. اختلافٌ موضوعُه الأولُ تسميةُ الآخرِ: والآخرُ هنا هو المرأةُ، هو الشيطان، ومن خلالهما هو الرغبة.
وعلى هذه الأسطر يخيم ظِلُّ الإلهة الأم: فبعد الآيات المنسوخة، احتفظ النص القرآني بصفتي الله المفضلتين، وهما الرحمان والرحيم، اللتين ترجمهما الشوراكي[54] بـ: «le Matriciant, le Matriciel». والمعنى الذي تنقله هذه القصة – عبر الآيات السابقة – في عالمنا الراهن، فيما وراء مرجعياتها الثقافية نفسها، هو أن ما من كائن إلا وهو مزدوج، لكن أليس الوضع الاعتباري لأحد هذين الـمنحدَرَيْنِ هو ألاَّ يظهر، ألاَّ يذكر، أن يُنْسَى، أن يؤجل، أي أن يكون أنثى؟
المصـادر والمراجـــع
أ – العربيـــة:
آل، عبد الله،الجن والشياطين بين العلم والدين، بيروت، منشورات دار الحكمة، 1986
الرازي، فخــر الديـن، من مفاتيح الغيب المشتهر بالتفسير الكبيـر، المطبعة الحسينية المصرية، بدون تاريخ، ج. 6.
القـــرآن الكريـــم
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تفسير الطبري المسمى جامع البيان في تفسير القـرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، 1992، ج. 9 وج. 11.
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، ليدن، 1879-1901 (15 ج).
عبده، الشيخ محمد، مشكلات القرآن الكريم، منشورات دار المكتبة، بيروت، (بدون تاريخ)
عمـاد، عبد الدرويش وعبد الرزاق، الآيات الشيطانية بين القلم والسيـف، لندن، كامل غرافيك، 1989.
ابن كثيــر، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل، السيرة النبوية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (بدون تاريخ)، ج. 1.
ابن كثيــر، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل، تفسير القرآن العظيــم، بيروت، دار المعرفة، 1981، ج.3 وج.4.
ابن منظـور، جمال الدين محمد بن مكرم، لســان العـرب، بيروت، دار صادر، (بدون تاريخ)، الأجزاء: 1، 8، 15.
ابن هشـــام، أبو محمد عبد الملك، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا، ابراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، (بدون تاريخ)، ج. 1.
ب – الأعجميـة:
Blachere, Régis, Le Coran, traduit par Régis Blachere, Paris, G.P. Maisonneuve, 1957.
Chouraqui, André, Le Coran. L’Appel, traduit et présenté par André Chouraqui. Paris, Robert Laffont, 1990.
Freud, Sigmund, «Le thème des trois coffrets», in Essais de psychanalyse appliquée, Paris, Gallimard, coll. Idées, 1933 [1ère éd. 1913], pp. 87-103.
Freud, Sigmund, Totem et Tabou, Payot, 1965 [1è éd. 1912].
Freud, Sigmund, L’homme Moïse et la religion monothéiste, Paris, Gallimard, 1986 [1è éd. 1939].
Gaudefroy-Demombynes, Maurice, Mahomet, Paris, Albin Michel, 1969 [1èr éd. 1957].
Gilliot, Claude, Exégèse, langue et théologie en Islam. L’exégèse coranique de Tbari, Paris, Vrin, 1990.
Grandguillaume, Gilbert, «Un désir de prophète», in Psychanalystes, «L’Islam au singulier», N° 40, octobre 1991, pp. 51-63.
Loraux, Nicole, «Qu’est-ce qu’une déesse?», in Histoire des femmes, dir. Georges Duby et Michelle Perrot, t.I, L’Antiquité, Paris, Plon, 1991, pp. 31-65.
Rodinson, Maxime, Mahomet, Paris, Le Seuil, 1961.
Rushdie, Salman, Les Versets sataniques, Paris, Christian Bougeois éditeur, 1989.
Vacquin, Monette, Frankenstein ou les délires de la raison, Paris, François Bourin, 1989.
Watt, Montgomery, Mahomet, Paris, Payot, 1989 [1è éd. 1958].
الهوامـش:
[1] – الرضة أو الصدمة (trauma): حدث في حياة الشخص يتحدد بشدته وبعجز هذا الشخص عن الاستجابة له بطريقة ملائمة، كما يتحدد بما يحدثه في التنظيم النفسي من اضطرابات وآثار دائمة مولدة للمرض. وتتصف الرضة اقتصاديا بفيض من الإثارات التي تكون مفرطة بالنسبة لطاقة الفرد على الاحتمال وقدرته على التحكم في هذه الإثارات. عن: J. Laplanche et J.-B. Pontalis, Vocabulaire de la psychanalyse, Paris, PUF., 1967, p. 499.، وبالنسبة للترجمة العربية، انظر: جان لابلانش وج. ب. بونتاليس، معجم مصطلحات التحليل النفسي، ترجمة د. مصطفى حجازي، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والتوزيع والنشر، 1987، ط. 2، ص. 300. (م).
[2] – Totem et tabou, Payot, 1912.
وقد ترجمه إلى العربية جورج طرابيشي تحت عنوان: الطوطـم والحرام، بيروت، دار الطليعة، الطبعة الأولى 1983. (م).
[3] – L’homme Moïse et la religion monothéiste, Gallimard, 1939.
عرَّبَه جورج طرابيشي تحت عنوان: موسـى والتوحيد، بيروت، دار الطليعة، الطبعة الأولى 1973. (م).
[4] – Monette Vaquin, Frankenstein ou les délires de la raison, François Bourin, 1989.
[5] – Salman Rushdie, Les Versets sataniques, Christian. Bourgois éditeur, 1989.
[6] – Montgomery Watt, Mahomet, Paris, Payot, 1958.
[7] – Maurice Gaudefroy-demombynes, Mahomet, Paris, Albin Michel, 1957.
[8] – Maxime Rodinson, Mahomet, Paris, Le Seuil, 1961.
[9] – مَيَّزْنَاهُمَا في المقطع الموالي بوضعهما بين معقوفين وكتابتهما بخط أسود مائل. (م).
[10] – أثناء تحرير الدراسة الحالية، لم يكن المؤلف على عِلْمٍ بأن نصَّ سيرة ابن إسحاق المذكور قد تَمَّ العثور عليه وتحقيقه ونشره تحت عنوان: محمد ابن إسحاق بن يسار، سيرة ابن إسحاق المسماة بكتاب المبتدأ والمبعث والمغازي، تحقيق وتعليق محمد حميد الله، تقديم الأستاذ محمد الفاسي، الرباط، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، 1976.(م).
[11] – ابن هشـام، السيرة النبوية، بيروت، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، دار إحياء التراث العربي، (د. ت)، ج. 1، ص. 4.
[12] – Gilliot Claude, Exégèse, langue et théologie en Islam. L’exégèse coranique de Tbari, Vrin, 1990.
[13] – الطبـري، تاريخ الـرسل والملوك، ج. 1، ص. 118.
[14] – المصدر السابـق، الصفحة نفسها.
[15] – المصدر السـابـق، ص. 1191.
[16] – المصـدر الســابق، ص. 1191-1192.
[17] – نفســه، ص. 1192.
[18] – نفســـه، ص. 1192-1193.
[19] – نفســـه، ص. 1193.
[20] – المصدر السابـق، الصفحة نفسها.
[21] – نفســـه، ص. 1193-1194.
[22] – نفســـه، ص. 1194.
[23] – نفســـه، ص. 1195.
[24] – Blachere, Le Coran, traduit par Régis Blachère, p. 364.
[25] – ولتمكين القارىء من الوقوف على الاختلافات الدقيقة بين الروايتين ارتأينا إدراج هذه الرواية ضمن المقطع الحالي:
«جلس رسول الله e في ناد من أندية قريش كثير أهله، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه: “والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى”[النجم: 1 – 2]، فقرأها رسول الله e حتى إذا بلغ “أفرايتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى” [النجم: 19 – 20]، ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لتترجى، فتكلم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلها، فسجد في آخر السورة، وسجد القوم جميعا معه، ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته، فسجد عليها، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود، فَرَضَوْا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، وهو الذي يخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيبا، فنحن معك. قالا: فلما أمسى أتاه جبرائيل عليهما السلام، فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول اللهe: افتَرَيتُ على الله وقلتُ على الله ما لم يقُل، فأوحى الله إليه )وإن كادوا لَيفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتريَ علينا غيرَهُ( [الإسراء: 73]… إلى قوله (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) [الإسراء: 75]، فما زال مغموما مهموما حتى نزل عليه: “وما أنزلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يُحكِمُ الله آياته والله عليم حكيم”[الحج: 52]» (الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج. 9: 174 – 175). (م).
[26] – تيسيرا لإدراك الفروق الطفيفة بين الروايتين، ارأتينا إيراد نص رواية التفسير:
«حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن إسحاق، عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القرظي قال: ”لما رأى رسول الله e تولِّي قومه عنه، وشقَّ عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم من عند الله، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه، وكان يسرُّه، مع حبه وحرصه عليهم، أن يلين له ما غلظ عليه من أمرهم، حين حدَّث بذلك نفسه، وتمنى وأحبه، فأنزل الله: (والنجم إذا هوى ما ضلَّ صاحبكم وما غَوَى) [النجم: 19-20] ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يحدث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه: تلك الغرانيق العُلَى، وإن شفاعَتهنَّ تُرْتَضى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرَّهُم، وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه على خطأ ولا وَهَم ولا زلل، فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيهم، تصديقا لما جاء به، واتباعا لأمره، وسجد في المسجد من المشركين، من قريش وغيرهم، لما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة، فإنه كان شيخا كبيرا فلم يستطع، فأخذ بيده حفنة من البطحاء، فسجد عليها، ثم تفرق الناس من المسجد، وخرجت قريش وقد سرَّهم ما سمعوا من ذكر آلهتمهم، يقولون: قد ذكرنا محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقد زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن ترتضى، وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله e، وقيل: أسلمت قريش، فنهضت منهم رجال، وتخلف آخرون، وأتى جبريل النبيَّ e، فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوتَ على الناس ما لم آتك به عن الله، وقلتَ ما لم يُقَلْ لك، فحزن رسول الله e عند ذلك، وخاف خوفا كبيرا، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه «وكان به رحيما» يعزيه ويخفض عليه الأمر، ويخبره أنه لم يكن قبله رسول ولا نبي تمنى كما تمنى، ولا أحب كما أحب، إلا والشيطان قد ألقى في أمنيته، كما ألقى على لسانهe، فنسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم آياته، أي فأنت كبعض الأنبياء والرسل، فأنزل الله (وما أنزلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)… الآية، فأذهب الله عن نبيه الحزن، وأمنه من الذي كان يخاف، ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم، أنها الغرانيق العُلَى، وأن شفاعتهن ترتضى، يقول الله حين ذكر اللات والعُزَى ومناة الثالثة الأخرى، إلى قوله (وكم من مَلَكٍ في السموت لا تُغْنِي شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) [النجـم: 26]، أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده، فلما جاء من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقى على لسان نبيه، قالت قريش: ندم محمد على ما كان من منزلة آلهتكم عند الله، فغير ذلك وجاء بغيره، وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسوله قد وقعا في فم كل مشرك، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه». (الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج. 9، ص.175 – 176). (م).
[27] – المصـدر السـابق، ج. 9، ص. 177.
[28] – نفســـه، الصفحة ذاتهـــا.
[29] – اللســـان، ج. 15، ص. 294 – 295.
[30] – المصدر السابـق، ص. 294.
[31] – فخـر الديـن الرازي، مفاتيح الغيـب، ج. 17، ص. 572.
[32] – ابن كثيـر، تفسير القــرآن العظيـم، ج. 3، ص. 230.
[33] – ابن كثيـر، السيـرة النبوية، ج. 2، ص. 56.
[34] – محمد عبده، مشكلات القرآن الكريم، صص. 57-100.
[35] – المرجـع السـابق، ص. 75.
[36] – نفسـه، ص. 75-76.
[37] – نفســه، ص. 80.
[38] – نفســه، ص. 98-99.
[39] – نفســه، ص. 99.
[40] – رياض العبد الله، الجن بين العلم والديـن، ص. 140-141.
[41] – همزات شيطانيـة، ص. 49.
[42] – المرجـع السابق، ص. 52.
[43] – السـابـق، الصفحة نفسها.
[44] – الآيات الشيطانية بين القلم والسيـف، ص. 188.
[45] – لسـان العرب، ج. 8، ص. 183.
[46] – Nicole Loraux, «Qu’est-ce qu’une déesse?», p. 54.
[47] – Sigmund Freud, «Le thème des trois coffrets», p. 102-103.
[48] – ج. 15، ص. 292.
[49] – نفســـه، الصفحة ذاتها.
[50] – الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج. 9، ص. 176.
[51] – Gilbert, Granguillaume, «Un désir de prophète», p. 56.
وقد ترجمنا هذه الدراسة ضمن الكتاب الحالي تحت عنوان: «أمنية النبي». (م).
[52] – Blachere, Le Coran, traduit par Régis Blachere, p. 43.
[53] – اللســـان، ج. 1، ص. 167.
[54] – Chouraqui, Le Coran. L’Appel, traduit et présenté par André Chouraqui, p. 27.
الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 12-09-2012 03:56 مساء