Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114

Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
لغة العلاج والنسيان: 01 – تقديم المؤلف للترجمة العربية – محمد أسليـم

لغة العلاج والنسيان: 01 – تقديم المؤلف للترجمة العربية

715 مشاهدة
لغة العلاج والنسيان: 01 – تقديم المؤلف للترجمة العربية

يتمحور الانشغال الأساسي في هذه النصوص حول البحث، داخل الثقافة العربية، عن الجذور التي انطلاقا منها يغدو بالإمكان إجراء نشرٍ جديد لحيوية هذه الثقافة. وبكلمة واحدة، يتمثل هذا الانشغال في جعل ثقافة الأجيال الراهنة – المنخرطة في النزعة العالمية – لا تبدو لهم مجرد «إرثٍ ينتمي إلى الماضي»، وإنما تبدو لهم أصلاً بالمعنى الممتلء للكلمة. والأصلُ هو الفكرة التي يُكَوِّنها المرءُ حاليا عن هويته.

ويتعينُ على الحكاية التي تُنسَجُ عن الهوية في كل عصرٍ أن تُطَوِّرَ دَاخِلَ المحور الأولي العناصرَ التي تساعد على حياة الحاضر، أي على اختيار القدرات أو الإمكانيات التي يتضمنها هذا الحاضر، والتي ظلَّتْ مُهْمَلَة إما لأن الحاجة إليها لم تكن قائمة، أو لأنهُ لم يكُنْ يعرَف فهمها والإنصاتُ إليها. وكما هو الأمر في كل عصر، فالقضايا الكبرى في الساعة الحالية هي الموت، والأصل، واختلاف الجنسين. وقناعتي في هذا الباب هي أن المصادر العربية قد طرحت هذه الأسئلة وعبَّرَتْ عنها، شأنها في ذلك شأن جميع أساطيـر الأصول.

في الصفحات التالية، سيتمَحْورُ التأمل في مصدَرَيْنِ: الأول ألف ليلة وليلة، والثاني مَا أمدَّنَا بِهِ التَّقْلِيدُ العربيُّ بخصوص مسألةٍ أعادَتْهَا الرَّاهِنِيَّةُ الحديثة إلى الواجهة، ونعني بها قضية ما يسمى بـ«الآيات الشيطانية».
السؤال المطروح في ألف ليلة وليلة هو سؤال النقل أو الإيصال. يجد مجتمَعٌ نفسَهُ فجأة مهدَّداً في وُجُودِه بسبب الجنُون الذي أصابَ مَلِكَه، وبكلمةِ امرأةٍ سيتجدَّدُ هذا الإيصال: ستتوقفُ تصفية النساء والأبناء، وستحظى المرأة بالاعتراف باعتبارها آخرَ الرَّجُلِ، وسيقبل الآباء أن يخلفهم أبناؤهم. ومع أن نصَّ ألف ليلة وليلة لم يُنْظَر إليه لوقت طويل سوى بوصفه حكايات مغرقة في الخيال أو أحاديث خليعة، فإن ما يبدو في النص نفسه هو إشارة بكاملها لِتَكَوُّنِ الكلمة البشرية، ولطبيعتها المؤسِّسَة للمجتمعات. بتناول ألف ليلة وليلة من هذا الجانب، فإنها تضيءُ المسألة التي طالما تمَّ طرحها، وهي علاقة التحليل النفسي بالثقافة العربية. إن هذه الأخيرة لا يمكن أن تفهم التحليل النفسي إلا من داخلها هي نفسها، ولا يمكن للمرء أن يستوردَ إلاَّ ما سبَقَ أن ابتكره أو عَرَفَهُ. وتُعَدُّ ألف ليلة وليلة، ونصوص أخرى كثيرة من الثقافة العربية بدون شك، خير دليلٍ على ذلك.
أما في «الآيات الشيطانية» فالمسألة المطروحة أساسا ليست قضية التوحيد أو تعدد الآلهة، وإنما مسألة المرأة والرَّغْبَة. فالمرأة ترمز لرغبة الرَّجُل، إنها آخَـرهُ. لماذا يريد تقْلِيدٌ مَّا أن أن يُبْعِدَها، يجعلَ منها ماردا أو شيطانا؟ ألا يَكْمُنُ هنا عدم فهمٍ عميقٍ للأبعاد الحقيقية للإنسان الذي لا يـتفتَّح ويزدهر إلا إذا حقَّقَ شرط الاندراج في تحديدٍ مزدوجٍ، هو تعاقب الأجيال واختلاف الجنسين؟ وفي هذا يلتقي السؤال الثاني بالأول، وهو سؤال الإيصال. لكنه يضيء أيضا مسألة لغة الاستشراق: وهي لغة اتَّبَعَتْ لوقتٍ طويلٍ جدا المنحدرَ السَّهْلَ لتوجُّهٍ لاهوتي أو أخلاقي، والحال أن واجِبَ هذا الاستشراق كان هو أن يُفَكِّرَ الآخرَ كما هو.
والذين يتعيَّنُ عليهم أن يقوموا بهذا العمل، عمل تفسير الثقافة وإضاءتها، هم أولئك الذين يعيشون داخلها بعمقٍ. والدراسات الحالية لا تريدُ أن تجعل نفسها مكانهم بقدر ما تتوخَّى أن توحي إليهم أنه يمكنهم، من خلال تأمُّلٍ جديدٍ، أن يجنُوا فائدة كبرى من لغتهم، من ثقافتهم. يمكنهم أن يجعلوا منها محرِّكاً يحثُّ شبابا متزايد القلق بشأن أصلِهِ وهُويتِه. أكثر من ذلك يمكنهم أن يجعلُوا هذه الثقافة، بعيدا عن أن تكون هامشية، تُمِدُّ الثقافة الكونية المتَضَمِّنَة لها بعناصرَ تغرف من حكمةٍ قديمة يعادُ استثمارها في حياة الحاضر.
الكلمةُ تعالجُ وتشفي لأنها تجعل النسيانَ ممكنا. لكن لا يمكِنُ نسيان إلا ما كان موضوعا للكلام، أي ما أُضْفِيَ عليه طابع إنساني. وعلى العكس، فإن ما لم يُعْتَرَف به، ما كُبِتَ، يستمرُّ في الاشتغال داخل لا شعور الأفراد والمجتمعات، أي يستمر في عرقلة الإيصال وَحَصْرِه. وما يُنْسَى لا يُلْغَى، بل يُدْرَجُ في تأسيساتِ ما يُشَكِّلُ الحياة. ولذلك كان عنوانُ الكتاب الحالي: «لغة العلاج والنسيان».
باريـس في 24 ماي 1996.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 12-09-2012 04:30 مساء

الاخبار العاجلة