يتعين علي في البداية أن أقول ما أقترح تحليله في الدراسة الحالية. سأقوم أوَّلا بتحديد معنى مصطلحات «الخفيocculte »، و«النزعة الخفية occultisme»، و«الباطنية ésotérisme»، ثم سأنتقل إلى عرض لمحة تاريخية عن الأهمية التي حظي بها الخفي في الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى الثلث الأخير من القرن العشرين. وتعتبر هذه الإطلالة التاريخية ضرورية لفهم التحول الجذري الذي نلاحظه في العالم الغربي، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية. بعد ذلك، سأستعرض العديد من الممارسات، حقولا ونظريات باطنية، كما تنشرها الشبيبة الأمريكية بالخصوص. وتفرض علي حدُود هذا البحث أن أجري اختيارا حصريا في العديد من الأمثلة التي نتوفر عليها، وبالتالي فإني لن آخذ بعين الاعتبار ظواهر مهمة، مثل الطوائف الدينية الجديدة، والجماعات الروحانية، والبحوث في مجال ما وراء علم النفس، وما إلى ذلك. وأضيف أنني سأتطرق للموضوع باعتباري مؤرخا للأديان، بمعنى أني لن أناقش سياقات ظهور الخفي، ولا معناه أو وظائفه النفسية والاجتماعية أو السياسية، تاركا لغيري العناية بهذه الجوانب[1].
في تعريف للخفي يعود إلى عام 1545، ورد في معجم أكسفورد أن «الخفي هو ما لا يفهمه العقل أو يعجز العقل عن فهمه، خارج الفهم العادي أو المعرفة العادية». وبعد مرور حوالي قرن، اتسع معنى المصطلح، فصار يشمل «هذه العلوم المزعومة القديمة وعلوم القرون الوسطى التي يُعتقد أنها تحتوي على معرفة أو تسخِّرُ قوى طبيعية سرية وغامضة» (سحر، خيمياء، علم التنجيم، تيوصوفيا (أو حكمة إلهية)». ويقدِّمُ إدوارد أ. تيرياكيان لكلمة «خفي» تعريفا أشمل ومطابقا لاستعمالها في الوقت الراهن، وذلك في مقال هام له تحت عنوان «نحو علم اجتماع الثقافة الباطنية «Toward the Sociology of Esoteric Culture»، حيث يقول:
«أقصد بالممارسات تقنيات أو إجراءات قصدية، أ) تغرف من قوى طبيعية أو كونية خفية أو سرية لا تتوصل أدوات العلم الحديث إلى قياسها ولا إلى تحديدها؛ وب) تؤدي إلى نتائج تجريبية مرغوبة أو مُثارة، كامتلاك معرفة بالمجرى العادي للأشياء، أو القدرة على تعديل وجهتها إلى وجهة أخرى قد لا تأخذها على نحو آخر… علاوة على ذلك، مادام الشخص الذي يمارس نشاطا خفيا ليس هو أول من يقوم بذلك، والأعمال التي يزاولها تتطلب معارف ومهارات متخصصة، وما دام يتم تعلم هذه الكفايات وتناقلها ومزاولتها في أجواء طقوسية (لكنها ليست متاحة لسائر الناس)، فيمكن القول إن هذه الممارسات تشكل فنا أو علما خفيا»[2].
أما تعريف «الباطنية»، فهو أكثر تعقيدا إلى حد ما، إذ يرى تيرياكيان أنَ «الباطنيات» هي:
«أنساق من المعتقدات الفلسفية الدينية تدعم التقنيات والممارسات الخفية. بعبارة أخرى، تحيل الروحانيات إلى توقعات معرفية أشمل حول طبيعة الكون والواقع، إلى تفكير معرفي ووجودي للحقيقة المطلقة، توقعاتٌ هي أساس المعرفة التي تستند إليها الممارسات الخفية»[3].
غير أنَّ أشهر ممثل معاصر للنزعة الخفية، وهو رونيه ݣينون، ينتفض بقوة ضد ما يسمى بالممارسات الخفية. وسيُساعدنا التمييزُ بين الباطنية والنزعة الخفية (أو الغيبية) الذي يؤدي إلى نتائج وخيمة، كما سنرى، إلى فهم أدوراهما المتوازية في عالم اليوم.
كما هو معروف، فالنظريات والتقنيات التي تُدرَجُ تحت مصطلحي النزعة الخفية والباطنية كانت منتشرة بالفعل منذ حوالي نهاية العصور القديمة. وبعضها – كالسحر، وعلم التنجيم، والتعاويذ والطَّلاسم وتسخير الأرواح، والعِرافة – قد سبق ابتكارها والتنظير لها قبل حوالي ألفي عام في مصر ووادي الرافدين. ولا داعي لإضافة أن أغلب تلك الممارسات لم يختفي نهائيا في العصر الوسيط، بل لقد منحته النهضة الإيطالية حُظوة وانتشارا محترمين جدا. وسأرجع فيما بعد إلى هذه النقطة لأنها تسلط الضوء على موضوعنا بكيفية غير مباشرة، على الأقل، وغير متوقعة.
كتاب القرن التاسع عشر الفرنسيون واهتمامهم بالنزعة الخفية
أطلق عملية الترويج للنزعة الخفية منظمُ حلقة دراسية فرنسية اسمه ألفونس-لويس كونستان المولود عام 1810، والمعروف بالاسم المستعار إليفاس ليـﭭـي [4]. علاوة على ذلك، فقد كان اصطلاح «النزعة الخفية» الذي وضعه هذا الراهب الفاشل قد اسُتعمل للمرة الأولى في الإنجليزية عام 1881 من لدن المتصوف أ.د. سينيت. وكان ليـﭭـي في مقتبل العمر عندما قرأ القبَّالا الدونوداتا Kabbala Denudata لكريستيان روزنروث، وأعمال جاكوب بوهيم، وسويدنروث، ولويس كلود دُ سان-مارتان («الفيلسوف المجهول») وأعمال متصوفة آخرين من القرن الثالث عشر. وقد عرف كتاباه تاريخ السحر (1859) ومفتاح الأسرار الكبرى (1861) نجاحا غير مفهوم اليوم لأنهما يشكلان خليطا متنافرا وطموحا. تلقى «رئيس الدير» تكوينه في العديد من الطوائف السرية – الروز كروا، والماسونية الفرنسية، وما إلى ذلك – في فرنسا وإنجلترا على السواء. كما عرف بولور-ليتون Blwer-Lytton مؤلف الرواية الخفية زانومي Zanumi وترك بعض الانطباع في الآنسة بالافاتسي مؤسسة جمعية الحكمة الإلهية.
وقد كان معتنقو النزعة الخفية الجدد الفرنسيون من الجيل الموالي كثيرين، أمثال إيليفاس ليـﭭـي المتوفى سنة 1875. وأجدر تلامذته بالذكر هو الدكتور أنكوس المولود عام 1865، وكان يكتب بالاسم المستعار پاپوس[5]. وقد كان يقول إنه تلقى تكوينه في الطقوس الإعدادية التي كان يُجريها دون مارتيني دُ پاسكوالِّي (1743-1773)، وهو شخصية مُحيِّرة أسس نظاما خفيا جديدا يحمل اسما منمقا ومتضخما هو «الماسونية الفرنسية للفرسان الماسونيين منتخبي كوهن الكون[6]». وكان پاپوس يزعم أيضا أنه كان «التلميذ الحق» لسان مارتان، وهو الفيلسوف المجهول[7]. لا أستطيع هنا أن أحلل الأطروحة المركزية لمارتينيس، ويكفي القول إنه كان يرى أن هدف التأهيل[8] هو إعادة «الامتيازات الآدمية» التي فقدها الإنسان، بتعبير آخر: العودة إلى الحالة الأولى «للبشر المخلوقين على صورة الله». كانت هذه الأفكار مشتركة بين الفيلسوف المجهول وأغلب معتنقي مذهب الحكمة الإلهية المسيحيين في القرن الثامن عشر. وفي واقع الأمر، كان كل هؤلاء المؤلفين يرون أنه يمكن الرجوع إلى الوضعية الأصلية، وضعية ما قبل السقوط، بنهج سبُل «الكمال الروحي»، وتسخير الأرواح (استحضار الأرواح السماوية) أو بعمليات خيميائية. وقد كانت كل الجمعيات السرية العديدة، طوائف صوفية ومآوٍ لماسونية القرن الثامن عشر، تواصلُ إحياءَ عودة الإنسان إلى وضعية ما قبل السقوط. وكانت رموزها الأساسية هي هيكل سليمان الذي يجب إعادة تشييده رمزيا، ونظام الهياكل الذي يجب إعادة بنائه جزئيا على الأقل؛ والكأس المقدسة التي كانت أسطورتها ومعناها الخفي يحضران افتراضا في عمليات الخيمياء الروحية.
وقد كان پاپوس يؤكد أنه يسير على نهج هذا التقليد الخفي كله، كما أنشأ (أو «أعاد بناء»، على حد تعبيره) النظام المارتيني الذي كان يتعين على أعضائه أن يتلقوا فيه إعدادا، تحت عنايته، في المذهب السري للويس-كلود دُ سان مارتن. ورغم أنَّ هذا النظام كان، حسب الخبراء، يكاد يعكس حصريا آراء پاپوس الشخصية، فإنه أحرز في بداياته على نجاح كبير. وقد ضمَّ «مجلسه الأعلى» الأول بين أعضائه عددا من مشاهير الكتَّاب، أمثال موريس باريس M. Barrès، وپول آدم P. Adam، وجوزيف پيلادانJ. Péladan ، وستانيسلاس دُ ݣايتا S. de Guaita، وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه، شارك پاپوس في تأسيس جماعات خفية أخرى، مثل كنيسة الحكمة الإلهية الكونية ونظام الصليب الوردي Rose-Lacroix القبَّالي.
وما هو مهم في الاهتمام بالخفي في نهاية هذا القرن هو الدور الذي لعبه الكتاب الفرنسيون في ذلك، حتىَّ إنَّ مُتشككا، مثل أناتول فرانس A. France، كتبَ في مقال له صدر في عام 1890:
«ثم صار من الضروري امتلاك معرفة معينة بالعلوم الخفية لفهم عدد كبير من الأعمال الأدبية التي تعود إلى ذلك الوقت. يحتل السحر مكانة هامة في مخيلة شعرائنا وروائيينا. فدوخة اللامرئي تأسرهم، وفكرة المجهول تسكنهم وكذلك أزمنة أوبوليوس[9] وفليݣون دُ تراليس[10]Phlégon de Tralles »[11].
كان أناتول دُ فرانس على صواب. فإحدى الروايات الأكثر شعبية في ذلك الوقت، وعنوانها هناك Là-bas، لمؤلفها جوريس-كارل هويسمان J.-K. Husmans الذي استوحاها من أحد معاصريه من أتباع السحر الأسود، وهو راهب مفصول اسمه الأب بولاَّن Boullan، كما استوحاها من المنافسة التي قامت بين سَحَرة ووضعته في مواجهة ساحر آخر هو الكاتب ستانيسلاس دُ ݣايتا. علاوة على ذلك، فقد كان هويسمان ومعتادون آخرون على الجماعات الخفية مقتنعين بأن بولاّن المتوفى في عام 1893 قد لقي حتفه بسبب الأعمال السحرية الشريرة لݣايتا[12]. وتجدر الإشارة أيضا إلى أنّ كتابا إنجليزيين قد دخلوا في نفس الحقبة تقريبا إلى عالم الممارسات الخفية، ساعين بحماس إلى تعلم أسرار الجمعيات السرية. ولنتذكر أنَّ جماعة نظام الفجر الذهبي Order of the Golden Dawn كانت تضم بين أعضائها ويليام بولتر ياتس W. B. Yeats، وس.ل. ماتيوس وأليستر كراولي[13] S. L. Mathews et A. Crowley.
لن أتناول تاريخ هذه الحركات الخفية الحديث وأصل الجمعية التيوصوفية (أو جمعية الحكمة الإلهية) للسيدة بلاﭬـاتسكي، ولا جمعيات أخرى موازية، مثل الجمعية التجسيمية لرودولف ستاينر R. Steiner. ومع ذلك، لابد من إبداء ملاحظتين:
1) إن النقد الأكثر استقصاء وتوغلا في هذه الجماعات المسماة خفية لم يأت من ملاحظ عقلاني «خارجي»، من منظور تشككي أو وضعي، بل من مؤلِّف ما يُسمى بـ «الحكمة الإلهية القديمة»، على حد تعبير كاتبه، رونيه ݣينون، وهو صاحب فكر عالم ودقيق، ومؤهل كما ينبغي في العديد من النظم السرية وعلى دراية تامة بمذاهبها؛
2) لم تثر الحركات الخفية اهتمام مؤرخي الأفكار في تلك المرحلة إلا استثناء – من بودلير وﭬيرلين Verlaine ورامبو إلى أندريه بروتون وإلى مؤلفين ما بعد سوريايين أمثال رونيه دومال R. Dumal.
سأعود لاحقا إلى رونيه ݣينون ونقده الجذري للحركات الخفية والروحية الزائفة للقرن التاسع عشر. لنتطرق الآن إلى تأثير تلك الحركات في الكتاب الأوروبيين وعلى الخصوص إلى دلالة العناية التي أولاها هؤلاء للنزعة الغيبية.
منذ قرن التنوير والحقبة ما قبل الرومانسية ورومانسية الجزء الأول من القرن التاسع عشر استثمر عدد من المؤلفين الألمان والفرنسيين بحُرِّية مصادر النزعة الخفية والحكمة الإلهية. وبتذوق من الجمهور، وبدعم ممتاز منه في أغلب الأحيان، صدرت العديد من الروايات والقصص بين 1740 و1840 من توقيع غوته (Wilhelm Meisters Wanderjahre)، وشيلر (Der Geisterseher, 1787)، وجان پول (Die unichtbare Loge, 1793)، وأشيم ﭬون أرنيم (Der Kronenwachter, 1817)، ونوﭬـاليس (Die Lehrlinge von Sais, 1797-1834)، وزاشارياس ويرنر (Die Sohne des Thales, 1803)، وشارل نوديير (Trilby, 1822; Jean Sbogar, 1818; etc)، وبلزاك (Stéraphita, 1834)، وآخرين غيرهم. في الحقيقة، هذا ليس اختزال لجميع هذه الأعمال في قاسم مشترك؛ ومع ذلك يمكن التأكيد على أن إيديولوجياتها ومواضيعها الجماعيين يعكسان أمل تجديد قدرات الإنسان وكرامته الأصليتين. وإجمالا، فقد عكست هذه الأعمال الأدبية ومدَّدتْ تصورات الحكمة الإلهية ومصادرها في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين.
هناك وجهة مختلفة تماما جلية عند مؤلفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر الفرنسيين الذين فتنتهم الميثولوجيات والممارسات التي نشرها إيليفاس ليـﭭـي، وپاپوس وستانيسلاس دُ ݣايتا. فمن بودلير وﭬـرلين، من لوتريامون إلى رامبو إلى معاصرينا أندريه بروتون وأتباعه، استعمل عدد كبير من الفنانين النزعة الخفية سلاحا قويا في تمردهم على المجتمع والإيديولوجيا البورجوازية[14]. فهم نبذوا الدين وأعراف عصرهم الاجتماعية وأخلاقه. وبعضهم لم يكن مناهضا لرجال الدين فحسب، مثل أغلب الأنجلتسيا الفرنسية، بل وكذلك معاديا للمسيحية؛ إذ رفضوا جميع القيم اليهودية المسيحية والأفكار اليونانية وأفكار عصر النهضة، واهتموا بطوائف الحكمة الإلهية الغنوصية وجمعيات سرية أخرى ليس فقط لما تتضمنه من معارف خفية، بل وكذلك لأنَّ الكنيسة كانت قد استهدفتها بالعقاب والتعذيب. لقد كانوا فنانين، فبحثوا في التقاليد الخفية عن عناصر ما قبل يهودية وما قبل مسيحية وما قبل كلاسيكية (ما قبل يونانية)، أي عن مناهج للإبداع وعن قيم روحية مصرية، وفارسية، وهندية وصينية، فغرفوا مُثلهم الجمالية من الفنون السحيقة جدا، من الإلهام الجمالي لأزمنة «البدايات». يرى ستيـﭭـان مالارميه أنَّ الشاعر الحديث يجب عليه أن يعود إلى ما قبل هوميروس لأن انحطاط الشعر الأوروبي بدأ معه، وعن سؤال: «أي شعر كان يوجد قبل هوميروس؟» أجاب: أشعار الـﭭـيدا الهندية[15]!
أما كتاب طليعة القرن الماضي وفنانوها، فمضوا بعيدا باحثين عن مصادر جديدة للإلهام في الفنون التشكيلية والأقنعة والتماثيل الإفريقية ونظيرتها في الشرق الأقصى. وهكذا، فقد أعلن أندريه بروتون بسورياليته عن موت التقليد الجمالي الغربي بأكمله، وطلب إلهامه الشعري من مختلف حالات اللاشعور، بل وحتى من الخيمياء وعبادة الشيطان. وتعلم رونيه دومال السنسكريتية وأعاد اكتشاف الجماليات الهندية؛ فوق ذلك، فقد كان مقتنعا بأنه قد استعاد بفضل ݣوديجييف المعلم القوقازي الغامض تقليدا تعليميا طاله النسيان منذ وقت طويل في الغرب[16]. وإجمالا، فمن بودلير إلى بروتون، كانت المشاركة في الخفي بالنسبة للطليعة الأدبية الفرنسية أحد الوسائل الفعالة جدا – لأنه يُفتَرَضُ أنها تستند إلى وقائع تاريخية – لنقد القيم الدينية والثقافية الغربية ونبذها.
وأشدد على هذا الجانب من المسألة لأنه، وكما هو معترف به عامة، فالثورات الفنية (أي تحولات القيم الجمالية) تسبق بجيل أو جيلين التحولات التي تحدُث في قطاعات واسعة من المجتمع. إضافة إلى ذلك، فقد كان اهتمام الكتَّاب بالخفي، في قسم منه على الأقل، معاصرا لأبحاث فرويد حول اللاشعور واكتشاف اللاشعور اللذين ساهما في رأي الكثيرين في تعديل قيم التفكير الأوروبي وأشكاله. فقد أرسى فرويد النظريات المعرفية لمنتجات المتخيل التي ظلت إلى ذلك الوقت تُعتبرُ غير شفافة وخالية من المعنى. وما إن صارت تجليات اللاشعور قابلة للقراءة داخل نسق من المدلولات شبيه بلغة غير منطوقة حتى كشفت لا نهائية الأنماط المتخيلة المنعكسة في الإبداعات الأدبية عن وجود دلالة سرية وعميقة مستقلة تماما عن القيمة الجمالية للأعمال المذكورة.
المذاهب الباطنية والبحوث المعاصرة
بوصولنا إلى الآونة الأخيرة، نفاجأ باختلاف في الحجم: فبينما لم يرافق اهتمامَ كتاب القرن التاسع عشر فضولٌ مماثل لدى مؤرخي الأفكار، نشأ وضعٌ مخالفٌ تماما خلال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية. إذا كان العديد من الكتَّاب لازالوا يواصلون الكتابة في منحى هويسمان وبروتون، فإنَّ المساهمة الحاسمة في فهم النزعة الخفية تنتمي إلى مؤرخي الأفكار. في الواقع، نكاد نقول إنَّ موجة النزعة الخفية الهائلة التي ظهرت حوالي منتصف ستينيات القرن الماضي قد سبقها نشر سلسلة من المؤلفات الأساسية في المذاهب الباطنية والممارسات السرية بين عامي 1940 و1960. ولا ننس أن اثنين من أشهر اكتشافات القرن قد كشفت عن عدد من الوثائق المنحدرة من جماعات سرية أو خفية. وأشير إلى المكتبة الغنوصية لناݣ حمَّادي N. Hammâdi وإلى مخطوطات البحر الميت[17] التي يُحتمل جدا أن تنتمي إلى جماعة إيسِّينية[18]. ومع أن ترجمة هذه الوثائق ونشرها لم يكتملا بعدُ، فإنها سلطت ضوءا هاما على مسألتين ظلتا موضوع خلاف شديد على مدى جيل بكامله.
ولكن، بمعزل عن هذه الاكتشافات الأركيولوجية، أدت البحوث المعاصرة إلى أعمال متميزة من جميع النواحي عدَّلت جذريا فهمنا وتقديرنا للتقليد الروحي للنزعة الخفية. فهناك أوَّلا المونوغرافيات الرائعة التي أنجزها جرشوم ج. شوليم G. G. Sholem حول القبَّالا ونظم الغنوصية اليهودية الصوفية. وقد كشفت سعة اطلاع شوليم ودقته عن عالم مهم وعميق ومتماسك للغاية في النصوص التي كان يتم ازدراؤها عُموما باعتبارها تنتمي إلى السحر والشعوذة. ومن بين الأعمال التي نادرا ما يعرفها القارئ غير المتخصص هناك العديد من المصنفات حول الباطنية الإسماعيلية للتقليد الإسلامي الفارسي، وكذلك ترجمات هذه المصنفات التي أخرجها إلى النور هنري كوربان وتلامذته[19]. ونشير أيضا إلى منشورات روني لوفورستييه R. le Forestier حول الماسونية الفرنسية الخفية للقرن الثامن عشر؛ ومنشورات أليس جولي A. Joly وجيرار ﭬـان ريجنبيك G. van Rijnberk حول مارتيني دُ پاسكوالي M. de Pasqually ومنازل مدينة ليون السرية؛ ومنشورات أنطوان فيـﭭر A. Faivre حول الباطنية في القرن الثامن عشر؛ وما إلى ذلك[20]. كذلك، عرفت الثلاثون سنة الأخيرة إجراء تقييم شامل أكثر صوابا للخيمياءات الصينية والهندية والغربية. وإلى وقت قريب كانت الخيمياء تُعتَبَرُ إما نموذجا أوَّليا للكيمياء، أي تخصصا جنينيا، ساذجا أو ما قبل علمي، أو كومة من الهراءات المشعوذة التافهة ثقافيا. وقد أظهرت أبحاث جوزيف نيدام J. Needham وناتان سيـﭭـين N. Sivin البنية الكلية للخيمياء الصينية، وهي أن هناك علما فريدا، لا يمكن فهمه خارج نظريته في الخلق وافتراضاته الأخلاقية و«الوجودية» ومضمونه المرتبط بعلم الخلاص[21]. ومن خلال دراسة الخيمياء الهندية، أظهرتُ علاقتها العضوية باليوغا والتنتريتية، وبتعبير آخر مع تقنيات نفسية عقلية نوعية[22]. ومما له أهمية أنَّ الخيمياء كانت في الصين ترتبط ارتباطا وثيقا بالممارسات السرية للطاوية، وأنها في الهند كانت تشكل جزءا من اليوغا التنتريتية. أما في الغرب، فقد كانت ترتبط عموما بالغنوصية وبالهرمسية، أي بتقليد «خفي» سري.
وإذ أستأذنُ بالرجوع إلى تجربتي المتواضعة، أضيف أنه في عام 1928، عندما جئت لأدرس اليوغا والتنترا مع س.د. داسغوبتا S.N. Dasgupta في جامعة كَلكتوتا، كانت الكتب الجيدة في الموضوع تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، أما اليوم فقد بلغ عددها خمسين إلى ستين مؤلفا عالي الجودة، العديدُ منها يتضمن منشورات وترجمات لنصوص سنسكريتية وتيبيتية يُفترضُ أنها سرية، تروج فقط بين أعضاء بعض الطوائف. (من الصحيح أنَّ هذه النصوص تظل غير مفهومة ما لم يشرحها شفهيا مُعلم). بالإضافة إلى ذلك، فبينما كان يُنظرُ إلى أغلب نصوص اليوغا والمذاهب التنتريتية باعتبارها خالية كليا من المعنى أو أنها من إنتاج فقراء ظلاميين ومرضى عقليين يزاولون السحر الأسود، أفاضَ البحثُ الغربي والهندي اليومَ في إظهار التماسك النظري لتلك المؤلفات وأهميتها النفسية[23].
مثال آخر: عندما تطرقتُ في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي إلى دراسة المعتقدات والممارسات الشامانية في سيبيريا وآسيا الوسطى، لم يكن في الموضوع سوى مونوغرافيتين كلتاهما باللغة الألمانية، أما اليوم فتوجد بيبليوغرافيا معتبرة في أغلب اللغات الأوروبية[24]. ومنذُ جيل واحدٍ كانت الشامانية تعتبر إما ظاهرة مرضية نفسية أو نشاطا علاجيا بدائيا وأحد أنواع السحر الأسود القديمة؛ بيد أن البحث المعاصر أثبت بطريقة مقنعة تعقيد ودقة وغنى الدلالة الروحية للتهييء (أو الإعداد) والممارسات الشامانية. وهو مكسب هام إذا تذكرنا أنَّ الشامانية تمثل أقدم تقاليد الخفي وأكثرها انتشارا. ولا حاجة لإضافة أن اليوغا والتنتريتية والشامانية غالبا ما تكون في صالح الثقافة المضادة للشبيبة الأمريكية وأنها ليست غريبة عن موضة الخفي الراهنة[25].
لقد كان أحد نتائج البحوث المعاصرة المذهلة اكتشافُ الدور الهام الذي لعبه السحر والنزعة الخفية الهرمسية ليس خلال النهضة، بل وكذلك في انتصار علم الفلك الكوپرنيكي – نظرية مركزية الشمس في النظام الشمسي. ففي كتاب حديث، بعنوان جيودارنو برونو والتقليد الهرمسي Giodano Bruno and the hermetic Tradition، حلل فرانسيس أ. يات F. A. Yates، ببراعةٍ الآثار العميقة للاهتمام الشغوف بالهرمسية في تلك المرحلة. ويكشف ذلك الاهتمام عن حنين إنسان عصر النهضة إلى وحي «بدئي» يوجد فيه موسى وأفلاطون وكذلك السحر والقبالا، وقبل كل شيء ديانات مصر والفرس الغامضة»[26]. كما يَكشف عن استياء عميق تجاه لاهوت القرون الوسطى، وتصوره للإنسان والكون، وعن رد فعل ضد ما يُمكن تسميته بـ «النزعة الإقليمية» لحضارة غربية خالصة، ويكشف أخيرا عن عطش لديانة كونية، عابرة للتاريخ، و«أسطورية».
خلال قرنين تقريبا، شكلت مصرُ والهرمسية، أي السحر والخفي المصريان، هاجس ما لا يُحصى من اللاهوتيين والفلاسفة – مؤمنين ومتشككين وملاحدة سرِّيين crypto-athés.
وإذا كان جيودارنو برونو قد رحب باكتشافات كوپرنيك بحماس، فذلك ليس أساسا لأهميتها العلمية والفلسفية بل لأنه رأى في مركزية الشمس دلالة دينية وسحرية عميقة. فقد تنبأ برونو، أثناء وجوده في إنجلترا، بالعودة الوشيكة لديانة قدماء المصريين الخفية الموصوفة في النص المحكم الشهير أسكليبيوس Asclépios؛ وإذا كان برونو يعتقد أنه سيتغلب على كوپرنيك، فذلك لأن الأخير لم يفهم نظريته إلا باعتباره عالم رياضيات، في حين كان هو، أي برونو، يدعي أنه قادر على أن يقرأ في الرسم التخطيطي الكوپرنيكي للسماء هيروغليفية الأسرار الإلهية[27].
يمكن ذكر أمثلة أخرى، ولكنني سأختتم هذا العرض باستعراض موجز لإعادة التقييم المعاصرة للسحر في أوروبا. قبل أربع سنوات، اعتبر علماء بارزون، مثل جوزيف هانسن J. Hansen وهنري شارل ليا H. Ch. Lea، أن أصول السحر الغربي معروفة بشكل قاطع: إن محاكم التفتيش، وليس السحرة، هي التي ابتكرت السحر. وبعبارة أخرى، فإن القصص عن جمعيات السحرة، والممارسات الشيطانية والتهتك والجرائم، كانت تؤخذ إما باعتبارها خيالات صادرة عن أشخاص عُصابيين، أو بوصفها اعترافات انتزعتها المحاكم من المتهمين، وخاصة عن طريق التعذيب. كان هذا صحيحًا بكل تأكيد أثناء مطاردة الساحرات الغاضبة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر. ولكن نحن نعلم اليوم أن محاكم التفتيش لم تقم سوى بإدراج السحر في الهرطقة، وعلى هذا عمدت إلى إبادة سحرة مزعومين بالتعصب نفسه الذي أبدته تجاه الزنادقة. أن يكون السحر ليس من اختراع محاكم التفتيش، فهذا أمر واضح لأي مؤرخ للأديان مطلع على وثائق من مصادر غير أوروبية، مماثلة لتلك الموجودة في الغرب[28].
ومع ذلك، فمشكلة أصول السحر الغربي لم تحل بعد. في عام 1921، نشرت عالمة المصريات القديمة، مارغريت موراي M. Murray، كتاب عبادة السحر في أوروبا الغربية The Witch Cult in Western Europe، وهو كتاب كان – وما زال – له جمهور كبير جدا، وخاصة بين الشباب. وأطروحته هي: ما كان يسميه مؤلفو رجال الكنيسة سحرا هو، في واقع الأمر، ديانة خصوبة قديمة تعود إلى ما قبل ظهور المسيحية. وقد مضت السيدة موراي بعيدا باستدلالها، فعملت في كتبها اللاحقة على إثبات بقاء هذه الشعيرة الوثنية في العائلة المالكة البريطانية وأعلى مستويات التسلسل الهرمي الكنيسي. من المفهوم أن علماء الآثار والمؤرخين والفلكلوريين قد انتقدوا نظريتها. بالإضافة إلى ذلك، فكل شيء تقريبًا خاطئ في هذه النظرية، باستثناء فرضية واحدة لها وزنها، وهي وجود عبادة خصوبة قبل مسيحية تم اعتبار بقاياها الوثنية في العصور الوسطى سحرا. لم تكن الفكرة جديدة، ولكن أعمال السيدة موراي نشرتها في الجمهور. وأسارع إلى إضافة أنَّ لا الوثائق التي أنتجتها لدعم فرضياتها، ولا طريقتها في التفسير، بالمقنعين. ومع ذلك، يبدو أن البحوث المنجزة مؤخرا تؤكد بعض جوانب أطروحتها. فقد أظهر المؤرخ الإيطالي كارلو جينزبورݣ C. Ginzburg أن عبادة الخصوبة الشعبية التي كانت نشطة في منطقة فريولي Frioul في القرنين السادس عشر والسابع عشر، اضطرت لأن تتغير تدريجياً بسبب محاكم التفتيش، فأصبحت في النهاية شبيهة بفكرة السحر التقليدية[29]. بالإضافة إلى ذلك، فقد كشفت الأبحاث حول الثقافة الشعبية الرومانية مؤخرًا عن بقية وثنية تشير بوضوح إلى وجود شعيرة «للسحر الأبيض» تشبه في بعض النواحي سحر العصور الوسطى في الغرب[30].
والخلاصة أن الأبحاث المعاصرة قد كشفت عن اتساق المعنى الديني والوظيفة الثقافية لعدد كبير من الممارسات والمعتقدات والنظريات الخفية. فهي توجد في العديد من الحضارات، في أوروبا وفي أماكن أخرى، وذلك على جميع مستويات الثقافة، وتتراوح بين الطقوس الشعبية – مثل السحر والشعوذة – والتقنيات السرية الأكثر علما وصقلا، بالإضافة إلى ممارسات الباطنية، مثل الخيمياء، واليوغا، والتانترية، والغنوصية، وهرمسية عصر النهضة، والجمعيات السرية والمحافل الماسونية في عصر الأنوار.
أحدث «انفجار للخفي»
من الصعب تحديد العلاقة بين نتائج هذه الأبحاث وبين «انفجار الخفي» في سنوات السبعينيات. ربما كانت محافل ما يسمى بـ «السحر الأبيض» التي تزدهر حاليا في إنجلترا تعكس تأثير نظريات السيدة موراي. لا يبدو أن هناك علاقة السبب والنتيجة في البحث العلمي، المتواضع جدا، في تاريخ علم التنجيم والشعبية الكبيرة التي يتمتع بها هذا الخفي القديم جدا. حتى لو كان لدينا الوقت، فإننا لن نتمكن من رسم صورة شاملة للتهافت الحالي على التنجيم سواء في أمريكا أو أوروبا. يكفي أن نقول إن خمسة ملايين أميركي، على الأقل، ينظمون حياتهم وفقا للتنبؤات الفلكية وأنَّ من 12000 إلى 17050 صحيفة يومية تنشر عمودا للأبراج.
هناك ما يكفي لاشتغال عشرة آلاف منجم بدوام كامل ومائة وخمسة وسبعين ألفًا بدوام جزئي. حوالي أربعين مليون أمريكي جعلوا من Zodiac business مقاولة يبلغ حجم مبيعاتها السنوية مائتي مليون دولار. يشيع استخدام العديد من أجهزة الكمبيوتر لسحب الأبراج وتفسيرها. مقابل عشرين دولارًا، يطبع أحد هذه الحواسيب في بضع دقائق طالع برج واحد بعشرة آلاف كلمة. ويشتغل حاسوب آخر 24 ساعة على 24 ليوفر طوالع الأبراج لألفي حرم جامعي في جميع أنحاء البلاد، فيما يُصدر جهاز كمبيوتر آخر، يقع في المحطة المركزية الكبرى Grand Central Station، خمسمائة طالع أبراج يوميًا[31].
مما لا شك فيه أن علم التنجيم – الأمل في معرفة المستقبل – كان دائما رائجا بين الأغنياء والأقوياء: الملوك، والأمراء والباباوات، وما إلى ذلك، وخاصة منذ عصر النهضة الأوروبية. ويمكننا أن نضيف أن الإيمان بأن حركات الكواكب تحدِّدُ مسبقا ما سيجري في المستقبل، يدل في نهاية التحليل على فشل المسيحية. في واقع الأمر، لقد هاجم آباء الكنيسة بعنف القدرية الفلكية التي ميزت القرون الأخيرة من الإمبراطورية الرومانية. كتب تاليان Talien: «نحن فوق القضاء والقدر، فالشمس والقمر هناك من أجلنا![32]» ورغم هذه اللاهوتية للحرية البشرية، فإنَّ علم التنجيم لم يُستأصَل من العالم المسيحي، بيد أنه لم يبلغ في أي وقت من الأوقات المنزلة والحظوة اللتين يتمتع بهما اليوم. يا له من تطور رائع، منذ صدور أول منشور شهري في لندن، في أغسطس 1791، إلى آلاف أوراق الأبراج الصادرة اليوم في العالم الغربي. إن تاريخ المكانة والسمعة المذهلة لعلم التنجيم في المجتمع الحديث أمر رائع للقراءة. والشهرة المذهلة التي حظيت بها إيـﭭـانجلين آدامز[33]، والتي أصبحت بعد وصولها إلى مدينة نيويورك عام 1899 «نوستراداموس[34] الأمريكي المؤنث»، ليست سوى مثال صغير على ذلك. وقد جلبت لها ماري بيكفورد M. Pickford وإنريكو كاروسو E. Caruso كل من كانوا يُعتبرون نجوما في السينما والأوبرا، وتردد أن الممول جي بييربونت مورݣان J. P. Morgan «لم يغامر أبدا بصفقة كبيرة في وول ستريت» دون استشارة إيـﭭـانجلين آدامز. وعلت شهرة منجمين آخرين في ثلاثينيات القرن الماضي، مثل توماس مينيس T. Menes الذي قيل إنه كان صاحب «أكبر عدد من النبوءات المتواصلة التي تحققت[35].» ولم ينل من مكانته كون أغلب نبوءاته كانت غير دقيقة في الواقع. وغني عن التذكير اهتمام هتلر بالتنجيم. يروي HR Trevor-Roper، في كتابه آخر أيام هتلر The Last of Hitler، كيف استشار هتلر وݣوبلس Goebbels مرة أخرى طالعي برجيهما، فقرآ فيهما، في منتصف أبريل 1945، نبوءة تحقيق انتصار عظيم بحلول نهاية الشهر، تعقبه معاهدة سلام في شهر غشت. والحال أن هتلر انتحر في 30 أبريل وألقى الجيش الألماني سلاحه في 7 ماي. وأخيرًا، فلنتذكر العديد من برامج التنجيم التي عُرضت في شاشة التلفزيون رغم التصويت العدائي الصادر في مارس 1952 من قبل الرابطة الوطنية للمذيعين، وكذلك أكثر الكتب مبيعًا ككتاب روث مونتݣمري R. Montgomery، مثل هبة النبوءة A Gift of Prophesy، الذي بيعت منه أكثر من مائتين وستين ألف نسخة مجلدة ومليونين وثمانمائة ألف نسخة في شكل كتاب الجيب.
بماذا يمكن تفسير هذا النجاح الرائع؟ لقد نشر العديد من علماء الاجتماع وعلماء النفس الفرنسيين دراسة يعرضون ويحللون فيها نتائج بحيث ميداني بناء على المعلومات التي جمعتها الـ I.F.O.P[36]. لن ألخص الخصائص الاجتماعية للمولعين بعلم التنجيم، مقسمين حسب الجنس والوظيفة والعمر وحجم التجمعات التي تم فيها المسح الميداني، وفي المقابل سأكتفي بذكر بعض الاستنتاجات. يفسر إدݣار موران، على سبيل المثال، جاذبية علم التنجيم بين الشباب «بأنها ناشئة عن الأزمة الثقافية التي يعرفها المجتمع البرجوازي». كما يظن أن علم التنجيم، في ثقافة الشباب المضادة، هو أيضا جزء من غنوصية (أو معرفة روحية) جديدة تتضمن تصورا ثوريا لعصر جديد، هو عصر الدّلو. هناك حقيقة هامة للغاية هي أن الجزء الأكبر من الاهتمام بعلم التنجيم «لا يوجد بين الفلاحين أو فقراء الأرياف، بل في المراكز الحضرية المكتظة بالسكان وبين العاملين في المكاتب [37].»
لا يصر المؤلفون الفرنسيون على وظيفة علم التنجيم شبه الدينية، ومع ذلك فاكتشاف أن حياتك مرتبطة بظواهر نجمية هو أمر ينجح في إعطاء أهمية جديدة لوجودك، بحيث لم تعد أنت مجرد ذلك الشخص المجهول الذي وصفه هايدجر وسارتر، مجرد غريب أُلقي به في عالم سخيف لا معنى له، محكوم بالحرية، كما قال سارتر، وهي حرية محصورة في وضعك ومشروطة بزمنك التاريخي. فبرجك يمنحك كرامة جديدة، لأنه يٌظهر مدى ارتباطك الوثيق بالكون بأسره. صحيح أن حياتك هي تحديد عظمة لا تضاهى. على الرغم من أنك، في التحليل النهائي، تبقى دمية تحركها خيوطٌ غير مرئية إلا أنك مع ذلك جزء من العالم النجمي. إلى جانب ذلك، فالتحديد الكوني المسبق لوجودك هو لغز، بمعنى أن الكون يتحرك وفقا لخطة محددة سلفا، والحياة البشرية والتاريخ نفسه يتبعان رسما تخطيطيا ويتقدمان تدريجيا نحو الهدف. وغاية هذا الهدف تظل سرية أو تتجاوز الفهم البشري؛ ولكن على الأقل الكون، حيثُ يرى معظم العلماء نتيجة صدفة عمياء، يتلقى في تلك الغاية معنى، والوجود الذي يقول سارتر عنه إنه كثير جدا يجد في ذلك معنى. بل إن هذا البعد شبه الديني لعلم التنجيم يُعتبَر أعلى من الأديان الراسخة، لأنه لا ينطوي على أي صعوبة لاهوتية: وجود إله شخصي أو متعالي عما هو شخصي، لغز الخلق، أصل الشر، وما إلى ذلك. فباتباع تعليمات برجك، تشعرُ بالانسجام مع الكون دون القلق بشأن الجانب الشاق أو المأساوي أو المستعصي من المشاكل. وفي الوقت نفسه، عن وعي أو غير وعي، أنت تعتبر من المفروغ منه أن الدراما الكونية العظيمة التي لا يمكن فهمها تتكشف وأن لديك دورا فيها. لذلك فأنت لست زائدا.
إن هذه التقديرات التي تصل فيها الأنا إلى حالة من الاحترام، تتكثف في معظم الحركات التي تدعي السحر والخفي. لن أخوض في الحديث عن بعض المحافل الشيطانية المبالَغ فيها دعائيا، وهي محافل كنيسة الشيطان في سان فرانسيسكو. وبإمكان القراء المهتمين بهذا النوع من التمرد العدواني ضد التفسير الإيماني (أو التوحيدي) للعالم أن يقرأوا كتابها الكتاب المقدس الشيطاني The Satanic Bible[38]. كما لن أفحص مدارس التنجيم المختلفة، وإن لأسباب مختلفة، كالمدرسة التي أنشأتها غوردجييف Gurdjieff والتي جعل أوسبنسكي Ouspensky ورونيه دومال R. Daumal ولويس پاولس L. Pauwels من أنفسهم مفسريها. وفي تشكيلات أحدث، تعاطت بعض الجماعات الكاليفورنية للسحر، ولكن المعلومات عنها تظل شحيحة ومشكوكا فيها. وتبقى الحقيقة أن «انفجار الغيبية»، كما تُسمَّى، اتخذ أبعادا تجعل من السهل اختيار الأمثلة التي يمكن أن توضح التوجه العام لهذه الطوائف السرية الدينية السحرية الجديدة[39]. وهكذا، فكتاب روبرت إلوود الجماعات الدينية والروحية في أمريكا الحديثة Religious and Spiritual Groups in Modern America يزودنا ببيانات عن طوائف مثل بناة الأديتون[40] وكنيسة النور وكنيسة كل شيء (كنيسة كل العالم The Church of All World) والفيرافيا Feraferia[41]. ونعلم أن بناة طائفة الأديتون، التي أسسها پول فوستر كايز P. F. Case (1884-1954)، يركزون حياتهم الروحية على التقاليد الهرمسية والقبَّالية. «يضيء المعبد بلوحات التاروت[42] الجميلة والمضيئة كل أنحاء الجدران، في حين تعطي أعمدة سليمان البيضاء والسوداء والشجرة القبالية للمذبح مظهر الثراء[43].» لقد زعم إلبرت بنجامين (1882-1951) E. Benjamine مؤسس كنيسة النور (1932) أنه قام في عام 1909 «برحلة غيبية نُصِّبَ خلالها عضوا في مجلس الثلاثة» ليدير أمرا سريا في عالم منفصل. تتمتع كنيسة النور بخمسين درجة من التأهيل «أعلاها درجة الروح (Soul Degree)، وفيها يجب على بالغها أن يثبت أنه قد وصل إلى حالات وعي عليا[44].» أسسَ كنيسة الكل الأكبر، وهي طائفة غير عادية إلى حد ما استنادا إلى معرفتنا الحالية عن السحر والخفي، في عام 1961، طالبان من كلية وستمنستر Westminster (ولاية ميسوري) بعد قراءتهما لـكتاب غريب في أرض غريبة Stranger in a Strange Land بقلم روبرت أ. هاينلين R. A. Heinlein مؤلف الخيال العلمي الشهير. ويخاطب أعضاء هذه الكنيسة بعضهم البعض بعبارة: «أنت الله». كل إنسان هو الله، ومسؤوليات الله تقع على عاتق كل واحد: «أن يكون العالم قد دُمِّر حتى الموت أو أن تكون إلهة كوكبنا الكريمة [أي المحيط الحيوي الأرضي] قد بلغت الوعي الذاتي الكامل، فهذا أمر متروك لنا وحدنا[45].»
وأخيرا، يمكننا أن نذكر طائفة فيرافيريا Feraferia، وهي حركة وثنية جديدة تستقر في باسادينا Pasadena، بولاية كاليفورنيا. إنها بدون شك الأحدث حتى الآن، أنشأها فريدريك م. آدامز F. M. Adams في 2 أغسطس، 1967. تضم فقط اثنين وعشرين من المؤهلين ومائة عضو، وتقيم احتفالات موسمية، وتمارس العُريَ. «ترى الفيرافيريا أن الحياة الدينية يجب أن تكون جزءا من التفاعل الحسي بين الطبيعة والوعي الإيروتيكي للذات[46].» «رمزهم هو الإلهة اليونانية كورين Corén ابنة ديميتر Déméter. يوفر التأهيل الطقوسي التماهي مع الطبيعة ومع كوري العذراء الإلهية، ويسعى المؤهلون جاهدين لاستعادة جنة البستانين الخُضر لعصور العالم المبكرة. وترى الطائفة نفسَها رائدة ثقافة قادمة، تحت أنواع العذراء السحرية، سوف يتم فيها إعادةُ إرساء نموذج الأنوثة الأصلي في قلب الدين، وستكتشف البشرية مجدَّدا معنى الخشوع في علاقتها بالطبيعة والحياة[47].»
أمل التجديد
العديد من هذه الطوائف مقبلة على تحولات جذرية، أو التدهور أو الاختفاء، ومن المحتمل أن تحل محلها طوائف أخرى. وعلى أية حال، فهي تظل ممثلة للثقافة المضادة المعاصرة، وتعبر عن الولع بالخفي بقوة أكبر وأوضح من الطوائف الأقدم منها، ونعني بها المجتمعات الثيوصوفية (أو الحكمة الإلهية) والمجتمعات الأنثروبوصوفية (أو الحكمة الإنسانية) وكلها تعرض عددا من السمات المحددة. أوّلاً، كل هذه الجماعات التأهيلية والسرية تُظهر خيبة أملها تجاه الكنيسة المسيحية، الكاثوليكية والبروتستانتية على حد سواء. وبعبارة أعم، سوف نتحدث عن تمرد ضد جميع الأديان الراسخة في التقاليد الغربية. هذا التمرد الذي يعكس استياء عالميا، لا يؤدي إلى نقد لاهوتي أو فلسفي لعقيدة أو أخرى، لهذه المؤسسة الكنسية أو تلك. وبالمناسبة، فمعظم أعضاء هذه الطوائف الجديدة لا يعرفون شيئا تقريبا عن تراثهم الديني؛ ولكن ما رأوه أو سمعوه أو قرأوه عن المسيحية خيب آمالهم. انتظرت بعض قطاعات الأجيال الشابة أن تتلقى من كنيستها توجيهات روحية أخرى غير الأخلاق الاجتماعية. الكثيرون ممن حاولوا المشاركة بنشاط في حياة كنيستهم كانوا يبحثون فيها عن تجربة مقدسة، ولا سيما عن التنوير حول ما خاب أملهم فيه، وهذا بديهي. في الخمسين عاما الماضية، قررت جميع الطوائف المسيحية أن مهمتها الأكثر إلحاحا يجب أن تكون اجتماعية في المقام الأول. التقليد المسيحي الوحيد في الغرب الذي حافظ على قوة طقوسية مقدسة، وهو الكنيسة الكاثوليكية، يعمل الآن على تبسيطها بقوة. علاوة على ذلك، فإن «الغنوصية (أو المعرفة الروحية)» والتكهنات الغنوصية تعرضت للاضطهاد والإدانة من السلطات الكنسية من البداية؛ أما المتصوفة وتجاربهم، فقد تسامحت معهم الكنائس الغربية بالكاد. يمكن القول إن مسيحية طقوس الشرق هي الوحيدة التي طورت تقليديا شعائريا ثريا وحافظت عليه، وشجعت التأمل الغنوصي والتجربة الصوفية على حد سواء.
أُسارع إلى إضافة أن الاستياء من التقليد المسيحي لا يفسر الاهتمام المتزايد بالخفي الذي أعلن عن نفسه في السبعينيات. في بعض الأحيان، صحيح أن الدعاية الصاخبة حول السحر والغنوصية تنطوي على نية معادية للإكليروسية: يمكن للمرء أن يقرأ في هذه التصريحات المجيدة نوعا من الانتقام للضحايا من الاضطهاد الكنسي. ولكن هذه حالات متفرقة. وهو عموما رفضٌ للتقاليد المسيحية باسم أسلوب يفترض أنه أوسع وأكثر. فهي تعطي وضعا اعتباريا جديدا للمُريد الذي يشعر بطريقة ما بأنه «مختارٌ» من الحشود الغفلة والوحيدة. علاوة على ذلك، في معظم دوائر الخفي، يكون للإعداد وظيفة فوق شخصية، حيث يُتوقع من كل مريد جديد أن يساهم في تجديد العالم.
ويتجلى هذا الأمل في الجهود الرامية إلى إعادة اكتشاف قدسية الطبيعة. لا ينبغي تفسير الأهمية التي تُعطى لطقوس العري وطقوس الجماع بأنها مجرد نزعة شهوانية. فبفعل الثورة الجنسية لم يعد هذا النوع من الذرائع والتنكر ساريا اليوم. الهدف من طقوس العُري والممارسات التهتكية هو بالأحرى استعادة القيمة المقدَّسَة للجنس. يمكننا الحديث عن الحنين اللاواعي لوجود رائع فردوسي وحر لا توجد فيه موانع ولا محرمات. وتجدر الإشارة إلى أنَّ مفهوم الحرية في معظم الدوائر الخفية هو جزء من نظام ينطوي على أفكار التجديد renovatio الكوني، من العالمية الدينية (وهذا هو، على وجه الخصوص، إعادة اكتشاف التقاليد الشرقية)، التنمية الروحية من خلال التطوير الروحي ومن خلال التأهيل، والتطوير الذي يستمر في الآخرة. وباختصار، فإن كل المجموعات التي تم إنشاؤها مؤخرا تملك، عن وعي أو غير وعي، ما أسميه تقييما متفائلا للوضعية البشرية.
نظرة أخرى على الباطنية: رينيه ݣينون نظرة أخرى على الباطنية: رينيه ݣينون
يمكن انتقاد هذا التفاؤل الساذج من زوايا عديدة، وهو ما تمَّ القيام به. ومع ذلك، فإن الأهم من وجهة نظر عقلانية، مثل تلك التي ترى في إحياء الخفي شكلا من أشكال الدين «الشعبي»، هو الرفض الجذري الذي يعارضها به رينيه ݣينون، وهو الممثل الأكثر تفويضا للباطنية الحديثة. هو من مواليد عام 1886 من عائلة كاثوليكية، وأصبح مهتما بالخفي منذ شبابه؛ ولكن بعد أن تلقى تأهيلا داخل العديد من الجمعيات السرية الباريسية، تخلى عنها ليتبع التقاليد الشرقية. اعتنق الإسلام في عام 1912، وانتقل إلى مصر في عام 1930 وعاش هناك حتى وفاته في عام 1951[48]. ولو كان ݣينون شاهدا على الانفجار الحالي للتنجيم لألف كتابا مدمِّرا بخلاف كتابه التيوصوفيا: قصة ديانة زائفة (1912). في هذا الكتاب العالِم المكتوب ببراعة، كشف ݣينون زيف ما يسمى بالجماعات الخفية والباطنية – من الجمعية الثيوصوفية، من السيدة بالاﭬـاتسكي Balavatsky، إلى پابوس Papus والعديد من المحافل الروحانية الجديدة أو الوردية الزائفة pseudo-rosicruciennes. كان ݣينون يرى نفسَه مؤهلا حقيقيا يتحدث باسم التقليد الباطني الحقيقي، وبالتالي فهو لم يطعن فقط في صحة الخفي الغربي المزعوم في أيامنا هذه، بل تحدى أيضا قدرة الغربيين على الانضمام إلى منظمة باطنية صالحة. بالنسبة له، لم يحافظ سوى فرع واحد من الماسونية على جوانب معينة من النظام التقليدي، دون أن تكون غالبية أعضائه على دراية بهذا التراث. كما ردَّدَ في كتبه ومقالاته العديدة أن التقاليد الخفية الحقيقية لم تزل موجودة إلا في الشرق. علاوة على ذلك، فقد أشار إلى أن أي محاولة لممارسة فنّ الخفي كانت تمثل مجازفة عقلية خطيرة أو حتى جسدية للإنسان المعاصر.
من الواضح أنه من المستحيل تلخيص عقيدة ݣينون هنا[49]. ويكفي في المقام الحالي أن نقول إنه يرفض رفضا قاطعا التفاؤل والأمل في تجديد شخصي أو كوني يبدو أنه يميز نهضة الخفي. وبالفعل، ففي كتابَي الشرق والغرب (1924) وأزمة العالم الحديث (1927)، أعلن ݣينون أن انحطاط العالم الغربي أمر لا مفر منه، وأن هذا الانحطاط يُنذر بنهاية هذه العالم. وبالاستعارة من مصطلحات التقاليد الهندية، يقول إننا نقترب بسرعة من الجملة الأخيرة لكالي-يوݣا[50]، أي من نهاية دورة كونية. ويرى أنه لا يمكن فعل أي شيء لتغيير هذه العملية أو حتى لتأخيرها. لذلك ليس هناك أي أمل في التجديد الكوني أو الاجتماعي. لن تبدأ دورة جديدة إلا بعد التدمير الكامل لهذه الدورة. أما فيما يتعلق بإنشاء اتصال على المستوى الفردي مع أحد المراكز التأهيلية التي لا تزال قائمة في الشرق، فيعتقد ݣينون أنه إذا كانت فرص ذلك موجودة من حيث المبدأ، فإن فرص تحقيقها تتضاءل بشكل كبير.
الأهم من ذلك، وفي تعارض راديكالي مع الأفكار الضمنية للخفي المعاصر، هو إنكاره للوضع المتميز للفرد الإنساني. يؤكد ݣينون حرفيا أن الإنسان:
«لا يمثل في الواقع سوى مظهر مؤقت وعرضي للكائن الحقيقي… وهو ليس «سوى وضع خاص بين عدد غير محدد من الأوضاع الأخرى» لهذا الكائن الحقيقي[51].»
لم يكن ݣينون خلال حياته مؤلفا مقروءا بشكل كبير. كان له معجبون متعصبون ولكن عددهم قليل. ومنذ وفاته فقط، وخاصة في السنوات العشر أو الاثني عشرة الماضية، تم إعادة نشر كتبه وترجمتها، مما ضمن لأفكاره جمهورا أوسع. إنها ظاهرة غريبة نوعا ما، كما قلتُ، يقدم ݣينون نظرة متشائمة للعالم الذي يعلن عن نهايته الوشيكة والكارثية. صحيح أنه في التأكيد المفرط على النهاية الحتمية للدورة التاريخية الحالية، يسعى بعض أتباعه إلى تعميق أفكاره حول دور التقاليد الباطنية في ثقافات معينة[52]. ولنضف أن أغلب أتباعه هم من المتحولين إلى الديانة الإسلامية ويتعاطون لدراسة التقليد الهندي التيبتي.
وهكذا، فنحن شهود على وضعية متناقضة إلى حد ما: من ناحية، انفجار الخفي، هناك نوع من الشبيبة الأمريكية التي تعلن التجديد العظيم بعد عصر الدلو؛ ومن ناحية أخرى، فالباطنية، كما أعاد صياغتها رونيه ݣينون على سبيل المثال لا يزال اكتشافها وقبولها متواضعا ولكنه يزداد تدريجيا، وهي باطنية ترفض الأمل المتفائل بتجديد كوني وتاريخي للعالم الحديث. هذان الاتجاهان متعارضان بشكل جذري. هناك بعض الدلائل على وجود جهد لتخفيف المنظور التشاؤمي للعقيدة الݣينونية، ولكن من السابق لأوانه الحكم على نتائج هذا الجهد.
يجب على مؤرخ الأديان أن يقاوم إغراء التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب، وهو المنحى الذي ستأخذه هاتان الطريقتان المتعارضتان في التعامل مع تقليد النزعة الغيبية. ومع ذلك، يمكننا أن نحاول مقارنة الوضع الحالي بالوضعين اللذين كانا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث – كما رأينا – يُظهر الفنانون والكتاب أيضا اهتماما كبيرا بالخفي. لكن في الوقت الحاضر، أصبح الخيال الفني والأدبي معقدا جدا بحيث لا يسمح بمثل هذه التعميمات. أدب الاستيهام والعجائبي، وخصوصا أدب الخيال العلمي، مطلوبٌ بشدة، ولكننا لا نعرف حتى الآن ما هي علاقته الوثيقة مع التقاليد الخفية المختلفة. في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، توقع الرواجُ الـسِّرِّي الذي حظيت به رواية الرحلة إلى الشرق لهيرمان هيس إحياء نزعة الخفي في نهاية الستينيات. ولكن من سيُفسِّر لنا النجاح المذهل الذي لقيه فيلما طفل الروز ماري[53] Rosemary’s Baby و2001[54]؟ أكتفي من جهتي، بطرح هذا السؤال.
هوامــش:
[1] الأدبيات حول النزعة الخفية وتجديدها متوفرة بكثرة. يمكن استشارة:
Richard Cavendish, The Black Arts (New York, 1967) ; Colin Wilson, The Occult (New York, 1971) ; Edward F. Hennan, éd., Mystery Magic and Miracle : Religion in a Post-Aquarium Age (Englewood Cliffs, N. J., 1973); Richard Woolly, The Occult Revolution: A Christian Meditation (New York, 1973); Martin Marty, «The Occult Establishment», Social Research, 37, 1970, p. 212-230 ; Andrew M. Greely, «Implications for the Sociology of Rligion of Occult Behavior in the Youth Culture», Youth and Society, 2, 1970, p. 131-140 ; Marcello Truzzi, «The Occult Revival as Popular Culture : Some Random Observations on the Old and Nouveau Witch», Sociological Quarterly, 13, winter 1972, p. 16-36 (avec une riche bibl.); Esward A. Tiryakian, «Toward the Sociology, of Esoteric Culture», American Journal of Sociology, 78, nov. 1972, p. 491-512; id., «Esotérisme et exotérisme en sociologie: la sociologie à l’âge du Verseau», Cahiers internationaux de sociologie, 52, 1952, p. 33-51; id., éd., On the Margin of the Visible of the Visible: Sociology, The Esoteric and the Occult (New York, 1974); Robert Galbreath, «The History of Modern Occultism: A Bibliogrpahical Survey», Journal of Popular Culture, 5, winter 1971, p. 726-754, repris dans The Occult: Studies and Evaluation (Bowling Green, Ohio, 1972).
[2] E. A. Tiryakian, «Toward the Sociology», etc., op. cit, p. 498 sq.
[3] نفسه، ص. 499.
[4] حول إليفاس ليـﭭـي Eliphas Lévi، انظر: Richard Cavendish, The Black Arts, op. cit., p. 31 sq
[5] حول پاپوس Papus، انظر: René Guénon, Le Théosophisme, histoire d’une pseudo-religion (Paris, 1921), p. 202 sq.
[6] Voir Gérard van Rijnbrek, Un thaumaturge au XVIIe siècle: Martinés de Pasqually, sa vie, son œuvre, son ordre, 2 vol. (Paris, 1935, 1938).
[7]حول لويس كلود دُ سان مارتان Louis-Clause de Saint-Martin، انظر: Antoine Faivre, l’Esotérisme au XVIIIe siècle (Paris, 1937), p. 188 sq. et bibl., p. 201, n. 125.
[8] التأهيل (initiation): يترجمها البعض بـ «التدرب» أو «المسارَّة» (راجع ترجمة حسن قبيسي لكتاب ك. ليفي ستروس، الإناسة البنيانية، البيضاء – بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 1995، ص. 192 وما بعدها، وكذلك ترجمته لكتاب جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، البيضاء – بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 1996، ص. 374). والكلمة تطلق على «الطقوس والاختبارات الموجهة لإلحاق مرشحين إلى جماعات مغلقة كالجمعيات السرية، والطوائف، وما إلى ذلك. (…). وتشكل هذه الشعائر عموما مناسبات لإقامة حفلات كبرى يشارك فيها جميع أعضاء المجتمع الكبير، لكن يلعب فيها المسارون أو المسارون الجدد دورا أهم…». عن Michel Panoff et Michel Perrin, Dictionnaire de l’ethnologie, Paris, Payot, 1973. (م)
[9] أپوليوس Apulée (125م – 180م): كاتب لاتيني وخطيب أمازيغي نوميدي وفيلسوف وعالم طبيعي وكاتب أخلاقي وروائي ومسرحي وملحمي وشاعر غنائي. تتناول بعض كتاباته المحفوظة الأخرى السحر والخطابة والفلسفة، ويعد كتابه الحمار الذهبي أقدم نص روائي مكتوب في تاريخ الرواية الإنسانية. عن موسوعة ويكيبيديا، النسخة العربية مادة (أبوليوس). (م).
[10] فليݣون دُ تراليس Phlégon de Tralles: مؤرخ عاش في القرن الثاني الميلادي، خلف مجموعة من الكتب أشهرها كتاب «الأولمبياد»، وفيه يسرد أسماء الفائزين في ألعاب الأولمبياد في ذلك الوقت، من الدورة الأولى إلى الدورة 229 (من 776 قبل الميلاد إلى 137 م)، وهو كتاب في 16 مجلدا، لم يصل منها سوى جزئين. كما خلف كتابين آخرين، هما «سجلات طوال العمر»، ويعرض فيه قائمة الأشخاص الذين فاق عمرهم 100 عام، حسب الإحصاء الروماني. و«عجائب. قصص الأشباح». عن موسوعة ويكيبيديا الفرنسية، مادة (Phlégon). (م).
[11] Revue illustrée, 15 févr. 1890, cité par Lucien Meroz, René Guénon ou la sagesse initiatique (Paris, 1962), p. 28.
[12] CF. Richard Cavendish, The Black Arts, op. cit., p. 34 sq.
[13] Ibid., p. 37 sq.; cf. John Symonds, The Great Beast (New York, 1952) ; voir aussi The Confessions of Aleister Crowley: An Autobiography, éd. J. Symonds et K. Grant (New York, 1969).
[14] Cf. E. A. Tiryakian, «Toward the Sociology», etc., op. cit., p. 594 sq.
[15] نصوص الديانة الهندوسية المقدسة، وهي مترجمة إلى اللغة العربية: د. شاكوانتالا راوا ساشتري، باجافاد جيتا – الكتاب الهندي المقدس، ترجمة: رعد عبد الجليل جواد، اللاذقية، دار الحوار للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1993 (146 ص). (م).
[16] Sur René Daumal, voir Jean Bies, Littérature française et pensée hindoue, des origines à 1950 (Paris, 1974), p. 491 sq. et bibl. p. 670 sq.
[17] مترجمة إلى اللغة العربية: ڠيزا ﭬيرم، النصوص اليهودية المسيحية المقدسة. النصوص الكاملة لمخطوطات البحر الميت، ترجمة: سهيا زكار، دمشق، دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع، الطلعة الأولى 2006 (606 ص.). (م)
[18] الإيسنيون esséniens: جماعات غامضة تضاربت حولها الآراء، فقيل: إنها من الفرق الدينية البارزة التي ظهرت في القرن الأول الميلادي، وكانوا يقولون ببقاء النفس بعد فناء الجسد، ونشروا هذا المعتقد، وقيل إنهم كانوا يمارسون طقس الاغتسال مرارا، كما قيل إنَّ جماعة قمران التي عاشت في البحر الميت تطابق أوصاف الإسينيين، كما قيل إنهم حابوا ببطولة في التمرد على روما حتى إن بعض الأبطال ظهروا في صفوفهم. (م)
[19] انظر خصيصا: Henry Corbin, En Islam iranien, 4 vol. (Paris 1971-1972).
[20] Cf. René Le Forestier, La Franc-Maçonnerie templière et occultiste (Paris, 1970); Alice Joly, Un mystique lyonnais et les secrets de la Franc-Maçonnerie (Mâcon, 1938); Gérard van Rinberk, Un thaumaturge, etc., op. cit.; Antoine Faivre, Kirchberger et l’illuminisme eu XVIIIe siècle (La Haye, 1966); id., Eckartshaussen et la théosophie chrétienne (Paris, 1969); id., L’Esotérisme au XVIIIe siècle, op. cit.
[21] Voir Nathan Sivin, Chinese Alchemy: Preliminary Studies (Cambridge, Mass, 1968); cf. M. Eliade. «Alchemy and Science in China», History of Religions, 10, nov. 1970, p. 178-182.
وقد كُتبتْ هذه السطور قبل أن ينشر جوزيف نيدام الجزء الخامس من عمله البارع المخصص لـ «Spagyrical Discovery and Intervention: Magiseries of Gold and Immortality»: Joseph Needham, Science and Civilization in China (Cambridge, G.-B., 1974)
[22] M. Eliade, Forgerons et alchimistes (Paris, 1956).
[23] Cf. id., .le Yoga. Immortalité et liberté, 6e éd. (Paris, 1974); Agehananda Bharati, The Tantric Traadition (Londres et New York, 19663) ; Alex Wayman, The Buddhist Tantras (New York, 1973).
[24] Cf. M. Eliade, le Chamanisme, etc., op. cit. L’édition américaine, Shamanism: Archaic Tecniques Ecstasy (New York, 1964), est pourvue d’une bibl., p. 518-569.
[25] لنذكر، للإشارة إلى الأهمية الكبيرة المولاة للشامانية، إصدارين حديثين: Hqllucinatinogens and Shamanism, éd. Michael J. Harner (New York, 1973), et la somptueuse livraison d’Artscanada, n° 184-187, déc. 173-janv. 1974, intitulé Stones, Bones and Skin : Ritual and Shama,ic Art, abonsamment illutrée.
[26] Frances A. Yates, Giordano Bruno and Hermetic Tradition (Chcago, 1946); id., «The Hermetic Tradition in Renaissance Science», in Charles S. Singleton, éd., Art, Science and History in the Renaissance (Baltimore, 1967), p. 255-274; id., The Rosicrucion Enlightenment (Londres, 1972); id., The Tgeater of the World (Chicago, 1967). Voir aussi Peter J. French, John Dee: The Word of an Elizabethan Magus (Londres, 1972).
[27] Frances A. Yarhes, Giosarno Bruno and the Heretic Traditions (Chicago, 1946); id., «The Hermetic Tradition in Renaissance Science», in Charles S. Singleton, éd. Art, Science and History in the Renaissance (Baltimore, 1967), p. 255-274 ; id., The Rosicrucion Enlightenment (Londres, 1972); id., The Theater of the World (Chicago, 1967).
انظر أيضا: Peter J. French, John Dess: The World of an Elizabethan Magus (Londres, 1972).
[28] انظر ما سبق، الفصل الخامس، «ملاحظات حول السحر في الغرب».
[29] Carlo Ginburg, I Benandanti: Ricerche sulla stregoneria e sui culti agrari tra cinquento e seicento (Turin, 1966).
[30] انظر ما سبق، الفصل الخامس.
[31] E. F. Heen, éd., Mystery, etc., op.cit., p. 87.
انظر أيضا: Milbourne Christopher, ESP, Seers ans Psychics (New York, 1970), p. 101 sq.; Marcello Truzzi, «The Occult», etc. op.cit., p. 19 sq; E.A. Tiryakian, «Toward the sociology», etc., op.cit., p. 494 sq; M. Marty, «The Occult Establishmnt», op.cit., p. 217 sq.
[32] Tatien, Oratio adv Greaecos, 4, 9; cf. M. Eliade, Le Mythe de l’éternel retour, op. cit, p. 155 sq.
[33] إيفانجلين آدامز Evangeline Adams: «منجمة أمريكية عاشت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وأقامت في مدينة نيويورك. أدارت شركة استشارات تنجيمية مزدهرة، واكتسبت شهرة على نطاق واسع، وكتبت عددا من الكتب المشهورة حول علم التنجيم، منها «علم التنجيم: مكانك في الشمس» (1927)، و«علم التنجيم: مكانك بين النجوم» ( 1930)، وسيرتها الذاتية «وعاء السماء» (1926).» عن موسوعة ويكيبيديا، النسخة الإنجليزية، مادة Evangeline Adams. (م).
[34] نوستراداموس (1503-1566م) Nostradamus (أو ميشيل دي نوسترادام Michel de Nostredame): «هو اسم لاتيني لطبيب ومنجم فرنسي نسبة للمكان الذي كان يسكن فيه. قام بكتابة كتاب اسمه التنبؤات Les Prophéties الذي يحتوي على أهم الاحداث التي سوف تحدث في زمانه إلى نهاية العالم الذي توقع هو أن يكون في عام 3797م وكان يقوم بكتابة الأحداث على شكل رباعيات غير مفهومة وقام بعض العامة بتفسير تلك النبوءات بالتواصل مع الأشخاص المعنيين الذين ذكرهم المنجم في كتابه.» عن موسوعة المعرفة، مادة نوسترادامس: https://www.marefa.org وكتاب التنبؤات مترجم إلى اللغة العربية، بدون اسم المؤلف، وبدون اسم المترجم، صدر في القاهرة، عن دار مدبولي، الطبعة السابعة، 2004، في 440 صفحة (م).
[35] انظر: M. Christopher, ESP, etc., op. cit., p. 109 sq.
[36] Philippe Defrance, Claude Fischler, Edgar Morin, Léna Petrosian, Le Retour des astrologues (Paris, 1971).
[37] E. A. Tityakian, «Toward the Sociology», etc., op. cit., p. 496.
[38] نُشر الكتاب الأول (The Satanic Bible)، في عام 1969، وتلاه الثاني (The Compleat Witch) (نيويورك، 1971). انظر أيضًا تصريحات Vey، التي جمعها جون فورستر John Fritsher في مقاله «Strainght from the Witch’s Mouth»، ضمن E. F. Heenan, éd., Mystery, etc., op. cit., p.89-107. ونحن مدينون لـ أ. ج. مودي E. J. Moody، بالدراسة الهامة «Magical Theapy; An Anrhropological Investigation of Contemporary Satanism», in Religious Movements in Contemporary America, I. Zaresky et Marc P. Leone, éd. (Princeton, 1974), p. 355-382، وهي ثمرة ملاحظاته لطقوس كنيسة الشيطان الأولى في سان فرانسيسكو، حيث كان نصف عضو ناشط فيها. وفقا لمودي Moody، «ما يسمى بالشيطانية يطرح مشكلة من حيث العجز» (ص 364):
«وبالإضافة إلى تعليم المبتدئ السحر الشيطاني، يخبره زملاؤه السحرة بأنه «شرير». فقط، تغيَّر تعريف الشر… يتم تشجيعه بشدة على التحدث عن أفكاره السيئة وأفعاله (الفاسدة) التي لا يُكرَه عليها بل يُمتَدح. من عقيدة اللاهوت الشيطاني أن الشر نسبي حسب الزمان والمكان اللذين يُرتكبُ فيهما… ترى الكنيسة الشيطانية أن «سحرة النور الأبيض» (المسيحيين) أخطأوا غرائز الإنسان الطبيعية، من أجل ضمان أن يكون الناس مذنبين بارتكاب الانتهاكات. من خلال جعلهم الخلاص يتوقف على الإيمان بالمسيحية، فقد قاموا بـ «خطف» الشعب وجعلوه يخضع للكنيسة المسيحية حتى يشعر بأنه قد تحرر من الخوف. على العكس من ذلك، يُقنع عبدة الشيطان أتباعهم الجدد بالاستمتاع بإنسانيتهم، وإطلاق العنان لغرائزهم الطبيعية، وتذكّرهم باستمرار بأن الإنسان حيوان بشري ويتم تشجيعهم على التحرر من قيود المسيحية لإعادة اكتشاف غبطة العيش.» (ص. 365).
بالطبع، فهذه المتعة للحياة تقترن بالنشاط الجنسي غير المقيد. وهنا نجد نمط الحركات القديمة المناهضة لنزعة التعارض في أوروبا، فضلاً عن مناهضتها لخصائص الاتجاهات الحديثة (على سبيل المثال،A. Crowley ، J. Evola، وما إلى ذلك).
[39] «في يوم 16 يونيو 1970، منحت جامعة كاليفورنيا درجة البكالوريوس في السحر، وهي أول درجة تمنح في هذا البلد.»:
(E. F. Heenan, Mystery, etc., op. cit., p. 88).
انظر أيضا:
id., «Whitch Whitch? Some Personal and Sociological Impressions»; ibid., p. 105-118 ; M. Truzzi, «The Occult Revival», op. cit., p. 23 sq. ; M. Marty, «The Occult Establishment», op. cit., p. 215 qs.; Arthur Lyons, «The Twisted Roots», in E. F. Hennan, Mystery, etc., op. cit., p. 119-138.
[40] الأديتون Adyttun: الأديتون في اليونان القديمة تعني حرفيا “الملاذ الداخلي، والضريح”، المضاءين، وفي اللاتينية المكان الذي “لا يجب الدخول إليه”. وهو عبارة عن منطقة صغيرة داخل المعابد اليونانية والرومانية، يُحظر الدخول إليها وغالبًا ما تضم صورة أحد الآلهة. كما كانت هذه المنطقة عبارة عن مساحات مخصصة لكاشفي الطالع أو كاهنات أو كهنة أو مساعدين. وقد تمَّ العثور على هذا النوع من الأماكن بشكل متكرر في العديد من المعابد اليونانية والرومانية، كأبولو ودايما وباس وكلاروس وديلوس ودلفي. ويُرجحُ أن هذه المواقع كانت مخصصة للآلهة التي سبقت عبادتها عبادة أبولو وقد تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، مثل دلفي، ولكن تم استبدالها بحلول عصر الثقافة اليونانية الكلاسيكية. ويُشار في الاستخدامات الحديثة لعبارة “أديتون” أحيانا إلى مساحات مماثلة في سياقات ثقافية أخرى، كما هو الحال في المعابد المصرية أو مدارس النزعة الخفية. عن موسوعة ويكيبيديا، النسخة الإنجليزية، مادة (Adytun). (م).
[41] Robert S. Ellwood, Jr., Religions and Spiritual Groups in Modern America (Englewood Cliffs, N. J., 1973), p. 179 sq. Voir aussi Egon Larsen, Strange Sects and Cults: A Study of Their Origins and Influence (New York, 1971); Peter Rowley, New Gods in America (New York, 1971); William J. Peterson, Those Curious New Cults (New Canaan, 1973) William Braden, The Age of Aquarius: Technology and the Cultural Revolution (Vhicago, 1970).
[42] التاروت Tarot: بطاقات لعب، تستخدمُ لأغراض العرافة في الغرب على غرار ما تستخدم أوراق اللعب المسماة “الكارطة” في المغرب للغرض نفسه من لدن بعض العرافات. (م).
[43] R. S. Ellwood, Religions, etc., op. cit., p. 179.
[44] Ibid., p. 104.
[45] Ibid., p. 203.
أسس ل. رون هوبار L. R. Hubbard، «ديانة جديدة» أكثر تعقيدا وأكثر ازدهارا، هي علم السيونتولوجيا (علم العلم) scientologie، وهي تدمج العمليات العلاجية القائمة على نظرية للعقل طموحة إلى حد ما مع عناصر من السحر والتنجيم التقليدي. انظر:
George Malko, Scientology ; The New Religion (New York, 1970); Harriet Whitehead, «Scientology, Science Fiction and Occultism», in Religious Movements, etc., I. I. Zaresky et M. P. Leone, éd., op. cit., p. 547-487.
[46] R. S. Ellwood, Religious, etc., op. cit., p. 195.
[47] Idem., «Notes on a Neaopagan Religious Group in America», History of Religions, 11, août 1971, p. 138, Frederick Adams, The Kore (Feraferia, inc., 1969),
يتحدث في كتيبه عن عودة ظهور النموذج الأصلي الأنثوي archétype، أي الحورية السماوية، في عصر الدلو:
«للإبلاغ عن الفجر الإيكولوجي النفسي لعصر الدلو، حيث سيحدد الاحتفالُ البقاءَ على قيد الحياة، يظهر مجددا تمثلٌ ظل مكبوتا لفترة طويلة، وهو تمثل: العذراء المبهجة، مادونا، وريا ، وأليس في بلاد العجائب، والأميرة أوزما، وجوليا، ولوليتا، وكاندي، وزازي في المترو، وبريجيت ، وبارباريلا، وويندي – تجمع غير متناسق وغريب للوهلة الأولى – لكنهن جميعا إعلاناتٌ بين آلهة العائلة المقدسة الثلاثة الأخرى المجسمة، وهي: الأم العظيمة التي حكمت العصرين الحجريين القديم والحديث؛ والأب العظيم الذي بدأ الزمن البطريركي patriarche الأول؛ والابن الذي بلور عقلية الحواضر الكبرى في العصر البطريركي الأخير. إنها ابنة الهلال الفضي الرقيقة التي ستحول الأعمال المشبعة بالأب والابن إلى كلّ داخل تربة الوجود المادية، دون أن تضحي بالمكاسب الصالحة للمفصل الرجولي. وقد أنجزت ذلك دون أن تفرض صور السلطة الأبوية أو البطولية المشلولة. كم هو رائع أن نراها تضايق الأب والابن وتسخر منهما حتى يُصبحان مرة أخرى إلهين وثنيين، مع الاحتفاظ بكرامة حياتهما الطبيعية ومجدهما». (عن: R. S. Ellwood, «Notes, etc., op. cit., p. 134).
[48] Voir L. Meroz, René Guénon, etc., op. cit.
[49] لنسارع إلى إضافة أن هذه العقيدة أكثر صرامة وصلاحية من تلك الخاصة بعلماء الخفي والهرمسية في القرنين التاسع عشر والعشرين. للحصول على نظرة عامة على المسألة، انظر: L. Meroz, ibid., p. 59 sq. et J. Bies, Littérature française, etc., op. cit., p. 328 sq et bibl., p. 661 sq.
[50] كالي-يوݣا kali-yuga: تعني في الهندوسية المرحلة الأخيرة من المراحل الأربع (أو الأعمار أو اليوݣا) التي يمر بها العالم باعتباره جزءا من “دورة اليوݣا”. ويطلق على الأعمار الأخرى ساتيا يوݣا، وتريتا يوݣا، ودﭬـاپرا يوݣا. وتعني كلمة “كالي” في كالي يوݣا “الفتنة” أو “الشجار” أو “الخلاف”، وكالي يوغا مرتبط بالشيطان كالي الذي لا يجب الخلط بينه وبين الإلهة كالي. عن موسوعة ويكيبيديا، النسخة الإنجليزية، مادة (Cali-youga). (م)
[51] R. Guénon, la Métaphysique orientale (Paris, 1937), p. 12 sq.
[52] Voir inter alia, les essais de Grithjof Schuon, Marco Pallis Titus Burckhardt et autres, in The Sword of Gnosis: Metaphysics, Cosmology, Traditions Symbolism, éd. Jacob Needleman (Baltimore, 1974).
[53] طفل الروز ماري Rosemary’s Baby هو فيلم رعب نفسي أمريكي صدر عام 1968 من تأليف رومان پولانسكي وإخراجه. ويستند إلى رواية عام 1967 التي تحمل الاسم نفسه للكاتب إيرا ليـﭭـين. يروي الفيلم قصة امرأة حامل تشتبه في أن طائفة شريرة تريد أخذ طفلها لاستخدامه في طقوسها، ويتعامل مع مواضيع تتعلق بجنون العظمة وتحرير المرأة والمسيحية (الكاثوليكية) والسحر. وقد حاز الفيلم على إشادة عالمية من النقاد السينمائيين، وفاز بالعديد من الترشيحات والجوائز. وفي عام 2014، اختارته مكتبة الكونغرس للحفظ في السجل الوطني للأفلام، حيث اعتُبرَ “مهما ثقافيا وتاريخيا أو جماليًا”. عن موسوعة ويكيبيديا الإنجليزية، مادة (Rosemary’s Baby) (م).
[54] 2001: أوديسا الفضاء 2001: A Space Odyssey: هو فيلم خيال علمي بريطاني أمريكي صدر عام 1968 من إنتاج ستانلي كوبريك وإخراجه. كتب السيناريو كوبريك وآرثر سي كلارك، واستلهماه من قصة كلارك القصيرة ” الحارس “عام 1951وقصص قصيرة أخرى لكلارك. ويروي الفيلم قصة رحلة إلى كوكب المشتري، بعد اكتشاف أشباه البشر الأوائل لكتلة غريبة أثرت على التطور البشري، كما يتناول موضوعات الوجود، والتطور البشري والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وإمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض. وملخصه كالتالي:
«في فجر الإنسانية، تتعرض قبيلة من الرئيسيات بإفريقيا الشرقية لهجمات متكررة من قبل عصابة منافسة، تنازعها على نقطة سقي، فيُلهمُ اكتشافُ متجانس أسود زعيمَ القرود المحاصرة بالقيام لحركة يد غير مسبوقة وحاسمة: يلوِّحُ بعظم، ثم ينتقل إلى الهجوم ويشن مجزرة على خصومه. كان ذلك ولادة أول آلة.
وفي عام 2001، أي بعد أربعة ملايين سنة، تصل مركبة فضائية إلى مدار قمري على إيقاع “الدانوب الأزرق الجميل”، وعلى متنها الدكتور هيوود فلويد يحقق سرا في اكتشاف متجانس أسود يرسل إشارات غريبة إلى كوكب المشتري.
وبعد ثمانية عشر شهرا، يبحر رائدا الفضاء ديـﭭـيد بومان وفرانك پول إلى المشتري على متن سفينة الفضاء ديسكـﭭـري، فينهمك الرجلان في مهامهما اليومية بهدوء تحت تحكم هال 9000، وهو كمبيوتر استثنائي يمتلك الذكاء ويتكلم. مع ذلك، وربما لأنَّ هال أكثر إنسانية من أسياده، فقد أخذ يعطي علامات القلق: ما هي هذه المهمة وعلى ماذا سنعثر في كوكب المشتري؟
رشح الفيلم لأربعة جوائز أوسكار، منها ثلاث لستانلي كوبريك، أفضل مؤلف سيناريو بالمشاركة مع آرثر كلارك، وأفضل مخرج، وجائزة الأوسكار لأفضل تأثيرات بصرية. إضافة إلى الترشيح الرابع لأفضل تصميم ديكور. كما فاز الفيلم بثلاث من جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام، لأفضل تصوير سينمائي، وأفضل تسجيل صوت، وأفضل تصميم ديكور. في عام 1991، اختارت مكتبة الكونغرس الفيلم ضمن قائمة السجل الوطني للفيلم. اختير الفيلم على رأس قائمة أعدها معهد الفيلم الأمريكي لأفضل عشرة أفلام خيال علمي. مصار المعلومات: موسوعة ويكيبيديا، النسختان الإنجليزية والعربية، وموقع http://www.allocine.fr. والفيلم متوفر في موقع يوتيوب بنسخته الإنجليزية وترجمته إلى الفرنسية. (م).