Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114

Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
لغة العلاج والنسيان: 02 – أشكال اللقاء بين الإسلام والتحليل النفسي – محمد أسليـم

لغة العلاج والنسيان: 02 – أشكال اللقاء بين الإسلام والتحليل النفسي

1342 مشاهدة
لغة العلاج والنسيان: 02 – أشكال اللقاء بين الإسلام والتحليل النفسي

بقدر ما نلاحظ مدى اغتناء عالم الفكر الأوروبي بإسهامات التحليل النفسي نكتشف إلى أي حد بقي العالم العربي يقاومها بشدة. أكيد أن التحليل النفسي يمارسُ كبقية الفكر الأوروبي إغراءً قويا، إلا أن محمولات تأسيس الممارسة العلاجية والبنيات الفكرية أو التعليمية المطابقة له لم تأتِ بنتائج تُذكَر. وهذا ما يفسر رواج الفكرة القائلة بأن ثمة تنافراً جذريا بين الإسلام والتحليل النفسي.

وبما أن التسويغ في هذه الحالة شيء ضروري، فإنه يُشَارُ ضمن هذه الثقافة إلى الثقل المهيمن الذي تمثله الجماعة بالنسبة للفرد. يُشَارُ كذلك إلى البنيات التي تتعلق بالدين واللغة، مع التشديد على الميزة الغربية التي ورثها التحليل النفسي عن أصوله.

قبل أن نجزم قائلين بانعدام فائدة التحليل النفسي ضمن نطاق الثقافة العربية الإسلامية، قد يكون من المفيد بحث الكيفية التي تم فيها هذا اللقاء بين الإسلام والتحليل النفسي. يوضح الفحص السريع للموضوع أنه عندما أمكن توظيف التحليل النفسي في إطار العلوم الإنسانية، فإنه وُظِّفَ باعتباره أداة تفسيرية قابلة للتطبيق على ثقافة أخرى: هكذا طُرِحَتْ إشكاليتا «الأوديب المغاربي» و«الأم الخاصية» (La mère castratrice) وكأن الأمر يتعلق بقياس ثقافة مغايـرة في ميـزان هذه النظريات. لم يعمل الذين وظفوا التحليل النفسي – عن حسن نية دون شك بما أنهم أرادوا أن «ينتفـع العالم العربي من هذه الأداة الفكرية النشيطـة – لم يعملوا إلا وفقا للطريقة «الإثنواغرافية» الكلاسيكية، ألا وهي النظر إلى الآخر بوصفه موضوعا للدراسة، وذلك بمعزل عن وضعيتهم كذات فاعلة في العملية. فكان من نتائج فرض هذه المعرفة البرانية التي أُنجِزَتْ في المغرب العربي إبان الاستعمار، والتي استمرت على نطاق واسع فيما بعد، الكشف عن القطيعة بين ما يعده الشعب معرفةً ناميةً من الخارج – وإن جسدها مثقفون محليون – ومعرفة أخرى تتم معها استمرارية عميقة )عن طريق اللغة العربية والتراث الإسلامي(، والتي لانعرف ما هو نظامها في وضع المجتمع الحديث.
في نطاق المعرفة الخارجية، لم يكن بإمكان التحليل النفسي إلا أن يُعرِّف نفسَه كمادة أجنبية في بلد أجنبي. إذ بصدد القيم الراسخة للفرد، يوجد التحليل النفسي في الطرف المعاكس لما يمكن أن تجسده ثقافة نامية من الداخل.
هل تنحصر المسألة في علاقة التحليل النفسي بالثقافة العربية الإسلامية؟ الجواب قطعا لا. إذ يطرح تطبيق التحليل النفسي على العلوم الإنسانية حتى يومنا هذا عدة إشكاليات؛ بحيث إن نقل المفهومات التحليلية إلى مادة أخرى يبقى عملية غير مُقنِعَة. إنها بشكل خاص وضعية العديد من المحاولات التي قامت بها الأنثروبولوجيا التحليلية. ويمكن الوقوف على علة ذلك الاستشهاد بتفسيرٍ قد يقدمه محلل نفساني إلى شخص في وضعية تحليل، لكن لم يتيسر له القيام بالعمل الشخصي الإعدادي. ولئن كان هذا التفسير صائبا، فإنه يبقى مع ذلك دون فاعلية. لايمكن للتراث الفرويدي أن يُوَظَّفَ إلا بعملية تولُّد داخل مادة ما، داخل ثقافة ما. ذلك أن هذا المسلسل يهدف، عن طريق مجهود الحلم والأسطورة، إلى اقتلاع شذرات من ماضٍ مكبوتٍ، وذلك لنقلها إلى وضع يمكن للإنسان أن يستخرج منه شيئا ما، ذاكرة ما، أو تاريخا ما، أو حتى نسيانا ما. لذلك يبقى هذا التفسير مقتصرا على تطبيق مفهومات أو مناهج، أو استعراض إوالية البرهان العقلاني.
يبدو لي أنه لاغبار على الإثراء الذي يمكن أن يضيفه هذا التراث الفرويدي إلى الثقافة العربية، لكن شريطة أن نأخذ بعين الاعتبار الثراء الذي يمكن أن يفيده هذا التراث من عملية انغراسه في هذه الثقافة. تهم عملية الانغراس هذه مجالين، هما مجال الممارسة العلاجية ومجال التفكير في المجتمع. أعني المجال الذي يهم الفرد والمجال الذي يهم المجتمع. في الفكر الفرويدي، نعرف الصلة القائمة بين المجالين، لكن الأمر يتطلب هنا التمييز بين مجالين تطبيقيين:
ليس لي فيما يخص الممارسة العلاجية سوى الاعتراف بعجزي في الميدان، لكن هذا لا يمنعني من طرح بعض الأسئلة. أغلب المحللين النفسانيين في العالم العربي تلقوا تكوينهم في الخارج، والقلة هي التي أمكنها دون شك ممارسة العلاج باللغة العربية. في هذا الوسط الأجنبي بالذات سيجد هؤلاء المحللون فيما بعد سندا ثقافيا. إلا أن ممارستهم لم تقم باستبيان ما يمكن أن يمثل تجربة علاجية منحدرة من ثقافة مغايرة. ولربما يرجع ذلك إلى الانتشار المحدود لهذه الممارسة في عينات متغربة لم تقدر على ربط الصلة بالأفراد المتشبعين بالثقافة المحلية.
غالبا ما تكشفُ وضعية بعض المحللين النفسانيين العرب الذين يشتغلون في فرنسا عن قطيعةٍ مع ثقافتهم الأصلية. لايتعلق الأمر هنا بمؤاخذة، إلا أن المسألة تكشف عن شيء ما. أثمة مُحَرَّمٌ يمنع هؤلاء المحللين من الحديث عن علاقتهم بثقافتهم الأصلية، عن اللغة التي يحللون بها، أي عن الفارق الذي يتميزون به، أم أنهم لا يعيشون هذه الأشياء كلها إلا على شكل قطيعة؟ يسود الاعتقاد بأن هؤلاء المحللين – نظراً للصمت المطبق حول هذه المسألة – يقومون بعملهم مثل زبنائهم الأوروبيين، وبأنهم يحددون الإطار نفسه، يستخدمون الوسائل نفسها. على أي حال، حتى وإن كانت المسألة ممكنة التحقيق، فإن ذلك جدير بأن يُذكَر.
أما الميدان الآخر فهو يخصُّ توظيف التحليل النفسي في العلوم الإنسانية. إذا تأملنا جيدا في التراث الثقافي العربي – بغض النظر عن المفهومات – فإننا نلاحظ بسهولة أن الموضوعات التي يتناولها هذا التراث هي نفسها التـي يتطرق لها التحليل النفسي. لن أتحدث هنا عن التقاليد العلاجية التي تقتضي دراسة مفصلة، بل سأشير فقط إلى التراث المكتوب، وبخاصة هذا النتاج الهائل المتمثل في ألف ليلة وليلـة.
غالبا ما قيل، بصدد الليالي، إنها بمثابة علاج تحليلي. علاجٌ عاشقٌ. هذا صحيح دون شك، لكن ما الجديد الذي تمت إضافته عندما اختُزِلَ هذا العلاج إلى برهان معروف من لدن ثقافتنا؟ وبما أن لحكاية الليالي تاريخا، أليس من المفيد دراسة هذا الذي يجعل كيفية اشتغاله متميزة بدل القيام بتشبيه اختزالي، وبالتالي تضييع فرصة تلقي إسهامها الأصيل؟
تمثل ألف ليلة وليلة، حتى بالنسبة للفكر الغربي، مثالا رائعا لمكانة القول. وحدة السرد قائمة في حدود مشروع هو الذي بواسطته وجب على شهرزاد – لكي تنجو من الموت ولكي تنقذ حياة أبيها وباقي النساء – أن تخلص الملك من الصدمة التي أوقعه فيها مشهدُ خيانة زوجته، وهي صدمة تأسره في التكرار؛ التكرار الذي يدفعه إلى قتل عذراء كل يوم. تفتح شهرزاد للملك فضاء مزدوجا: فضاء زمنيا بواسطة الانتظار الذي تحدثه من ليلة إلى أخرى، وفضاء الحلم من خلال الحكايات التي ترويها. تجيب عن مأساتها بعدد من الصور يمكن للملك أن يتماهى معها إما سلبا أو إيجابا. هكذا ستدفعه لكي يصبح قادرا على سرد المصاب الذي ألم به، ولكي يجعل منه عنصرا من حياته، وبالتالي يتخلص منه. ستساعده شهرزاد على تسمية الوقائع التي عاشها. ستكون حلول هذه الأشياء ممكنة، لأن القول – بفضل الفضاء التخييلي الذي يفتحه، عن طريق التقارب الذي يحدثه بين الواقع والتخييل – يتيح للماضي أن يبرز مجددا في الحاضر، ويصل بهذه الكيفية إلى شكل آخر من الوجود. لغة الحكاية هي ما ستعبر عنه النظرية التحليلية بمشقة )على حد تعبير فرويد( والذي ليس شيئا آخر سوى مجهود الحلم.
إلا أن ما تكشف الليالي عنه جيدا هو أن الأمر ليس عملا لساحر، وأن نتاج الكلام يبين عدة أشخاص، حركاتهم مشروطة بعضها بالبعض الآخر: الملك الذي سينجو من جنونه ويصبح أبا، الرَّاوِيَة التي ستصبح امرأة، وأمّاً، وأختها الصغيرة التي حرَّضت على الحكي، والتي هي شاهد على الحياة الليلية ستصبح بدورها امرأة؛ سيشارك في هذه الصيرورة العامة أخو الملك، وأبو الرَّاوية، وأم الملك الحاضرة بشكل قوي من خلال غيابها.
المهم ضمن هذا المنظور ليس هو ممارسة الأنثروبولوجيا أو التحليل النفسي، بـل هـو الإنصات لمسلسل القول، سواء وجد هذا الأخير في هذا الفضاء الثقافي أو ذاك. الثقافات كلها راهنت بالكلام. وإذا ما اعتقدنا في نجاعة القول، في نتاج الحلم، في عمل الأسطورة، فلا يمكننا إلا العثور عليها في أحضان كل ثقافة، والتي تسهم كل منها بميزتها الخاصة القابلة للاستناد على مراكز نظرية أخرى.
أهم شيء يجب التأكد منه، هو أن للأشياء نمطا آخر في الوجود غير الوجود المحسوس، وأن ظروفا ثانية تتأتى من حمولة الماضي، وأن الحاضر يقع تحت تأثير الماضي، وأنَّ هذا الماضي بصفته نقطة البداية ليس مُعْطى إلى الأبد: تتجدد هذه البداية على الدوام، وذلك بفضل تعايش الماضي والحاضر، الذي ينظمه لصالح الأفراد، والأسطورة لصالح المجتمعات.
وإذا أردنا أن نعطي لذلك مثالا حديث العهد، يمكننا الاستشهاد برواية «الآيات الشيطانية». ففي معزل عن الضجيج السياسي والإيديولوجي الذي صاحب صدورها ينبغي طرح السؤال عن الجرح العميق الذي أحسَّه قسم كبير من الرأي العام من جرَّاء إثارة حدثٍ يتناول الأصول، ويفترض أن يكون قد نُسِي، يعني قد تم كبته. يلجأ سلمان رشدي إلى طريقة مشابهة للحكاية فيشوش مؤقتا الحدود ما بين تاريخ الماضي وحكاية الحاضر، بكيفية تطلُّ ضمن ما يعاش اليوم على المعضلات الأصلية: لاوجود لله بدون إلهَاتٍ، ولالجبريل بدون الشيطان، واستحالة تصور الذكر بدون الأنثى، والخير بدون الشر… – أفلا يتطابق هذا، عبر كل الأزمنة، مع تساؤلات الإنسان الأساسية؟ ما القول الذي يمكن أن يحظى باعتراف هذه التساؤلات، إذا لم يُنْهَج أولا طريقُ التخييل، وذلك لانتشال هذه التساؤلات من الكهف الذي توجد أسيرة فيه؟
علينا ألا نكون متشائمين بصدد علاقة الإسلام بالتحليل النفسي، يستفيد كل واحد منهما من الآخر. نأسف بكل تأكيد لكون بعض الصياغات السريعة تسد الطريق الذي اعتقدت أنها فتحته. لايكفي أن نطبق نظرية مُهيَّاَةً في الغرب على واقع عربي لكي نقدم النقاش، وإن استشهدنا بالمعجم القيم «لسان العرب» الذي لاتكتسي قطعا تعدُّدِيةُ معانيه قيمةً نصية. بيد أن المشكلات المستعجلة ملحة، وكذلك مسألة اللغات والهويات مسألة مُؤْلِمة، وثقل الأنظمة الراكدة مُهدِّدَة، بحيث إنه من الصعب في التحليل النفسي – أكثر منه في أي عمل آخر – تفادي مسألة تورُّط الذات في النشاط الفكري الذي تقوم به.

ترجمة: المعطي قبـال
——-
هامـش
[1] – ملحوظـة: لم نتمكن من العثور على النسخة الأصلية لهذه الدراسة لأن المؤلف نفسه فقدها. وبإذن منه نعيد هنا نشر ترجمتها التي كان الأستاذ المعطي قبال أنجزها وأصدرها ضمن مجلة مواقف، العدد 61/62، خاص بالتحليل النفسي والثقافة العربية – الإسلامية، صص. 59-63. (م. أسليم)

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 12-09-2012 04:27 مساء

الاخبار العاجلة