يُلفتُ جورج بلين، في الصفحات الشهيرة التي خصصها لموضوع «استخدام بودلير للسحر»، الانتباه إلى رسالة تعود إلى 28 مارس 1857، كتب فيها بودلير لناشره بوليه–مالاسيس Poulet-Malassis ما يلي:
«لو استعدتُ فقط ذكريات قراءاتي، أيام كنتُ أقرأ كتابات القرن الثامن عشر، لأعددتُ لكَ كاتالوغا مُبهرا ليس فقط بما يحتويه من الفلاسفة والروائيين والرحالة، بل وكذلك بـ «غرائب السحر والعلوم الروحانية»»(2).
من هذه الرسالة التي تستحضر ذكريات قراءات القرن الثامن عشر، يمر بلين إلى النظر في كتَّاب معاصرين لبودلير دون أن يعود إلى هذه الكتب التي تعود إلى القرن السابق، والتي كان يمكن لبودلير أن يصنع منها «كتالوجا مبهرا». ولكن، ما هي الكتب التي فكر فيها بودلير ؟ وعلى افتراض أنه من الممكن تحديدها، فبماذا يمكن أنْ تفيدنا عنه؟ إذا كان بلين يرى أن هذه الرسالة تأتي لتدعم فكرة أن بودلير كان يمتلك معرفة «جيدة» على الأقل بأدبيات السحر، فإن كلود بيشوا Claude Pichois يرى أن الرسالة نفسها يمكن أن «تفيد كنص لإنجاز دراسة مطولة حول بودلير والقرن الثامن عشر»(3). ومن هذا المنظور المزدوج، المستوحى من بلين وبيشوا، سأتطرق من خلال السحر للعلاقة بين بودلير والقرن الثامن.
وفقا لقسطنطين بيلا، فالكتاب الذي «يهيمن على كل الأدبيات» الخاصة بالسحر في القرن الثامن عشر صدر لأول مرة في عام 1670(4)، وهو كتابُ الكونت دُ غابالي Comte de Gabalis أو مُقابلات حول العلوم السرية لمونفوكون دي ڨيلار Montfaucon de Villars الذي نعرف أن بودلير قد قرأه. وكما أظهر ذلك مارك إجلدنجر، فمن هذا الكتاب استعار بودلير على الخصوص بعض عناصر قصيدته النثرية «هدايا الجنيات»(5). وإذا حكمنا على كتاب الكونت دي غاباري من خلال طبعاته العديدة ومن خلال الأعمال الأدبية المستوحاة منه، فقد عرف هذا المؤلف شعبية استثنائية على مدى القرن الثامن عشر. ولكن معرفة أن هذا الكتاب قد قرئ على نطاق واسع لا تتيحُ بالضرورة معرفة الكيفية التي تمت بها قراءته. فهذه المقابلات التي يتعلم خلالها راوٍ مرتابٌ أسرارَ القبالا يمكن أن تأخذ تفسيرات مختلفة، بل وحتى متناقضة، بحيث يُمكن افتراض أن ڨيلار كان يسخر من العلوم السرية أو أنه كان لا يصدقها إلا «بذريعة الاستهزاء بها»(6).
ويلخص مقال لفيليكس راب Félix Rabbe، صَدر في المجلة المعاصرة عام 1870، رأيَ معظم الشراح الحديثين لمقابلات ڨيلار. يقول: «بالنسبة لنا، نحن الذين ننظر من مسافة»، من المستحيل أن نُخدَع، ونرى فيه شيئا آخر غير نقد الخرافات. وباتباع التبرير المنطقي الذي استند إليه راب، يجب استنتاج أنَّ بودلير الذي كان بدون شك يرى في ڨيلار شيئا آخر غير انتقاد الخرافة، كان مخدوعا على الرغم من المسافة الفاصلة بينه وبين القرن السابع عشر. ولكن إذا كان بودلير الذي عبر صراحة عن إعجابه بوضوح ساد Sade ودُ لاكلوس de Laclos بشأن الخداع على وجه التحديد قد خُدعَ هو نفسه، فإن هذا لا يمكن أن يكون بطريقة شائعة جدا. لم يكن سبب ذلك نقصا في التفكير ولا فرطا في السذاجة.
والفرق بين بودلير وناقد مثل فيليكس راب لا يقتصر على مثال مقابلات ڨيلار وحده، بل يتعلق بوجهات نظريهما حول القرن الثامن عشر. فاعتبار ڨيلار سلفا لفولتير كان، بالنسبة لفيليكس راب، مدحا كبيرا. ولإدراك المسافة الكبيرة التي تفصل بودلير عن مثل هذه الوجهة للنظر، يكفي التذكير بالملاحظة التي كتبها قبل بضع سنوات في يومياته الحميمية(7): «أشعر بالملل في فرنسا، خاصة وأن الجميع يبدو مثل فولتير»(8).
بالنسبة لفلاسفة القرن الثامن عشر، يرتبط السحرُ ببلدان الجهل وأوقاته، وهو ما يعني باختصار أنَّ السحر قد زرعته جميع شعوب الأرض منذ العصور القديمة. وبقراءة مقالات موسوعة ديدرو ودالامبير حول هذا الموضوع، يسهل الاقتناع بأن الفلسفة قد نجحت في تبديد المعتقدات السحرية، وهو ما يقتنع به أيضا أحد خصوم الفلاسفة، وهو الأب فيارد Fiard، إذ كتب في أولى رسائله الفلسفية في السحر أنه «لا شيء شائع اليوم أكثر من الرأي الذي ينفي قدرة السحر»(9). بيد أن فيارد، إلى جانب اتفاقه مع الفلاسفة في تدني المعتقدات السحرية في القرن الثامن عشر، يستخلص من هذا التدني نتائج معاكسة لاستنتاجات الفلاسفة، إذ بينما يرى هؤلاء أن السحر يُعادلُ الخداعَ يصفُ فيلارد تفسيرهم لألغاز السحر بالخداع.
وفي معرض تحويل ڨيلار للنقد الفلسفي للسحر ضد الفلاسفة أنفسهم، يستخدم منهجا منتشرا على نطاق واسع بين مناهضي الفلاسفة في تلك الفترة، وكان قد استخدمه على وجه الخصوص الأب غويون Guyon Abbé في انتقاده لآراء فولتير في الدين. وهكذا، ففي فرنسا المخدوعة بسحرة القرن الثامن عشر وبالمهتمين بالشيطان démonolâtres في القرن التاسع عشر، يعمد فيارد إلى تضمين كتابه اقتباسات من پيير بايل Pierre Bayle والموسوعة(10) ليبين أن الفلاسفة أنفسهم قد اعترفوا بوجود السحر وبارتباط الإنس بالجن والشياطين(11). وفي معرض التعقيب على مقاطع من كتب مثل كشف أسرار السحر الأبيض، يحرص فيارد على دحض الفلاسفة الذين أرادوا شرح الظواهر الخارقة للطبيعة بعمليات فيزيائية بحتة. وإذا كان بوسعنا أن نشك في حسن نية فيارد الذي لا يتوانى عن تحريف أقوال خصومه، فليس من الخطأ في أي حال – حتى من وجهة نظر فلسفية – أن ننظر إلى مشروع نزع الوهم démystification عن السحر باعتباره خداعا.
يلاحظ مارسيل روف Marcel Ruff في معرض تساؤله عن السوابق الجمالية البودليرية في القرن الثامن عشر أنَّ القسوةَ المرتبطة بتلك المرحلة «لا يترجمها فقط الاستهزاء والتعمية اللذين تعين ابتكار أسمائهما لتعميد هذه الأشكال الجديدة من الاعتداءات»، بل تمضي إلى حد «العنف والقتل»(12).
وبالنظر في تاريخ هاتين الكلمتين اللتين يرى فيهما روف شاهدا على عادات القرن الثامن عشر، فإننا نعثر فيهما مجددا على نزع الأوهام والخداع tromperie مُجتمعين. وعلى هذا، تميز إليزابيث بورﯕينات، في كتابها قرنُ الاستهزاء، بين التهكم «المجتمعي» خاص بمن «لا أخلاق لهم»، من جهة، والاستهزاء «الفلسفي» الرامي إلى تثقيف القراء، من جهة أخرى(13). أما كلمة التدليس التي كان راف محقا في ملاحظة أنها «ترتبط بشعبية النزعة الخفية occultisme»(14)، فهي مرتبطة مع ذلك بانتقاد الشأن الديني le religieux. يقترب روف من الحقيقة من خلال ربطه التدليس mystification بقسوة تمضي إلى حد العنف والقتل. كان يجبُ عكس هذه الصيغة من خلال توسيع نطاقها بحيث يشمل فكر التنوير لكي تقول إن العنف والقتل اللذين رآهما الفلاسفة في الطقوس الدينية كان يتم محاكاتهما بسخرية في «الألعاب الجماعية».
واعتبارُ الفلسفة خداعا في كتابات فيارد حول السحر موجودٌ أيضا في الكتابات الجمالية لبودلير ويشكل أحد سماتها الأساسية. وكما يتهم فيارد الفلاسفة بأنهم قد خدعوا فرنسا بإنكارهم وجود الشياطين، عزا بودلير ما يسميه بـ «العمى العام» في القرن الثامن عشر إلى «إنكار الخطيئة الأصلية»(15). فقد كتب في كتابه رسام الحياة الحديثة: إن «أغلب الأخطاء المتعلقة بالجميل تولدُ من تصور القرن الثامن عشر الخاطئ المتعلق بالأخلاق»(16). ومن خلال إبعاد بودلير للتصور الذي يرى في الطبيعة «أساسا، ومصدرا ونموذجا لكل خير وكل جميل محتملين»، فإنه يؤكد، على العكس، أنَّ «الجميل يكون دائما من إنتاج الفن»، كما يرفع قيمة جمال «الأشكال المصطنعة».
قد يبدو من غير المجدي أن نقارن الأفكار الجمالية عند بودلير بكتب الأب فيارد دون أن نعرف حتى ما إذا كان بودلير قد قرأها. ولكن إذا كان بودلير لم يقرأ هذه الكتب، فهو قرأ كتبا أخرى مماثلة لها. وهذا هو ما توحي به رسالته إلى بوليت-مالاسيس التي ذكرتُها أعلاه، والتي يشير فيها إلى معارفه «في عجائب السحر والعلوم الروحانية» التي تعود إلى القرن الثامن عشر. ولكن الأمر الأساسي هنا ليس هو إثبات ما إذا كان بودلير قد قرأ ذلك المؤلف أم لم يقرأه، بل هو فتح منظور تفق مع منظوره ولو جزئيا.
إذا كانت الإشارة إلى كتابات فيارد حول السحر تسلط الضوء على موقف بودلير فيما يتعلق بالأخلاق والجماليات، فإنها تجعل من الممكن من باب أولى أن نفهمَ المعنى الأخلاقي والجمالي الذي يعطيه بودلير للسحر. يمكن أن نرى وصف السحر بعبارات أخلاقية، على سبيل المثال، في المقطع التالي من كتاب رسام الحياة الحديثة: «يحق للمرأة أن تظهر بمظهر سحري وفوق الطبيعي، بل هي في هذا تؤدي أحد واجباتها(17)»(18). ومن خلال المحاكاة الساخرة من منظري قانون الفطرة، يقلب بودلير ألفاظ حُجج «الفلاسفة الكانديديين(19)» لشرعنة «سائر الممارسات التي استخدمتها النساءُ في جميع العصور لدعم» جمالهن «وإضفاء طابع إلهي عليه».
يُعتَبر الفصلُ الذي أشير إليه من كتاب رسام الحياة الحديثة، وهو مديحُ الماكياج، أحد أكثر نصوص بودلير النثرية التي يُستَشهَدُ بها. ففي هذا المقطع الغني بعبارات شهيرة: «محبوبة، عليها أن تتزيَّن بالحلي الذهبية لكي تُعشَق» – وهي جملة تستحق أن يُحتفظ بها، ويكتبُ بودلير: «لا يهم كثيرا أن يكون المكر والحيلة معروفين للجميع، إذا كان نجاحهما مضمونا وتأثيرهما لا يقاوم دائما»(20). إن هذه الجملة الأخيرة تبدو لي أساسية، رغم أنها أقل شهرة من غيرها مما ذكرتُ أعلاه. فالقول عن التأثير السحري الذي يتم الحصول عليه باستخدام «مساحيق حمراء»، بأنه لا يهمُّ «أن يكون المكر والحيلة معروفين للجميع» يعني أن السحر لا يزال يواصلُ تأثيره رغم نزع أوهامه، وهو ما يَحمل على الاعتقاد بأنَّ زوال سحر désenchantement العالم ليس هو الكلمة الأخيرة لمشروع محاربة الأوهام.
لا ينبغي اعتبار ما أقوله هنا نقدا كليا لفلسفة الأنوار. عندما يكتب بودلير في قصيدته النثرية الآنسة بيستوري: «أنا ولهانٌ بالملغز والغامض، لأن عندي دائما أمل تدبيره»(21)، فهو بدون شك يعبر عن أفكاره. وبقدر ما يبدو هذا الموقف بعيدا عن موقف فولتير الذي كتب بودلير عنه، في نص قلبي العَاري، أنه «كان يكره الغامض والملغز»(22) بقدر ما هو قريبٌ من موقف ديدرو الذي يقترن فكره الموسوعي بجاذبية تجاه الموضوعات الملغزة. فالمؤلف الذي كتب في تاريخ الرسم بالشمع وأسراره: «ليس هناك ما هو أكثر تعارضا مع تقدم المعارف من الملغز» هو من سيكتب كذلك المتديِّنَة وتاريخ الصور الشخصية.
وكما كتب بودلير في صالون عام 1859 «إذا كان «الشعر والتقدم» طُموحين يكرهان بعضهما البعض بشكل غريزي»(23)، فمن الطبيعي أن يأخذ أحدهما ما ينبذه الآخر. ومع ذلك، فهذا الأمر ينطبق على السحر كما على الدين. لا يجب أن نعتبر ما يأخذه بودلير من الفترة السابقة لحركة التنوير بأنه مجرد إعادة رد اعتبار.
و«تصور القرن الثامن عشر الخاطئ للأخلاق» الذي يعزو إليه بودلير «معظم الأخطاء في شأن الجميل» يهم أيضا مفاهيم الحرية والفردية والأصالة التي أعطيتْ لها في ذلك الوقت أهمية جديدة. فبودلير، في معرض استحضاره لعهد لويس الخامس عشر، باعتباره فترة كانت لا تزال فيها المدارس قائمة (وهذا ما يعنيه بـ «الإيمان»، و«استحالة الشك»، و«طلاب تجمعهم مبادئ مشتركة»)، يعتبر غياب هذه العناصر «خللا خاصا بقرنـ(ه)». وقد كتب في معرض 1846 أن «وضعية الرسم الحالية هي نتيجة لحرية فوضوية تمجِّدُ الفردَ، مهما يكن ضعيفا، على حساب الجمعيات». ثم أضاف غير بعيد عن الكلام السابق: «لقد أكلت الفردية – هذه الملكية الخاصة – الأصالة الجماعية»(24).
والتطورات التي يشير إليها بودلير، والتي تمضي من مدارس زمن لويس الخامس عشر إلى الحرية الفوضوية للقرن التاسع عشر، تتضح بأطروحة رولان مورتييه Roland Mortierالذي يرى أصول «ثورة الجماليات الحديثة» في الاعتراض على المحاكاة في منتصف القرن الثامن عشر. ولكن إذا كانت الأصالة تشكل «مقولة جمالية جديدة في القرن الثامن عشر»، فهذا الأمر لا يخلو من التباس. فقد كان لمؤلِّف أصيل كديدرو تحفظات على الأصالة التي كتبَ عنها في الموسوعة أنها «نادرة جدا» وأن «معظم الناس، بسائر أنواعهم، ليسوا سوى نسخ من بعضهم البعض». ولكن غياب الأصالة هو موضوع العديد من مقاطع صالون عام 1859، حيثُ يصفُ بودلير الفنان الحديث بالطفل المدلل: إنه مقلِّدُ مُقلِّدين آخرين، يمتلك جيدا حرفته، ولكنه يرسم بدون خيال ولا روح.
وعلى النقيض من الفنانين الزائفين الذين كتب بودلير في صالون 1859 أنهم «يريدوا أن، يعبروا عن الطبيعة، أقل مما تُلهم من مشاعر»(25)، والذين تظل روحهم مغلقة، فالفنان الحق، على حد تعبير رسام الحياة الحديثة، هو «ملاحظ حريصٌ شغوف، وعاشق للحياة الكونية»(26). وتدل مواقف كل من الفنان الحق والفنان الزائف على علاقتين متعارضتين بين الفرد والجماهير: فمن ناحيةٍ، هناك الفنان الذي يتصرف في الحشد الذي يتفاعل مع الفنان في «مؤامرة غبية» ليتلحقا بالتبادل بطريق التقدم، ومن ناحية أخرى، هناك الفنان الحق، وهو «أنا لا ترتوي من اللا-أنا»، يتمثل شغفه وحرفته في «مناصرة قضايا الحشد»، ويستمد «أصالته من التأمل في الحياة».
كتب بودلير في رسام الحياة الحديثة: من خلال تجول الفنان الحقيقي عبر مشاهد المدن الكبرى، فهو:
«يبحثُ عن هذا الشيء الذي نستسمح بأن نسميه الحداثة؛ ذلك أنه لا يستحضر الكلمة الأفضل للتعبير عن هذه المسألة. فهو يستخرج من الموضة ما يمكن أن تحتوي عليه من شعري داخل التاريخي»… أن يستخرج منها «الجمال الغامض»»(27).
وفي حين يتحدد العالم الحديث بتراجع الدين والسحر أمام تقدم العلم والعقل، فإن المعنى الذي يعطيه بودلير للحداثة هو معنى عملية سحرية.
هذا التصورُ للحداثة الذي يجمع بين الرسم والسحر، والذي يعبر عن نفسه في كبريات نصوص فترة النضج، معروف سلفا في الفن الفلسفي حيثُ يوصفُ الفن الحديث بأنه «سحر إيحائي» ومعروف في المعرض الدولي لعام 1855 حيث كتب بودلير :
«الرسم هو استحضارٌ، هو عملٌ سحري (…) وعندما يكون الشخص المُستحضَر والفكرة المنبعثة قد وقفا، ونظرا إلينا وجها لوجه، فإنه لا يحق لنا (…) مناقشة تعاويذ الساحر ودعواته الاستحضارية»(28).
وبذلك فاللجوء إلى السحر في الفن الحديث، كما هو مُقترح أعلاه، هو رد فعل عكسي ضد فكرة التقدم التي يذمها بودلير في المقال نفسه. وهذه النظرية التي أعلن عنها بودلير، دون أن يطورها، تتضحُ في المعرض الدولي على ضوء فقرة حول بعض الكاريكاتوريين الأجانب في موضوع فئة أعمال بروغهلBrueghel القديم التي يرى القرن التاسع، كما يلاحظ بودلير، أن «لا شيء فيها يقتضي التفسير، نظرا لطابعها المزدوج المتمثل في عدم الارتياب والجهل، فيعتبرها ببساطةٍ أوهاما ونزوات»، ولكنها، بالنسبة لبودلير، تشكل «نوعا من الغموض واللغز»(29).
ويقابل بودلير «الغموض واللغز» الذي يلاحظه في أعمال بروغهل، بتفسيرات قرنه – الزائفة بطبيعة الحال – التي يعزو إليها طابعا من عدم التصديق والجهل. وبينما يتحدث بودلير هنا عن تشكك القرن الثامن عشر، إلا أنه يتحدث في مكان آخر عن سذاجته. وبدلا من التوقف عما قد يبدو متناقضا، يتعين علينا أن نرى أنَّ السذاجة في منظوره هي سبب عدم التصديق أو نتيجته؛ وأن غياب الإيمان بالرسم يعكس الإيمان الراسخ بالتقدم.
وكما يؤكد بودلير في المعرض الدولي أن صيغ الساحر لا يمكن مناقشتها، كذلك يشدد على عجز نظريات القرن التاسع عشر عن تفسير أعمال بروغهل، بالإحالة مرة أخرى إلى فكر فولتير:
«إن آخر أعمال بعض الأطباء الذين رأوا أخيرا ضرورة تفسير مجموعة من الأحداث التاريخية والإعجازية بوسائل غير وسائل المدرسة الفولتيرية المريحة، والتي لم تكن ترى في كل شيء سوى الحذق في الدجل، تلك الأعمال لم تنفد بعد إلى كلَّ الأسرار النفسية. الآن، أنا أتحدى أي شخص يفسر فوضى بروغهل الشيطانية والظريفة بغير نوع من النعمة الخاصة والشيطانية»(30).
قد يبدو هذا المقطع محدود الفائدة إذا أخذناه معزولا، ولكن لإدراك كل غناه لابد من أن نقرِّب «النعمة الخاصة والشيطانية» التي يفسر بها بودلير القوة الإبداعية التي يتمتع بها بروغهل من «الدين الشيطاني» التي يذكره بصدد موسيقى فاغنر Wagner، والتي حاولتُ في مكان آخر أن أبين أن هذا الدين يقع في قلب تفكيره(31).
لفهم أعمال بروغهل، يفضل بودلير تفسيرا سحريا على التفسير الفولتيري. وتتمثل أصالته بشأن هذا الموضوع في أنه لا يعتبر هذين التفسيرين مجرد بديل أو خيار بين التقدم والتقهقر. ووفقا لفولتير، فإن «الكنيسة أدانت السحر، لكنها لا تزال تؤمن به»(32). وبرفض بودلير للفلسفة الفولتيرية، فهو لا ينزلق نحو العقيدة الكاثوليكية. فهو بإمكانه أن يوفق بين السحر والدين مادام القدر الذي يسعى إلى بلوغه هو نفسه «ضد الدين».
ونجد مثالا آخر عن التحالف المتناقض بين السحر والحداثة في بعض رسامي الكاريكاتور الأجانب، وهو مثال غويا Goya الذي يلاحظ بودلير أنه «لا يزال فنانا عظيما» يوحد بين «المرح، والبشاشة، والهجاء الإسباني لزمن سرفانتس السعيد، وبين روح أكثر حداثة»(33). ومن خلال التأكيد على حداثة غويا، يجدُ بودلير من الغريب أن هذا الفنان
«الذي يأتي بعد حركة القرن الثامن عشر الساخرة الكبيرة والهدامة، والذي ربما كان فولتير يشعر بالامتنان (…) لكل الرسوم الكاريكاتوية لغويا، هذه، التي تصور العوالم الرهبانية (…) التي طالما حلم فيها بالساحرات، وأسفار السبت(34) (و)الأعمال الشيطانية»(35).
لا تحتاج إمكانية تطبيق أفكار بودلير حول الرسم على الشعر إلى إقناع أحد اليوم(36). فهو يتحدث عن الرسم بلغة الشعر، كما في صالون 1846، حيث تحدث عن «موضوعات عاشقة وعن السيد تاسايرت Tassaert»، أو على العكس من ذلك يتحدث عن الشعر باصطلاحات الرسم، كما في صالون 1859، حيثُ يسمي فكتور هيغو بـ «ملك رسامي المناظر الطبيعية»(37). أما فيما يخص الشعر في علاقته بالسحر، فنحن نفكر أولا في زهور الألم، وفي الإهداء إلى تيوفيل غوتييه Théophile Gautier «الساحر في الآداب الفرنسية». و بمجموعة الأبيات الشعرية بالخصوص، يتم ربط «سحر التعاويذ»، هذا، الذي يعتبر «اللغة والكتابة» كأنهما «عمليات سحرية»(38). ولكن بودلير، كما يلاحظ جورج بلين، «لا يحفظ للتعويذة الشعرية هذه القدرة على انتزاع ‘واقع ثان’ من الفراغ»(39). والقصائد النثرية لديوان سوداوية باريس Spleen de Paris في معظمها لاحقة للقصائد النثرية التي كتبها على مدى عشر سنوات ابتداء من 1885. وبذلك فهي معاصرة لغالبية الكتابات الجمالية المشار إليها أعلاه، ممن المعرض الدولي إلى رسام الحياة الحديثة. وإذا كان شكل قصيدة النثر الجديد والمتناقض ظاهريا يعرضُ انفصالا عن التقليد الشعري الفرنسي الذي تخضع له زهور الألم(40)، بصرف النظر عن أصالتها، فهو بدون شك مُناسب أكثر، من هذا الجانب تحديدا، لإرضاء متطلبات جمالية توحد بين التفكير السحري ووصف الحياة الحديثة.
وحول قصيدة النثر «هبات الجنيات»، يلاحظ ناشرو بودلير، بدءا من روبرت كوب Robert Kopp، تأثير حكاية غاباليس Comte de Gabalis أو مقابلات حول العلوم السرية لمونت فوكون دُ فيلار التي ذكرتُها أعلاه. قد يبدو تأثير فيلار تفسيرا، ولكن لدى التفكير مليا في أقوال النقاد يتضح أن هذا التأثير لا يفسر الكثير. فهو في رأي مارك إجلدنجر Marc Eigeldinger يقتصر على إشارة، وردت في الفقرة الثالثة عشرة من قصيدة النثر إلى الغنومات(41)، والسَّمادل(42)، والسّيلفات(43)، والأندينات(44). وأكثر من ذلك، فربما «تحرر بودلير من نموذجه» الذي لم يأخذ منه «سوى تشخيص الجنيات ليعرضها في عالم الخيال»(45).
تبدأ هذه القصيدة الشعرية النثرية بعبارات: «كان اجتماعا كبيرا للجنيات». وإذا كنا سنفكر في نموذج»، كما يفعل إجلدنجر، فسيكون من الطبيعي جدا أن ننطلق من هنا بدل الانطلاق من إشارة مخفية نسبيا إلى المواد الأولية لفيلار. يتعين على تاريخ الحكايات العجيبة أن يشتمل على الكثير من تجمّعات الجنيات. والاجتماع الذي آخذه هنا يأتي من النسخة الأولى للحسناء والوحش باللغة الفرنسية، وهي ليست نسخة مدام لوبرانس دُ بومون Madame Le Prince de Beaumont، بل نسخة مدام فيلنوف. فهذه الحكاية المتألفة من 380 صفحة، مُدرَجة في مجموعة من خمس مجلدات، الصادرة في عام 1740 و1741، بعنوان الشابة الأمريكية والحكايات البحرية La Jeune Amériquaine et les contes marins، تتضمن فقرة مهمة حول اجتماع الجنيات، ومن المعقول أن نفترض أن بودلير قد استلهمها.
وكما قلت أعلاه عن كتُب الأب فيارد، فليس من الضروري إثبات أن بودلير قد قرأ قصة مدام دي فيلنوف لتبرير تقاربهما. ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون قد قرأ هذه القصة. في المقابل، ما ليس مُرجحا هو أن يكون لم يقرأ أي حكاية تشتمل على اجتماع للجنيات. وللمقارنة بين كتابات بودلير وقصص مدام دي فيلنوف، يجب أن نتخلى عن فكرة التقليد بالمعنى الدقيق على طريقة ستاروبنسكي الذي وجَدَ في قصيدة النثر «الكعكة» أصداء لجان جاك روسو، حيثُ يقوم بودلير بـ «تنقيح النمط motif وإعادة تأويله» من خلال إعادة تعديل المشاهد لإعطائها معنى جديدا(46).
وهكذا، وعلى عكس قصيدة النثر لبودلير، حيث موضوع اجتماع الجنيات هو توزيع الهبات على المواليد الجدد، فإن الاجتماع في قصة مدام دي فيلنوف له وظيفة قضائية ويتولى محاكمة الجرائم التي ارتكبتها جنيات. ولكن بالنظر في قصيدة النثر التي كتبها بودلير في مجموعها وفي قصة مدام دي فيلنوف، نرى أن هذا التمييز سطحي. ففي «هبات الجنيات»، يقيم بودلير موازنة بين العدالة الخارقة للطبيعة والعدالة الإنسانية مُلاحظا أنَّه من الممكن أن يوجد التسرع والصدفة في كلتيهما. وإذا كانت الهبات في قصة مدام دي فيلنوف ليست ضمن اختصاصات اجتماع الجنيات، فإن الكثير من الهدايا تحضر فيها: هدايا تطلبها أخوات الحسناء؛ هدايا يقدمها الوحش لوالد الحسناء؛ ولكن هناك بالخصوص هذه الهدية المتمثلة في التبرع بالنفس التي يفرضها الوحش والتي بها تشتري الحسناء حياة والدها.
كما نجد في «هدايا الجنيات» أصداء عديدة لقصة مدام دي فيلنوف. فعندما تجيبُ الجنية في قصيدة النثر لبودلير «أجوبة واثقة النفس بمرتبتها»، يمكن أن نفكر في جنية قصة مدام فيلنوف التي خفض الاجتماع رُتبتها لأنها تصرفت بسلوك لا يليق بمقامها. وكما في «هبات الجنيات» «نادرا» ما يُطبق القانونُ الذي يسمح بمنح الطفل المنسي شيئا ما بعد نضوب الحصص، كذلك يُدينُ الاجتماعُ في قصة مدام فيلنوف الجنيةَ بسبب اقترافها شتيمة نادرا ما تُرتَكَب. والجنية التي ترفضُ الإدلاء بتفسير لهبتها في نهاية قصيدة بودلير النثرية تتصرفُ على طريقة جنيات حكاية مدام فيلنوف اللواتي تنتشرن في جميع أنحاء العالم «لفعل الخير أو الشر، دونَ أن يُلزمنَ (…) بتفسير أفعالهن»(47). وكما تعتبر الجنياتُ في خرافة مدام فيلنوف أن حضورهن الاجتماعَ «عبئا»، تنظر الجنيات في قصيدة النثر إلى «توزيع الهدايا» على أنه «عبء». أخيرا، فإن ولد التاجر الفقير في «هبات الجنيات» يشبه الحسناءَ في خرافة مدام فيلنوف، والتي هي الأخرى أبوها تاجر فقير، يُشبهها في طبيعتها القربانية (وهو ما يُشدِّد عليه جيروم تيلوت)، ولكن يشبهها أيضا في الهبة التي يتلقاها من الجنية، وهي على وجه التحديد هدية منح السرور.
وهناك حكاية أخرى نجد أصداء لها في «هبات الجنيات»، وهي الأمير القاتل والأمير الثري لمدام لوبرانس دُ بومون Madame Le Prince de Beaumont. يُلتَمَس من إحدى الجنيات أن تقدم تبرعات لصبيين، فتسلط على البكر «كل أنواع المصائب إلى أن يبلغ سن الخامسة والعشرين»، وهو ما تحتج الأم عليه طالبة من الجنية أن تتركها تختار بنفسها هدية ابنها الثاني الذي تتمنى له النجاح في «كل ما يريد القيام به». ومن المفارقات أن الطفل المصاب بكل أنواع المصائب ينمي شخصية ممتازة وينتهي به الحال إلى النجاح في كل شيء، في حين يتحول شقيقه المسموح له بالنجاح إلى سيء فيمضي من فشل إلى آخر. ومن المفارقات أيضا أن نجد في قصيدة بودلير النثرية هبة الإثراء تُمنح لـ «الوريث الوحيد لعائلة ثرية للغاية»، فيشعر بالحرج من هذه الثروة بدل الاستمتاع بها، وهبةَ الشعر تُمنح لابن فقيرٍ عامل لا يستطيع بـ «أي حال من الأحوال أن يُساعد قدرات، ولا أن يلبي حاجيات،» طفله التعيس. وكما في قصة مدام لوبرانس دُ بومون، حيث لا تفهم الأم معنى الهدية التي منحتها الجنية لابنها البكر، يجرؤ التاجر الصغير في قصيدة بودلير النثرية على مساءلة الجنية رغم أنه نال لطفله أفضل الجوائز.
ماذا نستنتج من هذه المقارنات مع حكايات جنيات تعود إلى القرن الثامن عشر؟ هل يجب أن نرى في قصيدة النثر التي كتبها بودلير، على نحو ما يوحي به جيروم تيلوت Jérôme Thélôt في كتابه العنف والشعر، حكاية ميثولوجية نقدية للأسطورة؟
من خلال تسليط الضوء على المسافة الفاصلة في «هبات الجنيات» بين هبة الشعر وهبة السرور، يقول تيلو إن هذه القصيدة النثرية «تقلب منظور الكثير من لحظات زهور الألم – في قصيدتي ’نعمة‘، و‘ألباطروس‘ – حيثُ يؤدي انتخابُ موقف الضحية، عن كبرياء ومن أجل فضائله الجمالية، إلى حجب الاستبصار»(48).
ومن المشروع أن نرى في المجموعة الشعرية سوداوية باريس تفسيرا لزهور الألم وبدون شك أيضا أن نعثر في «هبات الجنيات» نقدا للرسالة القربانية للشاعر. ولكن مثل هذا النقد غير قابل للتعميم على مجموع القصائد النثرية القصيرة، ناهيك عن اليوميات الحميمية المعاصرة لهما، حيثُ يتم استعمال عبارات قربانية بارزة لرسم الخطوط العريضة لاعتذار عن عقوبة الإعدام، على سبيل المثال.
وما يكتبه بودلير عن غويا ينطبق بالطبع عليه هو نفسه: فهو يدرك تمام الإدراك أنه يأتي بعد «حركة القرن الثامن عشر الكبرى الهجائية والهدامة». وبالتالي، يمكننا أن نعتبر منظور نزع الأوهام الذي أبرزه تيلو، على عكس ما قد يحمل خطاب التقدم على التفكير فيه، سابقا للمنظور القرباني. ولكن الاستبصار نفسه، إذا كان هذا هو المعنى الذي يعطيه تيلو لنزع الأوهام، يُضاعَفُ بالظلام. وبذلك، وكما حاولت أن أظهر في مكان آخر، فإنَّ إدانة التضحيات في فلسفة عصر الأنوار تمرّ باللجوء إلى استخدام مخططات قربانية.
ولكي ندرج بودلير في استمرارية القرن الثامن عشر، يجب علينا أن نحدد ما يمكن أن تنطوي عليه حركة التنوير نفسها من تناقض. يحاول جورج بلين أن يشرح بطريقة لا تخلو من هالة «أن بودلير قد قام بالكثير من العمل لإعادة تأليف ما يحيط ببيته الشعري،(49) واستعمال مفردتي سحر وساحر بمعنى مجازي. يقول بلين: «لا شيء أكثر ميزة من التواتر الذي تتردد به هذه المفردة، بقيمتها المنهكة، تحت قلمه (…) ففي دُ لا كروا الذي يملك ‘سحر اللون’، يُمجِّدُ بودلير ‘الفن السحري الذي بفضله استطاع هذا الرسام أن يُترجم الكلام بصور تشكيليلة’؛ وهوغو يستعيد ‘موهبة الساحر’ مثلما تستعيد مارسلين دسبورد-فالمور Marceline Desbordes-Valmore ‘الانفجارات السحرية للعاطفة’، وغوتييه يستعيد ‘سحر اللغة’(50). وبأي طريقة نفسر استعمال بودلير لهذه المفردات، فإنها تتوافق بسهولة مع آرائه الجمالية، وتكمن الصعوبة كلها، برأيي، في تحديد درجة المجازية التي يتعين منحها لتلك الكلمات.
يبدو أن المُقارنة مع ديدرو تكشف الكثير، ولو أن فكره المتعلق بالسحر يتعارض مع فكر بودلير بما أنه كان يدعو إلى التخلي عن العجيب في الفنون الجميلة. فبتصفح صالون 1767، نرى أن استخدام هذه الكلمات بمعناها الضعيف لا يخلو من تواتر عند الفيلسوف: «الانسجام السحري» الذي يربط بين مختلف الأشياء في اللوحة، «سحر النثر»، «سحر الضوء والظلال»، «سحر الريشة»، «سحر الفرشاة»، تلك بعضُ التعابير المميزة لكتابات ديدرو حول الفنون الجميلة(51). والتناقض الذي قد نغرى برؤيته بين النظريات الجمالية عند ديدرو وبين استعماله لمفردات سحر وسحري بمعنى مجازي هو تناقض ظاهري أكثر منه حقيقي. لا شك أن المعنى المجازي لهذه الكلمات هو أحد نتائج حركة التنوير، ولا بد أن يكون ديدرو هو أحد الأوائل الذين استخدموا مثل هذه العبارات على نطاق واسع.
ويضيف بلين: «لو كان لبودلير الوقت أو الرغبة في إكمال نص صواريخ أو قلبي العاري لكنا الآن واثقين من درجة الصحة التي كان يعزوها للممارسات السحرية»(52). في رأيي، لا شيء مؤكد. وعلى افتراض أن بودلير أنهى الكتابين السابقين، فاستخدامه للسحر يبدو لي متناقضا إلى حد لا يسمح لنا بأن نحدد فكره «بالضبط» حول هذا الموضوع. وعلى غرار شيطان اللاعب السخي، قام بودلير، كما كتب في مشروع مقدمته الأخيرة لديوان زهور الألم، بوضع مجده في كونه «لا يُفهم، أو لا يُفهم إلا قليلا»(53). ربما ترك بضعة أسطر، أو بضع صفحات، أخرى – جميلة ربما – دون أن يُسلم مفتاح اللغز.
ريجينالد ماك جينيس(1) الحداثة والسحـر: بودلير قارئا للقرن الثامن عشر / ترجمة: محمد أسليم
***
- العنوان الأصلي للنص ومصدره:
Reginald McGinnis, «Modernité et sorcellerie: Baudelaire lecteur du XVIIIE siècle», Alea, vol.9 no.1 Rio de Janeiro Jan./June 2007 :
https://doi.org/10.1590/S1517-106X2007000100003
(1) بروفيسور في قسم اللغة الفرنسية والإيطالية بجامعة أريزونا. حائز على دكتوراه من جامعة ستانفورد (1990) بأطروحة في موضوع: الشعر والمقدس: شارل بودلير، تحت إشراف رونيه جيرار، ومنشورة في فرنسا تحت عنوان: الدعارة المقدسة: دراسة حول بودلير، باريس، منشورات بيلين، 1994 / La Prostitution sacrée, essai sur Baudelaire. Paris: Editions Belin, 1994
(2) BLIN, Georges, Le Sadisme de Baudelaire, Paris, José Corti, 1948, p. 77.
(3) BAUDELAIRE, Charles. Correspondance. Bibliothèque de la Pléiade, Paris, Gallimard, 1973: I, 920-21, note 2.
(4) BILA, Constantin. La Croyance en la magie au XVIII e siècle en France, Paris, Librairie J. Gamber, 1925, p. 91.
(5) Revue d’Histoire Littéraire de la France, novembre-décembre 1969, no. 6: 1020-1021.
(6) VILLARS, Montfaucon de., Le Comte de Gabalis, entretiens sur les sciences secrètes, Préface de Hubert Juin, Paris: Belfond, 1966, 145.
(7) مٌترجمة إلى اللغة العربية: شارل بودلير، اليوميات، ترجمة: آدم فتحي، كولونيا، منشورات الجمل، 1999، (176 ص.). (المترجم).
(8) I, 687.
(9) Paris: 1803: 1.
(10) المقصود بالموسوعة هنا دائرة معارف دالبير وديدرو، وهي أول موسوعة في العصر الحديث الأولى، أشرف عليها دُنيس ديدرو (1713-1784) Denis Diderot وجان لورون دالمبير (1717-1783)، وصدرت بين 1752 و1771، تحت عنوان الموسوعة أو قاموس الفنون والعلوم والحرف / Encyclopédie ou Dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers، وهي متوفرة في نسخة رقمية بشبكة الأنترنت (المترجم):
https://www.lexilogos.com/encyclopedie_diderot_alembert.htm
(11) التعريف الذي يعطيه فيارد للسحر والسحرة – «من هو الساحر؟ إنه بلا شك رجل يعمل عن طريق الشيطان أو أشرار الجن» (Lettres philosophiques sur la magie, Paris, 1803: 1-2) – كان شائعا في القرن الثامن عشر، وهو يطابق تعريف الطبعة الأولى لمعجم الأكاديمية الفرنسية الصادرة في عام 1694، وهو: «يطلق اسم السحر الأسود على السحر الذي يعمل بواسطة شياطين.»
(12) RUFF, Marcel. L’Esprit du mal et l’esthétique baudelairienne. Paris: Armand Colin, 1955: 14.
(13) BOURGUINAT, Elisabeth, Le Siècle du persiflage, Paris, Presses Universitaires de France, 1998: 172.
(14) RUFF, Marcel, Op. cit., 378, note 23.
(15) II, 715.
(16) II, 715.
(17) التشديد مني.
(18) II, 717.
(19) الكانديديون candides: المتأثرين بأفكار فولتير الوارد في قصته الفلسفية الحاملة للعنوان نفسه، «كانديد أو التفاؤل Candide ou l’Optimisme»، أصدرها المؤلف في جنيف سنة 1759. (م).
(20) II, 717.
(21) I, 353
(22) يقول بودلير: «في أذني كونت شيستيفييرلد Chesterfield، يمزح فولتير حول هذه الروح الخالدة التي بقيت لمدة تسعة أشهر بين البراز والبول. كان فولتير، ككل الكسالى، يكره الملغز mystère. المترجم. انظر:
– BAUDELAIRE, Charles (1821-1867): Mon coeur mis à nu : journal intime, (1887) :
http://www.bmlisieux.com/archives/coeuranu.htm
(23) II, 618.
(24) II, 492.
(25) II, 660.
(26) II, 691-692.
(27) II, 694-95.
(28) II, 580.
(29) II, 573.
(30) II, 573.
(31) McGINNIS, Reginald, La Prostitution sacrée: essai sur Baudelaire, Paris, Belin, 1994.
(32) Dictionnaire philosophique. Chronologie et préface de René Pomeau, Paris, Garnier-Flammarion, 1964, 358.
(33) II, 568.
(34) أسفار السبت sabbat: حسب اعتقاد سائد في أوروبا العصور الوسطى، لاسيما في فترة مطاردة الساحرات، فإن هؤلاء كنَّ يٌسافرن ليلة السبت إلى بلد الشيطان، طائرات على متن مكنسة، للمشاركة في اجتماعات الشيطان، حيث كانت تقام مأدبات وحفلات راقصة، وتحيا شعائر وثنية، وممارسات جنسية… (م).
(35) II, 568.
(36) حول هذا الموضوع، انظر بيبليوغرافا:
– Yann le Pichon et Claude Pichois, Le Musée retrouvé de Charles Baudelaire, Paris: Stock, 1992, 234-236
(37) II, 668.
(38) Voir BRUNEL, Pierre, Baudelaire et le “puits des magies”, Paris, José Corti, 2003.
(39) BRUNEL, P., Op. cit., 98.
(40) هناك عدة ترجمات عربية لهذا الديوان: شارل بودلير، أزهار الشر، ترجمة: حنا الطيار وجورجيت الطيار، حمص، دار المعارف، الطبعة الأولى 1990 (137 ص.)؛ شارل بودلير شاعر الخطيئة والتمرد، تعريب وتحليل الدكتور عمر عبد الماجد، عمان-الأردن، دار البشير، 1997 (133ص.)؛ شارل بودلير، زهور الألم، تقديم وترجمة مصطفى القصري، الرباط، منشورات مرسم، 1998، (337ص.)؛ شارل بودلير، أزهار الشر، ترجمة الدكتور إبراهيم ناجي، سوسة-تونس، دار المعارف للطباعة والنشر2007 (168ص.). (م).
(41) جمع غنوم Gnome: يشار بع إلى مخلوق أسطوري وروح متقلصة في سحر عصر النهضة والكيمياء، ولكن أيضا – وهذا هو الاستعمال الشائع – مخلوق بشري صغير يعيش تحت الأرض. (م).
(42) جمع سمندل Salamandre: اصطلاح يشار به إلى قسم كبير من الأنواع البرية المائية، يتراوح طولها بين 25 سم ومتري. (م).
(43) ج. سليف Sylphe: كائن خرافي يعيش في السَّماء. (م).
(44) أوندينات Ondynes: فتيات أسطوريات يظهرن في الماء، البحار والأنهار والوديان. (م).
(45) Revue d’Histoire Littéraire de la France, novembre-décembre 1969, no. 6, 1020-1021.
(46) STAROBINSKI, Jean, Largesse, Nouvelle édition revue et corrigée par l’auteur, Paris, Gallimard, 2007, 123-124.
(47) Mme VILLENEUVE, Le Cabinet des fées, ou collection choisie des contes des fées, et autres contes merveilleux, Amsterdam, 1786, tome 26, 175.
(48) THÉLÔT, Jérôme, Violence et poésie, Paris, Gallimard, 1993, 96.
(49) THÉLÔT, Jérôme, Op. cit., 99.
(50) Ibidem, 99, note 5.
(51) DIDEROT, Denis. Œuvres complètes de Didero, Paris, Garnier, 1876, tome XI, 114, 173, 178, 227 et 237.
(52) DIDEROT, Denis, Op. cit., 75.
(53) I, 184.