لا أستطيعُ تقدير عدد اللعنات التي نزلت عليَّ مساء أمس ويومَه، وربما ستتواصلُ إلى حين إنهاء تجديد مكتبتي، من خلال استبدال الهياكل والرفوف الحديديين بأخرى خشبية. لعنات تنزلُ من بضعة أزواج حمام منزلية أربيها. فبمجرد ما رأت رفوف الأجزاء التي أخرجتُها لوضع اللمسات الأخيرة عليها، أخذت تحوم حولها، ثم شرعت، في انتقاء، وبعناية شديدة، ما حسبَتْهُ خمما جديدة أحضرتها لها.
يختار أحد الذكور رفا في أحد طوابق الهيكل الخشبي، ثم تلحق به أنثاه، وتأمره بالانتقال إلى رف آخر في طابق آخر، أو العكس؛ تنتقي أنثى «بيتا» ثم تدعو ذكرها إليه. يتبادلان العروض والزيارات تماما كما يتنقل أزواج البشر بين شقق العمارة الجديدة لاختيار المسكن المناسب لهما، فيقول الزوجُ لزوجته:
– هذه الشقة أفضل من تلك، لأنها مشمسة.
– نعم، ولكن أين غرفة الأطفال؟
– ها هي!
– لكنها صغيرة جدا، لا تتسع لأكثر من طفل واحد!
– مممه!
– تعال نعود إلى شقة الطابق الثاني.
– أوكي، هيا بنا…
أجرّ الهيكل الخشبي لطلائه فينزعج قاطنوه، يغادرون «بيوتهم» مفزوعين، وينتقلون إلى خزانة خشبية أخرى لانتقاء بيوت جديدة، والاستقرار فيها، وهكذا دواليك. ولما تكررت العملية مرات عديدة، كفت الأزواج عن زيارة «شققها الجديدة»، واكتفت الجماعة بتأمل ما يجري من مسافة غير بعيدة عني، مع الاقتراب من حين لآخر لتفقد سير الأشغال ومعرفة إلى أين وصلتْ.
عندما ستختفي الرفوف من شرفة البيت، ويطول انتظار ظهورها مجددا دون أن تنفع أغنية «طال انتظارك» التي سيترنم بها مرارا مغني الجماعة أو مغنيتها إلى أن ييأسا فيكفان عن الغناء… آنذاك، قد تنهال اللعنات علي مجددا، وقد يؤاخذ هذا الذكر أنثاه لكونها هي التي أوقعته في خديعة السكن الجديد، كما قد تؤاخذ هذه الأنثى أو تلك ذكرها لثقته العمياء في هذا المربي الذي لا يؤمَنُ جانبُه. وقد يتداول الجمعُ في المسألة، وقد فيستخلصُ – ضمن ما يستخلص – مثلا يلقنه كل زوج حمام لأبنائه وأصدقائه في السماء، أثناء التحليق، وفي سطوح الأبراج لدى الاجتماع هناك للتعارف وتبادل الأخبار والنميمة في مربي الحمام وقص نوادرهم وأطوارهم الغريبة، وما إلى ذلك:
– لا تثق في إنسيّ ولو كان مربيك الذي يأويكَ ويُطعمُك! كلهم من طينة واحدة!
وهو ما تبادلناه ونتبادله هذه الأيام حول معظم زعماء أحزابنا السياسية قائلين:
– لا ثقة في زعيم حزب ولو غلظ الأيمان بأنه سيحقق سائر وعوده الانتخابية، فكلهم من طينة واحدة!