Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
م. أسليـم: كتاب «ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 01 – تقديـــم – محمد أسليـم

م. أسليـم: كتاب «ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 01 – تقديـــم

1496 مشاهدة
م. أسليـم: كتاب «ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 01 – تقديـــم

إذا كان الأدب ممارسة لغوية سحيقة خرجت من المعبد، وبالتالي تنحدر من أصل قدسي، ثم تحولت إلى ظاهرة تلازم الإنسان في سائر الأزمنة والأمكنة، فأي وضع اعتباري يمكن أن يأخذه فن القول عندما يؤسس النص الديني إعجازه على البيان، ثم يُنزل نفسه منزلة فوق كل إبداع لغوي، واضعا كل محاكاة له – فأحرى مضاهاته – في حكم المستحيل؟ ماذا يبقى للإنسان أن يقول آنذاك؟ هل يتخلى عن الأدب؟ هل يمكنه أن يتخلى عن ذاكرته؟ هل باستطاعته أن يتنكر لأصوله؟ هل يمكنه أن يبدع من فـراغ؟

لا يتردد البعض في القول بأنـه «يمكن تصور، بل وحتى ممارسة – مغامرة شعرية ترتكز على النسيان، أو بالأحرى على الصفحة البيضاء»[1]، وهي أطروحة يبدو للوهلة الأولى من السهل قبولها ودعمها بأدلة من التراث العربي نفسه. أما وَرد أنَّ خلفا الأحمر لم يأذن لأبي نواس بنظم الشعر إلا إذا «نسي» نسيانا تاما كل ما حفظه من أشعار العرب؟[2] لكن ألم يمتنع خلف نفسه، قبل ذلك، عن الترخيص لأبي نواس بنظم الشعر ما لم يحفظ «ألف مقطوع للعرب، ومائة أرجوزة، قصيد ومقطوع»؟[3]. هل نسي أبو نواس فعلا كل ما حفظه؟ هل شعره مقطوع الصلة بالمخزون الذاكري لصاحبه؟ ذلك ما يمكن الإجابة عنه بتناول ما اندرج من شعر أبي نواس في باب «السرقات الشعرية» بلغة القدماء، أو«النص الغائب» أو «التناص/التداخل النصي» بتعبير المعاصرين. ومن شأن دراسة كهذه أن تساهم في تحديد معنى «النسيان» وإبراز علاقة الإبداع بـ «ذاكرتيه» الاجتماعية والثقافية (بالمعنى الأنثروبولوجي للكلمة).
بتأمـل الإنتـاج الشعري ما بعد مجيء الإسلام، من جهة، والنقاش النقدي الذي واكبه، من جهة ثانية، يمكن القول إن مسألة علاقة الإسلام باللغة ليست بالسهولة التي تتصوَّر. بل ربما مَثلَ السياق الإسلامي فضاءً لهذه التجربة الفريدة في تاريخ البشرية. فقد خصّ القرآن والحديث والفقه الشعر والشعراء بآيات وأقوال وأحكام كان لها آثار لا تنكر على أصعدة السياسة، والمجتمع، والإبداع، والنقد، نرجح أن امتداداتها لازالت قائمة حتى اليوم.
ففيما وراء تعدد أشكال الإنجاز في الشعر العربي المعاصر، يمكن افتراض أن القصيدتين العمودية والحرة، على السواء، تلتقيان في هذه النقطة المتمثلة في تدبير معيَّن للعلاقة بالمقدس، ومن ثم إمكانية مقاربة ما يُنتج في الحقل الشعري اليوم انطلاقا من أسئلة من ضرب: بأي علاقة ترتبط هذه القصيدة أو تلك – وإن على نحو غير واعٍ – بميراثها المزدوج: التأمل الديني في الشعر والإنتاج الشعري العربي الإسلامي؟ ما هي المتغيرات التي جعلت هذه الصلة أو «القطيعة» أمرا ممكنا؟ استنادا إلى مُسَلمة العلاقة التلازمية بين الشعر والغواية، ما أشكال غواية الشعـر العربي الراهـن؟
لا يسعى الكتاب الحالي إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، كما لا يروم المساهمة في ذلك النقاش الذي لم يحسم إلى اليوم حول السؤالين: هل الإسلام حرَّم الشعر أم أباحه؟ هل أضعف الدينُ الشعر أم قوَّاه؟ وبالمقابل، نقترح الرجوع إلى اللحظة التأسيسية للعلاقة بين الإسلام والشعر، لإظهار مكانة فن القول في كوزموغونيا النظام الجديد، وفهم كيف ولماذا اعتبر الشعرُ خطرا وأدرج في إيحاءات الشيطان وأعماله. بتعبير آخر، إن طموحنا في المقام الحالي لا يتجاوز السعي إلى صياغة فرضيات وتحديد وجهة للنظر في الظاهرة الشعرية عند عرب ما بعد نزول الوحي، من شأنها أن تشكل خلفية لفهم الوضع الاعتباري للشعر العربي من حيث الإبداع والتلقي على السواء في العصور التالية لنزول الوحي بما فيها العصر الحاضر…
مع أن أجناسا أدبية، كالمسرح والرواية، تعتبر – عن صواب أو خطإ – مستحدثة أو دَخيلة على الثقافة العربية، فإنها ترتبط ارتباطا وثيقا بإشكالية العلاقة بين الدين والإبداع: ألم يُصادر التقليد الديني الأرثوذكسي فن المسرح ويحرِّم التمثيل معتبرا «الممثلين قردة وخنازير»؟[4] ألم تعتبر الرواية، من منظور لغوي طهراني، خطرا على الأخلاق العامة ومفسدة للسان بحيث لم يتردد البعض في المطالبة بإحداث فصل في قانون العقوبات لمعاقبة الروائيين الفجرة لمحاكمتهم «بتهمة الفجور باللغة»؟[5]، ألم تُمنَع روايات مثل «الخبز الحافي» و«أولاد حارتنا»، من التداول لأسباب أخلاقية و/أو دينية؟ أما إذا تذكرنا الروايات التي منعت لأسباب سياسية – وكم هي عديدة – أو المحاكمة التي تعرض لها مؤخرا كاتبُُ مصري بـ «تهمة رواية»[6]، فإن أفقا آخر يرتسم للبحث في علاقة الرواية بالسلطة، بما يقتضي طرح أسئلة من نوع: أي سلطة يمتلكها النص الروائي، إذا ما ولـج مناطق محدَّدة من القول، بما يقتضي مواجهته بسلطة مضادة؟
إذا استحضرنا ما يرويه الإمام الغزالي من أن إبليس لما رفض الامتثال لأمر الله مُسخ، فصار منكوسا «كالخنزير»، ذا وجه «كالقردة»، وأنياب «كالخنزير»[7]، اتضح أن وصف المسرحيين بالـ «قردة و(الـ)خنازير» إنما هو طريقة ملتوية في نعتهم بالـ «أبالسة أو الشياطين»، أي بالخارجين عن الدين، ذلك أن «كل حال خرج صاحبه عن حكم الكتاب وما جاء به الرسول فهو شيطاني كائنا ما كان»[8]. بأي معنى يمكن أن يكون الفن المسرحي خروجا عن العقيدة؟ كيف يمكن لاستعمال معين للغة أن يُعادل فعل الفجور؟ أي رهان ينطوي عليه اللسان بحيث يشكل مكانا لاصطدام المعايير؟ مع أن هذه الأسئلة تعيدنا إلى مَعقل الكوزموغونيا الإسلامية وأسطورة أصل الفن في الإسلام، فإننا آثرنا في القسمين الخاصين بالرواية والمسرح أن ننكب على مسألة الأصول في هذين الفنين، من زاويتين مختلفتين هما: كيفية تدبير الأصل الثقافي بالرواية وداخلها انطلاقا من نص محدّد؛ ثم الوقوف، من خلال بحثين في المسرح المغربي، صدرا حديثا، على إمكانية لتجاوز سؤال الأصل إلى أفق ما أسميناه بـ «إثنولوجيا المسرح المغربي».
وإذا كانت الدراسات الحالية قد كتبت في أوقات متباعدة وسياقات مختلفة، فإننا أعدنا فيها النظر ووسعناها بما وَفَّرَ لها خيطا رابطا يتمثل في تأمل «الأدب باعتباره عملا ينتزع ملكية الأصول ويعيد توزيعها»[9]. فهل كون فن القول عصفا بالأصل هو ما يجعله في منتهى الخطورة؟[10]
لا تفوتني الإشارة إلى أن العمل الحالي ما كان سيرى النور في هذا التاريخ لولا أن أصدقاء لي أبوا إلا أن يشملوني بفضلهم. وأخص منهم بالذكـر:
– د. حسن المنيعي الذي نصحني بإخراج هذه الدراسات في كتاب مستقل، وبادلني وجهات نظر كانت حاسمة في بلورة غير قليل من الأفكار المقدمة في هذا المقام؛
– د. حسن يوسفي، والأستاذ محمد أمنصور، والباحث جواد الرامي، الذين تفضلوا بقراءة مخطوط البحث وإبداء جملة ملاحظات وجدتها في غاية الأهمية؛
فإلى جميع هؤلاء الأصدقاء أتقدم بخالص الشكـر والاعتراف بجميلهم علـيَّ.
مكناس في 28 ينايـر 1999
[1] Judith Schlanger, La mémoire des oeuvres, Nathan, 1992, p.29.
[2] ابن منظور، أخبار أبي نواس، ملحق كتاب الأغاني، بيروت، دار الفكر، ط. I / 1988، ج. 25، ص. 40-41.
[3] نفســـه، ص. 40.
[4] د. حسن المنيعي، المسرح المغربي [من التأسيس إلى صناعة الفرجة]، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية (ظهر المهراز)، فاس، 1994، حيث يحيل على كتاب أحمد محمد بن الصديق، إقامة الدليل على حرمة التمثيل. للوقوف على مزيد من المواقف المناهضة للمسرح في الشرق العربي منذ ظهوره إلى أيامنا هذه، انظر: د. يونس الوليدي، «المسرح الإسلامي بين النظرية والتطبيق»، ضمن مجلة المشكاة، أعمال الملتقى الدولي الأول للأدب الإسلامي. رسالة الأدب والشهود الحضاري، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – وجدة / رابطة الأدب الإسلامي العالمية – الهند، ط. I / 1998، صص. 324-334.
[5] الرأي لمصطفى صادق الرافعي. انظر: محمد برادة، أسئلـة الرواية أسئلـة النقد، البيضاء، منشورات الرابطة، ط. I / 1996، ص. 20.
[6] يتعلق الأمر في هذه الواقعة – التي تناقلت خبرها مؤخرا وسائل الإعلام المكتوبة – بضابط مصري يسمى حمدي البطران، كتب رواية تحت عنوان «يوميات ضابط في الأرياف» حكى فيها تجربته في الصعيد المصري، فتابعته وزارة الداخلية المصرية بتهمة «إفشاء الأسرار».
[7] الإمام الغـزالي، مكاشفة القلوب المقرب إلى حضرة علام الغيوب، خرج آياته وراجعه وصححه ذ. بهيج غزاوي، بيروت، دار إحياء العلوم، ط. III / 1987، ص. 61-62
[8] ابن قيم الجوزيـة، الـروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة والآثار وأقوال العلماء، بيروت، دار الكتب العلمية، 1975، ص. 266.
[9] فتحي بنسلامة، تخييل الأصول. الإسلام وكتابة الحداثـة، ترجمة شكري المبخوت، تونس، دار الجنوب للنشر، معالم الحداثة، 1995، ص. 41.
[10] نفســـه، ص. 21.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الثلاثاء 04-09-2012 05:17 صباحا

الاخبار العاجلة