Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
م. أسليـم: ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 02 – الشعر والممنوع في السياق الإسلامي – محمد أسليـم

م. أسليـم: ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 02 – الشعر والممنوع في السياق الإسلامي

1569 مشاهدة
م. أسليـم: ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 02 – الشعر والممنوع في السياق الإسلامي

تمهيـــد

1. الإسـلام والقانـون: تعـريفـان
2. مكانـة الشعـر قبـل الإسـلام
3. الإســلام والشعـــر
3. 1. تعـارض وجـداني
3. 2. خــــرق
3. 3. فرض قانــون
4. خلاصـة وآفــاق

تمهيـــد

لدى التطرق لموضوع الكتابة والممنوع يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيفَ يديرُ النصّ الأدبي قانونه وممنوعه؟ وهو سؤالُُ يمكن معالجته من منظورين مختلفين: الأول بوسعه أن يعتبر الكتابة فضاءً مُغلقا، معزولا إلى حدّ ما عن سياقه الثقافي، أي يعتبرها شكلا، خطابا منبثقا من قانون ومُوَلدا لقانون آخر في آن. من جملة الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا المستوى: ما هي القواعد التي يجب على نص مَّا أن يخضع لها كي يُعتَبَر خطابا أدبيا؟ مع ماذا ينبغي لكتابةٍ مَّا أن تتماهى كي تحظى بالقبول باعتبارها قصة أو رواية أو شعرا؟ وإذا اختار البحث لنفسِه هذا الموقع الأول اندرجَ ضمن نظرية الأدب والأجناس الأدبية.
أما المنظور الثاني، فبإمكانه معالجة النصّ باعتباره فضاء مفتوحا على محيطه الثقافي مادام الكاتب، في كل سياق ثقافي، غالبا ما يوصَى – إن لم يُلزَم – بعدم اقتحام مناطق محدَّدة داخل ثقافته. من هذا المنظور، يمكن التساؤل: لماذا يُحظَرُ على الكاتب أن يتطرَّق إلى بعض الموضوعات؟ ماذا يمثل كل من الكاتب والكتابة في هذا النوع من السياقات؟
يرمي التأمل الحالي إلى التساؤل عن المعنى الذي يمنحه الإسلام للشعر، موقفه منه وأثر هذا الموقف في الكتابة الإسلامية عموما والشعر على وجه الخصوص، وبذلك فهو ينخرط في المنظور الثاني. وهو لا يسعى إلى تقديم أجوبة عن الأسئلة السابقة بقدر ما يريد إثارة قضايا من شأنها أن تشكل مدخلا لدراسة علاقة الإسلام بالكتابة.

1. الإسـلام والقانـون: تعـريفـان:
من الملائم تحديد المعنى الذي نعطيه للإسلام والقانون في هذا السياق:
– نقصد بالإسلام نظاما رمزيا محمولا داخل لغة، طرحَ نفسَه بديلا لنظام رمزي آخر اصطُلِحَ على تسميته بالـ «جاهلية». ويتكون (الإسلام) من مصدرين أساسيين هما الكتاب والسُّنَّة، بالإضافة إلى امتداداتهما الكتابية والسّلوكية اللاحقة بقطع النظر عن مسألة الـ «نقاء» أو مدى مطابقة هذه الامتدادات لـ «حقيقة» أولى يفترض أنها مُحَدَّدة بشكل لا يختلف فيه اثنان.
– أما القانون، فهو «تجسيد نظام بالقياس إليه يمكن للفرد أن يجد له مكانا ويتحدَّد باعتباره هوية» [2]. أو هو «علاقة معتَرَفُُ بها مع ما يمكن أن يُنتَهَك ويَطرَح، بالتالي، على الدَّوام، مسألة الخرق أو الانتهاك» [3]. بهذين التعريفين ينبثق القانون من ثلاثة أمكنة هي: الدخول إلى اللغة باعتبارها عالما رمزيا، ثم وظيفة الأب عبر إواليتي أوديب ومنع غشيان (أو زنـا) المحارم [4] (prohibition de l’inceste) ، وأخيرا حدوث قطيعة داخل العلاقة الانصهارية بين الفرد ومتخيَّله عبر تدخّل طرف ثالث هو الاسم»[5].

2. مكانـة الشعـر قبـل الإسـلام:
كان الشعرُ في المرحلة السابقة لظهور الإسلام يشاركُ في العنف والقتل باعتبارهما مظهرين أساسيين لمنطق اقتصادي خاص، «منطق يمنع على نفسه تكديس الثروات، لأن تراكمه الوحيد هو رأس مال الشرف الذي يحصل عليه الفرد في التحدي والعنف المحقَّق والمشيَّد على شكل سَنَنٍ (code) اجتماعي؛ عنف كان يعبر عن نفسه بالفعل في الغزو (أخذ غنائم الخصم) وبالكلمة في الشعر (اقتلاع الاكتئاب بإحياء دورة العنف)»[6]. وهو منطق استمر إلى عهد خلافتي عثمان وعلي، إذ يسوق صاحب الأغاني الرواية التالية، في موضوع مباراة في الكرم بين أبي الفرزدق وسحيم بن وثيل: «أجدبت بلاد تميم وأصابت بني حنظلة سنة[7] في خلافة عثمان، فبلغهم خصب عن بلد كلب بن وبرة، فانتجعها بنو حنظلة، فنزلوا أقصى الوادي، وتسرع غالب بن صعصعة فيهم وحده دون بني مالك بن حنظلة، فنزلوا أقصى الوادي، ولم يكن مع بني يربوع من مالك غير غالب، فنحر ناقته فأطعمهم إياها، فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرياحي حبس منها ناقة، فنحرها من غد، فقيل لغالب: إنما نحر سُحيم مواءمة لك – أي مساواة لك – فضحك غالب، وقال: كلا، ولكنه امرؤ كريم، وسوف أنظر في ذلك، فلما وردت إبل غالب حبس منها ناقتين، فنحرهما، فأطعمهما بني يربوع، فعقر سُحيم ناقتين، فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني، فعقر غالب عشرا، فأطعمها بني يربوع، فعقر سحيم عشرا، فلما بلغ غالبا فعله ضحك، وكانت إبله ترد لخمس، فلما وردت عقرها كلها عن آخرها، فالمكثر يقول: كانت أربعمائة، والمقل يقول: كانت مائة»[8].
والشعراء أنفسهم كانوا على وعي بأهمية كلمتهم في هذا السياق؛ فالقافية، عند الخنسـاء، تشبه حدّ السِّنان:
نبئـتُ قافيــة مثـل حـدّ السنا
نِ تبقـى، ويهلـك مـن قـالها[9]
وتترك الندب في أعراض الخصم، كما قال الشاعر:
نبئـتُ نبئـتُ قافيــة تناشـدها
قومُُ سأترك في أعراضهم ندبـا[10]
واللسانُ يجرح: «وجرحُ اللسان كجرح اليد»، بل جرحه أخطر من جراح السنان لأنه لا يلتئم أبدا:
أي شيء كان يصيبه الشعر في الإنسان العربي حتَّى يعتبر وقع السلاح على جسمه أهون وأقل وطأة من وقع الكلمة في نفسه؟ من أين كان الشعر يستمد سلطته؟
قال فرويد في معرض حديثه عن الكلمة: «لا نستهن بالكلمة! فهي أداة للسلطة (…) حقا في البدء كان الفعل، أما الكلمة، فلم تأت إلا فيما بعد. وقد حققت الحضارة تقدما كبيرا عندما تمكَّن الفعلُ من الاعتدال إلى أن صار كلمة. لكن هذه الأخيرة كانت في الأصل سحرا، كانت فعلا سحريا، وقد حافظت على الكثير من قوتها القديمة»[11]. وبالرجوع إلى الدلالة اللغوية لكلمة «شعر»، نجدها تعني الفطنة والعلم[12]، لكنها تعني أيضا القافية[13]، وكان هذا المصطلح المشتق من الجذر (قفا) يُطلق على الكلمة أو البيت أو القصيدة، وعلى الضرب على القفا، ثم على تتبع الأثر. وإذا كانت الدلالة الثانية (ضرب القفـا) تعيدنـا من جديد إلى الصلة بين الشعر والعنف، فإن الدلالة الأخيرة (تتبع الأثر) تشير إلى قرابة بين الشعر والكهانة والعرافة: الكهانة والعرافة معا تدلان على المعرفة. والقيافة ضربُُ من التنبؤ بالغيب يتمكن صاحبه من التعرف على الشيء انطلاقا من مشاهدة أثـره[14].
كان الشعر يُنشَد، أي يلقى بصوت مرتفع، وكان يعتمد على الإيقاع ونظام البيت والتشابه بين أواخر الكلمات. وإذا صحَّت أطروحة انحدار الشعر العربي من سجع الكهان[15]، فإن اعتماده الوزن والبحر والقافية يثبت من جديد علاقته بالسحر. وهنا نلامس معتقدا كونيا في الأصل الخفي للموسيقى: فكلمة (charme) الفرنسية، مثلا، التي تعني سحرا تنحدر من الأصل اللاتيني (carmen) الذي يعني سجع، وكلمة (incantation) التي تعني تعزيمة أو دعوة سحرية، مشتقة من الجذر (cantare) الذي يعني أنشد أو غنَّى[16]. في السياق نفسه يقول ديورانت: «الأدب في أول مراحله كلمات تقال أكثر منه حروفا تكتَب (…) وهو ينشأ في ترانيم دينية وطلاسم سحرية، يتغنى بها الكهنة عادة، وتنقل بالرواية من ذاكرة إلى ذاكرة، والكلمة التي معناها الشعر عند الرومان، وهي (carmina) تدل على الشعر والسحر في آن واحد، والكلمة التي معناها نشيد عند اليونان، وهي (ode) معناها في الأصل طلسم سحري، وكذلك قل في الكلمتين الإنجليزيتين (tune) و(laye) والكلمة الألمانية [17] (lied)». بل إن فرويد لا يتردَّد في اعتبار السحر خاصية ملازمة للغة نفسها، إذ يقول: «كل سحر الكلمات ينبع من هذا الاعتقاد بكلية قدرة الفكر، مثله مثل اليقين الراسخ بالقدرة المرتبطة بمعرفة اسم من الأسماء أو النطق به»[18].
يمكن القول بناء على ما تقدم إن الشعر السابق للإسلام كان بمثابة طقس سحري شَفَهي يستمد سلطته وخاصيته السحريتين من أداته باعتباره لغة، ولغته باعتباره موسيقى، وطريقة وسياق إلقائه باعتباره إنشادا. لقد حرَّم الإسلامُ الغناء، واتخذ إزاء السِّحر موقفا يتسم بالتعارض الوجداني، فأي موقف سيتخذه من الشعر؟

3. الإســلام والشعـــر:
لقد اتخذ الرسولُ (ص) من قلب النظام الرمزي السَّائد آنذاك واستبداله بنظام آخر مهمة أساسية له. وقد أحدث هذا التغيير تعارضا جذريا بين النظامين من خلال القيام بعملية تسمية مزدوجة: سُميتْ رسالة النبي «إسلاما» وسُميَ ما يقابلها «جاهلية». وإذن فالأمر لم يعد يتعلق بتاتا بالشعر كمعادل الفطنة والعلم[19]، بل سنرى أن النظم سيصير قرآنا للشيطان، والشيطان «…كلمة مشتقة من الشطن أي البعد»[20]، وعلى هذا الأساس يكون إبليس «هو تلك الشخصية البعيدة عن معرفة الأشياء على ما هي عليه في الحقيقة»[21]. كما تمَّ تحويل العنف والقتل السائدين، بشكل منهجي، نحو الخارج عبر عملية الفتوحات[22].
من المفيد ملاحظة تشديد الإسلام على طبيعته الكِتابية (نسبة إلى الكتاب). فقد وردت كلمة «كتاب» في القرآن 254 مرة بينما لم ترد كلمة «الشعر» سوى مرة واحدة. من الآن فصاعدا سيصير القرآن / الكتاب هو الذي يحتوي العلم وليس الشعر. بهذا الصدد، من الضروري التذكير بذلك «التمييز الأساسي القائم في الإسلام بين الكتاب باعتباره مفهوما يجمع كتابة النص من حيث هي مطلق الكتاب، والمصحف أي الكتاب الملموس المسمى القرآن (…) وزيادة على ذلك، وهذا أمر لافت للانتباه، يثبت القرآن أن الكتاب المطلق “أم الكتاب” محفوظ عند الله لا يبلغه إنس ولا جان، وأن القرآن ليس إلا نسخة مقروءة منه. فلا أحد، بذلك، يبلغ النسخة الأصل ولا الكتاب بتمامه وكماله. إن النص يضع أسس تعدد القوانين واللغات والشعوب. وتقوم ميتافيزيقية الكتابة على هذا التمييز الجوهري بين المكتوب والأصل المحفوظ والصورة المقروءة. فالكتابة والقراءة لا ينتميان إلى مجال واحد إذ لله القلم وللإنسان الذكر»[23]. وفي هذا السياق، يورد الطبري نص حديث نبوي يقول: «إن أوَّل ما خلق الله القلم فقال له: اكتبْ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن»[24].
روي أن لبيدا لما سئل عن الشعر قال: «ما قلتُ شعرا منذ سمعت الله عز وجل يقول: «الم ذلك الكتاب لا ريب فيه» (البقرة، 1)[25]، وكان ابن عباس يقول: «لو ضاعَ لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى»[26]، وأكد أبو بكر بن العربي أن «علوم القرآن خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف علم وسبعون ألف على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحدّ ومطلع»[27]. هذا التشديد، سواء نظرنا إليه من زاوية إرساله أو تلقيه، يبدو أنَّه لا يتضمن تجاوزا للتصور السائد عن الكلمة باعتبارها سلطة ساحرة بقدر ما ينخرط فيه؛ فالكوزموغونيا[28] الإسلامية ارتكزت على الاعتقاد في الكلمة الخلاَّقة (le Verbe créateur) الذي ابتكره قدماء المصريين[29]؛ ففي الإسلام «التسمية هي الخلق، والخلق هو التسمية»[30]، والرسول أربَكَ القرشيين كثيرا في بداية دعوته فحاروا، في إيجاد التسمية الملائمة التي تحدد هوية خطابه[31]، استنادا إلى ما تحصل لديهم من معارف بأجناس القول المعروفة لديهم من شعر وخطابة، وسجع الكهان، وبالتالي عسر عليهم تسميته، فاحتاروا بين أن يعتبروه كاهنا أو مجنونا أو شاعرا أو ساحرا. ومما يبرز هذا الموقف قولُ النضر بن الحارث لبني قومه بشأن الرَّسول: «يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمرُُ ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حَدثا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحرُُ، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعَقدهم؛ وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتَخالجهم، وسمعنا سجعهم؛ وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها: هزجه ورجزه، وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخَنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه قد نزل بكم أمرُُ عظيم»[32].
ولم يتواضعوا على اعتباره ساحرا إلا لكونه «يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وعشيرته»[33]، بمعنى أنهم سمُّوه بالارتكاز على الأثر الذي يحدثه خطابه وليس بالاستناد إلى تحديد هوية هذا الأخير، هذه الهوية التي ظلت منفلتة، لا مسماة كما يبدو من خلال هذه الحكاية التي أوردها ابن كثير:
«اجتمع قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرَنا وعاب ديننا فيكلمه ولينظر ماذا يردّ عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة (…) فأتاه عتبة فقال: يا محمد (…) وإنا والله ما رأينا سخلة[34] قط أشأم على قومه منك فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب حتَّى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وإن في قريش كاهنا (…) أيها الرجل إن كان ما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا، وإن كان إنما بك الباه فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا، فقال رسول الله (ص): “بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلتْ آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون” (فصلت: 1 – 4) إلى أن بلغ “فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.” (فصلت: 13)، فقال عتبة: حسبك ما عندك غير هذا؟ قال: لا! فرَجَع إلى قريش (…) ثم قال: لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمتُ شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة»[35].
هذه الحكاية، مثل كثير من القصص المتعلقة بالمواجهات الأولى بين الرسول وقومه، تبرز أن الإسلام قد أسَّس سلطته على مخالفته لما كان سائدا قبله بشكل جعل أمرَ تسميته مستعصيا، مما أفضى إلى اعتبار القرآن سحرا والرَّسول ساحرا. إنَّ كل ابتكار جديد كان يثير في الإنسان «البدائي» شعورا مزدوجا: يفتنه، لكن أيضا يرعبه، ومن ثمة يعزوه إلى قوى فوق إنسانية[36]. في رواية أخرى للقصة السابقة ورَدَ أن عتبة لما سمع الآية «فلما أعرضوا…» إلى «… مثل صاعقة عاد وثمود» أمسَك على فيه وناشد الرسول أن يكف عنه ولم يخرُج إلى أهله واحتَبَسَ عنهم»[37]، وذلك يجعَل احتمال أنه اعتبر ما تلاه الرسول عليه تعزيمة سحرية أمرا واردا. فالكثير من الدعوات والعزائم تتضمَّن كلمات وأسماء غير مفهومة، وتستمـدّ سلطتها السحرية بالضبط من كونها غير مفهومة[38].
يستنتج مما سبق أن الإسلام قد جعل من الكلمة رهانا للسلطة. ومن المؤكد أنه «عندما تصبح اللغة رهانا للسلطة، فإن مكانة الأب هي التي تكون مهَدَّدة»[39]. فأي وضع اعتباري أخذه الشعر في هذا السياق؟
بالرجوع إلى عقدة أوديب الشهيرة، بوصفها أحد الأمكنة الأساسية لتشييد القانون، نجدها تتضمن إواليتين أساسيتين هما المنع والتَّماهي (l’identification). ويمكن العثور على صياغة مبسطة لسيرورة هذا المرَكب، بقلم فرويد نفسه، في ما يلي: «يبدأ الولد الصغير في سن مبكرة يشعر بالحب نحو أمه، وهو حب كان في الأصل متعلقا بثدي الأم، كما أن أول حالة من حالات اختيار الموضوع تنشأ في صورة الاعتماد على الأم، أما فيما يتعلق بالأب، فإن الولد يقوم بتقمص شخصيته وتبقى هاتان العلاقتان جنبا إلى جنب لفترة من الوقت حتى تأخذ الرغبات الجنسية المتجهة نحو الأم تزداد في الشدة، ويأخذ الأب يبدو وكأنه يعوق من تحقيق هذه الرغبات، ومن ذلك تنشأ عقدة (أوديب)، ثم يأخذ تقمّص شخصية الأب بعد ذلك يتخذ صفة عدائـية ويتحوَّل إلى رغبة في التخلص من الأب لكي يأخذ مكانه من الأم، وتصبح علاقته الوجدانية مع الأب منذ اللحظة الأولى متناقضة، ويبدو وكأن هذا التناقض الوجداني، وهو أمر طبيعي في التقمص منذ البداية، وقد أصبح واضحا، ويتكون من موقف التناقض الوجداني نحو الأب علاقة الحب الشديدة نحو الأم مضمون عقدة أوديب الإيجابية عند الولد»[40]. وباختصار، في سياق الأوديب يتم كل شيء كما لو أن الطفل يتلقـى هذا الأمر: «كن مثـل الأب، ولكن لا تأخذ مكانته في ما يؤسس قيمته باعتباره أبا، لا تمتلك الأمّ»[41].
تمكن قراءة تعامل الإسلام مع الشعر باعتباره أحد أهم عناصر النظام الرمزي الذي سبقه (والذي يمكن تسميته بالأب السائد على ضوء الخطاطة السابقة) من تبين ثلاث لحظات في هذا التعامل: لحظة تعارض وجداني، لحظة خرق للقانون، ثم لحظة تشريع قانون جديد. من المستبعد العثور في التاريخ الإسلامي على توالي كرونولوجي لهذه اللحظات، وبذلك فإن الفصل بينها لا يعدو مجرّد استجابة لضرورة منهجية.

3. 1. تعـارض وجـداني
اتسمت علاقة الإسلام بالشعر بسلوكين متعارضين، فتمَّ كل شيء كما لو أنَّ الدين الجديد لم يستطع قبول الشعر لكنه لم يستطع التخلي عنه أيضا. لقد جاء في القرآن أنَّ «الشعراء يتبعهم الغاوون» (الشعراء، 224)، واتفق المفسرون على أنَّ المعني بالغاوين هم الضالون من الشياطين والإنس، كما جاء أنَّ الرسول ليس بشاعر ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يكونه: «وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن ومبين» (يس، 69)، وذكر ابن كثير في معرض تفسيره للآية نفسها أن الرسول «كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم، بل إن أنشده زحَّفه أو لم يتمه[42]، كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنَّ الشعر كان أبغض الحديث إلى الرسول[43]، وذكر ابن عباس أن الشيطان لما طُردَ من الجنَّة وأنزل إلى الأرض سأل الله أن يخصَّه بمجموعة أشياء يُجَلِّي نشاطه فيها أو عبرَها، من بينها أن يجعل له قرآنا، فأعطاه الشعر: «لما نزَل [إبليس] إلى الأرض قال: يا رب أنزلتني وجعلتني شيطانا رجيما فاجعل لي بيتا، قال: الحمَّام، قال: فاجعل لي مجلسا، قال: الأسواق ومجامع الطرق، قال: فاجعل لي طعاما، قال: ما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فاجعل لي شرابا، قال: كل مسكر، قال: فاجعل لي مؤذنا، قال: المزامير، قال: فاجعـل لي قرآنا، قـال: الشعر، قال: فاجعل لي حديثا، قال: الكذب، قال: فاجعل لي مصايد، قال: النساء»[44].
في هذا المستوى أدخَل الإسلامُ الشعرَ ضمن التعارض الأساسي بين الخير والشرّ مـُرَمَّـزَيـن داخل سلسلة التقابلات التالية:
الشيطــــــان ≠ اللــــــــه
الشعـــــــر ≠ القـــــــرآن
الشاعــــــر ≠ الرســــــول
الغــــــاوون ≠ المؤمنـــــون
إلا أننا بموازاة هذا التعارض نجد الآية الأولى قد استثنت من الاتصاف بالغي الشعراءَ «الذين آمنوا وعملوا الصالحات…» (الشعراء، 227)، أي الشعراء الذين قبلوا تصريف العنف الشعري القديم في وجهة أخرى هي وجهة إرساء النظام الرمزي الجديد الذي اقترحه الإسلام. وفي هذا الصَّدد سنجد الرسول يشجِّع شعراء الدعوة الإسلامية على هجو خصوم الدين واصفا هذا الهجاء بأنه «أسرع فيهم من نَضْحِ النِّبل»[45] وسنجد حديثا نبويا روته عائشة – رضي الله عنها – يقول: «كان الشعر أحب إلى رسول الله (ص) من كثير من الكلام»[46]، وآخر تروي فيه ما يلي: «كان رسول الله (ص) يخصف نعله وكنت جالسة أغزل، فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نورا، قالت فبهت، فنظر إلي فقال: “مالك بهت؟ فقلت: يا رسول الله نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نورا ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره، قال: “وما يقول يا عائشة أبو كبير الهذلي؟”، قلت: يقول هذين البيتين:
ومبـرأ من كـل غبـر حيضــــة
وفسـاد مرضعــة وداء مغيــــل
وإذا نظـرت إلى أســرة وجهـــه
بـرقت كبرق العـارض المتهلــــ
قال: فوضع (ص) ما كان بيده وقام إلي وقبل ما بين عيني، وقال: “جزاك الله خيرا يا عائشة ما سررت مني كسروري منك”»[47].
وباختصار، لقد تأرجح تعامل الإسلام مع الشعر، في هذا المستوى، بين الرغبة في تنحية هذا الجنس الخطابي وبين الانصياع لسلطته، أي الاصطدام بالممنوع. وقد وجَد هذا التعارض الوجداني مخرَجَه في الانتهاك.

3. 2. خــــرق
اعترض الكثيرون على القرآن وعلى رسالة الرسول انطلاقا من ملاحظة اندراج العديد من الآيات القرآنية وأقوال النبي في البحور الشعرية التي حدَّدها الخليل، فاعتبروا القرآن شعرا والرسول شاعرا. ومن الأمثلة التي تجَادَل حولها أصحاب هذا الطرح والفقهاء المسلمون الآيات القرآنية التالية:
– «ويخزيهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين» (التوبة، 14)، وتم اعتبارها بيتا من بحر الوافر.
– «يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره» (الشعراء، 35)، وقد عدَّت بيتا من مجزوء الرَّجَز.
– «قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون» (سبأ، 30)، وتمَّ اعتبارها من بحر الرَّمل[48].
كما أدرجوا ضمن الشعر أقوال للرسول (ص) منها:
أنـا النبي لا كــذب
أنا ابن عبد المطلــب
وقولــــه:
هل أنت إلا أصبُعُُ دميتِ
وفي سبيل الله ما لقيت
وقولــــه:
إن تغفر اللهم تغفر جمـا
وأي عبد لك ما ألما[49]
يُظهرُ فحصُ ردود الفقهاء على هذا الزعم إلى أي حدّ تُعَدُّ مسألة علاقة الإسلام بالشعر من أشدّ القضايا إرباكا لهم؛ فقد كان يتمّ استحضار براهين من خارج النصوص المتنازع في شأنها أكثر مما كان يُحتَكَم إلى هذه النصوص ذاتها: كان يتم الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتضمنة لموقف الإسلام السلبي من الشعر، وعلى رأسها تلك التي تنفي عن الرسول صفة الشاعر. يتعلق الأمر أساسا بالآية: «وما علمناه الشعر وما ينبغي له» (يس، 69)، وبالحديث النبوي: «إني لستُ بشاعر ولا ينبغي لي». وفي حالة الإقرار بوجود قرابة مَّا بين المقاطع المعنية والشعر، فإن الردَّ كان يتمّ بطريقتين: يُرَكزُ على إظهار بعض الخروقات التي تتضمنها هذه المقاطع للبحر الذي يُفتَرَضُ أنها نُظِمَت عليه، أو يتمُّ الإقرار باندراجها ضمن بحر معيَّن من البحور الشعرية، لكن يتمُّ إقصاؤها من جنس الشعر بدعوى أنها لا تشكل قصيدة، أنها ليست سوى بيتٍ، أو بيت وشطر، وأنَّ عنصرَ القصد الشعريّ فيها غائب، الخ.
وبعيدا عن متاهات الفقهاء، يتضح أنَّ المقاطع المذكورة أعلاه، مثل مقاطع قرآنية أخرى عديدة، هي فعلا موزونة، غير أن هذا وحدَه لا يكفي لاعتبار القرآن شعرا. ولعل ذلك ما خلص إليه ابن العربي، دون أن يفطن، عندما انتهى من مناقشة إحدى الآيات السابقة (سبأ، 30) إلى القول: «ولو قرئ كذلك لم يكن قرآنا ومتى قرئت الآية على ما جاءت لم تكن على وزن الشعر»[50]. ومعنى ذلك أن بين القرآن والشعر مفارقة يتعذر اختزالها. فالكتاب المنزًّل يعتمد أحد عناصر الشعر (الوزن)، لكنه يخرق الكثير من قواعد هذا الجنس، كعدم اعتماده نظام البيت والقافية. إلا أنَّ هذا الخرق هو ما سيُمَكن الإسلامَ من تأسيس قانونه.

3. 3. فرض قانــــــون
سيتمُّ ذلك عبر مستويين: مستوى المجتمع ومستوى الكتابة، وضمنها الشعر. في المجال الأول، سيستبدل الإسلامُ القيم السائدة بقيم جديدة، أي محلَّ الأب القديم سيُنَصَّب الرسول قائدا وأبا مثالا (idéal) يتعيَّن على الناس من الآن فصاعدا أن يتماهوا معه؛ فـ «النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث (…) وفي قول بعض الصَّحابة والسَّلف: وهو أبُُ لهم»[51]، و«نقيض القائد مصدر خراب لعملية التماهي»[52]. بموازاة ذلك، سيُحفَظ النص القرآني ويُدوَّنُ، سيُبوَّأ مكانة النص المثال الذي لا يضاهيه شعرُُ ولا نثرُُ، وسيُعلِنُ عن هويته باعتباره «جنسا» خِطابيا لا يتكرَّر ولا يُقلَّد: إنه القرآن؛ «قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله…» (الإسراء، 17).
بيد أنَّ هذا التأكيد لم يكن ليصدَّ العديدين عن ركوب المغامرة، إما بادعاء النبوة و/أو معارضة القرآن أو السعي إلى تفنيده أو ادعاء القدرة على الإتيان بمثله، وذلك في المشرق والمغرب العربيين على السواء. فمن المحاولات التي فشلت تلك التي يسوق خبرها ابن رشيق على النحو التالي: «لما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب البر وسُلاف الخمر ولحوم الضأن والخلوة إلى أن بلغوا مجهودهم. فلما سمعوا قول الله عز وجل {وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي، وغيض الماء، وقضى الأمر، واستوت على الجودي، وقيل بعدا للقوم الظالمين} يئسوا مما طمعوا فيه»[53]. ومن أبرز الأشخاص الذين اقترن اسمهم بتقليد القرآن أو معارضته[54]:
– مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وعارض القرآن بمجموعة من الأقوال، منها: «والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا؛ واللاقمات لقما، إهانة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدَر؛ ريفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوئوه»[55]؛
– يوسف البرغواطي الذي يقول فيه ابن عذاري: «فأما الضلال الذي شرع لهم، فإنهم يقرون بنبوة صالح بن طريف، وأن الكلام الذي ألف لهم هو وحي من الله تعالى (…) وقرآنهم الذي وضع لهم صالح ثمانون سورة كلها منسوبة إلى أسماء النبيئين، أولها سورة أيوب، وآخرها سورة يونس، وغيرها من أسماء الأنبياء – عم – وفيها سورة فرعون، وسورة الديك، وسورة الجراد، وسورة الجمل، وسورة هاروت وماروت وسورة الحشر، وسورة غرائب الدنيا، وفيها علم عظيم عندهم»[56]؛
– ابن الرِّيوندي (أو الرَّاوندي)[57] الذي زَعَم القدماء أنه كان من الزنادقة والملاحدة استنادا إلى كونه اعترض على القرآن وردَّ عليه في كتاب تحت عنوان «الدامغ»، واعترض على الشريعة ورّد عليها هي الأخرى في مصنف له تحت عنوان «الزمردة»[58]؛
– الحسين بن حلاج المنصور، الذي زُعم[59] أنه كان يدعي إمكان معارضته القرآن، وذلك استنادا إلى إشاعة نشرها حوله عمرو بن عثمان المكي، فوَجدت من يخرجها على شكل أخبار، منها:
أ) «قال أبو عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن عثمان المكي أنه قال: كنتُ أماشي الحلاج في بعض أزقة مكة، وكنت أقرأ القرآن، فسمع قراءتي، فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا، ففارقته[60]؛
ب) ما رواه ابن يحيى الرازي من أنه سمع عمرو نفسه يلعن الحلاج ويقول: «لو قدرت عليه لقتلته بيدي، فقلتُ له: إيش الذي وجد الشيخ عليه؟ قال: قرأت آية من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به»[61]؛
ج) «ذكر أبو القاسم القشيري في رسالته في باب حفظ قلـوب المشايـخ أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئا في أوراق فقال له: ما هذا؟ فقال: هو ذا أعارض به القرآن»[62].
وإذا كانت كل محاولة لتقليد القرآن أو معارضته قد لقيت قمعا شديدا، فإن الكتابة عامة، والشعرية منها بالخصوص، ستُطالَبُ بالتماهي مع النص الديني بمكونيه القرآن والحديث، وذلك إما بإعادة إنتاج قيمه وتمطيطها أو بالإسهام في فهم محتوى هذا النص وجماليته. يقول الحديث النبوي: «إنَّ من الشعر لحكمة، فإذا التبس عليكم شيء من القرآن فالتمسوه في الشعر فإنه عربي»[63]. ولإعادة إنتاج قيم العقيدة سيُطالَبُ الشعرُ بحصر دائرته في المديح النبوي والحكم والوعظ والإرشاد والزّهد، الخ. أما الإسهام في دراسة العقيدة فسيضع الشعر في الأرشيف أو رفوف المكتبة قصد تسهيل الرجوع إليه أثناء تقعيد النحو والبلاغة وربما حتّى النقد.
وسيجد التطبيق الصارم لهذا القانون مكانه الأنسب في الفقه والسياسة. فقد اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على تحريم إنشاد الشعر في المسجد إذا خالف الشرع. وهذه المخالفة تتحدَّدُ عند الحنفية في الهجو والسّخف أو وصف القدود والشعور والخصور بما يترتب عنه ثوران شهوة المتلقي، وتتمثل عند الحنابلة والمالكية والشافعية في ما ليس بمدح للرسول أو ثناء على الله أو حث على الخير أو مواعظ وحِكم[64]. وكثيرا ما أقام السَّاسة الحدّ على الشاعر بسبب خرقه بعضَ أحكام الإسلام، وإن على مستوى التخيّل ليس إلاَّ.
وقـد دشن الرسول شخصيا عملية إقامة الحد على الشعراء الخارجين عن الدين عندما قال: «من قال في الإسلام هجاء مقذعا فلسانه هذَر»[65]. بل إنه أمَرَ باغتيال الشاعر كعب بن الأشرف (وهو ما تمَّ تنفيذه)، بعدَمَا صدرت عنه ثلاثة سلوكات كلها خارجة عن الدين: فقد بكى في شعره قتلى بدر من المشركين مما اقتضى أن يردَّ عليه حسان بن ثابت، وهجى المسلمين مما استوجب أن ترد عليه الشاعرة ميمونة بنت عبد الله، ثم تشبَّبَ «بنساء مسلمي المدينة «حتَّى آذاهم»، على حد تعبير ابن هشام، إذ يروى أنه شبَّبَ بأم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب، فقال:
أراحل أنت أم ترحـل لمنقبــة
وتارك أنت أم الفضل بالحرم[66]
ومن أشهر الساسة الذين أقاموا الحد على الشعراء عمر بن الخطاب: فقد حبس الحطيئة بسبب أبياتٍ هجا فيها الزبرقان، فاستعدى عليه هذا الأخير عمرا، فحبسه عمر قائلا: «يا خبيث، لأشغلنك عن أعراض المسلمين»[67]، كما هدد النجاشي الحارثي بقطع لسانه إن هجا بني عجلان ثانية[68]، و«لما سمع [عمر] رضي الله عنه عبد بني الحسحاس ينشد:
ولقد تحدر من كريمة بعضهـم
عرق على جنب الفراش وطيـب
قال له: إنك مقتول، فسقوه الخمر، ثم عرضوا عليه نسوة، فلما مرت به التي كان يتهم بها أهوى إليها فقتلوه»[69].
ومن الأمثلة التي يسوقها الفقهاء كثيرا عزمُ الخليفة الثاني نفسه على إقامة حدّ شرب الخمر والسماع على أحد ولاته بسبب نظمه أبياتا شعرية يتخيَّل فيها ذلك المجون. ولما نبَّه الوالي الخليفةَ إلى أنَّ الأمر لا يعدو مجرَّد تخيّل مذكرا إياه بالآية: «والشعراء (…) يقولون ما لا يفعلون» (الشعراء، 224) عَزَله عمر من منصبه قائلا: «أما عذرك فقد درأ عنك الحدّ، ولكن لا تعمل لي عملا أبدا». والأبيات هي:
ألا هل أتى الحسناءَ أن خليلهـا
بميسان يُسقى في زُجاج وحنتـــم
إذا شئتُ غنَّتنـي دهاقيـنُ قرية
ورقَّاصَة تجذُو علـى كـلّ منسَّــم
فإن كنتُ ندمايَ فبالأكبر اسقنِي
ولا تسقنـي بالأصغَــر المتثلــم
لعـلَّ أميـر المؤمنيـن يسوؤه
تنـادمنـا بالجوسـق المتهـــدَّم[70]
كما نفى عمر بن عبد العزيز عُمَرا بن أبي ربيعة ورفض استقباله بسبب بيتين غزليين، ورفض (عمر بن العزيز نفسه) استقبال الفرزدق بسبب بيتين غزليين كذلك، ورفض استقبال الأخطل أيضا بسبب جهره في قصيدة بالعزوف عن الصوم والحج وقيام الليل، واستبدال ذلك كله بشرب الخمرة[71].
تلك مجرَّد أمثلة قليلة أوردناها بعيدا عن زعم القيام بأي استقراء، لأن الموضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة تنصب على دراسة «الشعر والمعاقبة في الإسلام» أو «الشعراء المغتالين في الإسلام»[72]، على الأقل.
نستطيع مما سبق أن نخلص مع أدونيس إلى أن: «الشعر (…) هو، بالنسبة للعرب الذين نظروا له، إما أنه “ممتع مطرب”، وإما أنه “منفي، مطرود”. فمجال الشعر هو الكذب، واللامعقول، أو هو مجال الحساسية والمتعة. الشعرية، بعبارة ثانية، نقص أو عنصر سلبي في مقاربة أشياء العالم وأسراره. والشعر في أحسن ما يوصف به، لعب ومحاكاة وتخييل»[73].

4. خلاصـة وآفــاق:
أظهَرَ فرويد – في أبحاثه المتعلقة بالدين – عبر مثلثه الأوديبي أنَّ «الصِّراع بين الرغبة والقانون يجد مخرجا أولا في الخرق. لكن بما أنَّ هذه هي طبيعة التعارض الوجداني، فإنَّ الخرق يُصعِّد الصراع ويمهد لانبثاق قانون (جديد)»[74]. وذلك بالضبط هو ما حاولت أن تبينه الصفحات السابقة. إن الخرق لا وجود له إلا بالقياس إلى قانون مَّا، أو – بتعبير آخر – يجب أن يكون ثمة قانون مَّا ليكون هناك انتهاك؛ الممنوع لا يوجَد بالضبط إلا لكي يُخرَق. وقد أورد فرويد في كتابه «الطوطم والحرام» أن سلوك الإنسان إزاء المحظور يتَّسم أساسا بالتعارض الوجداني، أي بالخوف من الانتهاك والرغبة في الخرق: «الحرامُ حظرُُ سحيق القدم مفروض من الخارج (من قبل سلطة ما) وموجَّه ضدّ أقوى رغبات الإنسان. والميل إلى انتهاكه يظل قائما في لاشعوره؛ فالأشخاص الذين ينصاعون للحرام يقفون موقفا متعارضا وجدانيا إزاء ما هو حرامُُ. والقوة السِّحرية المعزوة للحرام لا تتعدَّى كونها القدرة المتاحة له على إيقاع الإنسان في الإغراء، وهي تسلك مسلك العدوى، لأن المثال مُعدٍ على الدَّوام، ولأن الرغبة المحظورة تتنقل في اللاشعور إلى موضوع آخر. والتكفير عن انتهاك الحرام بعزوف مَّا يثبت أن الأساس في الحرام هو عزوف ما»[75]. وهو ما يبدو أن العرب القدماء انتبهوا إليه في مجال الحب بالخصوص كما يتضح من الإشارات التالية:
أ – في سياق الحديث عن العشق كتب الجاحظ عن بعضهم: «لم نجد أحدا ممن عشق والديه ولا ولده ولا من عشق مراكبه ومنزله كما رأيناهم يموتون من عشق النساء الحرام»[76]؛
ب – يقول ابن قيم الجوزية: «كثير من الناس يزيده الإباء والامتناع إرادة وحبا، كما قال الشاعر:
وزَداني كلفا في الحب أن منَعـَتْ
أحبّ شيء إلى الإنسان ما مُنِعـا»
ثم يعلـق عليه قائـلا:
«… طباع النفس مختلفة (…) منهم من يتضاعف حبه وإرادته بالمنع فيشتد شوقه كلما منع، ويحصل لـه من اللذة بالظفـر نظير ما يحصل له من اللذة بالظفر بالضد بعد امتناعـه ونفـاره»[77].
ج – وفي السياق نفسه، تقريبا، يورد صاحب الأغاني الحكاية التالية:
«كان الفرزدق أراد امرأة شريفة على نفسها، فامتنعت عليه، وتهدَّدها بالهجاء والفضيحة، فاستغاثت بالنوار امرأته، وقصت عليها القصة، فقالت لها: “واعديه ليلة”، ثم اعلميني، ففعلت، وجاءت النوار، فدخلت الحجلة[78] مع المرأة، فلما دخل الفرزدق البيت أمرت الجارية، فأطفأت السراج، وغادرت المرأة الحجلة، وتبعها الفرزدق، فصار إلى الحجلة، وقد انسلت المرأة خلف الحجلة، وبقيت النوار فيها، فوقع بالنوار وهو لا يشك أنها صاحبته، فلما فرغ قالت له: “يا عدو الله، يا فاسق”، فعرف نغمتها، وأنه خُدع، فقال لها: “وأنت يا سبحان الله! ما أطيبك حراما وأردأك حلالا”»[79].
د – الحكاية السابقة نفسها سيرويها ابن قيم الجوزية والتيفاشي، كل في سياق، جاعلين بطلها في هذه المرة الشاعر بشارا بن برد. يقول ابن قيم الجوزية:
«كان بشار الأعمى يرتع، فبلغ امرأته ذلك، فعاتبته مرارا فحلف لها. وأنها سألت عن المكان الذي يمضي إليه فدُلت على امرأة تجمع بين النساء والرجال، فبذلت لها شيئا وسألتها إذا جاءها بشار أن تبعث إليها. ففعلت، وقالت: أبشار قد وقعت اليوم على امرأة من أجمل النساء ووصفتها له فطرب إليها، فلما خلا وخالطها ضربت بيديها في لحيته وشتمته، وقالت: أين أيمانك الفاجرة؟ فقال لها: لعنك الله ألا تركتني حتى أقضي حاجتي، فوالله ما رأيت أبرد منك حلالا، ولا أطيب منك حراما!!»[80].
تفضي بنا الصفحات السابقة إلى التساؤل: ما هو وضع المؤلف عموما والمبدع بوجه خاص في الثقافة العربية الإسلامية؟ ما هي الفضاءات التي ستبتكرها الكتابة العربية الإسلامية للإفلات من رقابة الممنوع الديني؟ هل ستخرج هذه الفضاءات كليا عن الشريعة أم أنها لن تحيد بدورها عن قواعد للخرق حدَّدَها هذا القانون نفسه؟[81].
ذلك ما يتطلب بحثا لم يطمح هذا القسم إلى أكثر من أن يكون مدخلا موجزا له.
——–
هوامــش
[1] هذه الدراسة، في الأصل، نص مساهمة في ندوة «الكتابة والممنوع»، نظمها المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب بالرباط يومي 11 و12 دجنبر 1990، ثم نشرت لاحقا في مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد: 90-91، يوليوز-غشت، 1991.
[2] Gilbert. Grandguillaume, «Père subverti, langage interdit», in Peuples Méditerranéens, N° 33, Paris, Octobre – Décembre, 1985, pp. 163-182.
أو: «الأب المقلوب واللغة الممنوعة»، ضمن كتاب ج. غرانغيوم، اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي، تعريب محمد أسليم، مكناس، الفارابي للنشر، 1995، صص. 107-133.
[3] Guy Rosolato, Essais sur le symbolique, Paris, Gallimard, Tel, 1969, p. 42.
[4] تترجم تارة برهاق وتارة بـ «سفاح». حول الاقتراح الأول، انظر: ترجمة: حسن قبيسي لكتاب إريك فروم، اللغة المنسية، البيضاء-بيروت، المركز الثقافي العربي، ط.I / 1992، ص. 181، وحول الاقتراح الثاني، راجع ترجمة: حسين قبيسي نفسه لكتاب كلود ليفي ستروس، الإناسة البنيانية، البيضاء-بيروت، المركز الثقافي العربي، ط I / 1995، ص. 421، حيث يورد المترجم أرقام كافة الصفحات التي ورد فيها هذا المصطلح؛ ترجمة المعرب نفسه لكتاب جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، البيضاء-بيروت، المركز الثقافي العربي، 1996، ص. 384، حيث يسجل المعرب صفحات تردد المصطلح نفسه. والمقصود بمنع غشيان المحارم قاعدة كونية تقتضي من كل فرد الامتناع عن إقامة علاقات جنسية مع لائحة من الأقارب يختلف محتواها باختلاف الثقافات. ويترتب على خرق هذه القاعدة وقوع الفرد المنتهك تحت طائلة عقوبات شديدة. للإحاطة بمختلف جـوانب هذا الموضوع، يمكن العودة، على سبيل المثال، إلى:
– Claude Lévi-Strauss, Les structures élémentaires de la parenté, Mouton & Co and Maison des Sciences de l’Homme, 1967, pp. 14-29; Yvan Simonis, Claude Lévi-Strauss ou la «passion de l’inceste», Paris, Flammarion, Champs, 1980, pp. 31-68; Norbert Bischof, «Ethologie comparée de la prévention de l’inceste», in Robin Fox (Dir), Anthropologie biosociale, traduit de l’anglais par: P. Humblet et M. Stroobants, Bruxelles, Ed. Complexe, 1978, pp. 55-95; Jean Cuisenier, «Inceste», in Encyclopaedia Universalis, 1995, t. 12, pp. 5-7.
[5] ج. غرانغيوم، «الأب المقلوب واللغة الممنوعة…»، م. س.
[6] G. Grandguillaume, «Le langage de l’orientalisme», in Peuples Méditerranéens, N° 50, Paris, Janvier – Mars, 1990, pp. 171-176.
أو: «لغة الاستشراق»، ضمن كتاب: ج. غرانغيوم، لغة العلاج والنسيان؛ دراسات في ألف ليلة وليلة وقضية الآيات الشيطانية، ترجمة: م. أسليم، مكناس، سندي للطباعة والنشر، 1996، صص. 113-122.
[7] السنة: الجدب.
[8] أبو الفرج الأصفهاني، الأغـاني، شرحه وكتب هوامشه سمير جابر، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط. I / 1986، ج 21، ص. 285.
[9] ابن منظـور، لســان العـرب، بيروت، دار صادر، (د.ت.)، ج. 15، (مادة قفا).
[10] نفســه.
[11] عـن:
– Jean – Jaques Winenburg, Sigmund Freud, Paris, Balland, 1985, p. 282-283.
[12] ابن منظـور، لســان العـرب…، م. س..، ج. 4، (مادة: شعـر).
[13] نفسـه، المادة نفسهــا.
[14] زكريا القزويني، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، تحقيق فاروق سعد، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1973، ص. 344-345.
[15] Edmond Doutté, Magie et religion dans l’Afrique du nord, Alger 1908, Paris, Maisonneuve – Geuthner, 1984, p. 105.
[16] Ibid., pp. 105-107.
[17] ول ديورانت، قصـة الحضـارة، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، تونس-بيروت، دار الجيل، 1988، ج. 1، ص. 132.
[18] S. Freud, l’Homme Moïse et la religion monothéiste, Paris, Gallimard, Connaissance de l’inconscient, 1986, p. 212.
أو (ترجمته) س. فرويد، موسـى والتوحيـد، ترجمة: جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، ط.IV / 1986، ص. 157، ومنه نقلنا نص الإحالة. وسيرد مالينوفسكي على هذه الفكرة قائلا: «يعرف فرويد هذه الوظيفة للسحر باعتبارها إيمانا بـ “كلية قدرة الفكر” (Allmacht der Gedanken) (…) بيد أنني أقول إن تصحيحا يفرض نفسَه، وهو تصحيح تأخذه نظريتي بعين الاعتبار»، المرجع الآتي ذكره، ص. 339. ويتمثل وجه التصحيح – باختصار شديد – في قوله: «يظهر السحر المنظم دائما في مجالات الأنشطة التي يعرف فيها الإنسان تجربة عجزه البراغماتي». (ص. 339)، بيد أن هذه البراغماتية ستفضي بمالينوفسكي إلى منزلق اعتبار جميع الملفوظات اللغوية وصفات سحرية تؤدي دائما التأثير في الواقع، إذ يقول: «إن استعمال البشر أنفسهم للغة يقودهم إلى الإيمان بأن لمعرفة اسم ما، والاستعمال الصحيح لفعل ما، والاستخدام المنتظم لحرف ما، لذلك كله قدرة روحية تتعالى عن مجرد قيمته التبادلية. والطفل يمارس تأثيرا في محيطه تأثيرا شبه سحري، إذ يكفي أن ينطق بكلمة واحدة فيلبي الكبار حاجته » (ص، 334).
– Bronislaw Malinowski, Les jardins de corail, trad., Pierre Clinquart, Paris, François Maspéro, Textes à l’appui, 1974.
وهو ما يلاحظه تودورف، إذ يقول: «لقد كتب مالينوفسكي في معرض بحثه عن تعريف للكلمة السحرية يغطي جميع الحالات التي لاحظها في جزر الطروبرياند “كل طقس هو “إنتاج” قوة أو “توليدها” (…) غير أنه من الواضح جدا أن تعريفا واسعا بهذا الشكل يغطي ظواهر تنتمي إلى حياتنا اليومية ولا تصنف عادة باعتبارها ظواهر سحرية (…) فالطفل سباق إلى استعمال اللغة السحرية بدون انقطاع. “ينادي الطفل الأم أو المرضعة أو الأب، فيظهر الشخص. وعندما يطلب الطعام، فإن الأمر يتم كما لو كان يتلفظ بعزيمة سحرية” (…) لكن إذا كانت الكلمة السحرية هي كل كلمة تؤدي إلى فعل (أو يتبعها أثر) فلن تبق آنذاك كلمة واحدة ليست سحرية».
– Tzevetan Todorov, Les genres du discours, Paris, Editions Seuil, Poétique, 1978, p. 247-248.
[19] هل لتجريد الشعر من هذا التعريف / الوظيفة علاقة بأصله الوثني المقدس؟ ثمة من يتحدث عن وجود إله عربي اسمه «أيا»، مختص في العلم والذكاء والفطنة، مما يفسح مجال التساؤل عما إذا كان الشعر ينحدر من هذا الإله أو يدخل ضمن اختصاصاته (على الأقل): «ولما نزلت الوصايا العشر على نبي الله موسى عليه السلام التي تعتبر التوراة العبرانية الحقيقية عند كثير من العلماء بقي “أيا” عند العرب الإله المختص بالعلم والذكاء والفطنة». انظر: عدنان العطار، تقاليد الزواج الدمشقي البدوي والريفي والحضري، دمشق، دار سعد الدين، (د.ت.)، ص. 9.
[20] عفت الشرقاوي، «الخير والشر في التراث الإسلامي»، مجلة إبداع (المصرية)، العدد: 2، فبراير 1998 (الدين والأسطورة – 3)، صص. 46-54.
[21] نفســه.
[22] جلبير غرانغيـوم، «لغة الاستشراق»، ضمن لغـة العـلاج والنسيـان…، م. س.
[23] فتحي بنسلامـة، تخييل الأصـول. الإسلام وكتابة الحداثـة، تعريب شكري المبخوت، تونس، دار الجنوب للنشر، (معالم الحداثة)، 1995، ص. 17-18.
[24] الطبـري، تاريخ الأمم والملـوك، بيروت، دار الكتب العلمية، (د. ت.)، المجلد 1، ص. 28. ويورد المؤلف روايات عديدة للحديث نفسه، منها: «إن أول شيء خلق الله القلم، وأمره أن يكتب كل شيء»؛ «إن أول ما خلق الله عز وجل خلق القلم، فقال له: اكتب، قال: يارب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد»؛ «أول ما خلق الله من شيء القلم، فقال له: اكتب، فقال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب القدَر، قال: فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رُفع بخار الماء ففتق منه السموات»… نفسـه، الصفحة ذاتها.
[25] أبو بكر بن العربي، أحكام القرآن، بيروت، دار الفكر، 1972، ج. 4، ص. 1615، ومحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988، ج. 15، ص. 37.
[26] جلال الدين السيوطي، الإتقـان فـي علوم القرآن، بيروت، المكتبة الثقافـة، 1973، ج. 2، ص. 126.
[27] نفســــه، ص. 128.
[28] (la cosmogonie) (أو الأسطورة الكوزموغونية): حكاية تروي البدايات الأولى للكون، وكيفية خلق الإنسان والنباتات والحيوانات. وهذه الأسطورة بقدر ما توجد في جميع الثقافات، تلعبُ دور النموذج الذي تتفرع عنه كافة الأساطير. انظـر:
– Mircea Eliade, «Création – Les Mythes de la création», in Encyclopaedia Universalis, 1995, t. 6, p. 727.
[29] Max Guilmot, Les rites initiatiques en Egypte ancienne, Paris, Robert Laffont, 1978, p. 42.
في الواقع إن الأساطير التي تصف خلق العالم بالفكر أو الكلمة، تنتشر في أرجاء عديدة من العالم (هنود الأمريكتين، بولينيزيا، آسيا…)، كما لا تشكل سوى أحد أقسام أساطير الكوزموغونيا، التي يصنفها ميرسيا إلياد إلى أربعة، هي على التوالي: 1) أساطير تصف الخلق بالفكر، بالكلمة، أو «هيجان» إله من الآلهة…؛ 2) أساطير تضع في الواجهة الـ «الغطسة» الكوزموغونية: يغطس إله أو حيوان أو شخص أسطوري في عمق المحيط البدئي ثم يأتي منه بقليل من الصلصال، ومنه تشكل الأرض…؛ 3) كوزموغونيات تفسر الخلق بانقسام مادة أولية غير مميزة…؛ 4) الكوزموغونيا باعتبارها نتيجة لتفكك أعضاء عملاق أو جبار إنساني الشكل أو غول بحري أفعواني…لمزيد من التفاصيل راجع:
– Mircea Eliade, «Création – Les Mythes de la création», op. cit.
[30] Abdelkébir Khatibi, «Possession d’Iblis», in A. Khatibi, Par-dessus l’épaule, Aubier, 1988, pp. 89-111.
[31] سنجد عند أدونيس إشارة مماثلة لقضية تعذر تسمية القرآن هذه، إذ سيقول: «هو ذا، إذن، نجد أنفسنا أمام نص لا مسمى، أو لا تسمح معايير الأنواع الأدبية بتسميته. إنه نص لا يأخذ معياره من خارج، من قواعد ومبادئ محدَّدة، وإنما معياره داخلي فيه. سيكون، إذن اسمه الوحيد الاسمَ الذي سمى به نفسه وهو: الكتاب»، أدونيس، النص القرآني وآفاق الكتابة، بيروت، دار الآداب، 1993، ص. 29.
[32] ابن هشام، السيـرة النبويـة، تحقيق م. السقا، إ. الأبياري، ع. شلبي، بيروت، دار إحياء التـراث العربي، الجزء الأول، (د. ت.)، ص. 320.
[33] عماد الدين ابن كثيـر، البداية والنهاية، تحقيق أ. أبو ملحم، ف. السيد، ع. ن. عطوي، م. ناصر الدين، وع. عبد الساتر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط. II / 1987، ج. 3، ص. 59-60.
[34] السخلة: الولد المحبَّب إلى والديـه.
[35] ابـن كثيـر، البدايـة والنهايـة، م. س.، ج. 3، ص. 60.
[36] E. Doutté, Magie et religion en Afrique du Nord, op. cit., p. 42.
[37] ابن كثير، البدايـة والنهايـة، م. س.، ج. 3، ص. 61.
[38] Marcel Mauss, «Esquisse d’une théorie générale de la magie», in M. Mauss, Sociologie et anthropologie, Paris, P.U.F., Quadrige, 1950, pp. 47-53.
[39] ج. غـرانغيـوم، «الأب المقلوب واللغة الممنوعة»، م. س.
[40] S. Freud, Essais de psychanalyse, trad. Pierre Cotet, André Bourguignon et Aliec Cherki, Paris, Payot, P.B.P., 1984, p.
أو: س. فرويد، الأنا والهـو، ترجمة: د. عثمان نجاتي، بيروت، دار الشروق، ط. VI / 1982، ص. 53-54 (ومنه أخذنا نص الإحالة)؛ س. فرويد، الأنا والهذا، ترجمة: جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، ط. I / 1983، ص. 31-32.
[41] A. Besançon, Histoire et expérience du moi, Paris, Flammarion, 1971, p. 32.
[42] ابن كثير، تفسـيـر القـرآن العظيـم، بـيـروت، دار المعرفة، ج. 3، ص. 578.
[43] نفســـه، ص. 579.
[44] أحمد الثعلبـي، قصص الأنبيـاء المسمَّى بالعرائـس، بيروت، دار الرشاد الحديثة، د. ت.، ص. 25، والإمام أبو حامد الغزالي، مكاشفة القلوب إلى حضرة علام الغيوب، تحقيق محمد رشيد القباني، بيروت، دار إحياء العلوم، 1987، ص. 62-63، وزكريا القزويني، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، م. س.، ص. 388…
[45] أبو بكر بن العربي، أحكام القرآن، م. س.، ج. 3، ص. 1441.
[46] محمد القرطبـي، الجامع لأحكـام القـرآن، م. س.، ج. 15، ص. 36.
[47] الغـزالـي، إحياء علوم الديـن، م. س.، ج 3، ص 120.
[48] أبو بكر بن العربي، أحكـام القـرآن، م. س.، ج. 4، صص. 1609-1914.
[49] ابن كثير، تفسيـر القـرآن العظيـم، م. س.، ج. 3، ص. 579.
[50] أبو بكر بن العربي، أحكام القرآن، م. س.، ج. 4، ص. 1611-1612).
[51] ابن كثيـر، قصص الأنبياء، بيروت، دار الفكر، ط. I / 1992، ص. 232.
[52] فتحي بنسلامـة، تخييل الأصـول. الإسلام وكتابة الحداثـة، م. س.، ص. 23.
[53] ابن رشيق القيرواني، العمـدة…، م. س.، ج. 1، ص. 211.
[54] نكتفي بإيراد أشهر هؤلاء، على أنه يمكن الوقوف على أسماء آخرين في: ابن عبد ربه، العقد الفريد، تحقيق: د. عبد المجيد الترحيني، بيروت، دار الكتب العلمية، ط. III / 1987، ج. 7، صص. 157-163.
[55] الطبـري، تاريـخ الأمـم والملــوك، م. س.، المجلد 2، ص. 276. وفي الموضوع نفسه، يمكن العودة إلى: ابن كثير، البدايـة والنهايـة، م. س.، ج. 6، صص. 330. بيد أننا نميل إلى القول بأن معارضة مسيلمة الحقيقية للقرآن لا تتمثل في هذه «الآيات» – التي يركز عليها المؤرخون لتفاهتها – بقدر ما تتجسد في «آيات» أخرى يوردها المؤرخون أنفسهم في سياقات مغايرة. منها مثلا قوله: «سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذا طمع؛ ولا زال أمره في كل ما سر نفسه يجتمع، رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشة خلاكم؛ ويوم دينه أنجاكم. فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربكم الكبار، رب الغيوم والأمطار». أورده الطبري، تاريخ…، م. س.، مج. 2، ص. 270، وقوله: «لما رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفلت، قلت لهم: لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون؛ ولكنكم معشر أبرار، تصومون يوما، وتكلفون يوما؛ فسبحان الله! إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء ترقون! فلو أنها حبة خردلة؛ لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور»، نفسـه، ص. 270.، أو الوحي المزعوم الذي ادعى (مسيلمة نفسه) أنه نزل عليه خلال لقائه بالمتنبئة سجاح بنت الحارث: «لما دخلت [سجاح] القبة نزل مسيلمة فقال: ليقف ها هنا عشرة، وها هنا عشرة؛ ثم دارَسَها، فقال: ما أوحي إليك؟ فقالت: هل تكون النساء يبدئن! ولكن أنت قل ما أوحي إليك؟ قال: “ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى”. قالت: وماذا أيضا؟ قال: أوحي إلي: “أن الله خلق النساء أفراجا، وجعل الرجال لهن أزواجا؛ فنولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا”. قالت: أشهد أنك نبي»، م. س.، الصفحة ذاتها.
[56] ابن عذاري المراكشـي، البيـان المغـرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة: ج. س. كولان وإ. ليفي بروفنسال، بيروت، دار الثقافة، ط. III / 1983، ج. 1، ص. 226-227. ونحن على وشك إيداع هذا الكتاب بالمطبعة صدر كتابُُ هام حول البرغواطيين أورد فيه صاحباه عن البكري (المؤرخ) مقتطفا من سورة أيوب، وهي استفتاح كتابهم، يقول: «بسم الله الذي أرسل به كتابه إلى الناس، هو الذي بين لهم به أخباره قالوا علم إبليس القضية، أبى الله ليس يطيق إبليس كما يعلم الله، سل أي شيء يغلب الألسن في الا قوله إلا الله، لقضائه باللسان الذي أرسل الله بالحق إلى الناس، استقام الحق، انظر محمدا كان حين عاش استقام الناس كلهم، الذين صحبوه، حتى مات، ففسد الناس، كذب من يقول أن الحق يستقيم وليس ثم رسول الله». عن: د. محمد الطالبي ود. إبراهيم العبيدي، البرغواطيون في المغرب، البيضاء، تانسيفت، ط. I / 1999، ص. 50-51.
[57] حول اسمه يقول د. عبد الأمير الأعسم: «هو أبو الحسين، أحمد بن يحيى بن محمد بن إسحاق الريوندي (المشهور خطأ بابن الراوندي أو الروندي)». انظر: د. عبد الأميـر الأعسـم، تاريخ ابن الريوندي الملحد، نصوص ووثائق من المصادر العربية خلال ألف عام، بيروت، دار الآفاق الجديدة، ط. I / 1975، ص. 7.
[58] ابن كثيـر، البداية والنهايـة، م. س.، ج. 6، ص. 120، وللمزيد من التفاصيل حول هذه الشخصية، لابد من الرجوع إلى المصنف القيم الذي أفرده لها د. عبد الأمير الأعسم، تاريخ ابن الريوندي الملحد، م. س. ويدرج ابن الجوزي ابن الريوندي ضمن مجانين العقلاء، معتبرا إياه أكثر جنونا من إبليس نفسه، إذ يقول: «وما رأيتُ من غير إبليس وزاد عليه في الجنون والتغفيل مثل أبي الحسين الراوندي، فإن له كتابا يزري فيها (كذا) على الأنبياء عليهم السلام ويشتمهم، ثم عمل كتابا يرد فيه على القرآن ويبين أن فيه لحنا…»، ابن الجوزي، أخبار الحمقى والمغفليـن، نقحه واعتنى بنشره د. محمد أمين فرشـوخ، بيروت، دار الفكر العربي، ط. I / 1990، ص. 58.
[59] نقول بالزعم، لأن المصدر الوحيد لهذا الخبر هو عمرو بن عثمان المكي. وعمرو هذا كان منافسا لأبي يعقوب الأقطع على زعامة المتصوفة بالبصرة، وبحلول الحلاج إلى هذه المدينة سعى الشيخان إلى التقرب من القادم الجديد. بيد أن الحلاج تزوج ببنت أبي يعقوب، فأحدث هذا الزواج خصومة بين الشيخين… راجع: د. سعدي ضـناوي (جمع وتقديم)، ديـوان الحلاج يليـه أخباره وطواسينه، بيروت، دار صادر، ط. I / 1998، ص. 7-8، وص. 117، وص. 173 – بالخصوص – حيث يقول أحمد ابن الحلاج نفسه في شأن والده: «ثم خرج بخرقتين إلى عمرو بن عثمان المكي وإلى الجنيد بن محمد، وأقام مع عمرو المكي ثمانية عشر شهرا، ثم تزوج بوالدتي أم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع وتعيَّر عمرو بن عثمان في تزويجه، وجرى بين عمرو وبين أبي يعقوب وحشة عظيمة بذلك السبب».
[60] ابن كثيـر، البدايـة والنهايــة، م. س.، ج. 6، ص. 144-145.
[61] نفســه، ص. 145.
[62] نفســـه، ص. 145. وللإشارة، فقد تحققنا من هذا الخبر بالعودة إلى: أبو القاسم عبد الكريم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق وإعداد: معروف زريق وعلي عبد الحميد بلطه جي، بيروت، دار الجيل، ط. II / 1990، (حفظ قلوب المشايخ: صص. 333-335)، فلم نجد له أثرا، مما يرجح احتمال وضعه على الحلاج.
[63] ابن منظور، لسـان العـرب، م. س.، (مادة شعر).
[64] عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1986، ج. 1، ص. 289-290. وثمة من يرى أن رواية الشعر في شهر رمضان تنقض الوضوء، والانغماس فيه تلهي المرء عن أداء واجباته الدينية، وتصرفه عن ذكر الله… لمزيد من التفاصيل، راجع: ابن رشيق، العمدة…، م. س.، ج. 1، ص. 32 وما بعدها.
[65] ابن رشيــق، العمـدة…، م. س.، ج. 2، ص. 170.
[66] ابن هشـام، السيـرة النبويـة، م. س.، ج. 3، صص. 54-61. والبيت السابق أورده المحققون في الهامش رقم 1، بالصفحة 58.
[67] انظر تفاصيل الحكاية في: د. محمد سعد فشوان، الدين والأخلاق في الشعر. النظرة الإسلامية والرؤية الجمالية، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ص. 129-130.
[68] ابن قتيبـة، الشعـر والشعـراء. نقلا عن د. محمد سعد فشوان، الدين والأخلاق في الشعر…، م. س.، ص. 131.
[69] الشعـر والشعـراء، نقلا عن السابــق، ص. 131.
[70] أبو بكر بن العربي، أحكام القـرآن، م. س.، ج. 3، 1142، وابن قيم الجوزية، أخبار النساء، شرح وتحقيق: د. نزار رضا، بيروت، منشورات دار مكتبة الحياة، 1988، ص. 114؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، م. س.، ج. 3، ص. 354. وللإشارة، فابن قيم الجوزية، من بين كل هؤلاء، هو الذي يورد الملابسات المحيطة بنظم الأبيات السابقة، إذ أدرج قصتها ضمن ملحق لـ«باب ما جاء في الغيرة»، أسماه «باب من هذا الشكل»، فساقها على النحو التالي: «ولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، النعمان بن نضلة العدوي بميسان، وأراد رحيل امرأته معه، فأبت ذلك وكرهته. فلما وصل إلى ميسان أراد أن يُغيرها فترحَل إليه، فكتب إليها (الأبيات…) فبلغت الأبيات عمر بن الخطاب، فقال: أي والله، وأبي وأبيك، يسوؤني. يا غلام، اكتب بعزله. فلما قدم على عمر بكته بهذا، فقال: يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، ولا قلت الأبيات إلا بسبب كذا. فقال عمر: أظن ذلك ولكن لا تعمل لي عملا أبدا».
[71] انظـر التفـاصيـل فـي د. محمد سعد فشوان، الدين والأخـلاق فـي الشعر…، م. س.، ص. 136-138.
[72] نشر الشاعر المغربي محمد عنيبة الحمري على امتداد شهر رمضان 1419 الموافق لدجنبر 1998-يناير 1999 سلسلة مقالات تحت عنوان «إعدام الشعراء»، بجريدة الاتحاد الاشتراكي، عرف فيها بكوكبة من الشعراء المغتالين، معتمدا التسلسل الزمني. ومع أن عمله هذا لا يستند إلى أي إطار مرجعي، فإنه يبقى ذا أهمية لكونه يلفت الانتباه لظاهرة قتل الشعراء من جهة، ويضع قائمة بأسماء المقتولين تسهل لا محالة عمل الباحث مستقبلا في هذا الباب.
[73] أدونيـــس، الشعريـة العربيـة، بيروت، دار الآداب، ط. II / 1989، ص. 58-59.
[74]Alain. Besançon, Histoire et expérience du moi, op. cit., p. 26 .
[75] Sigmund Freud, Totem et tabou, Paris, Payot, P.B.P., 1972, p. 46-47.
أو: س. فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة: جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، ط. I / 1983، ص. 51، ومنه أخذنا نص الإحالة.
[76] الجاحظ، رسائل الجاحــظ، بيروت، دار النهضة الحديثة، 1972، ص. 149.
[77] ابن قيم الجوزيـة، الجـواب الكافي لمن سـأل عـن الدواء الشافي، تحقيق سعيد محمد اللحام، تقديـم ومراجعـة الشيخ بهيـج غـَزاوي، بيروت، دار إحياء العلوم، ط. II / 1989، ص. 309، انظر أيضا: ابن قيم الجوزية، أخبار النساء، م. س.، ص. 174، حيث يقول: «وأحب شيء إلى الإنسان ما منع عنه».
[78] الحجلة: ساتر كالقبة، أو ستر يضرب في جوف البيت.
[79] أبو الفـرج الأصفهاني، الأغانـي، شرحه وكتب هوامشه سمير الجابر، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ج. 21، ص. 363. (والتشديد منَّا).
[80] ابن قيم الجوزية، أخبار النساء، م. س.، ص. 180. أما التيفاشي، فيروي الحكاية نفسها على النحو التالي: «كان بشار بن برد الشاعر (…) يبلغ امرأته كثرة زناه فتسبه وتلعنه، فيحلف لها بالأيمان المغلظة إنهم يكذبون عليه. فعمدت إلى عجوز بلغها أنها تقوِّد له، فوهبتها شيئا وقالت لها: (صفيني له على أني أحببته، واجمعي بيني وبينه في بيتك حتَّى أوقفه على كذبه). فسارت القوَّادة إليه وقالت له: (يا أبا معاذ، وقعَ لي شرطُك امرأة محتشمة صفتُها كيتَ وكيْتَ)، فقال لها: (ويحَك، عجِّلي عليَّ بها)، فقالت له: (إنها في منزلي، وهي امرأة مخبورة في النكاح ولها شهرة فيه وبعلها غائب. فساعة دخولك ضَع يدَك واقضِ لها غرضا ثم اجلسا بعد ذلك وتحدَّثا ما شئتما). ثم ذهبت به وسبقت امرأته لمنزل القوادة ومكَّنَته من نفسها، فلما صارَ في نصف الشغل جمعت رجليها وركلته في صدره فألقته على قفاه وقامت وهي تقول: (وأين أيمانك الفاجرة يا فاسق؟)، فقال لها: (اذهبي فواللـه ما رأيتُ أبرد منكِ حلالا ولا أحرَّ منكِ حراما)». انظر: شهاب الدين أحمد التيفاشي، نزهة الألباب فيما لا يوجَد في كتاب، تحقيق جمال جمعة، لندن – قبرص، رياض الريس للكتب والنشر، ط. I / 1992، ص. 129-130. (والتشديد منَّا).
[81] لا يتردد أدونيس في تأكيد أن «النص القرآني الذي نظر إليه بصفته نفي الشعر، بشكل أو بآخر، هو الذي أدى على نحو غير مباشر، إلى فتح آفاق للشعر، غير معروفة ولاحدّ لها، وإلى تأسيس النقد الشعري بمعناه الحق»،الشعرية العربيـة، م. س.، ص. 42.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الثلاثاء 04-09-2012 05:14 صباحا

الاخبار العاجلة