Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114

Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
الكتابة والموت: 09 – محمـد إدارغة: رحلة شاقة في ملكوت الموت – محمد أسليـم

الكتابة والموت: 09 – محمـد إدارغة: رحلة شاقة في ملكوت الموت

1455 مشاهدة
الكتابة والموت: 09 – محمـد إدارغة: رحلة شاقة في ملكوت الموت

عتبات قبل ولـوج «حديث الجثة»: مساهمة في الكتابة عن الموت:

في البدء، نلفي أنفسنا ملزمين بافتراش هذه التوطئة؛ فكتاب «حديث الجثة» يفرض وجوبا – بسبب أصداء انشغالاته واشتغالاته – تصنيفه في باب ما جاء في مقامات الموت ومسالكها من مواقف ورؤى، تغايرت في كيفيات الرَّقص على إيقاعات تلغيزها، وطرق مقاربة صيغها الحربائية التي تستعصي على القبض والإمساك.

وإذا كان الموت قد شغل الإنسان منذ بدء تاريخ البشرية، فإن الرغبة في اكتشاف في ماهيته وكنهه انبجسَت منذ هذه البدايات، فكان أن اهتمت بدراسة علوم وتخصصات عديدة منها: «الطب والتمريض، والصحة العامة، والعلوم الإجتماعية والسلوكية، وعلى الأخص علم النفس، وعلم الاجتماع، والقانون، فضلا عن الدين والفلسفة»[1] وساهمت في إضاءة عوالمه عدة روائع أدبية عربية وغربية خطتها أقلام إبداعية لأدباء عرب وغير عرب (جورج باطاي، جورج سالم، غابرييل مارسيل، وألبير كامو… والمبدع المغربي محمد أسليم) الذين يمثل الموت المستوى الأول في أدبهم (ومنه تنشأ كل الإشكاليات التي تعصف بشخصياتهم وتجعلهم قلقين لا يركنون إلى قرار. وقد يقودهم ذلك إلى الشعور بعبثية الحياة، لأن العبث نتيجة طبيعية للتفكير والتأمل في الوضع الإنساني»[2]. فماذا عن الموت في كتابات محمد أسليم؟

المـوت نقطـة تمركـز في سيرة الكتابة لدى محمد أسليم
بأية صبغة – أو كيف – انجذب محمد أسليم إلى سراديب الموت ومداراته؟ وفي أيـة زاويـة يتموقع هذا الانشغال؟ وما المسنَد الذي ارتكز إليه في رسم تأملاته في بطاح المـوت وصعابه وشطحاتـه؟
بدءا ينبغي وضع المتلقي في دوائر انشغال سابق / مواز عند محمد أسليم الباحث (قبل السَّارد) في مقام الموت، وانغراق في دفعات رجاته، رواجفه وروادفه، وترسم قسمات هذا الكلف في ما أنجزه من ترجمات لنصوص غربية تشاكس تيمة الموت، بكيفية أو بأخرى:
– «الميت: نصّ لجورج باطاي[3]؛
– «ميثولوجيات الموت: دراسة لمناحيم روث[4]؛
– «الطقوس الجنائزية؛ الحداد: دراسة لمناحيم روث»[5]؛
هذا الجرد المقتضب يبين أن محمد أسليم الباحث تعشق الاحتكاك – قراءة – بهواجس الموت وكانت له برفقة معايشة لا يمكننا ضبط حدودها، لكن تمكننا من مقدمات استقراء تؤشر على رغبة مبيتة لدى الكاتب في حياكة أنسجة اتصال وتواصل مع بعض الكتابات التي اشتغلت في «الموت» إبداعا وتفكيرا فلسفيا، فعايش – مثلا – موت إدوارد، وموت السيدة فيركان في ضيافة فلورفيل وكورفال: موت + موت: في حالة الإقصاء الأولى خارج المدار البشري جاء ما نصه:
«لما سقط إدوارد ميتا، نشأ بداخلها فراغ وجابها ارتعاش رفعها كملاك. انتصب نهداها العاريان وسط كنيسة من حلم حيث أرهقها إحساسُ فقدان لا يُعوَّض. أمام الميت، مكثت واقفة، غائبة، فوق نفسها، مرعوبة وسط ذهول متثاقل. أدركتْ أنَّ اليأس قد استحوذ عليها، لكنها كانت تتلاعب بيأسها. أثناء موته، كان إدوارد قد ابتهل إليها كي تتعرَّى»[6].
السَّارد في هذا النَّص جورج باطاي (الهو) والمحكي، عنه إدوارد + ماريا، أي الموت وما بعده. وهذه الفقرة مثقلة بمعجم جنائزي: (سقط – ميتا – فقدان – لا يعوض – الميت – مرعوبة – ذهول مثتاقل – موته) بالإضافة إلى حقل دلالي جنسي: انتصب – نهداها – العاريان – تتعرَّى.
أما في حالة الإلغاء الثانية خارج المدار الإنساني، فقد ورَد ما يلي:
«… واسمح لي يا سيِّدي أن أتوقف لحظة عن حكي مغامراتي لأحدثك عن ذلك الفقدان وأصوِّر لك أية رواقية مرعبة رافقت تلك المرأة إلى القبر»[7].
السَّارد في هذا المقتطف: الـ (أنا)، والمحكي عنه: السيدة فيركان + أنا «السَّارد»، أي الموت وما بعده، ومعجمه من الطبيعة نفسها: الفقدان – مرعبة – القبر.
عند الموازنة بين النصين نسجل مواطن الائتلاف الآتية: حضور ميت (إدوارد، السيدة فيركان)، ومبدأ الموت، ولغة الموت والحداد – وبالأخص توظيف وحدات لغوية مشتركة (فقدان / الفقدان – مرعوبة – مرعبة) -، والمرأة، وعلائق الميتـ (ة) بأطراف أخرى تنتظر رحيلها. كما نسجل مواطن اختلاف تتمثل في كون سارد النص الأول يرد بصيغة الـ «هو» وفي النص الثاني بصيغة الـ «أنا»، ثم إذا كان موت السيد إدوارد والسيدة فيركان فعلا منتهيا، فإن الموت / موت الجثة يرد حالة عالقة بين الاحتضار وتوقع الموت والنية في الانتحار، أو عودة وانبعاث للميت، ليتحوَّل إلى حديث عارف بمتاهات الموت. وهنا يحقق محمد أسليم الانعطاف الثري ومفارقة ترسبات مترجماته، ويضحى «حديث الجثة» إبداعا يمتلك استقلاليته التامة.
وإذا كانت الترجمة برزخا للمثاقفة والتشبع بحصيلة النسق الفكري / الفلسفي للآخر، وهضما وتمثلا وإبداعا ثانيا للنص، الأصلي، فإنَّ الذي ينبغي التسليم به أن هذا الإنجاز اللغوي – عند غير المترجمين احترافا – لا ينبجس رضوخا للطلب، بقدر ما هو تعبير عن تشبع لدى المترجم وإفصاحُُ – إرادي أو لا إرادي – عن رغبة في الترصيد المعرفي، وربما تأشير على الاشتراك في الانشغال نفسه. وهذا ما يمكن استنتاجه من المباحث التي ترجمها محمد أسليم (علينا ألا نتناسى أن الكاتب قد ساهم بقسط وافر في إثراء أرشيف مترجمات المكتبة المغربية، وأنه على اختصاص في المجال الأنثروبولوجي)؛ فقد قاربت روث مناحيم[8] في «ميثولوجيات الموت» الزوايا التالية: الموت مفهوم سوسيوسياسي، الموت الإفريقي، الميثولوجيات الغربية، الميثولوجيا البيو-اجتماعية، ميثولوجيا الطبيعية، ميثولوجيا الأعمال، الميثولوجيا الجديدة. وفي الطقوس الجنائزية (الحداد) قاربت الطقوس الجنائزية: الحداد السيكولوجي، المظاهر الاجتماعية للحداد، كيف يتم التخلص من الأموات؟
بإمكاننا الآن، وبعد وقفات اختزالية مع فضاء الموت الذي استدرج المترجم محمد أسليم إلى رحابه، وضع السؤال التالي: – إلى أي مدى انبرزت في «حديث الجثة» بصمات هذه الترجمات؟
يقينا أن الكتابة لا تنطلق من فراغ، وأنَّ محمد أسليم رجل / كاتب مسكون بمغريات الحفر في سهوب تيمة الموت، وأنَّ الكتابات عن الموت قد شدَّته إلى قيظ عجائبها وأسرارها، وأنَّ قراءاته في هذه المتون قزحية ومتشعبة، وأنَّ كؤوسها – ناهيك عن تأملاته الشخصية – قد رشَّحت بما فيها بدليل ما عرف عن أسليم من انغراس مزمن في حالات إبداعية تهفو دوما لمقاربة الملغى والامتلاء بحياض المهمَّش والمقصى – فرأى أن يركب – في اتجاه ميناء ألغاز الموت – اتجاها مغايرا، يسكب في مسالكه رؤاه الخاصة إزاء هذا الموضوع. وقد
اختار لذلك صهوات الحكي والسَّرد في هذه النصوص السردية المكونة لـ «حديث الجثة»، هذا الحديث الصادر عام 1966، والذي نشر كل حلقاته في أوقات سابقة: «ساعة الاحتضار»، «هذيان ميت»، عودة ميت» «خارج المدار الإنساني»، أي في زمن يتوافق مع بعض المترجمات المؤشَّر عليها أعلاه.

ذاكرة المـــوت في «حديث الجثــة»
إذا كنا قد بينا مما سبق أن الكاتب من خلال ترجماته – قد ولج كينونة الانشغال المقلق بالموت من بوابته الكبرى، وبعد ترصد مبيَّت، فإن المعالجة السردية الآتية تروم أن تكون بريئة من فواعل الارتجال «الموضوي» (نسبة إلى الموضة)؛ ذلك أن مقياس انمياز المبدع – عندي – يتجسَّد في قدرته على تمثل متفرقات ثقافته وتوظيفها في نسقه أو أنساقه الإبداعية معنى ومبنى، وبالتالي يأتي إبداعه انعكاسا لثراء قراءاته، وغنى تأملاته. بمعنى آخر، الكاتب عندي هو الذي يخط قلمه حصيلة معارفه. والكتابة الإبداعية من مستويين: مستوى الكتابة الهندسية الفكرية الذهنية، ومستوى الهيكلة وجودة الإفصاح عن إفرازات المستوى الأول.
من هذا المنطلق أرى أن «حديث الجثة» نتاج قراءات وتأملات: قراءات في مختلف التصانيف التي عالجت «الموت» بكيفية أو بأخرى (ويمكن الحفر لاحقا في بصمات هذه المرجعيات)، وتأملات في رجات كوارثه المزمنة، وسنقارب تضاريس هذه الزاوية تحت لواء ما وصفته بـ «ذاكرة الموت»، وابغي بها ما اختزنته جدارات ذاكرة محمد أسليم الإنسان قبل أن يعالجها (وبتصرف… ربما) محمد أسليم السَّارد. وأفتح قوسين للتنصيص على أن الموت بمختلف أبعاده ومستوياته وأشكاله، يتصدَّر ذاكرة كل إنسان لعدة اعتبارات: دينية تتمثل في كون المسلم فطر على الإيمان القبلي بأن سيف الموت آت حتما)، واجتماعية قد تقتضي من الإنسان عدة مواقف كالجوار والصحبة والتساكن والقرابة وكينونته الجمعية أن يشهد مراسيم ما قبل الموت أو ما بعده، فيعاين – عن كثب – بعض تجليات انزهاق الأرواح أو انسفاك الدماء أو زيارة المقابر…، ونفسية تتمثل في طقوس تترتب وجوبا عن مستلزمات المقامات السابقة، ثم ثقافية حيث يعايش الإنسان لحظات احتضار أو انتحار ثم موت أبطال في مقامات فنية (سينما، مسرح، رواية، قصة…) أو واقعية (رحيل مبدعين ومفكرين وأعلام للثقافة العامة..)، ناهيك عن حفلات التعازي والتأبينات… واعتبارات أخرى تتلفع بكساء جنائزي بصيغة أو بأخرى.
إذا سلمنا ببعض ذوائب هذه الاعتبارات خلصنا إلى أن حالة الموت شأن عام أوَّل مهما اختلفت مسالكه، في اتجاه الفرد: موت عادي، انتحار، حادثة سير… أو في اتجاه الجماعة: حروب، براكين، زلازل، فيضانات، أعاصير… ، في اتجاه الفناء، ثم شأن خاص في بعديه الفردي والعائلي. وهذا ما يلزمنا بتجاوز مستواه العام إلى مستواه الخاص، أي الانتقال من ذاكرة الجماعة / البشرية، إلى ذاكرة الفرد (محمد أسليم نموذجا)، ومسلك / للقبض على تسجيلات من هذه الذاكرة مسلكين:
أ – مسلك مساءلة محمد أسليم في مقام حواري: فمما جاء ردّا على تساؤل بصدد عبير الموت الذي يتلبس حيزا هاما من كتاباته السَّردية قوله:
«… وإذا كان لازال من الممكن الحديث عن انعكاساتية مَّا استطعتُ إرجاع انشغالي بتيمتي الموت والجنون إلى ظروف ذاتية تتصل بالفضاءين العائلي والطبيعي اللذين نشأت فيهما (عائلة شديدة التديّن، منزل يجاور مقبرة، ثم مجموعة من الأقارب في سنة واحدة – ضمنهم أخت لي – وأنا في سن لا يتجاوز الخمس عشرة سنة… (…) ومعنى ذلك – فيما أعتقد – نوع من الوفاء للذات والمحيط الذي احتككتُ به وطبعني في فترات من حياتي»[9].
ب – مسلك مساءلة أسليم في مقام سردي يتجسَّد في النصوص المحكية المضمومة تحت عنوان «حديث الجثة»:
«سمـع الكلمة لأول مرة وهو ابن ثلاث سنوات: فقد كان يلعب مع أخته التي ستموت قبله» (ص. 25)؛ «كان محو أخته أول لقاء وضعه وجها لوجه أمام الموت» (ص. 26)؛ «فهو يقبل الآن أن يستقر جسد أخته إلى الأبد في قرار قبر» (ص. 26)؛ «ثم واصل الموت زياراته له بكثافة، فانتشل منه الجدة، والأم، والأب، وأخوين له، وزوجته الأولى، وطفليه الأولين» (ص. 27)؛ «فقد متّ أربع مرات أو خمس على الأقل: مرة غرقتُ، ومرة ارتميتُ من شرفة قنطرة وسلان الشاهقة العلو، ومرة جرعت حصى ورملا وأكياس عقاقير قاتلة، ومرة ألقيت بجثتي تحت عجلات القطار» (ص. 27)؛ «أتذكر عشرات الجثت التي شاهدتها منذ الصغر؛ الجثت التي لفظها البحر بيضاء كالشمع أو الصابون… والجثت التي مزقتها عجلات القطار…» (ص. 56)؛ «أستحضر وجوه الموتى الذين عرفتهم واحدا واحدا» (ص. 60)؛ «قال: إذن فاستحضر صور أبيك، وأمك، وجدك، وجدَّتك، وأختك، وزوجتك الأولى، وجاريك: البدين الذي ألقى بنفسه من الطابق العاشر منذ بضع سنين، والطفل الذي وضَع حدَّا لوجوده زوال أمس بشنق نفسه» (ص. 74).
إن المسلكين معا قد يسعفان المتلقي في استنبات عدة معطيات:
* اختلاف مقامي التصريح وصفة المصرّح: في المقام الأول يحضر محمد أسليم الباحث، بصفته قد استدرج من قبل المحَاوَر إلى حظيرة بيان وإبانة عن قوة انشغاله بتيمة الموت، لذا انحاز الجواب بالبوح الصَّادق والواقعية. أما المقام الثاني، فيحضر فيه محمد أسليم السَّارد، ولا يمكن – بالضرورة – أن نعتبر هذه المقاطع انعكاسا مطابقا لسيرته الشخصية؛ فالخيال مهيمن في بعض الأماكن من الحكي.
* اختلاف بين سياقي بيان التأثير على نقط بداية المواجهة مع الموت: فالأخت توفيت (حسب إفادة الحوار) وأسليم في سن الخامسة عشر، بينما يبلغ السارد – عند زمن الفاجعة نفسها – ثلاث سنوات فقط، حسب سياق (هذيان ميت)
* التوافق التام في ما يتعلق برحيل الأخت.
* كثافة مشاهد الموت.
إذن فالسَّارد يزاوج بين أقنومي الواقع والخيال ويمتح من نسغيهما معا، مراهنا على رحابة أجنحتيهما.
من إمـلاءات العنـوان والمحتـويـات
لا اختلاف في أن عتبة العنوان البيانية تنتصب لدى المتلقي بمثابة نقطة تمركز ومجمع مفاتيح تيسر انفلاته إلى مسالك التصنيف الإبداعي ابتغاء الإنصات إلى بلاغات خطاباته واقتناص لذائذ بوحها وهواجسها. ومقاربة ديباجة العنوان وفق منطلقات هذه الرؤية لا ترضخ لضرورات اعتباطية، ذلك أنَّ ما ينماز به من اقتضاب وتركيز هو الذي يرشحه لإجراء مقتضيات هذه العملية الفتقية البدئية، وبموجبها يملي على المتلقي نسقا أوليا من التعليمات تسعفه في اختيار المسلك الأليق لاستكشاف تضاريسه.
و«حديث الجثة» في هذا المقام مرشح بامتياز للإحالة على إفادات لغوية وتغريضية:
أ – حديث: تجمع هذه اللفظة على مجموع متعددة، لكنها تفيد دلالتين متقاطعتين متكاملتين: حِدَاث وحُدثاء (حدث: جديد)، ثم أحاديث وحِدثان وحُدثان (حديث، خبر). أما الحِدِّيث فهو الكثير الحديث.
ب – الجثـة: من (جثه يجثه جثا واجثته: اقتلعه من أصله)، وهي شخص الإنسان، وأكثر استعمالها للميت. (ج. جثث).
يمكن تفريغ هذه الإضاءات اللغوية لوضع بعض احتمالات الفهم والتأويل (يلزمنا بذلك الطابع العجائبي لأجواء نصوص «حديث الجثة»):
– حديث / جديد: عندما تتكفل هذه النصوص بمساءلة سهوب انشغال قريب / بعيد، حاضر / غائب، والرغبة في إرواء غلة الفضول بإفرازات موضوع ميتافيزيقي، استعصى على التقدم العلمي الهائل أن يجتثه.
– حديث / خبر: عندما يتولى كتاب «حديث الجثة» رصد مشاهد من: ما قبل الموت، وعند المواجهة، ثم ما بعد الموت.
– الجثة: بوصفها شخص الإنسان، السارد في هذا الوضع جندي يقاتل، يغالب، يحاور يناقش، يصف الموت في مختلف أطواره وتلويناته. فهو حي / ميت، عاقل متأمل (مثلا: تأملات في باريس) ¬ ميت وقف التنفيذ.
– الجثة: بوصف كثرة استعمالاتها (= الميت). وفي هذا الموقع، تستدرجنا نصوص «حديث الجثة» إلى مدارات ألق فانطازي (العجائبي والغرائبي)، علما أن الميت قد يكون بهذه الصفة – بالقوة أو بالفعل – بدليل أن السارد – حسب تصريحه – ماتَ أربع أو خمس مرات، كما مرَّ بنا، ثم عاد منها جميعا واستأنف الحياة.
هذه إملاءات مستنبتة من إيحاءات العنوان تتوافق جميعها مع سياقات السَّرد، وتسير في خطوط موازية مع انشغالات (الشخصية المركزية) وهواجسها وقلقها ورعبها من كابوس الموت. هذا اللفظ المهيمن، وبهيمنته وضغوط المجموعات اللفظية المصاحبة لها، لا يسعنا معه سوى الجزم بأن «حديث الجثة» حديثٌ عن «الموت» بالدرجة الأولى، وأنَّ الموت نقطة التمركز التي يتمحور حولها هذا الخطاب السَّردي. وللتأكد من ذلك يكفي إلقاء نظرة سريعة على الأبواب الواردة في الفهرست: «ساعة الاحتضار»؛ «عودة ميت»؛ هذيان ميت»؛ صوت الموتى»؛ «احتواءات وتنكرات»؛ «حديث الجثة»؛ «نداء الموت»؛ «خارج المدار البشري»؛ «فتنة الآلهة أو الموت واقعيا». فلفظ الموت أو ما يقاربه حاضر في جميع هذه العناوين، مما يؤثر على «التغريض» المحوري للكتاب (حديث الجثة). وسندعم هذا الرأي لاحقا بإحصاءات معجمية.
يقول د. عمار بلحسن:
«يبدو الموت في الميتافيزيقا الإسلامية حدا بين الدنيا والآخرة، ممرا وجسرا بين دار الإقامة ودار البقاء، بين الفناء وأبد الخلود. وبهذا المعنى، هو لحظة وسيطة لانحلال الجسد والتحاق الروح بالرفيق الأعلى وملكوته. أكاد أقول تقرب وحب في طريق الله»[10].
نحو القبض على معنى للموت والحياة في «حـديث الجثة»
رغم تشعب أدبيات الموت والحياة، أو ما يمكن تصنيفه في فصيلة فلسفة الحياة الموت»، فإن المفهومين معا ما برحا يشدان إلى دائرتيهما اهتمامات الباحثين بمختلف مراتبهم الدينية والدنيوية، الفكرية والإبداعية. ولازالت التعاريف تثرى بغية وضع صياغة تعريفية جامعة.
بموجب هذا التعدّد في زوايا المقاربة، وقبل مقاربة معنيي الموت والحياة عند محمد أسليم السارد، نرى رصد بعض المقولات التي انشعبت في خريطة تأملات «الموت»، وفق المستويات التالية:
– لغــــة: الموت: مات، يموت، موتا: حلَّ به الموت وفارقت الروح جَسَده. الموت والموتَة: زوال الحياة عمن كانت فيه. والموت أنواعُُ: «الموت الأحمر»: الموتُ قتلا، «الموت الأبيض»: الموت الطبيعي أو الموت فجأة، «الموت الأسود»: الموت خنقا. وقد ورد في القرآن الكريم مظاهر أخرى للموت: الميتة بالخنق (مختنقة)، الميتة بالضرب (موقوذة)، الميتة بالسقوط من أعلى (متردية)، الميتة بالنطح (نطيحة). كما ورد في بعض السياقات لإفادة الجدب والمحل والقحل والخراب والدَّمار، ومن مرادفاته الهلاك والحمام والمنية والحتف. والوفاة… ومن قسماته: المرض، الجنون، الاحتضار، الانتحار، الانخناق… وهو إما لا إرادي، مفاجئ وطارئ، يأتي الإنسان من حيث لا يحتسب، كغزو الأدواء وانعسار العلاج فالموت، أو إرادي يقبل فيه الشخص تلقائيا على وضع حد لحياته بدافع الضيق أو الجنون أو اليأس…
والموت: نقيض للحياة، والحياة من (حيِيَ يحيى حياةًً) ضد مات، وهي نقيض الممات.
إذن، فالموت والحياة من الأضداد، غير أنهما متلازمان، ولا معنى لأحدهما دون الآخر؛ فهما يتناقضان ويتكاملان في الآن نفسه.
– مما جاء في تعريف المـوت:
وردت كلمة الموت ومشتقاتها في القرآن الكريم في 61 موضعا (الموت: 161: 179)، مما يدل على العناية الكبرى التي أولاها الإسلام للموت. والموت يحصل بقبض النفس أو الرّوح. أما الشعر العربي، قديمه وحديثه فلم يخل هو الآخر من شعراء تأملوا الموت، نذكر منهم: عنترة بن شداد، وسيد بن عامر المصطلقي، وطرفة بن العبد، وعمر الخيام (الشاعر الفارسي المسلم) الذي ضمَّن رباعياته مئات الأبيات الشعرية المليئة بالأمثال والحكم. وفي حقل الفلسفة، اعتبر أفلاطون الفلسفة تأملا في الموت، ويرى ديورانت أن «الموت أصل الديانات كلها»[11]، وعدَّ شوبنهاور الموت الموضوع الرئيسي للفلسفة والملهم الأكبر للتفكير الفلسفي، فيما اعتبر عبد الرحمان بدوي الموت فعلا فيه قضاء على فعل.
وبحكم الصيغ التأملية لـ «حديث الجثة» في «الموت»، فقد كان لزاما رصد مفهومي السَّارد للموت والحياة: وقد حبلت العديد من صفحاتها بتعاريف تؤشر على تصور أسليم للإشكاليتين معا، وقد جاء في شأن الموت ما يلي:
«كاد الموت أن يشبه دخول الحمام لولا أن دخول الحمام يعقبه خروج فيما الموت هو الخروج نفسه» (ص. 17)؛ «الموت جبانُُ حقيرُُ إذا لم تسبق إلى مداهمته بادَر هو إلى مداهمتك بوجه بشع قذر تفوح منه رائحة كريهة» (ص. 19)؛ «الموت سؤال ضخمُُ يستحيل الإجابة عنه بأي خطاب لأنه انتفاء الخطاب نفسه» (ص. 27)؛ «الموت هو أن يكف المرء عن أن يكون ملكا لنفسه» (ص. 36)؛ «ليس الموت هو أن يتوقف جسدك عن الاشتغال ويصير جثة هامدة… أن تموت هو أن تتموقع في جهة من الزمان الماضي» (ص. 61)؛ «الموت انتقال إلى منطقة البياض»؛ (ص. 67)؛ «قلتُ [للموت]: (…) ما أريتني وجهَك يوماً ولا مكانَك فكيـف أنت؟ وفي أيِّ إقليمٍ مني تقيـم؟ قال: [الموت]: أنا كلامك هذا وسؤالك هذا بالضبط» (ص. 75)؛ «وإذن فمعنى هذا أنك [أيها الموت] أنت الأصل في مَا ندعوه حضارة… قال: نعم» (ص. 78).
وفي شـأن الحيــاة:
«كوميديا الوجود البشري» (ص. 17)؛ «… فبدت الحياة قبرا هائلا انكشفت فيه أكفان عملاقة تلف الأحياء بمنازلهم وملابسهم وسياراتهم وأوهامهم» (ص. 50)؛ «الحياة عورة إن لم تستدبرها استدبرتك» (ص. 35)؛ «الحياة مزبلة كبرى» (ص. 36)؛ «[الحياة] إفلاس شيء ما أو موتُُ في حالة إفلاس» (ص. 35)؛ «… الحياة بكاملها لا تعدو مجرَّد موعد مع الموت» (ص. 64)؛ «ففي البدء كان الخلود والحياة صنوين، لكن خللا ما حصل في جهة ما، لسبب ما، فأفلست الحياة، ولما أفلست احتاجت إلى لسان يعبر عن حال إفلاسها، فصرتُ [أنا = الموت] إياه»» (ص. 78).
الموت إذن متشعب الدلالات والأبعاد، عصي عن المعرفة التامة؛ فهو تجربة شخصية لا يستطيع أحد معرفتها ما لم يمت، وإذا مات تعذَّر عليه إدراكها، وتبقى معرفته ناقصة لا يمكن مقاربتها إلا من خلال موت الآخرين. يقول جيمس ب. كارس: «ولكن كيف تأتى لنا أن نعرف الموت؟ وما هي الطريقة التي يبدو لنا بها؟ والإجابة الواضحة على تلك هي أننا نجرب الموت في موت الآخرين»[12]. وقد حاول الكاتب أن يقتحم سديم الموت رغبة في معرفته، عندما سلك في فضاءاته عدة مسالك، غير أن المعادلة بقيت معلقة: أي من المتعذر فصل الحياة عن الموت، بل إن «الحياة هي الموت نفسه»، بتعبير كلود برنار، وهو تعبير الكاتب محمد أسليم «الحي ميت في حياته والميت حي في موته» (ص. 61).
سيناريـوهـات المـوت في «حديـث الجثــة»: نحو تقطيع مشهـدي:
من المؤكد أن الموت يتحربأ ويتنكَّر – في معسكرات تربصاته بالكائن البشري – بعدة أقنعة وصيغ، جميعها تنتقل بالإنسان – الذي كتب عليه الموت في زمن ما، في مكان ما – خارج المدار البشري. وهذه المسالك قزحية الأشكال والوجوه والأبعاد وأزمنة الانقضاض والانخطاف؛ فقد تدق أجراسها معلنة «للمحتفى به» أنه آيل إلى الوقوع في شركها، ضيف على أنداء برزخها، أو قد تباغثه وهو في حالة اللاتوقع والانتظار. وفي كل الحالات يتحقق نفس الخروج من دائرة الأحياء إلى دائرة الأموت، مع اختلاف في سيناريوهات إنجاز مؤشرات البرمجة المسطَّرة في كتاب القدر. وهذا ما يرخص للحديث – حديثنا نحن القراء – عن أصناف شتى في تذوق علقم الموت بألوانه: الأبيض، الأحمر، الأسود، وما يجاورها من صور أخرى للانتقال إلى كينونة ما بعد الموت (مثلا موت خفيف سهل أو بطيء قاس…)، وبمعنى آخر يمكن تعداد بعض مظاهر الموت كالآتي: الموت السوي، الاختناق، القتل، الاغتيال، الانتحار، وبعض مسبباته: الأمراض، اليأس، الحروب، الجفاف، الوأد، التعذيب، الإعدام، الغرق، الزلزال، البركان…
والموت – بوصفه مفارقة الروح للجسد – إرادي أو لا إرادي، قرار الأنا أو الآخر، خارج الرغبة، أو انفرازا لرغبة… وقد يكون فرديا أو جمعيا، وقد يكون منحصرا في مجتمع الكائنات أو فناء الكون قاطبة… فما نوع سيناريوهات الموت التي يرشح بها كتاب «حديث الجثة»؟
في المسار العام لنصوصها السردية، يمكن الفرز بين نوعين من هذه المشاهد المفضية للموت:
– موت «أنا» / السارد وموت الآخر، وفي الحالتين معا هناك شخص في أطوار الخروج إلى خارج المدار الإنساني:
1 – موت «أنا» السارد: وهو نمطان:
أ) موت مجازي تحقق بكيفية أو بأخرى: «… فقد مت أربع مرات أو خمس على الأقل» (ص. 37)، وتقطيعاتها المشهدية هي: «مرة غرقت»؛ «مرة ارتميت من شرفة قنطرة وسلان الشاهقة العلو»؛ «مرة جرعت حصى ورملا وأكياس عقاقير قاتلة»؛ «مرة ألقيت بجثتي تحت عجلات القطار». وفي المرات جميعها شارف المتكلم عتبات الموت ثم تولى بفعل تدخل الغير بدليل بنينة الأفعال للمجهول: «انتشِلت»، «أنقِذتُ»، «قيل»… وفي يجميع الأحوال «أنا الآن مولود، وبقية، وعائد» (ص. 37)، وتلك حصيلة ذاكرة موت مشتعلة بفواجع فقدان مع وفق التنفيذ، قد تشكل بعض مشاهدها انعكاسا وترديدا لمواقف ذاتية سابقة؛ مثلا المرةالأولى (سيناريو الغرق) ترديد لفاجعة (ص. 26): «فقد كان يلعب مع أخته التي ستموت قبله وهي التي كانت كتبت موته في تلك اللحظة بالذات عندما دفعته وسط ساقية ماء تصب في صهريج…» وقد انتشلته جدته من المياه (سيشير إلى وفاة جدته لاحقا) أو ترديدا لمواقف غيرية: المرتان الثانية والرابعة: «كان الزمن قيلولة غشت، والمكان قنطرة وسلان الشاهقة ذاتها» (ص. 29)؛ «… انقضت عليها القاطرة فابتلعتها كالطوفان». يتقمص السارد في هذين المقامين حدث / فاجعة الآخر، لأن الرغبة في التجربة قائمة لديه: «… ماذا يتم عندما ألقي بجثتي الآن تحت هذه القوة العمياء؟ أي شيء يفصل بين ارتمائي وبين تحول جثتي إلى رميم؟» (ص. 28). لكنه في المرتين معا نجا وأفلت (لاحظ أن الفعل هنا مبني للمعلوم) وفي المرات الأربع لم يتحقق الموت، ولم تنفصل الروح عن الجسد. إنه تذوق أوليات الموت والعودة منها سالما، لذلك نراه يعنون نصا واحدا بـ «عودة ميت»، أي هو انفلات من مخالبه، إنه تأجيل وتأخير أو عودة من خارج المدار البشري؛
ب ) في اتجاه الموت الآتي: ويمكن رصد تجلياته في مظهرين:

1 – ساعة الاحتضار:
وفيها يطنب في وصف (محرقة الموت)، يرصد مشاهد من زوابعها الذاتية وتوابعها الغيرية، ويستبطئ جرس الرحيل لتقييد أرصدة تأملاته في الذي حدث ويحدث وما سيحدث بعد الانفراق… ولذلك نراه يراهن على سين التسويف: سأموت، سأصير جثة هامدة، سأمحى… (25 مرة). وسين التسويف في هذا المقام تؤشر على حالات انتظار الموت، حالات قلق ورعب وخوف،
و«الخوف انفعال سلبي يوجد لدى الإنسان والحيوان، ويميل الإنسان عادة إلى الخوف من المجهول والغريب والخفي وغير المتوقع. وفي الموت جوانب كثيرة مجهولة وغامضة، خفية وغير متوقعة، كما أن الموت خبرة جديدة غير مسبوقة. من أجل ذلك يخاف كل إنسان تقريبا من الموت، والخوف صنو الكره»[13].

2 – التعلق بالانتحار مسلكا لوصال الموت:
وجدت ظاهرة الانتحار عند العرب مثلما وجدت عند غيرهم من الأمم، والانتحار أنواع تبعا لتصنيف عالم الاجتماع الفرنسي للأفعال الانتحارية: الانتحار الفوضوي، والانتحار الإيثاري، والانتحار الأناني (وتحدد طبيعته عندما يفقد المرء معنى الحياة)[14]. وهذا الصنف يبدو أقرب لاحتواء حالة بطل حديث الجثة. وقد تنوعت وتباينت طرق الانتحار واختلفت مسبباته، وهو فعلٌ قديمٌ / حديث. وتعنينا منه الإشارة إلى إقدام عدد من الأدباء العرب المعاصرين علىالانتحار: أحمد العاصي، إسماعيل أدهم، فخري أبو السعود، تيسير سبول… وخليل حاوي. وكتابات هؤلاء تشف عن نزوع كامن نحو الموت. فكيف تتجسَّد انشغالات السارد بالانتحار في هذا الكتاب؟ لننصت إلى الإشارات التالية:
«لما عزمت على وضع حد لحياتي بتناول كمية كبرى من العقاقير وإحراق جثتي، ولما دبجت قبل ذللك خطابا أوضح فيه أسباب انتحاري» (ص. 21)؛ «حاول أن يموت. جرع حفنات رمل وحصى وأقراصا عديدة» (ص. 26)؛ «… ماذا يتم عندما ألقي بجثتي الآن تحت هذه القوة العمياء؟» (ص. 28)؛ «… بيني وبين الموت قيد شعرة. أهو موعده قد حان؟ لو أني أقوم،وابتلع صيدلية المنزل فأسقط جثة هامدة» (ص. 55)؛ «… قد أنتحر بأن ألقي بنفسي من الطابق العاشر كما فعل جاري البدين منذ بضعة أيام» (ص. 57)؛ «أي سبيل إلى الموت المريح؟ لو أيقنت أن موتي سيستنزفني قبل محوي لداهمته قبل أن يداهمني، لتناولت دفعة واحدة كمية هائلة من عقاقير ما تكاد تبلغ الحنجرة حتى تنيمني وتميتني» (ص. 58)؛ «كيف أنتحر؟» (ص. 64)؛ «انتحار الطفل الزبير» (ص. 73)؛ «قلت: يا لغباوتي! لماذا اخترت هذه الطريقة “المتوحشة” في إخراج موتي؟ الآن فقط أدرك أن أحسن طريقة يملكها المرء لصنع موته هي أن يتناول أكياس أقراص» (ص. 84)؛ «… ثم استمسكتُ ووثبت يدي على السطح بقوة وسحبتهما ملقيا بنفسي في الخواء» (ص. 87)؛ «أتمنى لو تنبت لي أجنحة بالسرعة ذاتها فأطير» (ص. 88).
يبدو السارد – في ما أثبت من هذه المقاطع – ممتلئا بعشق الموت: «لم يفهم ولن يفهم – ربما طال ما عاش – سر افتتانه بالموت» (ص. 25). وقد انعشب لديه هذا الولع منذ أطوار الصبا: «وهو ابن ثلاثة أعوام» لما جرع الرمل والحصى… تعبيرا عن وقع صدام موت أخته، وكبر معه هذا الكلف بدليل أنه راود الموت عدة مرات مفضلا أسلوب الانتحار قناة للتواصل مع الموت، وقد اختلفت أدواته (تجرع الرمل والحصى، الإلقاء بجثته تحت عجلات قطار، السقوط من علو شاهق، تجرع أقراص عديدة): الأداة الأولى (في زمن الطفولة) وما تبقى في أعوام الكهولة. والملاحظ أن الرغبة في تجرع الأقراص تردَّدت خمس مرات، أما غيرها من تجارب الانتحار فهي نسخ من تجارب الآخرين: السقوط من عل: تجربة فتاة قنطرة وسلان والرجل البدين، وقد حاول إخراج مشهدها لما قفز من سطح العمارة، ويبقى أن تجربة الشنق لديه غير واردة (تجربة الطفل الزبير)، رغم أن بقية روحه مقيمة بداخله، ذلك الطفل الذي ثبت حبلا على السقف ولفه حول العنق، ثم قفز في الخواء (ص. 73).
وأداة الانتحار أثيرة عنده لانمياز لحظاته بالبهاء والموت المريح، ووسيلة لمداهمة الموت (الهجوم خير وسيلة للدفاع) تلافيا للاستنزاف الجسدي الذي تقتضيه أزمنة الاحتضار. وللإشارة، فإن الانتحار مسلك وارد لدى بطل «كتاب الفقدان»[15] وببعده المتمثل في تجرع الأقراص، غير أن الانتحار يبقى أيضا شيئا رهيبا وقرارا قاسيا وطريقة متوحشة في صنع الموت.

مـا جـاء في تأمـلات المـوت وحـالاتـه:
في إمكان المتلقي – وهو يضرب رفقة السارد في سهوب الموت وفضاءاته – أن يمسك بحمولة فكرية ثرية تمتح من أزمنة ما قبل الموت وما بعده، بدءا من وقعه الثقيل على الحي – الميت، ومفارقات أطراف «فرجة الموت» من أقارب المحتضر وأباعده، وشعائر الانغراق في طقوسية الموت، والإحساس بالعزلة والوحدة، وبكاء النفاق الذي ليس سوى فرحة الخلاص الآني وتأجيل الموت، وأن الاحتضار شاهد إثبات على وجود الموت، وما يستشعره المحتضر من أحاسيس تترجَّح بين الحقد، الغضب، الرعب، والرأفة والشفقة، وحتمية الموت القائمة في الزمان والمكان، وأن الحياة وهمُُ، وفعل الموت الاستنساخي للكائنات البشرية، وسكرات الموت بأوجاعها وآلامها، وأن الموت اغتسال من أوساخ الداخل والخارج، والرغبة في استعادة الكينونة، ودقة الهوة الفاصلة بين الحياة والموت، والانكسار الحتمي أمام هذا القضاء، وأن الموت انخراط في زمن آخر، ومجزرة آتية لا ريب فيها، وانتقال إلى منطقة البياض والمحو النسيان، ونفي للحياة، والموت بمستوييه الخاص والعام، والموت في أبعاده الأزلية الأسطورية…

الجسـد وفاجعــة المــوت:
مقاربة هذه التيمة تقتضي النظر إليها في عدة مستويات: جسد الاحتضار، جسد الانتحار، جسد ما بعد الموت، جسد الأنا، وجسد الآخر:
أولا: جسد الاحتضار: تتبرعم تضاريسه وفق أطوار تقمص الموت لجسم المحتضر؛ فهو يأتيه من أخمص قدميه ليصعد نحو قنة رأسه (لنلاحظ هنا المفارقة التالية: الموت يهاجم الإنسان من أسفل، بينما يهاجم الإنسان الموتَ من الأعلى: قناطر، طوابق عليا، سطوح عمارات، سقوف…) وقد دبَّ في جسده وفق الخطاطة التالية:
أ) «تلسعني قدماي من شدة البرد، فينتابني إحساسُ أني أنتعل حذاءين من جليد»[16]؛
ب) «… لكن زحف الجليد نحو رأسي يحول بيني وبين القدرة على ذلك [= أن أقومَ وأُحِيلَ كل ما في البيت إلى رميمٍ]» (ص. 10)؛
ج) «لقد مات مني ما بين القدم والركبة» (ص. نفسها)؛
د) «بدأت الحياة تتقلص بداخلي» (ص. 12)؛
هـ) «انغلقت أذناي لتنقطع صلتي بالمحيط الخارجي وأغرق في ضجيج جسدي» (ص. 1نفسها)؛
و) «أخذ جسدي في التمطط من حولي» (ص. 20).
هذه الأطوار المشبعة بالآلام والأوجاع تصاحبها فترة ارتداد إلى دواخل الجسد، ثم تمر بمرحلة غياب القدرة على الفرز بين الالم واللذة، وبعدها البدء في التشيؤ ودخول صيرورة التحول إلى آخر: «آخر عن نفسي وآخر عن الآخرين» (ص. 10)، و«الدخول في مرحلة الخواء» (ص. 14).

ثانيا: جسد الانتحـار: ونمثل له بحالتين:
– جسد الآخر:
«كان القطار قد مرَّ مثل مجيئه، فلم يترك وراءه سوى شبه جثة انطرحت بعيدا عن مكان الاصطدام، وقطع لحم وعظم تبعثرت على امتداد المسافة الفاصلة بين نقطة التصادم ومساحة استقرار شبه الجثة»[17].
– جسـد الأنا:
«… تمزق جلد ركبتي… خرج ومنهما رأسا قصبتي السَّاقين، وعظما الفخذين، بعدما انحل ملتقى تمفصلهما. هشمت الرضفتان قصبتي الساقين، تعالى سيل الدماء الفوارة»[18].
لنلاحظ التطابق بين حالتي جسدي الأنا والآخر والتوحُّد والاستنساخ.
ثالثـا: جسـد ما بعد الموت: تترجَّح أحواله المابعدية بين الانشداد إلى مرجعيتين:
أ) مرجعية دينية إسلامية: تلاوة قرآن، الكفن، القبر، البخور، الخ.؛
ب) مرجعية دينية وضعية:
«جُمع رماد الجثة، بعدما عُزل بعناية متناهية عن رماد الكتب والفراش والخشب والملابس، ثم وُضع في كيس طاهر معطَّر أنيق أجريَت عليه كافة ترتيبات الطقوس الجنائزية، ووريَ داخل قبر كبير»[19].
بعض متعلقات الموت حسب إفادات «حديـث الجثــة»:
ونتناول في هذا الحيز الموت وتشعبات قلقه، الموت والجنس:
قلق المــوت: يعتبر الموت من أقوى المثيرات التي تترتب عليها حالة القلق، والقلق في تعريف د. أحمد محمد عبد الخالق:
«انفعال غير سارّ، وشعورُُ مكدَّر بتهديد أوهمٍّ مقيم، وعدم راحة واستقرار، وهو كذلك إحساس بالتوتر، وخوف دائم لا مبرر له من الناحية الموضوعية… وغالبا ما يتعلق هذا الخوف بالمستقبل والمجهول»[20]
وهو أنواع: قلق الامتحان، قلق الجنس، القلق الاجتماعي… وقلق الموت الذي هو: «نوع من القلق العام غير الهائم أو الطليق، والذي يتركز حول موضوعات متصلة بالموت والاحتضار لدى الشخص أو ذويه»[21] أو هو «حالة انفعالية غير سارة يعجل بها تأمل الفرد في وفاته هو»[22]. وإذا كان قلق الموت يشير إلى قلق متصل بالموت بوصفه فعلا منتهيا، فإن قلقل الاحتضار يشير إلى «نوع من القلق الموجَّه إلى “المرض الأخير” الذي يعاني منه المريض على فراش الموت، وما يستتبعه من آلام ومعاناة يتصوَّر بعض ذوي القلق المرتفع أنها مبرِّحة وعنيفة»[23].
إلى أي مدى تنطبق هذه الأعراض السيكولوجية على بطل «حديث الجثة»؟ إن نصوصه السَّردية تزخر بمواقف وحالات نفسية تؤشر فعلا على أن هذه الشخصية الرئيسية انشغلت بهاجس الموت منذ الأسطر الأولى للكتاب إلى خاتمته، وجميع عناوين فصوله تتضمن هذا التغريض (الاحتضار – ميت – ميت – الموتى – تنكرات – الجثة – الموت – خارج المدار البشري – الموت واقعيا)، وأن أمداءها نصت على لحظات الاحتضار لدى الشخص نفسه (ساعة الاحتضار من ص. 9 إلى 14) أو موت بعض ذويه (الأخت، الجد، الجدة، الأب، الزوجة، الطفلان) ولدى آخرين من خارج دائرة أقاربه (فتاة وسلان، الرجل البدين، ياء، الطفل الزبير)، واشَّرت على رصيد من تأملاته الذاتية في وفاته هو (لم يفهم ولن يفهم – ربما طالما عاش – سر افتتانه بالموت» (ص. 25) «فيما بعد سيقرأ كثيرا عن الموت» (ص. 27)، ناهيك عن الحالات المتعددة التي حاول أن يقارب فيها عتبات الموت انتحارا، وفي حواريته مع الموت، وفي وصفه للموت بنعوت شائنة تفضح كراهيته ومقته لهذ االفعل الحتمي.
وسنحاول الاستئناس بدراسة الدكتور أحمد محمد عبد الخالق[24] أجراها في شتاء 85-1986 لرصد قسمات قلق الموت لدى البطل المركزي في «حديث الجثة»، وسنثبت منها فقط ما يتوافق مع مسار هذه الشخصية: الخوف من نهاية الحياة، الخوف على الأولاد، الخوف من طقوس الموت، الخوف من مصير الجسد بعد الموت، الخوف من ترك ملذات الدنيا، الخوف من الوحدة، لموت أحد الأقارب في سن صغيرة، الخوف من المجهول بعد الموت، الخوف من مشاهدة الآخرين لاحتضار الشخص ذاته، الخوف من توقيت الموت في أي لحظة مفاجئة، خوف الموت حرقا… وبمعنى آخر يمكن إرجاع انشغاله بالموت إلى (التفكير في موته الشخصي، تفكير في موت الأحياء، التفكير في الموت عند المرض، توقع موته). وجميعها سبَّبت له هذا القلق.

المـــوت والجنـــس:
نستشعر في العديد من مقاطع «حديث الجثة» تماثلا بين أجواء الموت وأجواء الإنزال. من هذه الفقرات:
«احتكر المنزلُ الأجسادَ والحركات والأصوات فبدَا وكأنَّ العالم قد تقلَّص فِيه… بدا كمخاض هائل سيفجرولادة عنيفة [= موت السارد]، كانقباضة أو انكماشة سيعقبها لفظ خاطف، ثم ارتخاءة تشبه ارتخاء المرء فور انتهائه من الجماع»[25].
فالموت تعرية لوهم الحياة، تعرية للجسد وتطهير للدواخل. والأداء الجنسي تواكبه طقوس الموت نفسها، بل كثيرا ما تحضر المرأة مُرفقة بأجواء الموت والإثارة الجنسية. وبذلك، يمكن اعتبار الموت صنوا للجنس ووجهه الآخر. إنهما وجهان لسلوك واحد يمكن اعتباره جوابا ميتافيزيقيا عن سؤال غائب أو تجسيدا لسؤال ميتافيزيقي، ايضا، لا جواب قاطع له. فلننصت إلى الوصيتين التاليتين:
تقول الأولى:
«إذا اختلى رجل منكم بامرأة أو اختلت به وقضى كلاكما حاجته من الآخر فلا تقولا منفردين: «اقتنصت كذا لذة من صاحبي / صاحبتي» (…) بل قولا مجتمعين: «أنزلنا كذا مرة» (…) لأن لا أحد منكما، في الحقيقة، يكون اقتنص لذتـ«ـه» من جسد الآخر؛ كلّ ما تكونان فعلتماه، بعد الجماع، هو أنكما نلتما رعشة أو رعشات من جسد غائب، قد يكون هو جسد اللذة الأكبر، ما لم تكونا معا لا تعدوان مجرد أداة في يد هذا الجسدِ الذي يقتات بالاستلذاذ من جسميكما (…) وعليه (…) فما ينبغي القيام به (…) هو [أن] يقول الإثنان معا: “لقد ضاجعنا ثماني مرات”»[26].
بموجب هذا التصور، ليس الجنسُ سلوكا إراديا يمارسه الإنسان بمحض إرادته ليجني متعة يستأثر بالاستفادة منها، بوصفه فردا، بقدر ما هو تجل أو نشاط لقوة خفية تثوي وراء مجموع سلوكات الإنسان. قوة تتجلى في الممارسة الجنسية كما تتجلى في إلحاق الألم ببني الإنسان من خلال اقتتالهم وتبادلهم الإيذاء في ما بينهم:
«متى مَنَح مشهدُُ مؤلمٌ نفسه لنا، سواء كنا أطرافا مباشرة فيه أو مجرد متفرجين، كان ردّ فعلنا هو الإشفاق على فاعل الألم ومحتمله في آن واحد، باعتبارهما مجرد أداتين في يدٍ خفية، تتجاوزهما، باعتبارهما ليسا سوى أداتين في أيدي الحياة كلية الحضور»[27].
بتعبير آخر، ثمة تخل عن رؤية الجنس باعتباره سلوكا مُتعِيًّا (hédoniste) لصالح نظرة له بوصفه ممارسة شبه صوفية، تنصهر فيها الفروق ليس بين فرد وفرد آخر فحسب، بل وربما بين الفرد ومرآته (الجنس المغاير) أيضا. والنظر إلى الجنس من هذه الزاوية يتقاطع مع انشغال لقدماء الهنود كانوا يصوغونه عبر السؤال التالي: «إذا كان الرجال والنساء مخلوقات من النوع نفسه وكانوا يشتركون في تحقيق النتيجة عينها، فلماذا يترتب عليهم أن يقوموا بأعمال مختلفة [أثناء الجماع]؛ أو «إذا كانت طرق تأدية العمل [الجنسي] متباينة لدى الرجال والنساء فلماذا هنالك تباين حتَّى في السُّرور [= الانتشاء] الذي يحسان به وهو نتيجة لتلك الطرق؟»[28]، لكن هذا التقاطع سرعان ما ينفصل عن التقليد الهندوسي[29] عندما يذوِّبُ الفرق بين الجنسين لفائدة قوة خفية هي الملتذة في العمق، وبالتالي لا يعدو الرجل والمرأة مجرَّد أداتين في يدها، أو ل الكاتب لا يخرج عن هذا التقليد نفسه عندما يصوِّرُ الجماع باعتباره نارا يتظافر الجنسان معا في إشعالها، أي بصفته قوة شبه مستقلة عن الإنسان، تكاد تكون منفصلة عنه، والدليل على ذلك أنها متى اشتعلت انتقل الطرفان إلى مساحة تقع خارج العقل والمنطق، صارا ألعوبة بين يديها، وبالتالي أتيا بما لا يتأتى لهما الإتيان به في حضور سلطة العقل:
«يقول البعض إنه ليس ثمة وقت أو نظام بين الضمة [=العناق] والقبلة (…)، وإنما يجب القيام بكل هذه الأشياء جميعا قبل حدوث الاتحاد الجنسي. وعلى أي حال، فإن فاتسيايانا يرى أن أي شيء يمكن أن يحدث عكس هذا كله كما أن الاعتدال غير ضروري، إذ يمكن أن تمارس هذه الأشياء لوقت طويل وفي الوقت نفسه من أجل إشعـال نـار الحب»[30].
كما قد يتلقي هذا التصور للجنس مع التصور المسيحي للجسد، ذلك أن الجسم في هذه الديانة «يرمز إلى كينونة الإنسان بكليته، وإلى كامل الشخص ومصيره. فالجسد هو الذات والنفس والشخص كلها مجموعة مرة واحدة. ومن هنا الاعتقاد بأن الاقتران، فعل الزواج، يؤدي إلى وحدة الرجل والمرأة في جسد واحد، أي كينونة واحدة ومصير واحد»[31].
وتقول الوصية الثانية:
«إن رُمتم فحص تاريخ النَّوع البشري أو استحضار المسالك التي قادتْهُ إلى ما أنتم عليه الآن فلا تبحثوا عن مخطوطاتٍ ولا تستنطقوا مآثر ولا بنايات. استحضروا أضرحة النساء. متى يرقد رَجُل منكم بجانب امرأة، ويلتحم جسده بجسدها، ويلج بسره سِرّها، وتضعه نشوة الالتحام في حال بين النوم واليقظة…، فليفتح جيدا عيني النوع بداخله. آنذاك سيرى جحافل كل من مضوا منذ العصور السحيقة (…) متى يفعل المرء منكم ذلك يرى أنه ما كان ليكون لو لم يرقد منذ الأعصر السحيقة رجلُُ بجانب امرأةٍ، ويلتحم جسده بجسدها، ويلج سره سرّها، وأنه هو الآخر، بفعله ما يفعله الآن، لا يعدو مجرد ناقل لأمانة النوع التي تلقاها من أسلافه الذين تلقوها بدورهم ممن أضنانا البحث عن معرفته دون أن نصل إليه (…) متى أردتم وضع حد لهذا التاريخ أو استئصال النوع من البرية ابذروا كراهية الأطفال في نفوسكم، ثم اعزفوا عن الجماع»[32].
ليس السِّرُ في هذا المقطع سوى العضو التناسلي للمرأة والرجل على السَّواء، أي ما كان يسميه قدماء العرب بـ «الفرج»[33]، كما ليس الضريح سوى العضو التناسلي للمرأة[34]. وبقدر ما يحيل هذان المفتاحان كل محاولة لشرح المقطع السابق إلى ضرب من الإطناب الذي لا مبرِّرَ له، فإنهما يتيحان تعزيز ما سبق كله بخلاصة تتمثل في النظرة المأساوية التي يحملها «حديث الجثة» لمسألة الجنس، إذ يجرَّدُ هذا النشاط من مُتعِيته ليصير مجرد أداة لاستنساخ الكائن. وبتعبير آخر، يصير «كبش محرقة» ) (bouc-émissaire)[35]) تلقى عليه تبعات كافة أضرب القلق التي يشعر بها الإنسان كلما استحضر الموت باعتباره مصيرا حتميا لا مفرَّ منه:
«إن هذه القُضبان والأنابيب المحشوة بها أجساد المخلوقَات كافَّة لاَ صلَة لهـا إطلاقا بما يسقَطُ عليها من شهوات ورغبات. فما النُّهود إلا أطعمة للرضّع، وما آلاتُ التناسل سوى أجهـزة لإفـراغ نفايات الجسد وحفظ استمرارِ النَّوْعِ من خلال توالده/تكراره، وما الجسد الأكثر إثارةً للشهوة سِوى هيكل عظمي أُحكم تقنيعه…»[36].
وبذلك يتضح أن الجنس في «حديث الجثة» تحاشى تقديم نفسه نفسه كضرب من الموضوعات المحرمة (ولتنذكر في هذا الصدد كتاب بو علي ياسين، الثالوث المحرم: الجنس والدين والصراع الطبقي) ليتحول إلى شبه بؤرة تتداخل فيها القضايا الأشد إثارة للقلق والتي أرقت الإنسان منذ القدم، ونعني بها قضايا الموت، واختلاف الجنسين، ومعنى الحياة، وما يحرك التاريخ البشري…

السندات المرجعيـــة
أكيد أن أي تحفة إبداعية تكتسب ثراءها الفكري ارتكازا إلى ثقافة الكاتب وإلمامه بالتيمة التي يقاربها، والأكيد أنَّ «حديث الجثة» يشكل نموذجا متميزا في الإبداع المغربي؛ فالكتاب – في ما أعلم- سبَّاق إلى مناوشة موضوعة الموت. فما هي السندات التي أغنت حمولة كتابه وبصمته بهذا التفرد؟ يمكن رصد تضاريس هذه المظان وفق الآتي:
– المسار الشخصي للسارد، وبمعنى آخر ما شهده من أحداث وفواجع للموت سواء في الإطار الخاص أو العام (وبعض ما جاء في الحوار تأكيد لهذا التخمين).
– افتتان شخصي بالموت ورغبة في استكشاف أسراره: «لم يفهم ولن يفهم – ربما طالما عاش – سر افتتانه بالموت»، (ص. 25).
– قراءاته الكثيرة في كتابات الموت: «فيما بعد سيقرأ كثيرا عن الموت» (ص. 27).
– بعض تمثلاته لهذه القراءات: وتنعكس في انغراسه – تخيلا – وتوظيفه لبعض شعائر الموت من منظور الديانات الشرقية[37].
– المعرفة الدينية: وتتمثل في التمهيد لحواريته مع الموت بحديث نبوي أورده شمس الدين القرطبي في كتابه «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة»[38].
– معايشة بعض حالات الموت والانتحار (كفاجعة قنطرة وسلان).
– الأخبار: ما حدَث للطفل الزبير الذي شنق نفسه.
– شهادات وشهود إثبات: ليلة الموت والجنس وشيخ مكناس، وتأملاته في فضاء باريس.
– ما أنجزه الكاتب من ترجمات لنصوص سردية أو دراسات تنخرط في فضاء الموت.
– إضافة إلى ما ترشح به مخيلته الخصبة من قدرات جريئة على الانفلات من أسر الواقع والانغماس في فضاءات الخيال الخصب المثمر.

زمـن الانزيـاح والانفـلات خـارج المـدار البشـري:
يقتضي هذا الحيز الفني مقاربة أقنوم الزمن في عدة أبعاد: زمن السَّرد، زمن الانشغال بالموت، زمن الأنا وزمن الآخر، زمن الفعل الانتحاري:
1 – زمن السَّـرد: صدر كتاب «حديث الجثة» عام 1996، ومعنى هذا أن نصوصه السردية انبرزت وانبجست كتابة قبل هذا المؤشر الزمني، ونشرت جميعها على صفحات الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، منذ 1987. ونزكي هذا التنصيص التوثيقي بالفصل الأخير المعنون بـ «فتنة الآلهة أو الموت واقعيا: تأملات في باريس» الذي يمكننا البحث عن مرجعية له – على ضوء بيوغرافيا الكاتب – في أيام استكمال دراساته العليا بباريس. وهذا ما يفضي بنا إلى الحديث عن المستوى الزمني الثاني:
2 – زمن الانشغال بالموت في شقيه: انشغال الإنسان وانشغال الكاتب:
– انشغال الإنسان: وشاهده في قوله:
«أوَّل ما فتحتُ عيني، في مدينة القصر الكبير، فتحتها على مقابر. كانت ملاذا للعب الطفولة، لكن أيضا مسرحا لفرجة يومية موضوعها مواراة جثث تحت التراب (…) ثمَّ كانت الإقامة في مدينة الرِّباط، بجوار البحر، في حي قصر البحر. موقع بنتوئه نحو الدَّاخل يتيح باستمرار رؤية جثث يقذفها البحر نحو الشاطئ بيضاء كقطع الشحم أو الصَّابون. مشهد تكرَّر أمام العين مرَّات عديدة (…) ثمَّ جاءت سنة، فانتزع الموت من العائلة خمسة أشخاص دفعة واحدة: الجد، الأخت، عمَّة واحدة، وابنتي عمَّتين له…»[39].
– انشغال الكاتب: ويتمثل في مترجماته «ويعود بعضها إلى 1991، ترجمة نص الميت لجورج باطاي». وفي سردياته (حديث الجثة نموذجا)، وفي قراءاته «فيما بعد سيقرأ كثيرا عن الموت» (ص. 27).
لكنه في هذا المستوى من الزمن ينتهي إلى أن أيا كان لا يمكنه أن يعرف أسرار الموت، وتبقى معرفته به ناقصة «… لكن حصاد الجثث من حوله سيتوالى فيما بعد بإيقاع سريع فيُفهمُه ما لم يفهمه إلى ألا يفهم أي شيء مما فهمه» (ص. 25)، وهذا إشكال فلسفي يظل عالقا.
3 – زمـن الأنا أو زمن الاحتضار الصَّعب: يبدو ثقيلا بطيئا قاسيا فظا، يزوبع الأنا المحتَضِرة في عواصف أوجاع وآلام مدمِّرة، وتتحكَّم فيه السَّاعة الحائطية (ص. 9): «الساعة الآن تشير إلى الثامنة صباحا (…) وأنا لم يبق لي في الحياة إلا بضع ساعات: سأموت على السَّاعة السَّادسة مساءً…» أو «الساعة تشير الآن إلى الرابعة مساء» (ص. 12)؛ «… أركز بصري على السَّاعة الحائطية وعقاربها مثبتة في الخامسة مساء (…) أفتح عيني (…) عقارب الساعة مثبتة في الخامسة والربع مساء» (ص.18).
إنه زمنٌ عسيرٌ، يمتد من الثامنة صباحا إلى الخامسة والربع مساء، زمن عنيف وقصيرٌ: «كل ذلك يمضي يعري بقصره عراء ذلك الوهم الذي كنتُ أسميه حياة» (ص. 13)، زمن موت مع وقف التنفيذ في اتجاه زمن آتٍ: «ولم أكن بتلك الرغبة إلا أجثت نفسي من الزمن الحالي لأستقر في عمق زمن آت لا ريب فيه» (ص. 20)، زمن يخرق المتوقَّع، وينفلت خارج العقلنة بدليل أنَّ الوصية الممهورة بإمضاء جثة الميت حرِّرَتْ في روضة الموتى بتاريخ 60/52/1690، وزمن الأسطورة التي تلفع بها فضاء باريس زمن الآلهة والقديسين.

فضاءات الرعـب والمــوت:
يمكن إخضاع تموضعات المكان في «حديث الجثة» لعدة تصنيفات:
أ – الأمكنة التي تنبجس على الخط الرابط بين البيضاء ومكناس، عبر الخميسات، في اتجاه فاس: (خط أحمر)، والبيضاء (أهلك بالبيضاء).
– الخميسات: محطـة الخميسات: «وفجأة توقفت الحافلة في محطة الخميسات» (ص. 62).
– سيدي غريب: بهيأة قبر بمقبرة في الخميسات تدعى “سيدي غريب” (ص. 63).
– مكناس: (كفضاء عام): «فما كنت لأضبطك لولا الصدفة المؤلمة التي ساقتني إليك قبل الموعد الذي كنتُ حدَّدته لعودتي إلى مكناس» (ص. 55)؛ «لا وعظ ولا إرشاد! لو هوت مكناسة بكاملها تحت زلزال مروع…» (ص. 67)؛ «وبإحدى زوايا المشرب وجدتُ لست أدري أيهما: حسن أخي أم حسن الخميسات متنكرا بهيأة حسن الآخر: شيخ مكناس» (ص. 65)
– مكناس (كفضاء خاص): ونجد فيها الأمكنة التالية: حي إقامة الكاتب (البساتين): «إلى البساتين» (ص. 53)؛ بالإضافة إلى مجموع أمكنة تردده (الزقاق، البيت بكافة تفاصيله، المقابر، النافذة، المستشفى، الحانة، الخ.)، وقنطرة وسلان: «كان الزمن قيلولة غشت، والمكان قنطرة وسلان الشاهقة ذاتها…» (ص. 29)، ثم معمل الإسمنت أو (الكاديم): «لكن عيني احتوتا الـ «كاديم»، فتراءى لي، من الموقع الذي كنتُ واقفا به، في حجم حشرة صغيرة» (ص. 48)
– الموت (مجردا أو في موقع إضافة): 149 مرة (نسبة 86,25%)
3 – فضاءات الخارج: وتتوزع بين أمستردام (ص. 63)، وباريس باعتبارها مدينة (ص. 63)، وباريس – أيضا – لكن باعتبارها عالما من التفاصيل: كنائس، أحياء، حدائق، متاحف، محطات ميترو، جامعات، الخ. (ص. 97-102).
إنها جميعا فضاءات رعب قاتل وموت، في الداخل والخارج، في بحار الأمس ورحاب اليوم، واليوم امتداد للأمس – بامتياز – موت وانزهاق للأرواح ورحيل جثت خارج المدار البشري.

نحـو تجنيـس «حديث الجثـــة»:
ينص الميثاق الإبداعي الذي تعهد به محمد أسليم إزاء القارئ، في الصفحة الأولى من «حديث الجثة»، على أن الكتاب ينخرط في باب (نصوص سردية). وقد اختلفت المقاربات التي احتفت بهذا الكتاب في شأن تجنيسه؛ فالدكتور حسن المنيعي يقول: «من الصعب علينا أن نضع “حديث الجثة” في خانة معينة» ويصل إلى أن محمد أسليم يحرص على التحرر من بعض أساليب الكتابة الأدبية المستهلكة»[40]. وهذا الانفلات من سديم متقادم التقاليد الفنية يمكننا معاينته في باقي أعماله السردية. وقد لاحظ عبد الله صالح سفيان ما يلي: «يتبختر الكاتب المغربي محمد أسليم في جادات السرد العريضة»[41]، ويرى محمد أمنصور أن نصوص «حديث الجثة» انفلتت من ثلاث مدارات: أ – المدار البشري، ب – المدار الديني، ج – المدار الأجناسي»[42].
تتوافق هذه الآراء في أن نصوص «حديث الجثة» تستعصي على التنميط. وإني لا أزعم – في هذا المقام – نقض هذا التصور بقدر ما أتوخى رصد بعض الركائز الفنية التي اتخذها الكاتب مسندا لبنية الهيكل العام لكتابه هذا: فقد شدَّ معماره إلى تسعة أوتاد / فصول تلتقي جميعها في انشغال أساس ومركزي: الموت في تمظهراته وتجلياته. وفي فضاءاتها يمتح من ازدواجية الواقع والخيال، مع تلوينات على مستوى ضمير السَّرد المترجِّج بين الانا والهو وتمويج خلفيات الحديث بعدة تقنيات فنية، كالاسترجاع، والتشديد على بعض التعابير (ص. 2، 36، 61)، وتوظيف نصّ خطاب / رسالة أو وصية بـ 60 / 52 / 1690 (يمكن تأثيث هذا التاريخ بـ 25 / 06 / 1960 (تاريخ ميلاد الكاتب)، فكأن الولادة تحمل في ذاتها نقيضها للموت)، وعتبات تمهيدية لبعض الفصول: (حديث نبوي عتبة لفصل «صوت الموتى»، وعتبة إهداء إلى روح الطفل الزبير لفصل «نداء الموت»، ونشير في هذا الإطار إلى أن فصل «خارج المدار البشري» كان يحمل صيغة «خارج المدار الإنساني»، وكان مقدَّما في حالة نشره الأولى بعتبة «إلى روح الشاعر أحمد بركات»)، وحوارية ذات نكهة مسرحية (فصل «نداء الموت»)، وفصل «حديث الجثة» مسبوق ببياض عبارة عن خطين أفقيين متوازيين شاغرين، وبهما ختم، وهذه الحلزونية تتجسد في العديد من التعابير المردَّدة بقوة: «هدير في القلب وهدير في الرأس»، و«الكأسُ يدور والرأسُ يدور»، كما تضمن نص «الموت واقعيا» فقرة مقتبسة بلغتها الفرنسية الأصلية.
وقد تتوافق نصوص «حديث الجثة» أحيانا في الاشتغال على نفس الفضاءات المكانية والزمانية والشخصيات وبعض مؤشرات الاتساق والانسجام، لكن الكتاب، رغم ذلك، يبقى خارج أي تصنيف أجناسي متحجر.
غير أن فضاءاته ترخص لنا بإمكان إدراجه في باب «الأدب العجائبي» ارتكازا إلى بعض إضاءات تزفتان تودوروف:
«فالعجائبي يحيا حياة ملؤها المخاطر، وهو معرض للتلاشي في كل لحظة. يظهر أنه ينهض بالأحرى في الحدّ بين نوعين، هما العجيب والغريب، أكثر مما هو جنس مستقل بذاته»[43].

جنائزيـة المعجـم في «حديث الجثـة»
توافقا مع فضاءات نصوص «حديث الجثة» الحبلى بتعبير الموت ومتجاوراته، تندلق مسالك السَّرد مشبعة حتَّى النخاع بمعجم جنائزي يقطر موتا وقرفا واستفزازا. ولمقاربة هذا الركام الهائل من وحداته اللغوية، كان واجبا المراهنة على معطيات الإحصاءات. وقد مكنتنا هذه الرحلة الحسابية أن نحصل على نتائج مدهشة؛ حيث بلغ مجموع وحدات هذا الحقل الدلالي 576 وحدة لغوية، منها:
– ما يفيد الموت أو يفضي إليه: (الحتف 5) + (المحو ومشتقاته 33) + (الفقدان ومشتقاته 13) + (المنية 2) + (الرَّدى 1) + (القتل ومشتقاته 18) + الصَّرع 1) + (النحر 2) + (الانتحار 4) + (الوفاة 1) + (الاغتيال 3) + (الإعدام 20)، أي ما مجموعه 103، بنسبة 88,17%
– لفظ الجثة (مفردا أو جمعا) 90، بنسبة 62,15%، منها حالات وُصِفَت فيه االجثة بالهامدة أو الراقدة أو الممدَّدة 19، بنسبة 29,3%.
– الاحتضار: 23، بنسبة 99,3%.
– القبـر / المقبرة (مفردا أو جمعا): 30 + الروضة 5، المجموع 35، بنسبة 07,6%.
– الكفـن (أو الكتان) 5 + الدفن 9 + النعـش 3: 17، بنسبة 95,2%.
– المجزرة 9 + الدم 24 + الذبح 5: 38، أي بنسبة 59,6%.
– النعـي 1 + الحداد 2 + القيامة 1: 4، بنسبة 69,0%
– الأفعال المقترنة بسين التسويف: 25، بنسبة 34,4%
لنستثمر الآن هذه الحصيلة الحسابية:
– يتصدَّر لفظ «الموت» الرتبة الأولى من حيث الحضور في مسار الشبكة اللغوية، وهذا يتوافق مع الانشغال الثقيل لدى الكاتب محمد أسليم بهذه التيمة قراءة واشتغالا (سردا وترجمة).
– تجاور جميع أنواع «مفارقة الروح للجسد»: الموت الطبيعي، الموت الأحمر، الموت الأسود… (المحو، الانتحار، الرَّدى، القتل، الإعدام، الاغتيال، الصَّرع، النحر…)
– يوظف الكاتب مفهوم «المحو» بشدَّة أيضا، وهذا الفعل تبرره عتبة الكتاب المتمثلة في قولة ميشال فوكو: «فلنحاول أن نسبغ معنى وجمالا على الموت / المحو» (ص. 3).
ويمكن إجمال ما سبق في الخطاطة التالية:
الاحتضار: (مريح أو استنزافي)
المــــوت النعي
الــــرّدى الكفن
الانتحــــار الوفــــاة الدفن القيامة
المنيـــــة القبر
الحتـــف الحداد
القتـــــــل

هوامـــش
[1] د. أحمد محمد عبد الخالق، قلــق المـــوت، الكويت، عالم المعرفة، عدد 111، مارس 1987، ص. 7.
[2] د. غسان السيد، إشكالية الموت في أدب جورج سالم، غابرييل مارسيل، ألبير كامو، دار معد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1993، ص. 77.
[3] ترجمة محمد أسليم، الملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي، 28 يوليوز 1991. وقد أعاد المترجم نشرها في حلة منقحة بمجلة إسراف 2000 (فصلية إبداعية)، باريس، العدد الأول 1993، صص. 10-21.
[4] العلـم الثقـافـي (الملحق الثقــافي)، 06 مارس 1995.
[5] الاتحاد الاشتراكي (الملحق الثقافي)، 21 نونبر 1993، وأعاد نشر نفس الترجمة في مجلة كتابات معاصرة، العدد 19، المجلد 5، شتنبر 1993، ص. 26-30.
[6] جورج باطاي، «الميت»، ترجمـة محمد أسليـم، إسراف 2000، مرجع سابــق.
[7] الماركيز دُ ساد، «موت السيدة فيركان»، ترجمة محمد أسليم، الاتحاد الاشتراكي (الملحق الثقافي)، 11 مارس 1994.
[8] الاتحاد الاشتراكي (الملحق الثقافي)، 11/03/1994.
[9] في حـوار أجريناه مع الكاتب، صدر بجريدة الميثـاق الوطني (الملحق الثقافي)، يوم 26/07/1997.
[10] الدكتور عمار بلحسن، «أنثروبولوجيا المخيال الشعري والشعبي. الموت وما بعد الموت»، كتابات معاصرة، عدد 16، مج. 4، نونبر – دجنبر 1992، ص. 80.
[11] عن حسين العودات، الموت في الديانات الشرقية. عرض تاريخي، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1992، ص. 16.
[12] جيمس ب. كارس، الموت والوجود. دراسة لتصورات الفناء الإنساني في التراث الديني والفلسفي العالمي، ترجمة: بدر الديب، الهيأة العامة لشؤون المطابع الأميرية (المشروع القومي للترجمة، 29)، الطبعة الأولى 1998، ص. 4.
[13] سير عبده، التحليل النفسي لحالة انتظار الموت، دمشق – القاهرة، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1993، ص. 34.
[14] خليل الشيـخ، الانتحار في الأدب العربي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1997، ص. 7، وص. 32.
[15] صدر للكاتب بالرباط، عن مطبعة وزارة الشؤون الثقافية، سنة 1997. (انظر: ص. 5).
[16] حديث الجثـة، ص. 9، وجميع الإحالات الواردة داخل الدراسة، هي إلى المصدر نفسه.
[17] حديث الجثــة، ص. 30.
[18] حديـث الجثـة، ص. 89.
[19] حديث الجثــة، ص. 20.
[20] د. أحمد محمد عبد الخالـق، قلــق المـــوت، مرجــع سابـــق، ص. 27.
[21] المرجــع السابــــق، ص. 39.
[22] المرجــع الســـابـق، الصفحة نفسهـا.
[23] المرجـــع الســـابـق، ص. 44.
[24] قلـق المــوت، مرجـــع سابـــق.
[25] حديـث الجثـــة، ص. 9.
[26] حديـث الجثـــة، ص. 38.
[27] محمد أسليم، «الكتابة والموت، نحو إيتيكا جديدة للحياة الموت»، الاتحاد الاشتراكي (الملحق الثقافي)، 4 اكتوبر 1996
[28] مالاينجا فاتسيايانا، الكاماسوترا. فن الحب عند الهنود، ترجمة رحاب عكاوي، دار الانتشار العربي، لندن – بيروت، الطبعة الأولى 1998، ص. 52.
[29] يقدم الهنود أجوبة عديدة عن هذين السؤالين، منها: «إن النساء لا يقذفن كما يفعل الرجال. فالرجال إنما يتخلصون ببساطة من شهوتهم بينما تشعر النساء بنوع من السُّرور بسبب إحساسهن بشهوتهن ويتحقق لهن الرضا بسبب ذلك الشعور، ولكن من المتعذر عليهن أن يصفن لك نوع السرور الذي يشعرن به. والحقيقة التي توضح هذه النقطة هي أن الذكور أثناء عملية الجماع يكفون بأنفسهم بعد القذف ويحسون بالرضا، ولكن الحالة ليست كذلك بالنسبة للإناث»، المصدر السابـق، ص. 51، «عاطفة المرأة تكون متوسطة في بداية الجماع وهي لا تستطيع أن تتحمل طعنات عشيقها القوية، ولكن عاطفتها ترتفع تدريجيا حتى تصل إلى مرحلة تتوقف عندها عن التفكير في جسمها، ثم في النهاية ترغب في التوقف عن المزيد من الجماع»، نفســه، الصفحة ذاتها.
[30] المصـدر السابـق، ص. 61، والتشديد منَّـا.
[31] فؤاد إسحق الخـوري، إيديولوجيا الجسـد. رموزية الطهارة والنجاسـة، دار الساقي، لندن، 1998، ص. 35.
[32] حديـث الجثـــة، ص. 38-39.
[33] راجع: فتحي بنسلامة، «الجنس المطلق»، مواقــف، العدد 64، صيف 1991، ص. 13، وإبراهيم محمـود، الجنس في القرآن، لندن، رياض الريس للكتب والنشر، 1994، ص. 52 وما بعدها.
[34] انتهى إلى التأويل نفسه حسن المنيعي ضمن دراسته «حول كتاب حديث الجثة»…، مرجـع سابـق.
[35] كبش المحرقة أو كبش الفداء: «عبارة عن معتقد يمكن أصحابه من تحويل كل القوى الشريرة وكافة المعاصي التي ارتكبتها الطائفة الواحدة، وتحميل وزرها لفرد واحد يفتدي الطائفة بموته المصطنع». جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، ترجمة: حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، بيروت – البيضاء، الطبعة الأولى 1997، ص. 79.
[36] حديــث الجثـــة، ص. 60.
[37] راجع بهذا الصدد: حسين العودات، الموت في الديانات الشرقية…، مرجع سابق، ص. 16 وما بعدها. وقد خلص إلى الرأي نفسه د. حسن المنيعي. راجع دراسته «حول كتاب حديث الجثة»…، مرجــع سابــــق.
[38] نص الحديث، كما ورد في حديث الجثة (ص. 33)، هو: «وإذا صار أهـل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جيء بالمـوت حتى يُجعل بين الجنة والنـار ثم يُذبح، ثم ينادي منـاد: يا أهل الجنة لا موت، فيـزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلـى حزنهـم». وقد ساقه الكاتب عن: شمس الدين القرطبي في كتابه التذكـرة في أحـوال المـوتى وأمور الآخرة، تحقيق وشرح وتعليق الدكتور السيد الجميلي، بيروت، دار ابن زيدون – القاهرة، مكتبة مذبولي، 1986، الطبعة الأولى، ج2، ص. 584 – 585.
[39] محمـد أسليــم،.«الكتابـة والمــوت»، مرجـع سابــق.
[40] د. حسن المنيعي «حول كتاب حديث الجثة»، ضمن حسن المنيعي، قراءة في الرواية، مرجـع سابـــق.
[41] عبد الله صالح سفيان، «أسئلة الكينونة ومغامرات الاكتشاف؟»، جريدة العلم (الملحق الثقافي)، 15 نونبر 1997.
[42] محمد أمنصور، «حديث الجثة: الحكي خارج المدار البشري»، الاتحاد الاشتراكي (الملحق الثقافي)، 26 أبريل 1996.
[43] تزفتان تودوروف، مدخل إلى الأدب العجائبي، ترجمة الصديق بوعلام، الرباط، دار الكلام، الطبعة الأولى 1993، ص. 66.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 19-09-2012 09:10 مساء

الاخبار العاجلة