Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114

Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي:02 – من أجل أنثروبولوجيا للتعريب في المغرب العربي – محمد أسليـم

اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي:02 – من أجل أنثروبولوجيا للتعريب في المغرب العربي

1181 مشاهدة
اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي:02 – من أجل أنثروبولوجيا للتعريب في المغرب العربي

يأخذ مشكل التعريب في المغرب العربي أشكـالا متعددة، ويطرح أسئلة عديدة، ويمس مرجعيات جوهرية. وبذلك فهو يمثل في الوقت الراهن وجهة نظـر مركزية لملاحظة وتحليل الصيرورة الثقافية للمجتمعات المغاربية في راهنيتها الساخنة وبنياتها الأكثر تجذرا. فالملاحظ اليوم أن التعريب يشكل في بلدان المغرب العربي الثلاثة مبدأ لا يمس وهدفا لايناقـش في مسيرة البناء الوطني شأنه في ذلك شأن الاستقلال السياسي الذي كان يعتبر حجر زاويته. بهذه الصفة، فهو يشكل في المجال الثقافي دعامة الخطاب الرسمي للحكم الوطني المرتكز على وعي يعكس مطلبا أساسيا لـ«القاعدة».

لكن هذا التأكيد القوي على شرعية اللغة الوطنية يقابله تباطؤ في التطبيق وصعوبة قصوى في التخلص من اللغة الفرنسية إن لم نقل الوعي أحيانا بوجود مقاومة صماء لمباشرة التعريب ومُركب افتتانٍ بالعربية ونفور منها، مما يجعل الممارسة الماضية والحاضرة والمتموقعة في كل بلد من بلدان المغرب العربي الثلاثة تتمثل في اندماج كبير ومتواصل داخل وضع يتسم بالازدواجية اللغوية سواء تعلق الأمر بالإدارة أو الاقتصاد أو المحيط أو النظام التعليمي.

يدفع هذا التناقض بين مايقال وما يفعل إلى الشك في وجود صراع كامن لا معلن عنه، بل لاشعوري، وتوتر حقيقي حول الأهداف العميقة للمجتمع المغاربي.

1 – ظاهـرة التعريـــب
يطرح مشكل التعريب في بلدان المغربي على شعوب عاشت فترة استعمار طوالها كانت الفرنسية هي اللغة الرسمية، وبذلك وجدت تلك البلدان نفسها غداة الاستقلال (استقل المغرب وتونس سنة 1956، والجزائر عام 1962) ذات بنيات إدارية وأنظمة تعليمية ومؤسسات اقتصادية تسود فيها اللغة الفرنسية سيادة مطلقة. حقا، لقد ظهرت منذ البداية إرادة للتعريب تم تأكيدها رسميا في اتجاه المطالبة بالاستقلال الثقافي عن طريق تبني العربية لغة وطنية، ولذلك تبنت دول المغرب العربي الثلاث إجراءات جذرية بهـذا القدر أو ذاك لجعل العربية تؤدي سائر الوظائف التي كانت تؤديها الفرنسية طيلة فترة الإحتلال. وتتجلى تلك الإجراءات بوضوح في ثلاث قطاعات هي: نظام التعليم، والإدارة، والمحيـط. ففي المجال الأول هـدفت تلك الإجراءات إلى منح اللغة الفرنسية وضع لغـة أجنبيـة – ربما مفضلة – بدل لغة للتعليم. وفي الثاني رَمَتْ إلى جعل اللغة العربية هي لغة التواصل مع المواطنين. وفي القطاع الأخيـر، الذي نقصد به مجموع الحياة العمومية التي تمتد من اللغة المستعملة في سائر المقاولات الصناعية والتجارية إلى لغة وسائل الإعلام وأهم مظاهر الحياة الاجتماعية، هدفـت تلك الإصلاحات إلـى استبدال إحلال اللغة العربية محل اللغـة العـربيـة.
ونظرا لقوة تشبع تلك القطاعات باللغة الفرنسية غداة الاستقلال فإن سائـر بلدان المغـرب العربي لم تقترح تحقيـق هدف التعـريب إلا على المدى الطويـل ولم تتخذ أي إجـراءات جـذرية، في حيـن ربما كانت إجراءات من هذا القبيـل هـي الفرصـة الملائمة الوحيدة لتحقيق تعريب سريع. كما أن الإجماع لم يكن قام بعد حول وضع مخطط فعلي للتعريب ولو على مراحل. ويبدو أن إقرار موقف رسمي قوي يحول دون كل اعتراض صريح لم يتم إلا في الوقت الراهن. وبذلك، ما أن صار التعريب مبدأ يماثل مبدأ الاستقلال ويمثل الجناح الثقافي لهذا الأخير حتى استطاعت الحكومات أن تباشر اتخاذ إجراءات يمكن أن نقول بصددها: رغم كونها إجراءات تنطلق من إرادة تحرر سياسي فهي تتمفصل في الواقع حول حيل ومواربات سياستها الكلية.
سنحلل فيما بعد الوضع الحالي لتطبيق هذه السياسات التعريبية، غير أنه يمكننا من الآن رسم خطوطها العريضة. ففيما يخص الأنظمة التعليمية، حافظت البلدان الثلاثة على خيار عملي لفائدة ازدواجية لغوية. فالتعليم الابتدائي يبدأ بسنتين أو ثلاث تلقن فيها الدروس كليا باللغة العربية، وينتهي بثلاث سنوات أو سنتين يقدم فيها جزء من الدروس بالفرنسية وجزء آخر باللغة العربية. ونجد هذه الازدواجية نفسها في التعليم الثانوي حيث تدرس اللغتان لجميع التلاميذ، لكن فيما تلقن المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية تدرس المواد الأدبية باللغة العربية. وفي التعليم العالي – ماعدا بعض الاستثناءات – يحافظ على مبدأ الازدواجية اللغوية نفسه، لكن تعريب الآداب والعلوم الإنسانية المتوقع لم يتحقق كليا وإن كان سائرا في الطريق الجيد.
أما فيما يتعلق بالإدارة، فرغم إصدار توجيهات لتعريبها فإن هذه الأخيرة تظل في منأى عن التطبيق إذ يبقى استعمال اللغة الفرنسية هو الغالب في جميع الوزارات – باستثناء تلك التي لها اتصال مباشر مع السكان كوزارتي الإعلام والداخلية – تارة بشكل مطلق، وتارة في ارتباط باللغة العربية كما هو الشأن في وزارات التعليم.
إلى ذلك يتعين إضافة أن الجزائر وجدت نفسها غداة الاستقلال مقطوعة الصلة بالثقافة واللغة العربيتين أكثر من جارتيها تونس والمغرب بسبب طول المدة الزمنية التي قضتها تحت الاحتلال. ولذلك فهي تبقى الدولة التي تحذوها رغبة قوية في العودة إلى الأصول. وهي تنحو إلى تعويض تلك القطيعة باتخاذ إجراءات أكثر جذرية، الأمر الذي يجعلها في أغلب الأحيان تلعب دورا تجريبيا في هذا المجال.
والخلاصة أننا نجد أنفسنا في المغرب العربي أمام إرادة رسمية تؤكد على التعريب ووضعية لغوية تتسم بالازدواجية اللغوية تنتج تارة عن إرث تاريخي وتارة عن ضرورة لامفر منها كالحاجة إلى التعاون. تارة عن خيار كما هو الشأن بالنسبة لتدريس المواد العلمية، وتارة عن إرادة مقصودة مرتبطة بغيرة مبدئية على اللغة والثقافة العربيتين.

تعـريـب أم إعـادة تعـريـب؟
الآن وقد انتهت تلك الفرنسة (Francisation) التي فرضها النظام الاستعماري فيما مضى، هل يتعلق الأمر في المغرب العربي الراهن بعملية تعريب أم بإعادة تعريب؟ للوهلة الأولى يبدو الجواب بديهيا: فقد جرد الاستعمار هذه البلدان من لغتها وثقافتها وقام بكل ما من شأنه أن يلقي بهما في قمامة التاريخ، ومن ثم فمهمة هذه الدول بعد الاستقلال تتمثل في استرجاع اللغة والثقافة العربيتين، وإذن لاشك في أن الأمر يتعلق بإعـادة تعـريب.
إلا أن المسألة، في الواقـع، تظل أشـد تعقيدا. فإذا كانـت العـودة إلى المصادر ولغة الأصول تبدو أمرا يثير الاطمئنان ويعرض نفسه باعتباره عودة مشروعة، فإن تصور التعـريب باعتباره رجوعـا إلى الوضعية التي كانت عليها اللغة والثقافة في فترة ماقبل الاحتلال لا يعدو مجرد خدعة أو مغالطة. وحتى نقصـر حديثنا على اللغـة، فهي يتعين عليها اليوم أن تعبر عن عالم مختلف كليـا عما كان عليه في الماضي، واستعمالها بدلا عن الفرنسية يقودها بالخصوص إلى التعبير عن حقائق ووقائع جديدة بالقياس إلى الخلفيـة اللغوية العربية التقليدية. حقا لقد كان هناك إعادة تعـريب، لكـن بمعنى تجديد اللغة العربية والنهوض بها باعتبارها لغة للثقافة وليس بمعنى إحياء خالص لوضعية لغوية سابقـة.

هل التعريب ترجمة أم إقـلاب[1]؟
يحيل هذا السؤال على سؤال أعمق هو: ما المعنى العميق لهذا التحول اللغوي؟ بم يتعلق الأمر في عملية التعريب؟ ونحو أي هدف تتجه هذه العملية؟ يظهر أن الجواب هنا لايمكن إلا أن يتأرجح بين قطبين متباعدين تماما أو بين تصورين للتعريب لا أحد منهما قابل في الواقع لأن يتحقق بالمعنى الدقيق. الأول هو التعريب – الترجمة. ويتمثل في الرغبة في قول الشيء نفسه بالعربية كما هو عليه في الفرنسية، بمعنى أنه يهدف أساسا إلى جعل الأداة اللغوية العربية تدمج جميع المعطيات الجديدة – اللغوية والثقافية بالمعنى الواسع للكلمة – التي دخلت إلى الوسط الإجتماعي عن طريق اللغة الفرنسية، أي أنه يهدف إلى جعل اللغة العربية لغة «للإسمنت والفولاذ» على حد تعبيـر الرئيس الجزائري هواري بومديان. وآنذاك لا يمكننا إطلاقا أن نتحدث عن إعادة تعريب باعتباره إحياء للماضي لأن الأمر يتعلق بتعريب مكتسب أجنبــي.
أما القطب الثاني فهو التعريب – الإقلاب. وهو يترجم إرادة قول الشيء الواحد باللغة العربية مختلفا عما هو عليه في اللغة الفرنسية، أي إرادة الإحالة على معطيات ثقافية مختلفة عن المعطيات التي أدخلتها اللغة الفرنسية. ويبدو أن التعريب يستمد دلالته الكبرى من هذا التصور الذي بقدر ما يعبر عن إرادة للإختلاف تكثر المطالبة به. وهو إعادة تعريب حقيقية بمعنى أنه عودة إلى الذات والأصالة. غير أنه يتعين معرفة أين توجد تلك الأصالة المبحوث عنها. أفي الماضي ماقبل الاستعماري أم في قيم الحاضــر؟
لم يتم الاختيار بين هذين القطبين المتعارضين. ومسعى التعريب – حتى نتحاشى قول السجال الذي أثاره (التعريب) – يتأرجح دائما بينهما. والإجراءات المتخذة تعبر بوضوح عن إرادة عدم الاختيار. ففي المجال التعليمي يُسَارَعُ إلى تعريب المواد الأدبية أو الفلسفية، أي المواد التي لها صلة بالقيم الأخلاقية والإيديولوجيا ضمن منظور التعريب – الإقلاب أو إعادة التعريب، وذلك بتعديل ليس لغة التدريس فحسب، بل وكذلك محتوى المقررات. يُسَارَعُ إلى ذلك فيما لا زالت المواد العلمية تلقن بالفرنسية مع العلم أنها تدخل ضمن التعريب – الترجمة أو التعريب بالمعنى الصحيح. وربما تكشف هذه الإجراءات في العمق عن تفضيل ضمني للتعريب – الإقلاب وعن الهدف الحقيقي من التعريب في ذهن أصحابه.
هكذا يحيل هذا التصور الأخير على هوية ثقافة نوعية مرتبطة بلغة نوعية. ولذلك يحيل البديل المفتوح أمام التعريب، بين الإقلاب والترجمة، على المشكل الجوهري لتوجه الثقافات المغاربية وصيرورتها. هل الاتجاه سائر نحو تقارب بين الثقافات وتوحيدها كما يوحي بذلك توحيد نمط الانتاج والاستهلاك؟ في هذه الحالة سيكون التعريب تعريبا – ترجمة بمعنى التعبير عن محتوى ثقافي عالمي بلسان نوعي أو محلي. لكن في هذه الحالة قد ينطوي المرور عبر اللغة العربية على خطورة الظهور بأنه لا يعدو مجرد مواربة غير نافعة. هل الاتجاه سائر نحو الحفاظ على تعدد الثقافات؟ إذا كان الأمر كذلك فسنجد أنفسنا آنذاك في حالة تعريب – إقلاب يهدف إلى الحفاظ على هوية نوعية. وهنا يطرح سؤال آخر: بأي إقلاب يتعلق الأمـر؟ هـل يتعلـق بإقلاب إلى الذات؟ أي ذات؟ وفي هذا الإطار يدخل هذا التأمل الأنثروبولوجي حول التعريب الذي سنحلل فيه العلاقات بين اللغة والهوية والسلطة. وقبل عرض هذا التأمل ارتأينا أهمية تحديد موقعه بالقياس إلى الجوانب اللغوية والسوسيولوجية للمسألة.

2 – الجـوانب اللغوية للتعريب
إذا كان من المحقق أن التعريب يُعَدُّ مشكلة لغوية فقد يكون من الخطأ – أو الإساءة – الزعـم بأنه يقف عند كونه مسألـة لغوية. في هذا المنظور من المفيد أن نسلط الضوء على الجوانب اللغوية الأساسية في قضية التعريب.
تتميز الوضعية اللغوية في المغرب العربي بظاهرة مزدوجة، ونعني بها الازدواجية اللغوية والتعدد اللغوي. في هذا السياق تهدف عملية التعريب إلى تغيير اللغة الرسمية بمعنى أنه يتعين على التعريب أن يمنح العربية المكتوبة سائر المواقع اللغوية التي لازالت اللغة الفرنسية تحتلهـا إلى اليوم. وهذه العملية لا تخلو من تأثير على وضعية التعدد اللغوي. إذ أن التعـريب في أنحاء أخرى من العالم العربي ككردستان العراق يرمي بوضوح إلى تنحية اللهجات غير العربية. كما لا يستبعد أن يشكل في المغرب العربي مصدر تهديد للهجات البربرية، بل وحتى العربية. غير أننا لا نستشف هذا التهديد ضمن أفكار وتصورات واضحة، لأنه لا يعبر عن نفسه إلا بصيغ ملتوية كأن يتم تجاهل اللهجات العربية أو الميل إلى عدم الاعتراف بها عندما يميل الخطاب الرسمي إلى تمرير العربية الكلاسيكية باعتبارها هي اللغة الأم. وحجة اللغة الأم هذه هي واحدة من الحجج التي يكثر دعاة التعريب من تقديمها.
ومن ثمة، فأهم المشاكل اللغوية التي يواجهها التعريب هي تلك التي يطرحها التباعد – واحتمال تقليصه – بين اللهجة العربية والعربية الكلاسيكية من جهة، وبين العربية والفرنسية من جهة أخرى.
وإذا كان المغاربيون في السابق يحرصون على إبقاء التباعد القائم بين العربية الكلاسيكية واللهجة العربية، فإن الظاهـر أن التطور اللغوي الحالي يساهم جيدا في التقليص التدريجي لذلك التباعد. فتعميم تعليم العربية وانتشار وسائـل الإعـلام يساهمـان في نشـر المعرفة بعربية وسطـى مختلفة جدا عن الاستعمال المغاربي الذي يستلهـم اللغة المقدسة. وبذلك يمكن للانتقال التدريجـي من لغـة إلى أخـرى أن لا يطرح أي مشكل غير مشكل التمييز بين مستويات اللغة، كما يمكن أن يشكل هذا التقريب بين اللهجة والعربية الكلاسيكية مرحلة في التطور نحو لغات وطنية حقيقية.
يفترض إحلال اللغة العربية محل الفرنسية أولا وقبل كل شيء أن تكون للعربية الفصحى أو الوسطى قدرة فعلية على التعبير عن جميع المعطيات الضرورية للسياق العصري، كما يفترض معرفة معمقـة بهـذه اللغـة. وهنـا يطـرح مشكـل هـام هـو إدخال معجـم لـ«الحضارة العصرية» بكامله إلى العربية. وهذا القاموس لم يكن موجودا فيها. وعملية إدخاله يتخلف فيها المغرب العربي كثيرا عن المشارقة. ولهذا الغـرض يكب لسانيـون عديدون على إنتاج وابتكار سائر أنواع المفردات ومصنفات بأسماء الابتكارات التقنية يطلق عليها اسم مصطلحـات. لكن هذه العملية ذاتها تصطدم بمشكل أساسي. فالمنطق يقتضي توحيدها والاعتراف بالمصطلح الواحد من قبل جميع مستعملي اللغة العربية. غير أن اعتبارات غير لغوية حالت دون وجود أكاديمية عربية واحدة. وبذلك تصطدم رؤية مثالية للوحدة بواقع التطور الذي تشهده بلدان المغرب العربي حاليا، حيث يعتبر الركن الوطني العنصر الديناميكي فيه. الأمر الذي يدفع إلى التقوقع داخل لغة وطنية في الوقت الذي تقبل فيه العربية الكلاسيكية إدماج عناصر من اللهجة المحلية[2].
أما تعميم المعرفة باللغة العربية الكلاسيكية فيتم استهدافها بتوظيف البنيات التعليمية وإجراء بعض محاولات تعليم العربية للكبار العاملين في الإدارة بصفة خاصة، حيث ضاعفت بلدان المغرب العربي الثلاثة أهمية اللغة العربية باعتبارها لغة للتعليم. وهي عملية سهلة نسبيا، ويتوقف نجاحها على التنظيم وإيجاد الوسائل البيداغوجية لتطبيقها، وبالخصوص توظيف المدرسين. إلا أن هذه المحاولات لمحو الأمية عن طريق تعليم اللغة العربية للكبار ظلت محاولات خجولة جدا ولم تلق إلا صدى ضئيلا بين المعنيين بها. لكن سواء تعلق الأمر بالعملية الأولى أو الثانية، فحجرة العثرة الكبرى تظل هي التأخر البيداغوجي الذي يضر بهذا التعليم الذي يبقى تعليما شكليا وجامدا أحيانا وغير متكيف – إلا في النادر – مع العالم العصري وشروط تعلم لغة من اللغات واستعمالها في عصرنا.

3 – الجوانب السوسيولوجية للتعريب
يبدو التعريب في المغرب العربي من وجهة نظر سوسيولوجية بمثابة مكان للتعبير، في آن واحد، عن الخطاب الإيديولوجي الوطني وحقل التوترات السوسيو- إيديولوجية المغلق. وعلى كل حال، فهو مندمج بعمق في كل بلد من البلدان الثلاثة ضمن عالم الصراعات الاجتماعية عبر لعبة الانتقاء الاجتماعية بالخصوص.

الواجهة الثقـافية للاستقـلال
كثيرا ما يصف المسؤولون والإيديولوجيون التعريب بأنه الوجه الثقافي للإستقلال والعنصر المكمل للاستقلال السياسي والإقتصادي، لأن بقاء اللغة الفرنسية في قطاعات مهمة يُنظر إليه كأحد مخلفات الماضي الاستعماري، ومن ثم ضرورة استبدالها باللغة العربية باعتبارها لغة وطنية رسمية. ومثل هذه الرغبة لا يمكن أن تكون إلا مشروعة في بلدان ذات تقليد تاريخي عربي إسلامي كانت فيه اللغة العربية دائما لغة للثقافة والإدارة. ومن هذا الجانب يُقدَّم هدف التعريب للمواطنين بالكيفية ذاتها التي كان يُصوَّرُ بها الاستقلال؛ ُيقتَرَح باعتباره هدفا لا يمكن معارضته إطلاقا خارج تاريخ تطبيقه وصيغ هذا التطبيق. غير أن إرساء لغة وطنية بقدر ما يبدو مسألة ضرورية للبناء الوطني يمثل واحدا من الوسائل التي يستخدمها الحكم المركزي لترسيخ سلطته وتقويتها في مجموع أنحاء البلاد.
يلاحظ أن الخطاب حول التعريب يشكل جزءا من مجموعة الحجج التي يستند عليها الحكم ليضمن الاعتراف بمشروعيته. وأولى هذه الحجج هي حصوله على الاستقلال، وضرورة الحفاظ عليه في جميع الميادين. وحجة الكفاح المقدس ضد التهديدات الخارجية تتيح للحكام رفض كل معارضة في الداخل وكل ما من شأنه أن يشكك فيهم، فيعتبرونه تواطؤا مع أعداء الخارج ممثلين في قوى الإمبريالية أو الأنظمة الكلياتية.
لقد أظهر التحليل السوسيولوجي منذ وقت طويل أن الوضعية ليست واضحة تماما. فسلطات الدولة تكافح فعلا من أجل الحفاظ على الاستقلال الوطني، لكنها في الوقت نفسه تعد وسيطا للتأثيرات الخارجية ومقويا لها. وهنا يجب الاعتراف بأن الاستقلال وإن كان يمثل على الصعيد الإيديولوجي طاقة محركة قوية فتحقيقه يبقى أمرا إشكاليا في المجالين الاقتصادي والثقافي بالخصوص. ذلك أن التقدم الاقتصادي يتوقف إلى حد بعيد على إدخال البلاد في مجال التبادلات الدولية والتبعية، والتنمية الثقافية لا تتحقق ما لم تنفتح البلاد على الحضارة العصريـة. من هذه الزاوية، فالمطالبة بالاستقلال تمثل بالأساس محاولة للحد من تأثيرات التبعية في الواقـع.
يرمي التعريب في المغرب العربي إلى امتصاص آثار الاغتصاب اللغوي الذي قام به الاستعمار، والمجسد في المكانة المتفوقة التي تحظى بها اللغة الفرنسية.
غير أنه يتعين بهذا الصدد ملاحظة ما يلي: إذا كان الاستعمار قد فرض اللغة الفرنسية انطلاقا من إرادةٍ وضعيـةٍ (positive) إمبرياليةٍ ثقافيةٍ، هذه الإرادة التي حللتْ العديد من الدراسات إوالياتِها فضلا عن أنها تبرر حاليا المطالبة بالاستقلال الثقافي، فإنها (الفرنسية) قد استخدِمت في الوقت نفسه كوسيلة لإدخال ثقافة مختلفة تنعت بعبارات تختلف من دولة لأخرى، فيقال لها ثقافة عصرية أو علمية أو تقنية أو غربية. وهذه الثقافة الآن ليست مقبولة ومندمجة في الأهداف الحالية لتنمية البلاد فحسب، بل ولازالت تشكل موضوع رغبة وتملك وتبني. وقد كان الخوف من القطيعة مع هذا «العالـم الآخر» في أصل التحفظات والمقالق التي لمِسَت لدى مجموع السكان تجاه إجراء تعريب شمولي. يضاف إلى ذلك أنه لا يمكن لأي تعريب كلي أن يتحقق ما لم يقدم الدليل على قدرته على الاستيعاب اللغوي والثقافي لمجموع الإسهام العصري الذي تنقله أشكال التنمية وأساطيرها. وفي انتظار ذلك، نلاحظ أنه: إذا كانت بلدان المغرب العربي تجمع على التمسك بتحقيق هدف التعريب في أفق منظوراتها الوطنية، فإن المواقف التي تتبناها تبرهن، من جهة، على وجود حذر كبير لديها، وتأسس، من ثانية، على ازدواجية لغوية تمنح القطاع الاجتماعي والثقافي للغة العربية والقطاع الاقتصادي والمالي للغة الفرنسيـة.
بالإضافة إلى ماسبق، إذا كان من المحقق أن الأوساط الفرنسية لاتنظر بعين الرضى إلى التعريب وتتضايق من مشاهدة المستعمرات القديمة «تعود إلى العروبة»، فإنها لا تملك الوسائل الكفيلة بممارسة ضغوط خارجية على هذه البلدان، لا تحت غطاء التعاون الثقافي، إذ لاتتوفر فرنسا على الإمكانيات المادية الضرورية لتزويد المغرب العربي بالعدد الكافي من المتعاونين، ولا في إطار التأثير الثقافي لأن فرنسا تميل إلى عدم الإكتراث بأي تأثير لايرتبط مباشرة بأهداف اقتصادية. ثم إن الاستقلال المطالب باسترجاعه متى جُرِّدَ من أساطير الخطابات الرسمية بدا هدفا داخليا ينصب على النماذج الثقافية والإيديولوجية الراسخة ومصالح الفئات التي توظف اللغة الفرنسية ضمن استراتيجيتها داخل الأمة.

حقل الصراعات المغلــق
تتجذر مسألة التعريب بعمق في حقل التقابلات الداخلية، أي حقل الصراعات الطبقية والتوترات الإيديولوجية والتنافس بين الفئات الاجتماعية. ولذا، فهي تمثل رهانا في الصراع من أجل السلطة بمختلف مستوياتها، من المهنة البسيطة – إذ يتم الحديث عن «لغة الخبـز»- إلى استراتيجيات إعادة إنتاج النخب الحاكمة.
لقد شهد كل بلد من بلدان المغرب العربي، من خلال أجهزته الصحفية وحياته السياسية، فترات سجال متفاوتة الحدة حول التعريب. وإذا كانت مجموعة مواقف معارضة للتعريب قد عبرت عن نفسها بشكل صريح أحيانا خلال السنوات الأولى للإستقلال، فإن لاجماعة أو فرد باستطاعته اليوم أن يناهض التعريب دون أن يُشَكَّك بنواياه تجاه القضية الوطنية ويقابَل بالاستخفاف. وبهـذا المعنى يمكن القول إن النقاش حـول مسألـة التعـريب قـد أقفـل. هـل يتعين الإغتباط لهذا الإقفال للنقاش أو كبته؟[3] بقدر ما يغيب التعبير عن إجماع حقيقي حول التعريب تسلك التحفظات إزاءه سبلا ملتوية كالنقد الصامت والتباطؤ في التطبيق، بل وحتى عرقلة الإجراءات المتخذة. وما الإجماع الظاهري حول الهدف من التعريب إلا نتيجة لما يزاوله الحكم الوطني من قمع للرأي ويفرضه من كبت عميق حول هذه المسألة التي قد لاتتضح إلا في إطار تأمل جاد وضمن منظور دمقرطة حقيقية للحياة العامـة.

هـل التعريب رهـان طبقـي؟
يتعين على التحليل السوسيولوجي أن يموقع بوضوح – وضمن منظور شمولي للصراعات الطبقية – الصراعات التي ظهرت حول التعريب. فماذا عن الأمـر في الواقع؟
نلاحظ أولا أن هدفا كهذا لم يغب عن الباحثين، لكن لا أحد منهم نجح في الوصول إليه. وتلك بالخصوص حالة الدراسات المرموقة التي أنجزها صلاح قرمادي (1972: 309-325)، وأحمد معتصم (1974)، وصالح حمزاوي (1976). كما يجب على تحليل مصالح الجماعات أو الطبقات أن يكتفي بالإعتماد على مقولات سوسيو – إيديولوجية في علاقتها بمواقف لغوية محددة لصالح التعريب أو ضده مقرونة عموما بالتقابل تقليدي-حداثي أو إسلامي-لائكي.
ويمكن تفسير هذه الوضعية بطريقتين لانزعم أنهما حصريتين: ففي مجتمعات متحركة ومغلوبة كمجتمعات المغرب العربي يصعب على التحليلات الطبقية التي تحتذي النماذج الكلاسيكية أن تصل إلى مستوى الدقة الذي يجعلها إجرائية. وإلى انعدام الدقة هذه يضاف انعدام يقين نظري. فهل ما نعنيه بلفئة الاجتماعية يطابق فعلا مصالح لغوية محددة؟ بتعبير آخر، ألا يمكن لطبقات اجتماعية متعارضة أن تستعمل الرهان اللغوي لأغراض سلطوية وأهداف متنوعة؟ يبدو أن الأمر كذلك. واستخدام اللغة على صعيد الانتقاء الاجتماعي يظهر ذلك جيدا.

التعريب والانتقاء الاجتماعـي
إن كان هنالك ميدان يتبدى فيه التحليل السوسيولوجي مضيئا، فهو بالتأكيد الدور الذي يلعبه التعريب بوصفه أداة للانتقاء الاجتماعي ودور اللغتين الفرنسية والعربية في الترقية الاجتماعية. فالاستعمال شبه الحصري للغة الفرنسية في التعليم العلمي والتقني وقطاع الحياة الاقتصادية والإدارة يجعل منها إلى أيامنا هذه لغة للنجاح الاجتماعي مالم تكن في أقل الأحوال «لغة للخبـز»، بمعنى اللغة التي تتيح للمرء أن يحصل على شغل. ويظهر التحليل الدقيق لبنيات التعليم وأنظمة الانتقاء المدرسي بسائر مستوياته أن اللغة الفرنسية تلعب في سياق تعريب التعليم دور شبه أداة للانتقاء تستفيد منها الشرائح الاجتماعية المحظوظة. ومن هذه الزاوية تنظر الفئات الاجتماعية المحرومة نفسها إلى التعريب ما لم يُحجَب عنها الواقع كليا تحت غطاء الإيديولوجيا. ذلك أن هذا الانتقاء الاجتماعي يتحقق بذريعة نبيلة هي العودة إلى الأصالة، وبذلك يضمن لنفسه الإفلات من كل لوم أو اعتراض. وهنا نفهم غموض السؤال الذي طرحناه أعلاه، وهو: أي طبقة تطالب بالتعريب؟ وأي طبقة لها مصلحة في التعريب؟ في الواقع، تطالب الفئات المحكومة بالتعريب آملة أن يقيم تكافؤا بين سائر أفراد المجتمع. غير أن الفئات الحاكمة تلبي هذا المطلب وهي تعلم أن أبناءها سيفلتون منه وأنه سيتيح إقصاء أبناء الآخرين من المنافسة. ونظرا لأهمية الأنظمة التعليمية في استراتيجية إعادة إنتاج الطبقات، فمن الضروري التساؤل حول الوظيفة الحقيقية التي يضطلع بها التعريب في هذا السيــاق.

هـل التعريب ممارسة رجعـية أم تقدمــية؟
لقد قابل السجال حول التعريب على امتداد سنوات بين تقليديين وحداثيين. فمن المحقق أن الأوساط المحافظة التي تؤيد قيام مجتمع إسلامي الشريعة والعادات والتقاليد قد اعتبرت التعريب دائما أحد مطالبها الأساسية. أما الأوساط التي تسمى تقدمية، فهي تتخوف من تلك الإقامة الإفتراضية وكذا من أن يقدم التعريب دعما لأنصار الحفاظ على الأوضاع المكتسبة الذين ينعتون بفيوداليين تارة، وبورجوازيين تارة أخرى.
غير أن التطورات الحديثة تميل إلى الإفلات من هذه الثنائية. فبتقدم السنين أخذ التعريب يُرْبَطُ ببواعث لائكية كباعث التحرر من الإستعمار أو النزعة الوطنية أكثر مما يربط بدعائمه الإسلامية السلفية. فمقابل التيار التقليدي نشاهد الآن تيارا تقدميا ينادي بالتعريب باسم دمقرطة التعليم (سكيك، 1976). ورغم أن هذا المنظور الجديد ممثل بدرجات متفاوتة ومختلفة في بلدان المغرب العربي الثلاثة، فإنه يتيح للتعريب أن يتخلص نهائيا من مظهر المهدد بتديين الحياة العامة والانغلاق أو العودة إلى العصر الوسيط.
باسم ماذا يُطالب بالتعريب في العمق؟ فيما وراء الدوافع والمصالح الخاصة التي أشرنا إليها تـوا، يبدو أن القضية الأساسية التي تحرك الرغبة في التعريب هي مسألة التطابق مع الشخصية الوطنية والعودة إلى الهوية الثقافية والحفاظ على الأصالة. فضمن أي مضمون تتأصل هذه المبررات العميقة التي تستعملها الأنظمة الوطنية وجماعات الضغط على حد سواء؟ سننتقل هنا إلى حقل سؤال أنثروبولوجي.

4 – آفاق أنثروبولوجية للتعريب
يتعين على كل تأمل أنثروبولوجي في التعريب أن يدور حول الرهانات العميقة التي تتدخل بصفة مقول أو غير مقول (dit ou non dit) في هذا المشكل [4]. ويمكن تقييم أهمية هذه الرهانات بمدى الأهمية التي يعلقها مجموع السكان بمختلف فئاتهم الاجتماعية على ما تثيره من تعلق ومخاوف. في ما يخص التعريب، يستحسن الانطلاق من بعض الأسئلة البسيطة: لماذا يمثل التعريب مشكلا حساسا إلى هذه الدرجة؟ لماذا صار التعريب اليوم مبدأ يتعذر كسره ولا يحتمل أي نقاش أو مراجعة في حين كان قد شكل موضوع اعتراض لحقبة طويلة؟ لماذا يكثر الحديث عنه ولا يُفعَل إلا القليل عندما يتعلق الأمر بصرف الوسائل الفعالة لتحقيقه؟ أخيرا، لماذا يجسد التعـريب – في ما يبدو – هدفا يوحي بالخوف والجاذبية في آن واحد؟ أي شيء يمسه في العمق بحيث يمثل رهانا بهذا الحجم في الحياة السياسية؟
تلك هي الأسئلة التي يجب تعميق البحث فيها لأنه لا يكفي ذكر أي امتيازات تنتظر من التعريب، بل يجب كذلك قول أي شيء يخيف فيه. ينبغي المضي إلى حد الاعتراف بأنه فيما وراء المصالح السياسية والاقتصادية الواقعية المرتبطة بالتعريب هناك عالم بكامله من الأساطير، والاستيهامات، والأشياء التي تُدْرَكُ بكيفية شبه غامضة، والرغبات أو الرُّهَابات[5] المكبوتة في لا شعور الثقافة. فبجانب الخطاب الرسمي الغني بالعبارات التمجيدية والبطولية هناك ما لا يتيح هذا الخطاب قوله، أي ما يُنْعَت بأنه مخجل ومناهض للوطنية، وظلامي، ومتخلف، ورجعي، ومتوحش. وهو حقل يشكل في العالم الثقافي صروحا واسعة من اللامقول الجماعي الذي كبت جزءا منه الحكم القديم الاستعماري وكبت جزءه الآخر الحكم الوطني الحالــي.
إذا كانت إشكالية التعريب ضمن هذا الفهم تتعلق أساسا بالعلاقات بين اللغة والسلطة، سلطة اللغة والكيفية التي يستخدمها بها الحكم، فإنه يبدو بالمستطاع تركيز الأسئلة صوب ثلاثة اتجاهات هي: الدور الذي تلعبه اللغة العربية باعتبارها عاملا مُوحِّدا، ثم الدور المنحدر من السابق والذي تضطلع به هذه اللغة باعتبارها ضامنة هوية معينة، وأخيرا العلاقة بين اللغة والقانون مادامت اللغة هي دائما فرض لقانون ما.

اللغة العربيـة باعتبارها عامـلا مُوحِّدا
يتمفصل التعريب أساسا حول عنصري الإسلام والأمة. وفي هذين المستويين تشتغل اللغة العربية باعتبارها عاملا موحدا. وقد تدخلت بهذه الصفة منذ بداية الإسلام، وبها تتدخل من جديد في الحقبة الحالية، حقبة بنينة الإيديولوجيـا الوطنية.
بين الإسلام واللغة العربية روابط عميقة. فالعربية قبل كل شيء هي لغة الوحي والقرآن. وقد ارتبط تنصيبها لغة عالمة انطلاقا من لهجة خاصة – هي لهجة قريش – بضرورة حفظ الرسالة المقدسة وتفسيرها، علما بأن هذه الأخيرة هي قبل كل شيء رسالة للتوحيد: توحيد الله الذي لا إله إلا هو، لكن أيضا توحيد الجماعات والقبائل والأمم. توحيد يُفكَّر فيه دائما باعتباره جاء لاستبدال تعدد الإثنيات وصراعاتها. وتعتبر اللغة العربية شريكة للإسلام في هذا الكفاح الذي يجب مواصلته دوما ضد الخصوصيات العرقية والقبلية. وموقعها كلغة مقدسة، ثم كلغة للثقافة، يجعلها في منأى عن الاستعمال المبتذل وعن اقتصاد اللغة الذي يؤدي إلى التحول، كما يتيح لها أن تحافظ – على شاكلة العقيدة – على صلابة[6] معينة بحيث مهما تنتشر العربية وتتنوع متفرعة إلى لهجات، فإنها تظل هي المرجع الذي يحال فيه على تصور للغة متخيل وليس على واقع التطور التاريخي الذي أدى إلى تفرع اللهجات. وهذا التصور يطابق ترسيمة شجرة نسابة تمثل فيها اللهجات الفروع، أي الأحياء المنحطين، فيما تمثل العربية الأصل النقي والمرجع الذي بالقياس إليه يتم كل تثمين أو حط. ولاتخلو هذه الخطاطة من شبه مع الممارسات النسابية العربية المتمثلة في العناية بالنسب وحفظ سلسلته والارتباط بجد شهيـر «يرفع» من السلسلة بكاملها لدرجة أن التحكيم في خصومات الأحياء لم يكن يوكل في الغالب إلا إلى الغائب (أي إلى الجد الميت)[7]. وقد قرن التقليد العربي سلسلات لا ئكية تقيم صلة مع أجداد تاريخيين أو أسطورييـن بسلسلات إسلامية تقيم رابطا مع الرسول أو صحابته مانحا التفوق لهذه الأخيرة لأن «النسب الإسلامي» يميل إلى تعويض النسب العرقي. والأمر نفسه يتم مع اللغات. فتصنيف اللهجات وقياس درجة «شرفها» أو «نقائها» يتم بقياس مدى اقترابها أو ابتعادها عن اللغة العربية الكلاسيكية باعتبارها لغة القرآن المقدسة. وبذلك، فهي ترمز في تنوع اللهجات العربية الحالي إلى الأصل الحاضر بين الأحياء. هل يمكن القول إنها تمثل أيضا الجد الحاضر الذي يضفي قيمة على الراهـن؟
هنا ينضاف عدد من الأسئلة التي لا نملك في الوقت الراهن سوى طرحها: كيف نفسر هذه الإحالة على الجد؟ أي دلالة ينبغي منحها للغة الأم التي تؤدي وظيفة توحيد الحاضر وإضفاء قيمة عليه في آن واحد؟ ماذا يعني في الوقت نفسه هذا الارتياب من التعددية الذي يثقل كاهل اللهجات؟ علما بأن هذه الأخيرة تشكل دعامات لغوية للخصوصيات راسخة بعمق في التقليد إلى أيامنا هـذه.
ومع هذه الوظيفة للتوحيد الإيديولوجي في إطار الإسلام – التي تلعبها اللغة العربية منذ قرون – تتطابق في أيامنا هذه وظيفة توحيد أخرى لكل شعب من شعوب المغرب العربي في إطار الأمة القطرية إلى جانب تأكيد هذه الشعوب على انتمائها إلى أمة أوسع هي الأمة العربية. وفي هذا السياق تتم المطالبة بالتعريب باعتباره انبثاقا للغة قومية هي في الآن نفسه بمثابة تأكيد للذات تجاه الخارج ضمن التقابل عربية – فرنسية وأداء لوظيفة التوحيد الداخلي ضمن تقابـل معين مع اللهجات.
يعتبر الدور الأساسي الذي تلعبه اللغة في تكوين أمة من الأمم واحدا من الظواهر المدروسة بشكل جيد في فرنسـا بالخصوص حيث تناولت مجموعة من الأبحاث ظاهرة انتشار الفرنسية في مجموع التراب الفرنسي ابتداء من الثورة الفرنسية وعلى امتداد انتشار النظام الدراسي في عهد الجمهورية الثالثة (م. دوسيرطو وأل.، 1975، ور. باليبار ود. لابورط، 1974). ويستنتج من تلك الدراسات أن ظاهرة التوحيد اللغوي، ضمن لغة وطنية، تنطوي على ثلاثة جوانب أساسية:
– توحيد لغوي ضروري لتمكين القاعدة من فهم خطاب الحكم المركـزي.
– فيما وراء هذا الفهم وحده، هناك إضفاء قيمة على ثقافة مركزية وحط من قيمة الثقافات الجهوية. فاللغة المركزية ليست لغة أفضل من باقي اللهجات فحسب، بل إنها تمثل ناقل معرفة سامية موجهة إلى تعويض – لما فيه مصلحة للجميع – ما هو عقلاني وما ظل في طور الطبيعة الخالصة باعتباره جهـلا.
– أخيرا، هناك الدور الذي تلعبه اللغة في ترميز الوحدة الوطنية، أي دور تمثيلها لهذه الوحدة المعترف لها (أي للغة) به. وقد سجل م. در سرطو بهذا الصدد كيف أخذت اللغة في فرنسا – ضمن وظيفة الترميز هذه – بديل رمز ساقط هو جسد الملك المغتال.
ورغم أن التعريب يقع في سياق مختلف تماما عن السياق الفرنسي، فإن إرساء لغة وطنية ممثلة في التعريب عملية تعرض مجموعة من التشابهات مع وضعية الثورة الفرنسية. وإن كانت الوضعية المغاربية تظل مع ذلك شديدة التعقيد بفعل الظاهرة المزدوجة المتمثلة في الازدواجية اللغوية والتعدد اللغــوي.
وإذا تفحصنا الجانب الأول من الجوانب الثلاثة المذكورة، وهو تمكين القاعدة من فهم لغة الحكم المركزي، لا حظنا أن إحلال العربية محل لغة السلطة القديمة يساوي التحدث باللغة العربية إما إلى مواطنين ذوي ثقافة فرنسية أو إلى مواطنين يجهلون الفرنسية والعربية الكلاسيكية، لأن نسبة الذين يكتبون العربية ويقرأونها ويتكلمون بها ضعيفة نسبيا. ومهما يكن من أمر، فلغة المحادثة والتواصل الشائعة هي اللهجة. وقد تكون الغايـة المنطقيـة من فرض العربية لغة للوحدة الوطنية هي جعل هذه اللغة هي اللغة التي تفهمها وتتكلم بها الأمة بكاملها. وهذه العملية قد تقتضي – كما حدث في حالة الفرنسية – اختفاء اللهجات، أي اللغات الأم الحالية، بشكل تدريجي وممنهج. إلا أن المجتمع الحالي ليس فيه استعداد للتخلي عن اللهجات وإحلال العربية الكلاسيكية محلها ولو في شكلها العصري. وفي هذه الشروط قد لا يتأتى حذف اللهجات وإدماجها في لغة وطنية، ربما يكون نسيجها الكلاسيكي فقد صلابته و«نقاءه»، إلا ضمن صيرورة طويلة المدى.
ثـم إن إنشاء لغة وطنية أمر يقترن بالرفع من قيمة ثقافة مركزية على حساب ثقافات شعبية. لكنه في حالة التعريب يترابط أيضا مع الإعلاء من شأن ثقافة وطنية على حساب ثقافة أجنبية. لقد كانت هذه الترقية في فرنسا إعلاءً لثقافة قائمة على العقلانية والعلم كان يتعين عليها أن تحل محل ماهو مرتجل سواء تعلق الأمر في ذلك باللغة أو الصحة أو الوقاية أو السكن، إلخ. أما في المغرب العربي، فيبدو نوع من الغموض بخصوص هذه النقطة. ذلك أنه يراد العودة إلى العربية باعتبارها لغة وطنية، لكن بدل الاعتراض على الثقافة التي مررتها اللغة الفرنسية طيلة فترة الاستعمار، يراد على العكس تبني مجموع محتويات تلك الثقافة داخل اللغة العربية. وبذلك يشاء لهذه الأخيرة أن تواصل عملية «عصرنة» الثقافة التي باشرها الاستعمار الفرنسي ضمن لغته طيلة فترة الاحتلال. والحال أنها (أي العربية) مثلت في تلك الحقبة عنصر المقاومة ضد التوغل الاستعماري. بالإضافة إلى ذلك، فاللغة العربية تجد نفسها في هذه العملية مكلفة بتصفية اللهجات ليس باسم الوحدة الوطنية فحسب، بل باسـم الوحـدة الوطنية وما هو عقلاني في الوقت معا. يُطلب منها بشكل ما أن تستخدم حظوتها وتميزها بصفتها لغة للإيمان والتقليد لكي تنقل محتوى كان يعد في السابق مضمونا أجنبيا عن الوسط المغاربي تحمله لغة أجنبية. ويبدو أن اللغة العربية، في غياب تمثيلها لثقافة عربية أصيلة، تواصل مهمة اللغة الفرنسية ضمن مشروع تأطيري للمجتمع، على حد تعبير ميشال فوكو، تحت علامة سلطة العقلاني مستعيرة لغة التقليد لكي تجعل هذه السلطة الجديدة تحظى بالقبول وتفرضها بشكل أيقن أمام الثقافة الشعبيـة.
وفيما يخص ترميز الوحدة الوطنية والدور المحتمل الذي يمكن أن تقوم به اللغة في هذا المجال، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضعية في طرفيها: طرف القاعدة حسب مدى كبر التنوع اللغوي، وطرف القمة حسب الرمز الأعلى الذي تتجسد فيه الوحدة الوطنية. فمن المحقق أن التعريب يأخذ طبيعة أكثر مأساوية في البلدان التي توجد فيها أقليات هامـة تتكلم البربرية كالجزائر والمغرب. على أن التعددية مقبولة في المغرب بشكل أفضل من الجزائر. ذلك أن رمز الوحدة في المغرب هو شخص الملك الذي يعترف له بمشروعية قانونية وإسلامية في آن واحد. وبما أن الوحدة مجسدة فيه على هذا المستوى فهي لا يهددها التنوع الإثني ولا اللغوي ولا حتى السياسي. أما الجزائر، فليس لها رمز للوحدة مماثل، والنخب السياسية لا تملك مشروعية تاريخية أخرى عدا شرعية أخذها سلطة الحكم. ثم إن اللغة العربية في اقترانها بالإسلام تميل إلى لعب الدور الرمزي لتجسيد الأمة. وهذا هو أصل اختلاف التلوينات التي أخذها التعريب في البلدين حيث نجد في الجزائر تعريبا يعقوبيا غير متسامح مع التعدد اللغوي والثقافي، يستخدم القوة التقليدية للغة العربية في علاقتها بالإسلام، ويحاول أن يختلق رمزا للوحدة الوطنية يضمن شرعنة الحكم القائم في حين نجد في المغرب تعريبا يهدف فقط إلى إرساء أسس المَلكية بترسيخهـا وإعادة إنتـاج القيم التقليدية التي تضمن استمرار الاعتـراف بهـا.

اللغـة العربيـة والهويــة
في المغرب العربي يُطالب بالتعريب لأنه سيتيح بناء الشخصية الوطنية، ولأن اللغة العربية هي:
– الضامن الأساسي للهوية؛
– وحدها التي تستطيع الحيلولة دون الاندماج والتلاشي في الثقافة الأجنبية التي أدخلها الاستعمار الذي لا زال حاضرا من خلال المبادلات الاقتصادية والثقافية المتعددة مع عالـم خارجي غير عـربي؛
– وحدها التي تستطيع المحافظة على أصــالة نوعية.
والحالة هذه، فاللغة تهم الحكم تحديدا لأنها وطيدة الصلة بالهوية، ولأنها تمنح هذه الأخيرة سلطة على موضوع يعد – عن صواب أو خطأ – موضوعا جوهريا على الصعيدين الفردي والجماعي.
ومن بين سائر الأسئلة المطروحة، يظل السؤال العويص هو: أي موضوع يُشكَّكُ فيه من خلال التعريب؟ بأي هوية يتعلق الأمر؟ ماذا يطابق هذا المفهوم للحرية؟ ما عسى أن يكون هدف التعريب من هذا المنظور؟ فيما وراء مجرد ظاهرة التكلم باللغة العربية وكتابتها أو فهمها، ماذا يُراد تحقيقه؟ وبأي شيء يُوعد؟ هل الأفق المقترح هو أن يكون المرء المغاربي عربيا ومسلما أم يكون بصفة أخص جزائريا أو تونسيا أو مغربيا؟ أيتعلق الأمر، قبل كل شيء، بأن يكون الكائن المغاربي ذلك ( أي جزائريا أو تونسيا أو مغربيا) أم بأن يكونه بين أشياء أخرى؟
قبل تحليل السياق الراهن، من الضروري دراسة وظيفة اللغة العربية في صلتها بالهوية كما يوردها التقليد وكما قد يحس بها الرأي العام بشكل واع بهذا القدر أو ذاك.
يعرف حديث نبوي[8] العروبة باللغة العربية، إذ يقـول: «كل من تكلم بالعربية فهو عربي». وهذا الحديث في تحفظه تجاه الخصوصيات الإثنية يترجم محاولة الإسلام استبدال الهوية العرقيـة بهوية لغوية رغم أن الانتماء إلى الإسلام يلعب – فيما يبدو – دورا لا يستهان به في تحديد الهوية المعنيـة.
وفيما يتعلق بالفترة الراهنة ومعنى التعريب، يمكن التساؤل عن الوظيفة التي يراد لهذا التعريب أن يضطلع بها في تحديد الهوية الوطنية. فإذا طرحنا جانبا تعريف المواطنة الذي يشتمل عموما على هـوية أصيلة وهـوية مكتسبة بمـرسـوم، لاحظنا أن الـرأي العام يعتبر مواطنين أولئك الأشخاص الذين ولدوا في بلدة أو مدينة تقع في المغرب العربي، ويتكلمون لغة البلاد، ويدينون بالإسلام. وبهذا المعنى، فـ «المجنسون بمرسوم» الذين لا تتوفـر فيهـم هـذه الشروط نادرا ما يعتبرون مواطنين حقيقيين. وهذا يتيح – على الأقل – ملاحظة تعقيد مرجع الهوية الوطنية التي يدرج فيها الإيديولوجيون مكونات أخرى كالتاريخ المشترك، والمرجع الجغرافي، إلخ.[9].
ورغم أن مفهوم الهوية مفهوم مركزي فهو يظل شديد التعقيد. فقد أظهرت سجالات حديثة اختلاف تصور الهوية بين بعض الإثنولوجيين والمحللين النفسانيين؛ بين تصور إثنولوجي يعتبر الهوية بمثابة صورة الذات التي يفرضها المجتمع على الفرد والنظرية التحلينفسية التي ترى أن الهوية تنعقد في علاقة الطفل بالأم. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تميل الأبحاث حاليا إلى التشديد على التمييز بين الأنا والذات وتوضيح الطبيعة المُتَخَيَّلة للأنا. أخيرا، لقد شكك فرويد بعمق في وحدة الذات التي يطابقها مفهوم دقيق للهويــة.
غير أن الخطاب الذي ينادي بالتعـريب لا يكـف عـن الإحالة على الهـوية. ويجب أن نتساءل عم يطابق هـذا المفهـوم الذي يظل، رغم اعتراف الاختصاصيين دائما بأنه ذو طبيعة إجرائية، مفهوما فعالا كما يشهد استعماله بذلك. ويتعلق الأمر بهوية مفقودة أو معرضة للفقدان، وبالتالي سيتم ترميمها. وإذن، فما هو الموضوع الذي يقول عنه الحكم: «لقد جردوكم منه، ولسوف نعيده إليكم»؟ على أي متخيل تتم الإحالـة؟ كمحاولة للإجابة، سنحاول فحص ما تحيل عليه كل لغة على حدة.
تحيل اللغة الفرنسية على الاستعمار والاستقلال، كما تحيل أيضا على التنمية والحداثة والاستهلاك وسائر هذه الموضوعات التي تشكـل أساس الخطاب الوطني. وتمثل هـذه الموضوعاتُ التي يمني بها الحكم المكافأةَ الآتية عما يتم بذله في الحاضـر من مجهودات وتضحيـات. وهى موضوعات يُتَعلَّقُ بها ولا يُرَادُ التخلي عنها ولو في المخيلـة. ولـربما لا يزيد تمنيهـا وعدم امتلاكها، أو امتلاكها في المتخيل، سوى في تقوية التعلق بها والرغبة في فقدانها بحيث إن النخب المحظوظة التي تستفيد من الامتيـازات الموعـودة والفئات المحرومـة، على حد سواء، كلتاهما حساسة للخطاب التنموي ووعوده. ولذا يتعين ملاحظة أن وراء اللغة الفرنسية وعلاقاتها بالعلم والتقنية يوجد عالم واقعي أو متخيل يتم التعلق به تعلقا شديـدا.
وعلى عكس الفرنسية، تحيل اللغة العربية في المغرب العربي أساسا على الإسـلام، وماض تاريخي، وهوية تقع في الماضي، كما تحيل على نقاء الأصـل، على الدين وعالم الماوراء باعتباره موضوع اعتقاد ما لم يكن موضوع ممارسة. وباختصار، فهي تحيل على مضامين يجب استعادتها على الدوام – أي في كل عصـر – في نقائها الأصلي، وعلى موضوعات تختلف عن العالم العصري، لكنها أساسيـة. ويبدو أن السؤال الأساسي في إشكالية التمزق هذه هو: «كيف يمكن الحفاظ على أحدهما دون فقدان الآخــر؟».
هل في اللغة العربية إحالة على عالم غير مقدس؟ تهدف عملية التعريب إلى جعل اللغة العربية لغة حضارة عصرية تحتل سائر المواقع التي تحتلها اللغة الفرنسية في مجال الحداثة. غير أن الوضعية الراهنة في المغرب العربي تظهر أن هذا الهدف لا زال بعيد المنال. وفي هذا الاتجاه يمكن اللجوء إلى نوع من التماهي مع المشرق العربي حيث اندمجت اللغة العربية بعمق في السياق العصري. إلا أن مثل هذا التماهي غائب في الوقت الراهن لأن المغرب العربي يتجاهل المشرق العربي كثقافة ويرفضه كنموذج، والتماهي مع الحضارة الغربية كان من القوة بحيث ترفض هذه البلدان كل نموذج قد يأتيها من المشـرق.
إذا كان التعريب يحيل على الهوية فهو يعرض نفسه باعتباره تركيزا من نظام الحكم على هويـة مفقودة وعلى وعد باستعادتها. إلا أن ماسبق يقودنا إلى مسألة تعدد الهويات في المجتمعات المغاربية. وبحسب ملاحظة رولان بارث[10]، إذا طرحنا تساؤلات حول الشخص الفرنسي تتعلق بهويته وأصالته، فسيكون من العسير تقديم إجابة، وسننقاد إلى ملاحظة الطبيعة المتعددة للذات. فالتحرر الحقيقي للذات البشرية لا يتحقق إلا بتعدد اللغات الذي يعكس تعدد الرغبات. ولربما يكمن الحل في قبول هذه الطبيعة المتعددة للهوية بإعادة إدماج عنصر فيها سبق للاستعمار أن أراد محوه. لكن ما ينبغي قوله هـو: لا يجب تقديـم التعريب باعتباره استبدالا لهوية لقيطة أو هجينة. ويمكن أن نتساءل عما إذا كان مثل هذا الوضوح سيترك للحكم نفس إمكانيات العمـل أم لا.
في هذا الاتجاه، يلاحظ ميشال دو سيرطو أن نمط العلاقة بالهوية يختلف حسب ما إذا كان الفرد أحادي اللغة أو متعدد اللغات. فالتكلم بلغة واحدة يحيل على أفق وحيد للهوية فيما تحيل معرفة عدة لغات على ممارسات اجتماعية مختلفة، كما تفضي إلى استقلال أكبر للذات التي تكف عن الميل إلى التماهي مع لغة واحدة. وفي هذا الاتجاه، بدلا من اعتبار وضعية الازدواجية اللغوية الإجبارية التي يوجد فيها المغرب العربي عائقا أمام وعي حقيقي بالذات يمكن اعتبارها، على العكس، من شأنها أن تمثل شكلا أسمى لهوية متعددة أكثر إثراء للفرد والوسط شريطة أن يتم استيعابها والاعتراف بها بما هي عليه. وهذا المنظور هام، لاسيما أن المغاربي يتوفر، علاوة على لغتي الثقافة هاتين، أي العربية والفرنسية اللتين يضطر إلى استيعابهما، على لغة أم لهجة عربية أو بربرية من الملائم أخذها في الحسبان أثناء جرد مظاهـر ثراء الهوية المغاربية المتعددة. الأمر الذي قد يفرض في الوقت نفسه حل مشكل العلاقة بين الوحدة الوطنية والهوية واللغة الوطنية بكيفية أخرى، بمعنى ضرورة قبول تعددية حقيقية ضمن الوحدة الوطنية على الصعيد اللغوي والثقافي بالصفة ذاتها التي يتم بها قبول الهوية. وهذه الرؤية تتعارض كليا مع تلك التي فرضت نفسها على اليعقوبية الفرنسية منذ قرنين، والتي يظهر أن الأمم الفتية تتخذها نموذجـا.

اللغــة والقانــــون
يرتبط التعريب أيضا بالسلطة من خلال العلاقات الوثيقة التي تربط بين اللغة والقانون. ذلك أن تعليم لغة من اللغات يكون دائما فرض قانون ما. وكما يرى رولان بارث، ما من لغة إلا وتكون إكراهية لأنها تنطوي على إيديـولوجية للذات، لأنها تجبر المرء على قول أشياء معينة، وتشتمل على ما يدعوه جاكبسون (1963) «الزوايا الإكراهية للغة»، ثم لأنها تهيكل الذات وتجبرها على الدخول إلى عالم رمـزي.
وإذا اعتبرنا، في سياق المغرب العربي، أن ما من لغة إلا وتفرض قانونا، فإنه يتعين علينـا أن نأخذ بعين الاعتبار جيدا مسألة تعدد القوانيـن. فهناك، أولا، قانون اللغة الأم (أو قانون الداخلانية) التي تكون عربية أو بربرية. وهو يتمدد بطريقة معينة عبر دخول الفرد إلى اللغة العربية التي تنضاف إلى شبكة قيم اللغة الأم نفسها. لكن تدخل اللغة الفرنسية القوي، بهذا القدر أو ذاك، في عمق هاتين اللغتين يترك فيهما طابعا آخـر.
لقد كان إدخال اللغة الفرنسية زمن الهيمنة الاستعمارية إدخالا لقانون آخر لا زالت آثاره قائمة إلى اليوم. فهو مستدخل (Intériorisé) ومتواصل من خلال انتشار التعليم الذي يؤدي إلى حضور متزايد لهذه اللغـة.
يُقدَّمُ التعريب باعتباره عملا للتحرر من الاستعمار الثقافي واستبدالا للغة هيمنةٍ بلغةٍ وطنيةٍ. ومع ذلك، فهو يتضمن قانونا شأنه في ذلك شأن كل لغة. ورغم أنه يتم الإحساس أحيانا بأن هذا القانون بمثابة فرض لقانون الإسلام، فإن الأمر في الواقع يتعلق بفرض قانون الحكم الوطنـي.
يتيحُ لنا تحليلُ المقاومات التي يلاقيها التعريبُ أن نحيطَ بالحواجز التي تعترض إرسـاء هذا القانون الجديد. فهناك أولا مقاومة القانـون السابق، ونعني به القانون الاستعماري المستدخل والمترسخ بقوة حول مفاهيم التقدم والحداثة والحضارة. فهذا القانون يرى أن التعريب لا يمكن أن يكون إلا عودة إلى الماضي، إلى الظلامية والالتحاق من جديد بصفوف التخلف. والصراع هنا قوي لا سيما أنه ليس من الواضح أن التعريب سيضطلع بإعادة استيعاب سائر الأساطير والقيم التي جسدها القانون الاستعماري. والحالة هذه، فالحكم الذي خلف الحكم الاستعماري ويبحث عن شرعية له من خلال تبني وعود الحداثة وتأكيد اختلاف «داخلي»، ذلك الحكم لن ينجح في هذه المهمة ما لم يفلح التعريب في ترويض القانون القديم بأن يضفي عليه صبغة الأصالة وامتلاك الذات منظورا إليهما باعتبارهما ترياقا ضد الاغتصاب الاستعماري.
ثم هناك مقاومات أخرى تأتي من اللجهة العربية والبربرية بالخصوص، ومن ثم يمكن القول إنها تأتي من اللغة الأم. فحيوية اللهجات تترجم رفضا للمحو ويرافقها في أيامنا هذه وعي بهذه المقاومة التي لم يحلل الباحثون طبيعتها إلا قليلا. هـل يتعلـق الأمر بمكبوت يعود إلى وقت طويل، مكبوت مسجل في الثقافة ويترجم مقاومة لعملية الأسلمة – التعريب الأولى التي كانت هي الأخرى فرض قانون جديد خارجي، والتي لم تسْتكمَل بعد كما تدل على ذلك هذه الكفاحات المتواصلة التي تخوضها الأرثذكسية الإسلامية ضد الشعوذة والخرافات والانحرافات الشعبية أم يتعلق بمقاومة من نوع آخر شبيهة بتلك التي واجهت بها المناطق القروية الفرنسية (دو سيرطو، 1975) الحط من لهجاتها وثقافاتها المعتدى عليهما باسم العلم والعقلانية؟ أم أنه يتعلق بمقاومة أحدث لإرادة التقنوقراطية المركزية بسط نفوذها على مجموع حياة البلاد وممارسة تحكم دقيق ومتزايد في الحياة اليومية (وهي عملية بقـدر ما ينظر إلى إيجابياتها بعين الرضى يخشى من تفاقمها واستفحالها)؟ وعلى أي، مهما تكن طبيعة هذه المقاومة، فالأمر الأساسي هو كونها مقاومة صادرة من لغة أم ضد التعريب الذي يميل إلى إقصائها من حقلـه.
من الصعب تقدير أهمية هذا النبذ للغة الأم خارج أفق الثقافة. فبحسب دو لاروبيرتي (Jeanine de LA ROBERTIE)، إذا بقي الطفل داخل اللغة الأم كـان ماضويا، ذهانيا أو مجنونا. فهو يتحتم عليه المرور من صحراء لكي يدخل إلى الرمزي، إلى لغة الأب والقانون، إلى لغة الآخرين. ويكتسي هذا المرور أهمية خاصة للملاحظة عندما نـراه يلتقي مع الانتقال الفعلي من لغة إلى أخرى. هل يمكننا تشبيه التعريب بذلك الإقتلاع للطفل من الأم الذي يجعل منه مرءا كبيرا من خلال فرض قانون الأب عليه؟ يمكن أن نصوغ هذه الفرضية. وعلى صعيد آخر، لا شك في أن المقاومات المعارضة للتعريب، لكونه فرض قانون جديد، تعبر عن مقاومة شمولية لمشروع تأطير المجتمع الذي يقوده الحكم الوطني باسم العقلانية. ويصعد هذه المقاومة كل من قلق فقدان أشياء يثمنها القانون الاستعماري وبقاء اللاشعور مأوى لعلاقات مع ثقافات مكبوتة واستقلالات ممنوعة من شأن الهجومات التي تشنها عليها النزعة الوطنية العقلانية أن تشحنها بطاقة جديدة.
تلتقي الأوجه المتعددة لإشكالية التعريب في بعض الأسئلة الجوهرية: ما معنى التعريب؟ على أي شيء يحيل في العمق؟ من خلال ما يطرحه التعـريب من صعوبات ويثيـره من مفاتن ومخاوف، يبدو أن مصدر العقبة الرئيسية يكمن في غموض مصطلحه وعدم تحديده. ففي عمق القضية تقع مسألة اللغة وعلاقتها بالسلطة والمجتمع والثقافة، والدور الذي تضطلع به بالقياس إلى الهوية. وكما قال جاك بيرك[11]، فـ «اللغة لا تصلح للتواصل، بل تصلح للوجود».
وإلى الغموض الذي يحيط باللغة عموما ينضاف ذلك الغموض الذي يتعلق باللغة العربية بالخصوص. فهي خرجت من أعماق شبه الجزيرة العربية، لكنها حققت من التأثير الثقافي والإيديولوجي ما يجعل من الصعب أن نعرف بوضوح كامل مكانتها الحقيقية في عالم يشهد تحولات كبرى. وكما أكد جمال الدين بن الشيخ، فهناك تجارب عديدة للتعريب فاشلة في أغلب الأحيان، لكن لا يمكن تفسير تعثـر أي واحدة منها باعتباره فشلا للغة العربية لأنه لا يعود إلا إلى الشروط التي تمت فيها هذه التجربة أو تلك.
يهم التعريب في العمق الصيرورة الشمولية للمجتمع المغاربي ويشارك في اللبس المحيط به. ما نوع المجتمع الذي يُتجَه نحوه من وجهة النظر الثقافية والإيويولوجية؟ أحيانا يقدم التعريب باعتباره اندماجا جديدا في عالم قديم تم الابتعاد عنه بفعل الاستعمار. لكن ممارسة هذا التعريب تقدمه، في الآن نفسه، باعتباره عنصرا يتعين إدماجه ضمن تعدد لغوي فرضته الوقائع وأعادت إنتاجه بنيات ما بعـد الاستقلال.
تكشف الوضعية الفعلية في المغرب العـربي عن تعايش هويات متعددة تعبر عنها لغـات نوعية. وبذلك، يصير المشكل في نهاية المطاف هو معرفة أيجب اعتبار هذه التعددية امتيازا أو ثروة ينبغي الحفاظ عليها أم يجب اعتبارها عاهة وشللا يتعين التخلص منه؟ إن التصور الضيق للهوية ينظر إلى هذه الأخيرة باعتبارها موضوعا واقعيا كما يقرنها بتصور يعقوبي للوحدة الوطنيـة، وبذلك فمن شأنه أن يقود إلى محو تلك التعددية. وكون التعريب يطرح في سياق بناء الأمة يدفع الأنظمة الحاكمة إلى توظيفه ضمن استراتيجيتها. ومعلوم أن ما من نظام إلا ويلعب على الهوية والخوف من النهايـة والأمـل في البقاء والاستمـرار من أجل توطيد نفوذه.
إذا كانت الفرصة الحقيقية لتحقيق التعريب – التعريب بمعنى التحرر وليس الإكراه – تكمن في إدخاله ضمن إطار تعددي، فإن ذلك يمكن أن يثير تخوفا من اندماجه الحتمي في سياق سياسي نظرا للصلة الوطيدة بين اللغة والسلطة. فتصور نظام سياسي يقبل التعددية وينفي ذاته باعتبارها المركز الوحيد، ذلك التصور لا يمكن أن يكون في الظروف الراهنة إلا ضربا من الطوباوية. إذا كانت الحرية متعددة، فالحكم موحد ويميل من تلقاء نفسه إلى التعصب. والتعريب في حد ذاته يمكن أن يكون عنصر تحرير كما يمكن أن يكون عنصر قمع. وحظوظ نجاحه ستظل ضئيلة طالما لا يمثل سوى بيدقا يقدم أو يؤخر، حسب الأحوال، ضمن استراتيجية الأنظمة الوطنيـة.
—————-
الهـوامش والمـراجــع

BALIBAR, R. et,
LAPORTE, D.
1974, Le français national, politique et pratique de la langue nationale sous la Révolution, Paris, Hachette.
de CERTEAU, M.
1974, La culture au pluriel, Paris, 10/18.
JULIA, D., REVEL, J.
1975, Une politique de la langue, la révolution française et les patois, Paris, Gallimard.
FOUCAULT, M.,
1975, Surveiller et punir, Paris, Gallimard.
GARMADI, M.,
1972, «Les problèmes du plurilinguisme en Tunisie», Renaissance du monde arabe, SNED, Alger, Duculot.
HAMZAOUI, S.,
1976, «L’arabisation, problème idéologique», RTSS, N° 44, pp. 173-219.
JAKOBSON, R.,
1963, Essais de linguistique générale, Paris, Les Editions de Minuit.
LAFARGUE, P.
1984, «La langue française avant et après la révolution française», Ere nouvelle, janv., Fév.
LACAN, J.,
1966, Ecrits, Paris, Seuil, Le champs freudien.
LEVI – STRAUSS, C.
1967, Les structures élémentaires de la parenté, Paris – Mouton.
MOATASSIME, A.,
1974, «Bilinguisme sauvage au Maroc», Tiers – Monde, N° 59, Juillet – Déc.
1979, Langage et politique au Maghreb, Thèse de Doctorat d’Etat, Paris I, dactyl.
SKIK, H.
1976, «Le passage d’une langue à une autre chez les Tunisiens bilingues», RTSS, N° 45, pp. 140-165.
—————-
هوامـــــش
[1] – الإقــلاب (Conversion): مصطلح أدخله فرويد في حقل علم النفس المرضي مانحا إياه معنيين لاينفصلان. الأول اقتصادي، ويعني به «طاقة ليبيدية تتحول أو تقلب إلى تعصيب جسدي». والثاني رمزي يركز فيه على كون الأعراض الجسدية – التي «تتكلم» من خلالها تصورات مكبوتة شوهتها إواليتا التكثيف والنقل – تغير معانيها على مر السنين.(J. Laplanche et J-Pontalis, Vocabulaire de la psychanalyse, Paris, P.U.F., 1967, p. 104-105). وواضح أن المؤلف يستخدم هذا المصطلح بمعنى مجازي لأنه يقصد به الترجمة غير المباشرة (أو المتصرفة أو الملتوية) التي تتم بطريقة – أو أكثـر – من الطرق التالية: التحوير/التبديل، التكييف/التقريب، المعادلة/المقابلة. (م).
[2] -سيطور الكاتب هذه الفكرة لاحقا في دراستي «اللغة، الهوية والثقافة الوطنية في المغرب العربي» (ص. 80)، و«الأب المقلوب واللغة الممنوعة» المترجمتين ضمن الكتاب الحالي. ومفاد هذه الفكرة أنه إذا كان إيجاد مصطلحات موحدة، على الصعيد العربي، للمبتكرات العلمية والتقنية يصادف عموما مشاكل تعود إلى تجاذب العاملين القطري والقومي، حيثُ يراد إيجاد مقابلات للمصطلحات المعنية باللغة العربية الفصحى باعتبارها لغة قومية، لكن هذه الإرادة تصطدم بالنزعة القطرية، إذ يطمح كل قطر إلى أن يتصدر العملية، ومن ثمة تتضاعف الاقتراحات فتتعذر عملية التوحيد. أقول إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للعربية الفصحى، فإن الوضع يختلف تماما مع اللهجات التي لا تصادف هذا المشكل بتاتا، إذ يتدبر أهلها أمر إيجاد مقابلات للمخترعات العصرية بشكل عفوي، فيتم، مثلا، تبني الكلمات الأجنبية حرفيا مع إلحاق بعض التعديلات النطقية الطفيفة، فيقال على سبيل المثال للـ camion [الشاحنة] كاميون، وللـ bicyclette [الدراجة العادية] بيشكليط، وللـ ordinateur [حاسوب، كمبيوتر] أورديناتور، إلخ…
[3] – يقصد المؤلف بالكبت في هذا السياق عملية طرح موضوع ما جانبا أو الإلقاء به في زاوية النسيان باعتباره قد حُسِم. لكن تلك العملية لاتفضي في الواقع إلى طرح الموضوع أو إنسائه بالقدر الذي يعتقد، لأنه يظل كامنا وما أن تتاح له شروط العودة حتى يطفو من جديد على السطح. ومن الأمثلة الدالة بهذا الصدد ذلك النقاش الذي أعادته إلى الواجهة رواية «آيات شيطانية» مؤخرا حول مسألتي وحدانية الله وتعدد الآلهة ومكانة المذكر والمؤنث في الإسلام. (م).
[4] – سبق أن قدمت عصارة الأفكار التالية للنقاش خلال اجتماع انعقد في إطار الحوارات البيتخصصية التي عقدها جاك بيـرك في الكوليج دو فرانس يـوم 11 مـاي 1977. وقد شارك في ذلك الإجتماع كل من رولان بارث، وجمال الدين بن الشيخ، وميشال دو سيرطو، وجانين دو لاروبرتي، وأحمد معتصم، وعبد الغني مغزي، وعبد المجيد تركـي. ولايفوتني هنا أن أوجه إليهم تشكراتي على نقاشاتهم المفيدة واقتراحاتهم الوجيهة.
[5] – الرهابات: جمع رهاب (Phobie): خوف مرضي شديد من شيء معيـن (م).
[6] – يتعلق الأمر هنا بصلابة نسبية لأن العقيدة والعربية الكلاسيكية قد شهدا نوعا من التطور على مدار العصور. إلا أن هذا التطور كان يعرف دائما نوعا من الاحتواء والتقييد. وبذلك، فاللغة العربية لم تشهد التطور الطبيعي الذي تعرفه عادة اللغة التي يتم توظيفها في جميع الاستخدامات التواصلية بما فيها الشفهية والمكتوبة.
[7] – ويدل على هذا الحدث ظاهرة إعادة رسم أشجار النسب قصد شرعنة مواقع القوة المكتسبـة.
[8] – من المعلوم أن الحديث هو ما أثر عن الرسول. وبخصوص الحديث الحالي، يقال إنه كان يوجد بين الصحابة الذين اتبعوا الرسول منذ بداية الدعوة ثلاثة أسماء عربية، هي: سهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وبلال الحبشي. ولما تساءل الناس عمن يكونوا أجابهم الرسول: «ليست العروبة من النسب، بل من اللسـان».
[9] – يوجد في اللغة العربية إنتاج غزير حول مشكل الهوية والشخصية الوطنية. ويمكن الإشارة، على سبيل المثال، إلى كتاب البشير بنسـلامة، الشخصيـة التونسيـة، تونس، 1974، وإلى العدد الذي خصصته للتعريب المجلة الجزائرية الأصــالة (1974). أما بخصوص المغرب، فيجب العودة إلى كتابات عـلال الفاسـي.
[10] – وردت مداخلته في الحوارات البيتخصصية التي سبق ذكرها (انظر الهامش1 في الصفحـة 22). والإحالة نفسها تنطبق على أسماء الشخصيات التي سيرد ذكرها في الصفحات التاليـة.
[11] – أدلى بها خلال أحد النقاشات البيتخصصية، السابقة الذكر، في موضوع التعريب. وقد ساهمنا فيه بالمداخلة الحالية التي.وتعتبر دراستنا «اللغة، الهوية، والثقافة الوطنية في المغرب العربي» المترجمة ضمن هذا الكتاب امتدادا لما قلناه آنفا في هذا الموضـوع.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الخميس 20-09-2012 09:50 مساء

الاخبار العاجلة