Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
هِرْفِي فيشر: التفكير السحري والذكاء الاصطناعي / ترجمة: م. أسليـم – محمد أسليـم

هِرْفِي فيشر: التفكير السحري والذكاء الاصطناعي / ترجمة: م. أسليـم

1635 مشاهدة
هِرْفِي فيشر: التفكير السحري والذكاء الاصطناعي / ترجمة: م. أسليـم

ضَلَّ رقم 2 عن سلسلة أعداد الـ 1، والـ 0.

آلان تورنج

لا شك أن أول الآلات الحاسبة – المعدادات bouliers – ترجع إلى الصينيين. وقد تخيل ليبنتز هو الآخر، من بين أمور أخرى، آلات حاسبة. ولكن الفضل يعود إلى عالم الرياضيات البريطاني آلان تورنج في التفكير لأول مرة، منذ عام 1936، في اختراع آلة لمعالجة ليس الأرقام فحسب، بل وكذلك المعلومات وآلة الحوسبة الآلية Automatic Computing Engine، مصممة باعتبارها دماغا اصطناعيا.
في عام 1940 وضعَ جون فون نيومان المبادئ التي سيتم بموجبها تصميم حاسوب يشغل غرفة بأكملها. لقد حدث ذلك في فيلادلفيا، بـ ENIAC، والحاسوب المذكور هو أساس المعلوماتية التي نعرفها اليوم. وفي عام 1948، عممَ نوربرث نيومان، من خلال نشره لمؤلفه السيبرنطيقا (علم التحكم الآلي)، الأسسَ الرياضية لمنطق رياضي إجرائي، وتناوُلَ مفاهيم أكثر تعقيدا مثل الإجراءات الرجعية rétro-action، والدائرية circularité، والتحكمَ في العالم بالمعلومات، والهدَفَ المبرمَج أو التيليولوجيا، وبالتالي فقد فكرَ في شمولية النظرة المعلوماتية. وقد أسال تاريخ تطور المعلوماتية المدهش، وتسارعها، ومفارقاتها وأوهامها، الكثير من المداد.

كاريل كابيك Karel Capek
تحققت فكرة الروبوتات التي تلت عجائب الجن الأذكياء، مثل كراهية العبودية، أكثرَ مع مسرحية التشيكي كاريل كابيك رور RUR الذي ابتكر في عشرينيات القرن الماضي بشرا آليين مُسَخَّرين للعمل. منذ ذلك الحين، تصوَّر السحرة المتدربون، وهم الناس، روبوتات تتوفر على ذكاء اصطناعي قادرة على أن تصبحَ مستقلة، في نهاية المطاف، بل وحتى أقوى من بني الإنسان. وقد تقوت الفكرة بحيثُ تحولت إلى أسطورة قدرة الإنسان الفائقة أو كابوس قوة المعلوماتية الفائقة.
هكذا، وُلد الذكاء الاصطناعي: «وإذا كان الإنسانُ قد أصبح ميكانيكا، فمن اللازم أن تقوم ميكانيكا أخرى بصناعة الروح، لاستعادة توازن العالم الضرورية،… («الذَّكَرُ الأعلى»، ألفريد جاري).

ديب بلو Deep Blue
يعود المفهوم إلى خمسينيات القرن الماضي، ونال عنوان مجده بفوز أحد حواسيب شركة IBM على بطل العالم في لعبة الشطرنج (مقابلة ديب بلو ضد كاري كاسباروف، 1997).
وفي الوقت نفسه، شاع عدد لا يُحصى من الاستيهامات حول قوة أجهزة الكمبيوتر. ففي عام 1968، أدى الحاسوب Hall 9000، في فيلم ستانلي كوبريك 2001: أوديسا الفضاء (من إخراج آرثر س. كلارك Arthur C. Clarke) دورَ الشخصية المحورية، وقاد العمل فأصبحَ مُصابا بأحد أمراض الذهان، على إثر وقوع خلل في البرمجة. منذ ذلك الحين، ستصير أجهزة الحواسيب المُسَمَّاة في سبعينيات القرن الماضي بحواسيب الجيل الخامس، ستصير في أذهان العديد من معلمي المرحلة ومستشرفي المقبل خادمات حقيقية للإنسان، تعدُّ سريره، وتطبخ له، وتنظف منزله، وترافقه، وتمده بالمشورة، وتقرأ له الكتبَ، الخ.
وها نحنُ الآن في عام 2001…

مارفن منسكي Marvin Minsky
توقع أحد مفكري الذكاء الاصطناعي الأوائل، وهو مارفن مينسكي، أن الحاسوب سيكون قادرا على التعلم بنفسه، وأنَّ قدرته على التفكير ستصبحُ غير محدودة!
ومع ذلك، كيف يمكن لنا أن نتصور أنَّ الدماغَ البشري الذي لا يكاد يُعرف أي شي عن طرق تفكيره، بحيثُ لا يزال يشكل قارة غامضة، يستطيع يتصور آلة للتفكير بمثل هذه القوة؟ بيد أن الأوضحُ هنا هو حلم القوة الذي يُلهمُ الكائن البشري، انطلاقا من بعض النتائج التي تحققها المعلوماتية، جزئية كانت أم خارقة. فقد كانت الاستيهاماتُ الناتجة عن تسارع قوة أجهزة الكمبيوتر أسرعَ وواعدةً أكثر من المعلوماتية نفسها. وبذلك، يمكن القول بأن التكنولوجيا المعلوماتية تسير بوتيرة أسرع من أفكارنا، ولكن بوتيرة أبطأ من خيالنا.

حواسيب تتفوق على قدرات العقل البشري في عام 2020 …
ترى صحيفة وول ستريت جورنالَ أنَّ التفكير السحري لراي كورزوايل، وهو عبقري قلق، صاحب كتاب عصر الآلات الذكية The Age of Intelligent Machines، يقدم لنا المدى الكامل لما يمكن لفكر مبدع أن يستثمره في مشروع الذكاء الاصطناعي. فكتابه عصر الآلات الروحية The Age of Spiritual Machines، بعنوانه الفرعي: عندما تتجاوز أجهزة الكمبيوتر الذكاء البشري (1999) when computers exceed human intelligence يجتاز خطوة أخرى إلى الأمام، استنادا إلى ملاحظة التسارع الهائل للتكنولوجيا المعلوماتية. فهو يذكر بأن سرعة أجهزة الكمبيوتر كانت تتضاعف كل 3 سنوات في البداية، ثم كل سنتين في ستينيات القرن الماضي، والآن صارت تتضاعف كل 18 شهرا، وبذلك «ستبلغ الحواسيب سرعة العقل البشري وقوته في عام 2020. وابتداء من هذ التاريخ، يُتوقَّعُ أن يصير للحاسوب حس الدعابة والنكتة، فيعبر آرائه، ومشاعره، وإرادته، وسيثبتُ أنه يتوفر على صفات التفكير الإنساني نفسها. بالتالي، ستكون له شخصيته وأهدافه ومشاريعه الفردية الخاصة به، فيصير بوسعه أن يخاطبك قائلا، على سبيل المثال: «إني أشعر بالملل والوحدة. فضلا، خُذني معك». من كتاب: راي كورزويل، عصر الآلات الروحية. عندما تتجاوز الحواسيب الذكاء البشري.

رقائق ضوئية، ترانزستورات ذرِّية، آبار كمٍّ، وحواسيب جزيئية وكيميائية
صحيح أن الرقائق الضوئية ستؤدي إلى التمكّن من تصغير شديد للمعالجات.
وقد شُرعَ بالفعل، قبل نهاية القرن الماضي، في صنع ترانزستورات في حجم عشرات من الذَّرات لا غير. وباستخدام الأشعة السينية، يتمُّ تصوير مُعالجات صغيرة جدا، باستعمال تقنية الليتوغرافيا، على سيليكون في منتهى الرقة، ودمج ملايين الترانزستورات، وعما قريب سنتقل العدد إلى عدة ملايير. وقد أعلن باحثون من جامعة إنديانا أنه بفضل تقنية آبار الكمّ، سيستطيعُ جهاز كمبيوتر الكمّ الذي يجمع لغة الواحد والصفر (1 و0) الثنائية في مُكدَّسات qubits أن يُنجز العمليات التي تُطلبُ منه، عن طريق استخدام الضوء، العمليات، وذلك بأن يقوم بنقل ليس آلاف الإلكترونات، بل فقط عدد قليل منها، مما يجعل العمليات الحسابية أسرع إلى ما لا نهاية.
يعمل العديد من الباحثين في شركة هيوليت باكارد HP على صنع معالجات كيميائية دقيقة، ودوائر مستقبلية من شأنها أن تحسن أداء المعالجات الحالية بـ 1000% (نيويورك تايمز، 1999).
كما يعكف الباحثون أيضا على تصميم حواسيب جزيئية، بل وتستغل القدرات الإعلامية والتوليفية المتميزة لجينات الحمض النووي، وذلك باستخدام نبضات كيميائية.
ويمكننا أن نتصور حواسيب لا تشتغل بسرعة غير عادية وقدرة حسابية هائلة فحسب، بل وتستطيع أيضا أن تعمل كليا بواجهة صوتية، وتدير فوريا ملفات الوسائط المتعددة الثقيلة ومقاطع الفيديو.

بلو جين Blue Gene
إضافة إلى ما سبق، أعلنت شركة IBM في أواخر عام 1999 أنها تعمل على تصنيع جهاز حاسوب جديد، اسمه بلو جين، تفوق قوته بألف مرة قوَّةَ الحاسوب ديب بلو الذي انتصر على غاري كاسباروف. وسيكون الجهاز الجديد قادرا على معالجة مليار عملية في الثانية الواحدة، ما سيسمح له بمحاكاة تشكل البروتينات في جسم الإنسان. ما الهدف من ذلك؟ هو الوصول إلى سرعة التحولات التي تحدث داخل خلية الجسم البشري، لسبر أغوار الكثير من الأمراض والمساهمة في علاجها. وقد أخبرت الوكالة الفرنسية للأنباء، استنادا إلى تصريحات مسؤول كبير في شركة IBM، بأنه سيأتي يوم تدخلون فيه العيادة الطبية، فيقوم حاسوبٌ بتحليل نسيجكم البشري، ويحدد سبب مرضكم ويحرر لكم على الفور وصفة بالدواء الأنسب لتكوينكم الجيني. ومن المتوقع أن يظهر هذا الحاسوب في عام 2005، ويشغل مساحة 80 مترا مربعا ومترين علوا.

قانون تسارع الزَّمن السحري القوي والمتواصل
تكمن جرأة راي كورزويل في كونه يعقد مقارنة بين إيقاع تطور الحياة وإيقاع تطور جهاز الحاسوب، وأقل ما يستنتجه من هذا الجمع الخيالي هو أنَّ قانون الزمن والفوضى، ثم قانون التسارع الاسترجاعي ينطبق على عملية التطور. ومن ثمة، يسهل عليه القول بأن التطور نفسه يُشيِّدُ نظامه الخاص ويعززه بكيفية سريعة ومتواصلة، فيستنتجُ دليل التسارع المتواصل للزَّمن.
وبصياغة هذه القوانين المرتكزة حسابيا على المزج بين العمليات الحيوية والاجتماعية، وعلى استقراء بعض الأرقام المذهلة حقا من الصناعة المعلوماتية، لا يبقى هناك أي شك عند راي كورزويل، والعديد من الأميركيين، إذا احتكمنا إلى الثناء الذي تخصصه له الصحف وإلى أرقام مبيعات كتبه، في أنَّ عام 2020 سيكون سنة تاريخية، إذ سيكون هو العام الذي سيُعادل فيه ذكاء أجهزة الحواسيب نظيرها البشري، مما يعني بوضوح أنها ستشرع في تجاوزه بسرعة كبيرة ابتداء من ذلك الوقت الفريد.
ولا يخشى راي كورزويل القول بأنَّ التطور سينجحُ في التغلب على سقف قدرات شبكات الخلايا العصبية البشرية العنقية، وذلك بأن يخلق، وبمهارة، كائنات بشرية قادرة على أن تخترع تكنولوجيا أسرع بمليون مرة خلايا الثدييات العصبية المُشكَّلة من الكربون والبطيئة للغاية مقارنة مع نظيرتها الإلكترونية المرونة والسريعة للغاية.

حواسيب حيَّة
حسب سيناريو عكسي، يعمل باحثون من معهد المعلوماتية العصبية، أو من معهد العلوم غير الخطية، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، من جانبهم، على حدود المنطق المعلوماتي.
كما يعمل آخرون، من جامعة جنوب كاليفورنيا منذ 1994، ومن جامعة ويسكونسن، في ماديسون، على ابتكار حواسيب ذات حمض نووي (مجلة الطبيعة، 2000). ويستندون إلى واقع أن الحمض النووي يعمل وفقا لغة تتألف من أربع كلمات، وبالتالي فهو أعقد من لغة الحاسوب الثنائية..
ويقترح علينا ويليام ديتو، رئيس مختبر الفوضى التطبيقية في جامعة جورجيا بأتلانتا، رفقة آخرين، الحاسوب العصبي أو الحاسوب الحيَ الذي يحتوي على رقائق معلوماتية حية مأخوذة من العلق. ويُقدِّر أن أفضل أمل لتخطي حُدود المعلوماتية الحالية هو ابتكار نظام هجين يجمع بين الحيِّ والاصطناعي. وهذا يسمح له بإنشاء ديناميكية غير خطية، تحتضن إشكالية الفوضى التي تعجز الأنظمة الثنائية عن معالجتها. وهو يمزج في الواقع بين طرق إثارة الحاسوب للأنسجة الحية، بما في ذلك للقلب والدماغ، ومؤشرات تذبذب غير خطية تشكل في نظره نماذج للذكاء والتحكم في النظم البيولوجية. على هذا النحو، فهو يأمل في تحقيق قوة حسابية والأخذ بعين الاعتبار لتعقيد الظواهر الواقعية، وحتى تعقيد المنطق الضبابي، أكبر بكثير مما يمكن أن توفره النماذج الخطية والإلكترونية الثنائية. ويرى وليام ديتو William Ditto أنَّ هناك عمليات حسابية يُنجزها الحاسوب بكيفية أفضل وأسرع من الدماغ البشري، وهناك توليفات منطقية يقوم بها الدماغ البشري أفضل من الحاسوب، ومن ثمة يُمكنُ للجمع بين الاثنين، بين العقل الهندسي وعقل الرهافة والدقة، بواسطة خلايا عصبية ومُعالجات ثنائية، أن يتيح الوصول إلى قدرة حسابية وذكاء لا نظير لهما. الطموح كبيرٌ: فالحواسيب العادية تتطلب على نحو متواصل معلومات صحيحة تماما لتقديم الجواب الصحيح. ونأمل أن تكون الحواسيب البيولوجية قادرة على تقديم الإجابة الصحيحة، حتى انطلاقا من معلومات جزئية، وذلك بأن تقوم هي نفسها باستكمال المعلومات الناقصة (1999). وهو لا ينجح حاليا سوى في إدارة الإضافات، ولكنه يأمل في ابتكار جيل جديد من الحواسيب، هي عبارة عن أجهزة حواسيب عَلَقيَّة leech-ulators قادرة على التفكير بمفردها، نظرا لكون الخلايا العصبية الحية تستطيعُ تشكيل اتصالاتها الخاصة بها، وهو ما تعجز عنه المعلوماتية. وهنا مكمَنُ الفرق كله بين قدرة الكائن الحيِّ وحُدود الجهاز الاصطناعي.

الحيّ والاصطناعي
وما يُثيرُ الدهشة أكثر هو أنَّ وليام ديتو، من جهته، يسعى جاهدا لتجاوز قوة الحواسيب الثنائية بفضل بضع خلايا عصبية مأخوذة من العلق يَصعُبُ الحفاظ عليها حية داخل الحرارة المنبعثة من أجهزة الحواسيب، في حين يرى راي كورزويل، من جهة أخرى، أنَّ مآل الإنسان الذي يتوفر على ملايين من الخلايا العصبية هو أن يشغر المكانَ لجيل من أجهزة حواسيب أسرع ستحلّ. والتناقض أقوى بما فيه الكفاية من أن نلزم الحذر بشأن هاتين النبوؤتين المذهلتين. فأحدهما يلجأ إلى قوة الطبيعة من أجل التفوق على المعلوماتية، والآخر يلقي نظرة استعلائية على الطبيعة ليؤكد القيمة العليا للتكنولوجيا التي سَتسْتَلمُ المهمة من الطبيعة، عندما ستبلغ هذه التكنولوجيا في عام 2020 مبدأها الذي توقعه بيتر… لتواصِلَ زخمَ الخلق. نحن نتطور في خضمِّ الخيال، باسم العلم والمنطق!

حلم الذكاء الاصطناعي الكبير
مع أنَّ سيناريو ويليام ديتو مُعاكسٌ كليا لسناريو راي كورزويل، إلا أنَّ الحلم يظل نفسه، ويعبر عنه راي كالتالي:
في عام 2019، سيتوفر الحاسوب شخصي بسعر 1000 دولار على قدرة الدماغ البشري نفسه. وفي عام 2029، سيكون لحاسوب بسعر 1000 دولار قدرة 1000 الدماغ البشري، كما سيُمكن وَصْل الدماغ البشري بشبكة معلوماتية واسعة النطاق، ما سيزيد بشكل كبير قدرات الإنسان وجميع حواسه. وستجري مناقشة حقوق أجهزة الكمبيوتر للاعتراف بها باعتبارها كائنات حرَّة، لأنَّه سيكون من المقبول على نطاق واسع أنها تتوفر على إحساس ووعي مثل البشر.
وفي عام 2099، ستتعذر إمكانية التمييز بوضوح بين الإنسان والحاسوب، كما لن يعودَ لأغلب الكائنات العاقلة أي وجود مادي مستقر. وسيتجاوز عدد سكان الكائنات المعلوماتية بكثير عدد الكائنات العصبية التي تتشكل في أساسها من الكربون.
علاوة على ذلك، فسوف يُعَمَّمُ تهجين الروبوتات المعلوماتية والكائنات البشرية المحشوة بشرائح ورقائق معلوماتية قادرة على زيادة قدراتها الطبيعية بشكل كبير وملحوظ. أما مسألة معدل العمر، فستصير مما عفا عليه الزمن.
بالتالي، فمسألة إدخال التكنولوجيا إلى الأرض ليست مجرد حالة فردية من إنتاج أحد أنواع الكائنات الحية العديدة، بل هي محور تاريخ كوكبنا.
لقد ساعد أهم إبداع للتطور – الذكاء البشري – على خلق الخطوة التالية في تطور الحياة، وهي التكنولوجيا، وستخلق التكنولوجيا، بدورها، وبمفردها المرحلة المقبلة من التطور بدون تدخل الإنسان.
وكونُ هذه الخطوة الجديدة من التطور لن تتطلب سوى بضع عشرات الآلاف من السنين هو مثال آخر عل تسارع الزمن الهائل، تبعا لقانون الزمن والفوضى.
(حاولنا ترجمة رؤية راي كورزويل وتلخيصها، بأقصى ما يمكن من الأمانة، وبعباراته الخاصة).

سذاجة الذكاء البشري
من النادر حقا أن نعثر على تعبير معاصر، بمثل هذه القوة وعلى درجة أولى من السذاجة، عن واحدة من أساطير عصرنا المركزية. ومما يثير الاهتمام أكثر بالخصوص هو أنَّ، كلا من مارفن منسكي الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبيل غيتس رئيس شركة مايكروسوفت، وستيفي وندر، وجورج غيلدر، ومايك براون، رئيس بورصة ناسداك السابق والمسؤول المالي لمايكروسوفت، كل هؤلاء، وفقا للصفحة 4 من الكتاب، يكيلون مدحا سخيا للؤلف، ويعترفون بأنه أحد كبار المستقبليين الذين يمتلكون قدرة استشراف المستقبل، وواحد من أكبر عقول عصرنا المجدِّدَة والمبتكرة والثاقبة!

حلم قوة العلم والتكنولوجيا
نحن بعيدون كل البعد عن الفكر النقدي الذي يحكم، حسب باشلار، تقدم العلم، بل نحنُ بالأحرى أمام ملاحظة صارخة وهي أنَّ العلم والتكنولوجيا متشابكان كليا، وأن العلم ليس بحثا عن الحقيقة، بل هو أيضا إرادة للقوة.
ومن المدهش ملاحظة إلى أي حد يستطيعُ مفكرو المعلوماتية الطوباويون، ذوو التكوين الرياضي في الغالب، أن يعتقدوا أن أجهزة الحواسيب ستكون قادرة في يوم من الأيام على دمج كافة بيانات الواقع، بحيث تقوى على إعادة تركيبها، والتنبؤ بجميع عوامل التطور الممكنة وسيناريوهاته، وبالتالي تحويلها، والحالُ أن العالم ليس لعبة شطرنج بسيطة ولا كتاب رياضيات. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فتعقيد العالم وتركيبه هو في تزايد متواصل باعتراف باحثين علماء أكثر تواضعا وأقل سذاجة من راي كورزويل .

أسطورة الذكاء الاصطناعي
تفترض أسطورة الذكاء الاصطناعي ضمنيا قدرة المعلوماتية على الإحاطة بمجموع الوعي البشري بالعالم ومعالجته، والتي بدونها لا يمكن للمعلوماتية نفسها أن تزعم هذه القدرة على تجاوز العقل الإنساني.
وبدفع أسطورة الذكاء الاصطناعي إلى نزعتها الشمولية، لا مناصَ من اصطدامها بمشاكل فلسفية كبرى. فهي تفترض أنه يمكن اختزال العالم بكامله إلى خوازرمات، أي إلى لغة رياضية قادرة نظريا على ترجمة مجموع اللغات الطبيعية. بيد أنَّه لا يمكن سكب هذه اللغات التي تصور البنيات الاجتماعية، والمتخيل الجماعي والعواطف وفروقات دقيقة شتى، في السلسلات الثنائية ولا حتى الثلاثية للغة الحاسوب. والاعتقادُ في قدرة الحاسوب في نهاية المطاف على إنتاج لغة عالمية موضوعية ومجردة من كل الخصوصيات والرمزيات وسائر العتمات، والأوهام والرغبات، ومن أشكال السحر وإرادات القوة، وسائر ضروب ضجيج التواصل الاجتماعي، وأخيرا مطابقة ومناسبة تماما لواقع العالم، تترجمه كما هو، وتكون من ثمة أكثر قدرة من اللغات الطبيعية المتنوعة والناقصة، على فهم الكون والتحكم فيه… ذلك الاعتقاد ينطوى على ادعاء كبير وسذاجة لا تصدَّق! ومع ذلك، فنحن نعرف أن ما من لغة طبيعية إلا وتكثف صورة للعالم، وأن هناك حكايات وأساطير حول أصل العالم، إن صحَّ القول، بقدر ما هناك من لغات طبيعية. وحتى أكثر اللغويين توظيفا للرياضيات لم يجرؤوا أبدا على القول بمثل هذا الادعاء الذي لا يمكن تصديقه إلا بالاعتقاد بأنَّ الله هو عالم الرياضيات الذي برمج العالم باللغة المعلوماتية لشركتي IBM أو مايكروسوفت!

الاستعارة الرقمية للعالم
صحيح أن هذه الاستعارة الرقمية هي صورة رمزية للعقلانية، وهي وعي يعود إلى الإغريق الذين يجمعون فيه أيضا الموسيقى والهندسة المعمارية. كان أرخميدس وأقليدس وفيثاغورس يفسرون العالم كله والروح بالعقل: كل شيء مُرتَّبٌ بالأعداد. وكان أفلاطون يرى في الأعداد أعلى درجة للمعرفة، وأنَّ نظام الكون قد بُني عليها. وقد ردَّدَ أسطورة «الله عالِمُ الرياضيات» الأكبر، عبر القرون، كل من بويس Boèce ونيقولا د كيز Nicolas de Cuse وجاليلو (الطبيعة كتابٌ مؤَّلف بلغة رياضية)، وجمَعَ ليبنر بقوة أكبر مفاهيم الحساب والمنطق الاستدلالي في ما أسماهُ calculus ratiocinator: العالم يتكون على نحو ما يحسُبُ الله.

الواقعية الشكلانية
يجب أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار مصنف فتجنشتاين الشهير في المنطق والفلسفة Tractacus Logico-philosophicus الذي كتبه خلال الحرب العالمية الأولى، ولعب دورا رئيسيا في التأكيد على وجود منطق شكلي للكون. فهو يرى أن المنطق متعال بمعنى أنه صورة طبق الأصل للعالم. المنطق هو بنية العالم نفسها. قد يكون هذا التماثل بين العالم ومنطق التفكير بالطبع مفتاحا سحريا لفهم العالم، و هو تبرير إبستيمولوجي قد لا تستطيع المعلوماتية أن تحلم بأفضل منه. ومع ذلك، نلاحظ أن هذا التيار الفكري المتمحور حول ما أسميه بشكلانية حقيقية، بمعنى أنه متعايش مع الواقع، ينتمي إلى الثقافة الأنجلوسكسونية البريطانية أو الأمريكية. أما الثقافات اللاتينية، فتظل بعيدة جدا عنه ولا تتقاسم نفس البراغماتية الإجرائية التقليدية منذ آدم سميث ومالتوس. هناك أعداد من المنطق بقدر ما هناك من اللغات، وهناك نظريات للخلق بقدر ما هنالك من مجتمعات.

فتجنشتاين
يرى فتجنشتاين أن النزعة الشمولية الضمنية للمنطق تُخرج التاريخ وعلم الاجتماع من دائرة المعرفة. وقد كان نجاح تلك النزعة على مقياس هذه السهولة الوهمية والصريحة، إذ حظيت باستقبال جيد في البلدان الرأسمالية الأنجلوسكسونية، بسبب بساطتها وملاءمتها لأداة التحكم في السلطة والفعالية الواضحة، بينما شكلت الشكوك التي أثارتها في بلدان الثقافات اللاتينية، والتي تتطابق أيضا مع تأخر هذه الأخيرة في المعلوماتية مقارنة بنظيرتها الأنجلوسكسونية، شكلت عنصرا سلبيا في المنافسة الاقتصادية.
ولكن لا يجب الخلط بين التجارة والمعرفة.
ولنقل ذلك بوضوح: إن الطوباوية الفتجنشتاينية شديدة الدلالة على إرادة السلطة والغزو المقترن بأسطورة المعرفة، ونجاحها هو نجاح ثقافة تدبيرية وتجارية. ولكن عنوان باللاتينية ومحاكاة سبينوزية ساخرة لن يغيرا أي شيء في ذلك: فنظريته هي المَثل نفسه، بإخراج منطقي رياضي سلطوي للوهم المطلق الذي يحمله التفكير عن نفسه. ونفوذها المفهوم جدا في التيار الطوباوي المعلومياتي لا يقلل من طابعها الأسطوري ، بل يزيده على العكس تماما.

هل الله هو عالم المعلوميات الأكبر؟
دون أن نخوض في أتباع علم الأعداد أو رمزية الأعداد (Le symbolisme des nombres, Allendy, 1948) – التي كانت تربط في ثقافات عديدة ما هو روحي بما هو كمِّي –، يتعين علينا أن نضع اليوتوبيا المعلوماتية في استمرارية تاريخها. فهي ليست جديدة كليا، ولو أنها الآن موضة كبيرة، ما لم نقل أنها تثير الغضب في مطلع القرن، مثلما كان الحال من قبل مع الاستعارات الميكانيكية أو العضوية. وحتى الاتجاه الحالي الذي يجمع بين الاستعارتين باستدعاء نزعة عضوية معلوماتية ليس جديدا، إذ يرى هذا الطرح أنَّ أكواد (أو شفرات) الحياة الجينية هي من برمجة المعلومياتي الأكبر الذي صمَّم الحياة مثل كتاب، ومن ثمة فهي (أي الأكواد) قابلة لإعادة البرمجة من لدن علمائنا المتخصصين في علوم الوراثة. ومع ذلك، يمكننا القول بأن مآل أسطورتي المعلومياتي الأكبر والساعاتي الأعظم سيكون هو المتحف.
على هذا النحو تسير موضات الفكر التي تسعى إلى اكتشاف ذكاء العالم وتتعاقبُ على مر تاريخ الأفكار والتكنولوجيات، بقناعة وشغف في كل مرة.

أي عالم نريد أن نخلق؟
ولكن لنتابع الأسطورة التي تمضي بعيدا في المغامرة. ترى العديد من هذه العقول الشغوفة باللغة الثنائية أن الأمر لا يتعلق بإعادة إنتاج العالم من أجل فهمه كما هو، باللغة المعلوماتية، بل بإنتاج عالم جديد مطابق لإرادتنا في القوة والمصالح البشرية. والسؤال الذي نعترض به على اليوتوبيا المعلوماتية هو: هل نعرف أوَّلا أي عالم نريد خلقه؟ بأي قيم، ولأي أهداف ومن أجل من؟ ومن سيتخذ القرار؟ هل ستتخذه شركة إنتيل أم IBM أم مايكروسوفت؟ هل ستتخذه مختبرات الأبحاث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أم Nitendo؟ هل سيتخذه رئيس الولايات المتحدة أم البابا؟ ليست المسألة طرد قضايا فلسفية وسياسية عميقة جدا باسم المنطق الثنائي. ومع ذلك، فهذا آخر ما يمكن أن يشغل هؤلاء السيبرنطيقيين الطوباويين الذين يضعون ثقتهم اليوم في التكنولوجيا التي يُطلق عليها آخرون اسم «الأم الطيبة»، وهي الطبيعة.

حذار التوقعات، خصوصا منها المتعلقة بمستقبل …
لتصديق ذلك، يتعينُ أن تكون الحواسيب، في منظور سنوات 2000 أو 2030، قادرة على توقع الأحداث فورا! والحال أنَّ لا أحد، ولا أي حاسوب، استطاع أن يتنبأ بظواهر سريعة ومثيرة جدا مثل اغتيال كينيدي في يوم 22 نوفمبر 1963، وثورات ماي 1968، وسقوط جدار برلين في يوم 9 نوفمبر 1989. وسخافة توقعات المستقبل التي تصدر في كثير من الأحيان من عقول لامعة ومعترف بها في وسائل الإعلام هي ذات دلالة قوية على عدم قابلية العالم للتنبؤ، هذا التنبؤ الذي لا تستطيع أبدا أي معادلة رياضية ولا أي منطق حاسوبي ثنائي أن يتقنه. هكذا، فقد ساهم عالم المستقبليات الشهير هيرمان كاهنHermann Kahn على نطاق واحد في نشر سيل كامل من الترهات التي وجدت طريقها إلى النشر منذ بضع سنوات بخصوص عام 2000. هل هي ترهات؟ نعم، مقارنة بالواقع الذي نراه اليوم، ولكنها تنبؤات شديدة الدلالة على أحلام القوة التي تراود الإنسان منذ 30 عاما، وافتتانه بالرموز التي تصيب الخيال مثل عام 2000.

توقعات هرمان كاهن
هذا هو ما تنبأ به هيرمان كاهن وأنتوني وينر Antony Wiener في عام 1967 بخصوص عام 2000: الاستخدام الواسع النطاق لتجميد الجثث وحفظها في درجة برودة تبلغ 190 درجة، بغاية إحيائها لاحقا، والسُبات لفترات قصيرة بوصفة طبية. أغذية ومشروبات اصطناعية مقبولة عموما وتنافسية. طرق بدنية غير ضارة لتجنب المخاطر الصحية الناجمة عن الإفراط في الأكل. استقرار الإنسان بشكل دائم على سطح القمر والأقمار الصناعية، وأسفار بين الكواكب. تشييد مَرافق، وربما حتى مستوطنات، تحت البحار. دكاكين ومستودعات آلية كبيرة. الاستخدام المكثف لروبوتات وآلات في خدمة الإنسان. منصَّات تحلق فرديا. أنظمة عسكرية تستخدم الفضاء. أقمار اصطناعية وطرق أخرى لإنارة مساحات شاسعة ليلا.

المستقبلُ لم يعد كما كان…

سيجد الذين يرغبون في التسلي بتوقعات مشاهير علماء المستقبليات، في كتاب ميشال سان جيرمان (المستقبل لم يعد كما كان، 1993) المليء بروح الدعابة والسخرية، باقة جميلة مما لا يعد ولا يحصى من مثل هذه الأوهام والسذاجات المستجدة على الدوام والصادرة عن أفضل عقول عالم الموضة. وحتى نبقى في المعلوماتية الخارقة والرائعة، لنذكر بما أعلنه رئيس شركة المعدات الرقمية في سبعينيات القرن الماضي: هناك، في المجموع، سوقٌ لبيع خمسة أجهزة كمبيوتر شخصية في الولايات المتحدة، وصرح بيل غيتس في ثمانينيات القرن الماضي أن ذاكرة بسعة 64 كيلو أوكتيه ستكون كافية إلى حد كبير للحاسوب الشخصي كي يؤدي مهامه.
يُذكِّر ميشيل سان جيرمان بملاحظة أبداها باحث من مختبرات بل غيتس في عام 1990، وهي أن راي كورزيل قد نسي أن يأخذ بعين الاعتبار في ما يقوله بصدد النمو الهائل وقانون الفوضى الذي سنَّه، وكأنه إله أو مرشح لجائزة نوبل، أن شيئا واحدا قد نما منذ 40 عاما أسرع من الأجهزة المعلوماتية، وهو: انتظارات الإنسان وتوقعاته.

حاسوب فوق إنساني والويب الدلالي
تنتمي النبوءات التي تُعلن أنَّ الذكاء الاصطناعي يتوقف على نظيره البشري – وتعبر عن ذلك بتخطيطها لاختراع حاسوب فوق-إنساني، وهو مشروع تبنته شركة IBM في عام 1999 في إعلاناتها الإشهارية – إلى أحلام التفوق نفسها التي سبق أن تنبأت بظهور كواكب قمر صناعية في عام 2000. وهي أحلامٌ من النوع الذي يغري الأسواق والناس؛ ويشكل جزءا من هذا المتخيل الذي يدفعنا دائما إلى الأمام، إلى استكشاف أنفسنا والكون. وقد ىل الأمر بهذه الأسطورة إلى أنها صارت تبدو اليوم وكأنها مسجلة في جيناتنا، إلا أنها قد لا تحمل أي معنى في المجتمعات التقليدية التي يأخذ فيها الزمن شكلا أفقيا أو دائريا.
ولكن هذا هو طموح تيم بيرنر – لي Tim Berners-Lee مبتكر شبكة الويب العالمية في عام 1999 الذي يعمل الآن على إنشاء ميتا-شبكة دلالية. وفكرته هي منح مواد خفية للكلمات المفاتيح التي تُعرض على صفحات الويب لتمكين أجهزة الحواسيب من أن تقرأ فوريا المعلومات الدالة لمحركات البحث. بذلك، وستصبح الحواسيب قادرة على المعالجة الذكية للمعلومات المتداولة في الشبكة وتمكننا من الوصول إليها على نحو أفضل.

عودة التشابهات القوية بالحياة
ولكن الموضة تتحول بالفعل قبل نهاية الألفية، إذ يبدو أنَّ الذين يستغلون تشابه الحاسوب بالعقل البشري وبالحياة عامة قد أخذوا يستوعبون أن الحياة لا زالت نموذجا ذا مصداقية، ما لم تكن أقوى إقناعا من النموذج الإلكتروني. هكذا، فمَلِكُ المعلوماتية نفسه، وهو بِل غيتس رئيس شركة ميكروسوفت، يفضل استعمال صورة الجسم البشري ليعرض مشروعه الجديد، فيشبه شبكة أجهزة الحواسيب المقاولة بجهاز عصبي (العمل بسرعة التفكير، 1999) بدل العكس، وهو تشبيه الجهاز العصبي بشبكة من الحواسيب على نحو ما يفعل راي كورزويل. ويرى بِلْ غيتس أنَّ اشتغالَ المقاولة كما لو كانت دماغا سيجعل منها معادلا رقميا للجهاز العصبي عند الإنسان. فبفضل الجهاز العصبي لمقاولتكم ستتقدم أعمالكم بسرعة العقل. وبذلك، فهو يفضل أن يَذكُر سرعة الدماغ التي قد تفوق سرعة الضوء. والآن، يُشبه مَغولٌ آخرون من شركاتنا العابرة للقارات تدبيرهم بعمل الأكواد الجينية للجسم الحي الذي يبدو لهم، بتركيبته وتعقيده، أكثر قدرة وكفاءة من اللغة الثنائية للمعلوماتية. وباختصار، فقد تجاوزت الموضة الفكر السحري لراي كورزيل حتى قبل أن تنتهي الألفية الثانية…

النزعة الكونية التقنية technocosme
ومع ذلك، فقد لا تستطيع مُبالغة الزخم الميتافيزيقي الموظَّفة في حلم الذكاء الاصطناعي أن تُنكرَ أهمية هذا الذكاء. إذا حكمنا على الشجرة بثمارها، فلنعترف بأن الاستعارة المعلوماتية، وإن كانت تعجز عن الزعم بوجود جوهر أنطولوجي للعالم، فهي مع ذلك تشكل أداة إجرائية فوية وفعالة بحيثُ لا يضاهيها في تاريخ البشرية سوى السحر!
ويلخص بيير ليفي مُفكرُ النزعة الكونية التقنية، كما يسميها عن صواب، هذا النجاح جيدا بقوله: تنتمي النزعة الكونية المحوسَبة سلسلة هذه المخلوقات التاريخية الشهيرة التي قد تكون ولادتها احتمالية وعَرَضية، ولكنها ما أن ترى النور حتى تقدِّم نفسَها للبشرية بقوة القدر: الزراعة، والكتابة، والدولة… وترسخ مع الزمن لأنها آلات توَالُدٍ رائعة. وهي تنتشر بالضرورة لأن الذين يتبنونها يكونون دائما منتصرين (الكون الآلة، 1978).

روبوتات إسحاق أسيموف
لنعُد إلى الخيال الجامح الذي يُصوِّرُ كيف سيكونُ عبيدنا في أزمنتنا الحديثة، وسيُمَيَّزُ فيه بين الروبوتات المنزلية التي تعمل من أجل الإنسان، وآلات اللعب المرافقة له.
لقد فتن إسحاق رابينوف (توفي في 1992) قراءه بروبوتاته الشبيهة بالإنسان، وهي أجهزة إلكترونية خيالية، ذات المظاهر البشرية، تخضع لثلاثة قوانين: غريزة البقاء، والإيثار ثم طاعة الأوامر، لدرجة قد نتساءل معها عن طبيعتها الحقيقية. مضت خمسون عاما، وها نحن لا زلنا بعيدين عن الإنتاج الفعلي لمثل هذه الآلات! فـ «مخلوقة» C3P0 الودية، المسخَّرَة لحرب النجوم، أو مينيرفا الشهيرة المعروضة في متحف سميثسونيان بواشنطن، لا تزال ميكانيكية جدا. وروبوتا معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المُسَمَّيَان Cog وKismet يظلان بدائيين جدا، ورودني بروكس Rodney Books تهدف على الخصوص إلى استقلاهما الـ motrice، ولا يتجاوز طموحها الوصول بهما إلى السن العلقي لطفل في عمر عامين.
وباتباع حلم ويليام ديتو، فهدف اختراع الروبوتات والإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر الحية هو خلق روبوتات قادرة على الإحساس والتفكير.

إخواننا الروبوتات
تحدثنا العديد من العقول النيرة عن ظهور روبوتات في المستقبل سيكون لكل واحد منها شخصيته المستقلة. وتُقدَّمُ لنا اليوم بالفعل حيواناتٌ أليفة صغيرة لترافقنا، وهو مجال يتفوق فيه اليابانيون، إذ أطلقوا أجهزة تاماغوتشي Tamagotchi، ثم الشركةُ البريطانية CyberLife التي طرحت في الأسواق، في عام 1996، آلات أطلِق عليها اسمُ النورم norn، وهي عبارة عن أطفال رضَّع رقميين، يرتكزون على عمليات حسابية جينية، وينمون على شكل مستعمرات في عالم ألبيا، وهو عبارة عن بيئة لعبة رقمية اسمها مخلوقات، حيث يتعين على مالك الرُّضَّع المذكورين مساعدتهم على التكيف والتوالد والتزوّد بالطعام والدفاع عن النفس، وما إلى ذلك. ولهذه المخلوقات الاصطناعية قدرة على التعلم وأخذ المبادرة بكل حر، ما يعطيها استقلالا نسيبا. ويصف لنا مخترعها ستيفن غراند Stephen Grand الذي يعتقد أنه، على هذا النحو، قد اخترع نموذج بيئة حياةٍ اصطناعية وعالما مُدهشا. فقد اتخذ النورم الأول مبادرة التكاثر، عن طريق وضع بيض في الحاضنة، في حين كان مخترعُه كان قد ذهب ليتناول الغداء. وبعد عودته، وجد ألبيا تعج بالنورمات! وإضافة إلى خوف ستيفن غراند مما رأى، فقد حكى ما يلي: لقد فاجَأْنَا مخلوقين وهما يتسليان بتبادل رمي كرة، وهو أمر مخيف جدا لأننا لم نبرمج هذه المخلوقات أبدا على مثل هذا السلوك: لقد طورته بنفسها. نحنُ لا نملك أية فكرة عن عواقب ما قُمْنَا به (…) وتشكل النورمات ما هو أقرب ما يكون إلى شكل جديد من أشكال الحياة على كوكب الأرض. فسلوكها ليس مبرمجا، وهي تستطيع أن تفكر، وأن تتوالد، بل ولقد تمَّ تصميمها على نحو يسمح بالانتقاء الطبيعي – والانتقاء الطبيعي يؤدي إلى التطور. أوه! ألبيون الغادر! لحسن الحظ أن الأمر لا يعدو مجرد لعبة، ولكن شركة CyberLife تعدُّ تطبيقاتها الصناعية.
وتقوم صناعة الروبوتات أيضا بتطوير أجهزة استشعار شديدة الحساسية تعمل باللمس (l’hapatique)، ويحدث هذا في عدد من المختبرات بما فيها جامعة ستانفورد وماساتشوستس (نموذج فانطوم للتكنوجيات الحسية SensAble Technologies) .

وفوربيات أخرى…
ثمَّ يأتي اليابانيونَ بالأجهزة التي أطلقوا عليها اسم فوربي Furby، وهي عبارة عن روبوتات تقتضي عناية كبيرة، مثل الحيوانات الأليفة، وتُصدر سلسلة من ردود الفعل النفسية الزائفة. والفوربيات تتكلم لغة غير مفهومة يمكن لأي شخص أن يفسرها وفقا لرغباته، وذلك بقيامها بضروب من المحاكاة الصوتية مثل: مي مي موولو، آه لوه ! كما تلوِّح بالأذنين، وتتسمح بمن يربت على جسمها؛ وهي مبرمجمة على التقلب لكي لا تولِّد رُدود الأفعال المتكررة جدا في مالكها الشعورَ بالملل والرتابة. ويدل نجاحها التجاري على حاجة أصدقائنا الآسيويين إلى التواصل الوجداني. وقد سوقت شركة سوني، في عام 1999، بسعر 2000 دولار، نوعا من كلبٍ حكيم يُدعى أيبوAibo (روبوت ذكي اصطناعيا Artificial Intelligence Robot – وتعني هذه الكلمة في اللغة اليابانية أيضا «رفيق»)، يمكنكم أن تتظاهروا باللعب معه، وهو مجهز بكاميرات وميكروفونات، وأجهزة كشفٍ للحرارة، وحاسبات عن بعد تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة استشعار التسارع، وأجهزة توجيهية، وأجهزة اتصال، الخ.، كما أنه يتحرك بطريقة مَرنة جدا كما لو كانَ قد بُرمِجَ ليُعبِّرَ لكم عن إحساسه، فيقصدكم وهو يهز ذيله، الخ.، وينبح للفت الانتباه، ويجلس على ظهره، ويخدش أنفه، ويلعب الكرة، ويعرف كيف يتحاشى الاصطدام بالجدران، ويغيّر لون عينيه حسب مشاعره، كما يعرف كيف يعبر عن إحساسه بالجوع (يُطابُ بشحن بطاريته…). أما الجيل المقبل منه، فسيكون قادرا على فهم عدد من الرسائل الإنسانية، وإحضار صحيفتكم، والتعرف على سيده، ولحس وجوهكم. ولم يُقل لنا ما إذا كانت أجهزة الجيل الثالث منه ستعرف أيضا كيف تُزَيِّنُ شوارع باريس بتذكاريات نموذجية، كما لو كانت كلابا حقيقية… وسيكون هذا الكلب الاصطناعي هو الأول في سلسلة من الحيوانات الصغيرة المرافقة التي يمكن تغيير برمجتها بسهولة. وتأمل شركة سوني في أن تلجَ بهذا المنتج سوقا تقدر بنحو 40 مليار دولار. وبالطبع، فتكلفة القط أو الكلب الحقيقيين أقل بكثير، كما لهما من القدرات ما يفوق بكثير ما تخطط سوني لتطويره؛ ولكن الإيمان بأسطورة الروبوت يُعطي لمالك حيوان من الألمنيوم انطباع قوة ونجاح اجتماعي يعجز عن توليده أي كلب أو قط حقيقيين ولو كانا من عرق أصيل.

المنزل الذكي
على صعيد آخر، ولكنه ينتمي إلى أسطورة القوة البشرية نفسها، يقترح علينا أربابُ الصناعة المنزلَ الذكيَّ، حيث تضمن الأتمتة اشتعال الأنوار على خطواتكم، وسيلان مياه الحمَّام لدى عودتكم من العمل، وإيقاظ رائحة الخبز المحمص والقهوة لكم بموسيقى هادئة في الصباح، واشتغال محرك سيارتكم في المرآب في وقت خروجكم، وقيام جهاز الفاكس بتسليمكم صحيفتكم الملونة، وطبعَ تذكرتكم لركوب الطائرة أو دخول المسرح في منزلكم، وتولِي ثلاجتكم بإخباركم بما يتعين عليكم أكله من أطعمة، وتلفازكم بما تفكرون فيه، وسريركم بإخباركم مع من تنامون. وباختصار، ستغطي التكنولوجيا الذكية كل أحلامكم المتعلقة بالقوة والرخاء. وفقا لتقاليد السيد م. هيلو M. Hulot ، لجاك تاتي، الجيِّدة في مؤلف زمن اللعب. ولكن هذا الحلم الآن أصبح قضية تجارة. فقد دخلت شركة Sun Microsystems، بطلة الشبكة التكاملية، في شراكة مع العديد من الشركات متعددة الجنسيات لعرض الشبكة المنزلية الكاملة التي تدمج كل الأجهزة الإلكترونية وتتحكم فيها، من خلال ربطها بخادم مركزي يديرها وفقا لنمط حياة كل واحد، ويمكِّنكَم من البقاء على اتصال دائم به بواسطة هاتف الرقمي من أي مكان تقريبا في العالم. وبالتالي، ستتيحُ لكم التكنولوجيا أن تتحكموا في برامج أطفالكم التلفزية، وتذكركم بتوقيت عيد ميلادكم، وبموعد دفع ضرائبكم أو إجراء فحوصاتكم الطبية السنوية.
وهذا ما يُطلق عليه أيضا اسم الأشياء الذكية.

الأشياء التي تتواصلُ
وإذاً فنحن ندخل عالما سحريا نموذجيا. تصف لنا مقالة صادرة في وكالة الأنباء الفرنسية عام 1999، الاختراعات الجديدة التي يشتغل عليها باحثون معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بدعم من شركات موتورولا، و آي بي إم IBM، والخطوط الجوية البريطانية، وتليكوم الألمانية، الخ. وها هي تأتي فرشاة الأسنان التي تكشف عن التسَوّسَات، فتتصل على الفور بطبيب أسنانكم للحصول على موعد، من خلال استشارة مفكرة أرقام هواتفكم الشخصية. هذه الكائنات الذكية اصطناعيا – أوالأشياء العاقلة – المتصلة فيما بينها وبالعالم عبر شبكة الإنترنت سوف تجعل حياتكم أسهل، وكما لو كانت عبارة عن عبيد أذكياء ومسخرين بالكامل لخدمة باشا أو أمير.

المساعدون الشخصيون الرقميون:
تتصل الأجهزة المساعِدة الرقمية الشخصية ANP – أو المساعِدات الرقمية الشخصية – بنظيرتها الموجودة في بيئة عملكم الشخصية أو في البيت، وكذلك بكافة الأشياء التي تتواصلُ في بيئتكم المباشرة أو عن بُعد، وتتأكد من أداء سائر مهامكم، وتحقيق كل رغباتكم، ومن حمايتكم، الخ. لا حاجة إطلاقا للإغواء: فمساعدكم الرقمي الشخصي سيتأكد من الاتصال مباشرة بالمساعد الرقمي الشخصي للشريك الذي يجذبكِ أو الشريكة التي تجذبكَ. أفضل من ذلك: فهو سيختاره (أو سيختارها) وفقا لتوافق جميع أذواقكما، وسيسلم له (أو لها) هدايا، ويدعوه (أو يدعوها) لتناول وجبة عشاء، وسيتحقق من حالتها (أو حالته) الصحية، وحسابه (أو حسابها) المصرفي، وما إلى ذلك. سيُسهَّلُ كل شيء: والمجهود الوحيد الذي يبقى في متناولكما هو أن تقوما بالجمَاع ناسيين للحظةٍ مساعديكما الرقميين الشخصيين. هل أنا مُبالغ في كل هذا؟ لنقرأ معا الصحيفة: بوصولكم إلى المكتب، سيتصل مساعدكم الرقمي لشخصي بجهاز الكمبيوتر الخاص بكم، وينقل له الملفات والرسائل البريدية الإلكتروني الجديدة. وفي الاجتماع، يمكنكم أن تعرضوا على شاشة ما هو مُخزَّنٌ في مساعدكم الرقمي الشخصي، ونقل تقرير إلى المساعدات الرقمية الشخصية لزملائكم.
هل عدتكم إلى منزلكم؟ حسنا، ها هو الباب يُفتَح أوتوماتيكيا، توقَدُ المصابيح أوتوماتيكيا، تُبَرمَجُ درجة الحرارة طبقا لاختياركم المسبق، وتُضافُ مواعيدكم إلى المخططات الإلكترونية لجميع أفراد عائلتكم.
تصلون إلى المطار. انتهت الطوابير المصطفة أمام الشبايك حجز التذاكر، إذ سيتصل مساعدكم الرقمي الشخصي بحاسوب الشركة الجوية ويمنحكم تذكرة إلكترونية، فيمكنكم صعود الطائرة مباشرة.
لدى الوصول، تضطرون لإجراء مكوكية من الطائرة: يقوم مساعدكم الرقمي الشخصي بإبلاغ شركة الرحلات بأنكم تنوون استئجار سيارة، فتجدون أنفسكم أمام شبابيك شركة التأجير. يقترح عليكم مساعدكم الرقمي الشخصي أيضا الفندق الأقرب أو الأنسب لذوقكم. عند الوصول إلى الفندق، يتم تسجيلكم أوتوماتيكيا، وتحميل مفتاح إلكتروني في مساعدكم الشخصي الرقمي، وباقترابكم من الباب، يُفتَح تلقائيا.
وبالطبع، فسيارتكم تعرف أين أنتم، وما إلى ذلك ( IBM.99 ) .

الذبابة الحضَرية
الذبابة الحضرية هي حشرة تجسس صممتها وزارة الدفاع الأمريكية، اسمها روبوفلي Robofly، ويُتحكَّمُ فيها عن بُعد. جسمها من الصُّلب المقاوم للصدأ، تزن 43 ملغ، وجناحاها يرفرفان 180 مرة في الثانية. يقال إنها ستكون جاهزة للعمل ابتداء من عام 2004. هيا، أعدوا مبيداتكم القاتلة للحشرات!

الصراصير اليابانية
ألم تروقكم فكرة الذبابة؟ حسنا، فقد فضل اليابانيون الصراصير في عام 1997، إذ يقوم باحثون من جامعة طوكيو بزرع أقطاب إلكترونية في الجهاز العصبي لهذه الحشرات فائقة القوة، بحيث تكون الأقطاب متصلة بمُعالج حسابي يتيح التحكم عن بُعد في تحركات الصرصور، فيؤمر بالتوجه إلى اليمين أو اليسار أو الخلف. ويرى البروفيسور شيموياما أنه يمكن تجهيز الصراصير بكاميرات صغيرة جدا، لإرسالها إلى أي مكان في مهمة استطلاعية (تحت أنقاض الزلازل، على سبيل المثال)، أو التجسس …

حاسوب بدولار واحد
في عام 1999، أعلن هـ. شريكامار H. Shrikamar، وهو أخصائي في الأتمتة بجامعة ماساشوستس، أنه قد صمَّمَ جهاز كمبيوتر صغير، في حجم رأس عود ثقاب، سيمكن بيعه بدولار واحد، له قوة أداء مساوية لحاسوب مستهل تسعينيات القرن الماضي! ويمكن للمرء أن يتصور أنَّه سيُمكنُ وضع جهاز بهذا السعر وهذا الحجم في أي مكان، وداخل أي آلة، وأي شيء منزلي؛ داخل الملابس، وتحت جلد كلبكم، تحت جلد أطفالكم أو زوجاتكم، وما إلى ذلك. وسيكون قادرا على التواصل مع الآخرين عبر شبكة الإنترنت! آنذاك، سيصير في إمكاننا أن نعيش داخل الاستيهام الكلي: استيهامُ عالم واقعي رقمي بالكامل! وهذا الباحث ليس هو الوحيد الذي يعلن لنا عن الظهور المرتقب لمثل هذه الأجهزة فائقة الصغر… بالتالي، فهناك كل فرص انتشارها. وعندما سيحصل ذلك، سوف ننتقل من الاستيهام الرقمي إلى الكابوس الرقمي.

السحر الأبيض
لكن المنزل الذكي يرمز الآن للتطلع الإنساني عند الأثرياء إلى نمط حياتي يكون فيه كل شيء أليفا وتحت الخدمة، وهو ما لا يستطيع ضميرنا الأخلاقي تقبله والتسامح معه إذا كان هذا الضمير إنسانيا. والفكرة ليست جديدة … فهي ترمز، على الصعيد المنزلي الأليف، إلى إرادة الإنسان وسلطته نفسها على صعيد العلم. بل إنها تعني الأوهام نفسها، والطموحات فوق الإنسانية وفوق الحدود نفسها.
لقد اكتملت الدائرة: تذكر التكنولوجيا، في هذه المرحلة، بقدرات السحر الأبيض البدائية التي تدعي مساعدتنا.
لكنها يمكن أيضا أن تنحو وجهة السحر الأسود…

هرفي فيشر
ترجمة محمد أسليـم
النص الأصلي:

Pensée magique et intelligence artificielle –

وهو الفصل 14 من كتاب المؤلف: تحليل أساطير المستقبل. النظرية والخيال، ويمكن تحميله كاملا من الرابط:

Hervé Fischer, Mythanalyse du futur. Théorie et fiction –

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأحد 23-03-2014 11:16 صباحا

الاخبار العاجلة