سياق ظهور النص التشعبي
وُلدت فكرة النص التشعبي في ذهن فانيفار بوش خلال الحرب العالمية الثانية. فقد رأى أنه يتعين على هذه الأداة أن تساعد الباحثين على تنظيم المعلومات واسترجاعها، كما رأى أن أدوات التخزين والأرشفة في وقته كانت قد صارت غير كافية مقارنة مع ما كان يُنشر ويُبلّغُ في كل يوم… إذا أصبحت كمية المعلومات أكبر من أن تعالجَ على نحو فعال. بالإضافة إلى ذلك، كان التخصص الشديد للعلوم قد صار عائقا أمام التداخل المعرفي الضروري للعلم والتقية.
وهذه المشاكل لا تزال تحتفظ براهنيتها إلى اليوم، إذ يشكل الانفجار الوثائقي ظاهرة مميزة لوقتنا الحاضر. وكما يلاحظ هوبيرت فوندان، «خلال عام 1985 وحده، بلغ عدد الوثائق المنشورة ما يعادل مجموع ما صدر منذ النهضة الأوروبية حتى عام 1976…». وحسب فولدان دائما، «انتقل عدد مقالات البحوث من 000 800 مقالا في عام 1957 إلى 000 250 1 مقالا في عام 1960 ليبلغ مليوني مقال سنة 1969». وبالمثل، صارت العلوم فائقة التخصصات أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد تربط بين باحثي مختلف التخصصات سوى صلات ضئيلة.
يبدو النص التشعبي، في هذا السياق، بمثابة الأداة المثلى التي إن لم تحل بعض سلبيات هذه الظواهر فهي على الأقل يمكنها أن تخفف منها، لذلك أنََّ النص التشعبي يتيح تحسين تخزين المعلومات، وتصنيفها والبحث عنها، من جهة، ويتيح من جهة أخرى، إنشاء روابط بين مجالات للبحث متباينة ولكنها متكاملة، وباختصار فهو يتيح تسهيل معالجة الأفكار وإيصالها…
النص التشعبي والحاسوب:
رغم أن النص التشعبي كان، في ذهن فانيفار بوش، عبارة عن نظام ميكانيكي فالمعلوماتية هي التي أتاحت إنجازه الفعلي.
يرتبط تاريخ النص التشعبي ارتباطا وثيقا بتاريخ الحاسوب. من الصعب تصور إمكانية التوصل إلى صنع نظام نصي تشعبي حقيقي ميكانيكي… فالتطورات المحرزة في تحقيق أنظمة نصية تشعبية تقوم على نظيرتها التي حققتها المعلوماتية (إيجاد معالجات قوية لتدبير كميات هائلة من معلومات بعض النظم، قدرة تخزين هامة، الخ)…
تعتبر بعض مجالات البحث في المعلوماتية أساسية أكثر من غيرها لإتقان إنشاء النصوص التشعبية. وعلى سبيل المثال، فالأعمال المتعلقة بالواجهات وسائر الأعمال المتعلقة بالتواصل بين «الإنسان والآلة» هي ضرورية لتصميم النصوص التشعبية وتطويرها. وقد بدأ النص التشعبي يأخذ أهمتيه حقا ابتداء من اللحظة التي صار فيها الحاسوب أكثر ودية (الفأرة، تعدد النوافذ، دمج الأشكال البيانية، والصور، الخ)..
اليوم، يمنح حلول كل من «اجتياح الرقمية لكل مناحي الحياة» والحاسوب «متعدد الوسائط» نفسا جديدا للأبحاث حول النص التشعبي.
النص التشعبي والأدب
في الولايات المتحدة، صار النص التشعبي محبوب الفنانين وكتاب الطليعة. توجد بالفعل أعمال تخييلية وقصائد نصية تشعبية، وتثير اهتماما في الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي. يرى هؤلاء الطليعيون أن النص التشعبي قد يُحرر الكتابة من قيود الكتاب الورقي الخطية. أصبحت التتابعية، والهرمية، واعتباطية التصميم العدو الجديد للـ «أدب». يمكن للنص التشعبي أن يتيح التعبير عما يستحيل التعبير عنه على الورق: ضربة الحظ، والعماء، والتلاشي، والمصادفة، وما إلى ذلك.
حول هذا الغليان الفني السوريالي يفكر نقاد أدب وجامعيون في الخصائص الأدبية والفنية للنصية التشعبية، وتناقشُ موضوعات عديدة بعضها معروف لدى من له ولو اطلاع قليل على تاريخ الأدب.
أول تلك الموضوعات موضوعة «موت المؤلف» العزيزة على أنصار ميشال فوكو وبنيويين فرنسين آخرين، إذ مع النص التشعبي استعاد هذا الموضوع حيويته بعد أن سبق التطرق إليه بكثرة في فرنسا خلال ستينيات القرن الماضي. يبيِّنُ الباحثون في النص التشعبي أن ظهور أدب تشعبي سيُرافقه بالضرورة تغيير في الذهنية تجاه مفهوم «المؤلف»، وهم يستدلون على تأكيداتهم بكون مفهوم المؤلف هو حديث نسبيا في تاريخ الأدب: فقد ولد مع اختراع الكتاب المطبوع، إذ لم يكن «المؤلف» موجودا من قبل، على الأقل ليس بنفس الطريقة. في العصور الوسطى، كان دور الناسخ أهم من المؤلف. بالإضافة إلى ذلك، كان الكتاب آنذاك في أغلب الأحيان عبارة عن تجميع عدد من النصوص لمؤلفين عدة تتناول مواضيع مختلفة. أما «حقوق» التأليف والنشر فلم تظهر إلا حديثا نسبيا (القرنين XIX وXX).
وظهور أدب تشعبي سوف يحطِّمُ مفهوم «المؤلف» مقدار ما يكون النص التشعبي الواحد من إنتاج «قارئه» و«مؤلفه» على السواء، ومن ثمة سيختلط المفهومان فلا يعودان يشكلان سوى مفهوم واحد هو: «المؤلف-القارئ». من ناحية أخرى، بما أنَّ الأدب التشعبي بحكم تعريفه يُقيم في الشبكة ويُمارسُ فيها فهو سيشتمل على «المؤلفين-القراء» والأشخاص الذين سيصلون إليه على السواء، وبالتالي بما أنَّ النص التشعبي متعدِّدٌ ويُشكل موضوع مشاركة وتقاسم، فهو كيان متلاش بحيث من العبث (والمنافي للعقل) أن يُراد نسبته إلى «مؤلف» بعينه.
بالموازاة مع «موت المؤلف»، اختفت «وحدة العمل» هي الأخرى. هنا أيضا يُخرجُ أتباع النص التشعبي مواربات قديمة عزيزة على سيميائيينا وبنيويينا الفرنسيين أمثال بارث وفوكو، ويستخدمون مرة أخرى تاريخ الأدب لإظهار أن «وحدة العمل» تعود تاريخيا إلى فترة محددة (اختراع الطباعة مرة أخرى)، وأنها بالتالي ليست مما يدخل ضمن الكليات الخالدة التي كانت موجودة دائما وستظل موجودة على نحو ما هي عليه إلى الأبد. والدليل على ذلك أن النص التشعبي، بحكم تعريفه، لا يمكنه أن يتوفر على وحدة لأنه قابل للتطوير إلى ما لانهاية، ومتحرك وقابل للتحويل والتغيير. فبإمكان أي شخص وهو «يقرأ-يكتب» نصا تشعبيا في الشبكة أن يضيف إليه روابط ونصوصا وصورا وأصواتا، وباختصار بإمكانه أن يجعل من النص شيئا مختلفا تماما مع بقائه هو نفسه… يُحيل انفتاحُ النص التشعبي، وقابليته للتشارك، وإمكانية تعدد «قراءاته-كتاباته» «وحدَة العمل» إلى خرافة وهراء مثل خرافة الكتاب و«مؤلفه» و«قارئه».
على النقيض من «وحدة العمل»، أصبح تعدد المعاني وخصوصيات العمل من السمات الأساسية للأدب التشعبي. ليس للنص التشعبي معنى واحدا وإنما تعددية من المعاني الممكنة (يحب أتباع النص التشعبي كثيرا جويس، وباوند، وبورخيس وغيرهم…). يمكن القول عن النص التشعبي إنه يعني الشيء ونقيضه: يحتمل النص التشعبي – الأداة المضادة للمنطق والكارولية بامتياز – التناقض الذاتي جيدا، بل ويفضله. وأهم من ذلك، أنّ للنص التشعبي خاصية بلوغه حدا لا يمكن فيه للشخص الواحد أن «يقرأ-يكتب» النص التشعبي نفسه، ومن ثمة توجد نصوص تشعبية بعدد ما يوجد «المؤلفين-القراء». وكما يقول جويس (ليس جويس أوليس، بل جويس مؤلف روايات تشعبية): «خاصية هذا الجانب من النص التشعبي هي أنَّ النصَّ يُكتَبُ بعدد ما يُقرأ».
يتضح جيدا أنه إن صحت آراء هؤلاء الرؤياويين فالنص التشعبي سيُحدث ثورة حقيقية في الأدب. العمل التشعبي هو مؤقت، وسريع الزوال، ومتعدد المعاني، ومتشتت، وخصوصي…
النص التشعبي والفلسفة:
وجد بعض الفلاسفة الأمريكيين في النص التشعبي «Clavis Universalis» جديدا، أي مفتاحا كليا يتيح وصف العالم وفهمه بشكل أفضل…
فمنذ نحو قرن والتخصصات العلمية تتزايد، وهذه الظاهرة تخلق هوة بين الحقول العلمية المختلفة، بحيث صار المتخصص في البيولوجيا الجزيئية غير قادر على فهم خطاب المتخصص في فيزياء الكم…، إذ لم تعد جمعهما مفردات واحدة ولا مناهج واحدة ولا رؤية واحدة للعالم بالخصوص. ويرى بعض الفلاسفة أنَّ هذا الإفراط في تخصص العلوم تقف حاجزا أمام رؤية موحدة للواقع؛ بتقسيم هذه التخصصات العالم إلى عدد كبير من الحقول المنفصلة، فهي تمنعنا من رؤية هذا العالم في شموليته وامتلائه.
يرى مؤلفون أمثال بولطر أن النص التشعبي سيكون الأداة المثلى لحل المشاكل الناجمة عن هذا التجزيء للواقع، إذ هو وحده القادر على إعادة توحيد رؤيتنا للعالم مع الحفاظ على تعدد وجهات النظر التي يمكن أن تكون لنا حوله. والواقع أن النص التشعبي يتيح مضاعفة وجهات النظر التي يمكن أن تكون لنا حول موضوع ما. بعبارة أخرى، إنه يُمَكِّنُ بدون قيودٍ وبطريقة صريحة جدا من عرض مختلف جوانب موضوع ما باختلاف النظرة إليه أو التخصص المعرفي الذي يحَلِّلُه… ومن ثمة يتضح أنَّ النص التشعبي أداة تحليلية بامتياز بقدر ما هي قادرة تماما على شرح الموضوع المرَكَّب أو الحالة المركَّبة. وقد دفعت هذه الخاصية بعض الباحثين إلى القول بأن النص التشعبي قادر على إحداث ثورة في الطريقة التي نبني بها العلم ونفكر فيه، وقادر في الوقت نفسه على إحداث ثورة في طريقة رؤيتنا للعالم وتفكيرنا فيه…
يرى بعض الباحثين في علوم الإعلام أنَّ طريقتنا في رؤية الواقع وتفسيره، وأهم من ذلك طريقتنا في التفكير فيه تتحدَّدَان بالأدوات التي نستخدمها لبناء أفكارنا والتعبير عنها. ويُسمَّى هذا بالمُسَلّمة «الوسائطية». وبإيجاز، تسلم الوسائطيات أن طرق تفكيرنا تتحدَّدُ بتقنياتنا في التواصل وحفظ المعلومات، أو وسائطنا بكل اختصار. هكذا، فالأفراد الذين ينتمون إلى مجتمع شفهي، بدون كتابة، لا يفكرون بالطريقة نفسها التي يفكر بها أفراد المجتمعات التي تعرف القراءة والكتابة. وبدون كتابة، لا يستطيع مجتمع ما أن يطور بعض العمليات المعرفية (أو العقلية إن شئتم…) التي تدخل في نظام المنطق والتفكير المركَّب، الخ. ويستخدم أنصار النص التشعبي هذه المُسَلّمة الوسائطية للتدليل على أننا لا نفكر بطريقة واحدة عندما نستخدم نصا تشعبيا بدل كتاب أو ورقة أو قلم…. وبعبارة أخرى، لا يكتفي النص التشعبي بإحداث ثورة في الأدب والسياسة، بل يمكنه أيضا أن يقلب طريقة تفكيرنا رأسا على عقب!
هناك حركة فلسفية معاصرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالنص التشعبي، هي التفكيكية. ترتكز التفكيكية على أعمال جاك دريدا، وهي منهج لتحليل النصوص وتأويلها أكثر منها فلسفة، ويمكن إجمالها في أنها تمجِّدُ قراءة أكثر تحررا لأي نص مهما كان…، إذ يرى الفيلسوف التفكيكي أنَّ النص لا يحمل معنى في ذاته، وإنما يمتلك تعددية من المعاني يتعين على القارئ اكتشافها أو خلقها، والأساسي في نص من النصوص ليس ما أراد المؤلف أن يضعه فيه، بل تأثيرات المعنى التي يمكن أن يُحدثها النص حسب سياق قراءته وتأويله. وبذلك يكون «تفكيك» النص هو توضيح ما ينطوي عليه من تأثيرات للمعنى و/أو يُحدثه بـ «إخراجه من السياق» دون توقف، أي بقراءته في هذا السياق، ثم في سياق آخر…
يرى بعض المنظرين أنَّ النص التشعبي هو آلة تفكيكية بالدرجة الأولى، إذ بتفضيله للاخطية وجعلها أوتوماتيكية، وتفضيله للتعدد المعنوي والمنظورية، فهو يُوَضِّعُ أفكار التفكيكية مناهجها نفسها. في الواقع، يستطيع النص التشعبي أن يعرض على نحو جيد تعدد المعاني الممكنة التي يتضمنها نص ما، حيثُ بتعديد الوصلات التشعبية للصلات الدلالية بين نصوص عديدة، وبين النصوص والصور، وبين النصوص والرسوم البيانية أو الأصوات، فهي تتيحُ جعل المعاني المتعددة لنص ما تأخذ شكلا «ملموسا»، بحيث تتضح على ضوء الوثائق الأخرى التي يتم ربط هذا النص بها. وهذه الروابط تصرِّحُ في الواقع بما يُطلق عليه نقاد الأدب اصطلاح «تناص» نص ما، أي ما يُشير إليه هذا النص في عالم الآداب، والرموز والثقافة. وبإظهار النص التشعبي لهذه الشبكة الثقافية من الإحالات والمراجع الثقافية فهو يبيِّنُ كيف أنَّ معنى النص يعتمد على ارتباطاته الضمنية أو الصريحة بغيره من النصوص.
النص التشعبي والتعليم:
يتزايد استخدام النص التشعبي في برامج التعليم المدعوم بالحاسوب (EAO)، إلا أن هذا الاستعمال لا يخلو من طرح بعض القضايا، إذ يُجازفُ هذا النص في الواقع بإدخال تغييرات في الطريقة التي نتمثل بها التعليم، والمدَرِّس، وهدف التعليم، والهدف من التربية، بل وحتى المدرسة نفسها.
هكذا، فدور الأستاذ يحتاج إلى إعادة تعريف. كانت مهمة المدرِّس إلى اليوم تتحدد في نقل المعارف والتأكد من أنَّ المتعلمين قد اكتسبوها فعلا، لكن مع النص التشعبي أصبح اكتساب المعرفة أقل أهمية بالنسبة للتلميذ من قدرته على معرفة البحث عنها، وتصنيفها، وتنظيمها والربط فيما بينها، ومن ثمة لم يعد دور المعلم هو نقل المعارف بقدر ما صار هو إكسابُ المتعلم هذه القدرة على البحث عن المعلومات وتنظيمها. يجب عليه أن يُظهر كيفية استخدام كل الإمكانات التي يوفرها النص التشعبي ويعلم كيفية التفاعل معه بذكاء.
النص التشعبي بحكم تعريفه هو جزء مندمج في شبكة، يختفي «الفصل» أو «القِسم» أو يصير بالأحرى «افتراضيا». وحيثُ يتصل التلاميذ بالشبكة عبر حواسيبهم، فلا داعي إطلاقا لأن يوجدوا في مكان واحد ليتلقوا الدرس الواحد في الوقت نفسه. ويشكل تطوير هذا النوع من التعليم عن بُعد موضوع أبحاث هامة تمولها المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
تتطور أيضا شروط العمل في المدارس. يقود جورج لاندو منذ عام 1986 في معهد البحوث في الإعلام والتربية IRIS بجامعة براون تجارب دراسية بالنص التشعبي، ويشرح في كتابه مدى تحفز الطلاب واهتمامهم بهذا النوع الجديد من التعليم. ولاندو أستاذ للأداب، ويبين لنا فائدة النص التشعبي في تدريس الأدب: ففي نظام وسائط تشعبية كبير، يُنشيء لاندو نصا تشعبيا في موضوع معيَّن، ويكون دور الطلاب آنذاك هو إنشاء عُقد وإدراج وروابط إضافية إلى تلك التي وضعها أستاذهم. وفائدة النص التشعبي متعددة: فهو يتيح إظهار مختلف النص الواحد الممكنة، وإظهار التطابقات بين هذا النص وباقي نصوص المؤلف نفسه الأخرى أو نصوص عصره، وعرض السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي والديني لهذا النص، الخ. بالإضافة إلى ذلك، حيثُ يتقاسم باقي أساتذة الفصل الواحد التشعبي نفسه، فلا شيء يمنع الطلبة (والأساتذة) من إنشاء روابط بين دروس مختلف المواد التي تتداخل فيها المواضيع المعالجة. أخيرا، يشجع النص التشعبي على العمل الجماعي، إذ يتبادل الطلاب المعلومات، ويشيِّدُون جماعيا النص التشعبي الواحد، ويستخدمون المعلومات التي تركها سابقوهم….
وكما يشرح لاندو، فالزَّمن الدراسي يتم تدبيره هنا بطريقة مختلفة كليا: لا يُلزَم الطلاب بالتمسك بالبرنامج. على سبيل المثال، لنفترض أنَّ موضوع درس الفلسفة ليوم 25 يناير سيكون هو الحرية. يمكن للطلبة أن يعثروا على الفور على موارد حول هذا الموضوع في النص التشعبي لدرس يوم 20 فبراير المخصص للعدالة أو النص التشعبي ليوم 15 مارس (آذار) المخصص للدولة، ومن ثمة يمكنهم أن يقرؤوا ويفهموا على الفور العلاقات المتعددة بين العدالة أو الدولة والحرية بناء على الروابط الشعبية الموجودة في النص.
في التعليم الذي يتخد من النص التشعبي دعامته الأساسية، يصير المدرِّسُ منشطا أكثر منه شخصا يعرف أمام آخرين لا يعرفون. في المقابل، يكون المتعلمون أكثر نشاطا وأكثر مسؤولية واندماجا في دراساتهم. كما أنَّ ترتيبات العمل هنا ليست واحدة، إذ يكون الاشتغال أكثر تعاونا ومسؤولية وإبداعا.
النص التشعبي والسياسة:
في الولايات المتحدة الأمريكية، يرتبط دُعاةُ النص التشعبي بقوةٍ باليسار الليبرالي… وهم يرونَ النص التشعبي بمثابة وسيط وأداة للثقافة المضادة. بل إن البعض يرى أنَّ النص التشعبي، على مستوى عرض الأفكار والتعبير عنها، إنما هو توضيع للنزعة الفوضوية وإنجاز لها، وأنَّ الكتاب بهرميته الضمنية وخطيته البسيطة الساذجة هو أحد الأسباب (الوسائطية) في القمع المتسبب في الركود. وبتحرير النص التشعبي الكتابة من القيود الورقية، ومن قداسة وسط النشر، ومن أجهزة ومُعدات أخرى لا تقل قمعا، فهو يُحرِّرُ أيضا العقل من الأحكام المسبقة ومن العقائد التوافقية، إذ يتيح ابتكار نوع جديد من الخطاب ونشره بحرية…
وبحلول شبكات الاتصالات من نوع «الإنترنت» وجدت هذه الأفكار نفسها تتكاثر وتتسارع. فالنص التشعبي هو الرابط النصي، أو بالأحرى المفاهيمي، للفضاء وللجماعات الافتراضية. ونحنُ نعرفُ من الأغورا اليونانية إلى الديمقراطية التلفزية بنسختها البرلسكونية، مرورا بالفضاء السري لأدباء عصر الأنوار وعلمائه، نعرف كم تتحوَّلُ وتتطوَّرُ الفكرة التي يكونها الناسُ عن الديمقراطية وتبادل الآراء. يرى أنصار النص التشعبي، من ناحيتهم، في الشبكات نوعا جديدا من الساحة العمومية: هي فضاء عمومي افتراضي، عالمي، نص تشعبي بالطبع، ولكنه أيضا تفاعلي. في هذا الفضاء، ليس هناك تمييز بين المرسل والمتلقي، لأنَّه بإمكان الجميع أن يكون مُرسلا إن أراد. وعلى عكس التلفزيون الذي يؤدي إلى الوسائطقراطية médiacratie (انظر إيطاليا)، قد يساهم فضاء الشبكات الافتراضي العمومي في تبادل حقيقي بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين. وبذلك فبدلا من الفوضوية، يبدو أنَّ النموذج السياسي للنص التشعبي هو الديمقراطية التشاركية.
ترجمة: محمد أسليـم
الأصل الفرنسي للنص:
Hypertexte et Hypermédia
الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الخميس 22-11-2012 11:12 مساء