Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114

Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
م. أسليـم: الرواية العربية الرقمية وقضية المصطلح – محمد أسليـم

م. أسليـم: الرواية العربية الرقمية وقضية المصطلح

1855 مشاهدة
م. أسليـم: الرواية العربية الرقمية وقضية المصطلح

«يحكم النقادُ على الأعمال الأدبية ولا يعلمون أنها تحكم عليهم».
جان كوكتو
تمهيد
بانطلاق الثورة الرقمية في سبعينيات القرن الماضي دخلت المجتمعات المتقدمة إلى مرحلة ما بعد الحداثة. وفيما لم تكتمل ورشات تحديث دول العالم الثالث – وضمنها مجتمعاتنا العربية – تطالبُ العولمة والشومَلة الجميع اليومَ أن يكون في الموعد. هل يتحقق هذا الانتقال – في حالتنا – عبرة طفرة على نحو ما يبشر به البعض(1) أم سنلازم السير بخطوتين، مثلما فعلنا مع الحداثة – ولا زلنا – حيث نضع قدما في الأصالة وأخرى في المعاصرة؟
على صعيد الرواية، بينما بلغت أعمال عربية من الاحترافية والمهنية ما أهلها – عن كل جدارة واستحقاق – لنيل أكبر جائزة أدبية دولية في عالم اليوم (نوبل، نجيب محفوظ، 1989) لازال تأصيل الرواية العربية يشكل أحد ثوابت الحقل النقدي؛ سؤالُ «هل الرواية جنس أصيل أم أنه وافد علينا من الغرب؟» مثالٌ عن وضع قدم في التقليد وأخرى في الحداثة، حيث هناك من يعتبر هذا الجنس داخلي المنشأ وثمة من يعتبره دخيلا، فماذا عن هذا «الطارئ» الجديد المتمثل في «الكتابة الرقمية» أو «الأدب المعلوماتي»؟

1. قلق وبلبلة معممان، تشكل حقل أدبي جديد
مع الثورة الرقمية تحرَّرت الكتابة من سندها المادي وسهُلَ رواجها بحيث صار مجرد امتلاك حاسوب شخصي متصل بالشبكة ومساحة في خادم ما لرفع الملفات ومعرفة أولية بتقنية بناء المواقع (لم تعد ضرورية أمام تطور عروض الاستضافة المجانية التي تقدمها العديد من الشركات اليوم) يعادل امتلاك دار نشر بكاملها، بل يُناظر منبر نشر أقوى في التوزيع من أي دار نشر ورقية. كان لذلك تأثير كبير على الحقل الأدبي لازال يتفاعل تحت أعيننا ووحده المستقبل كفيل بالإجابة عن سُؤالِ مآلِه:
فمن جهة كثرت عملية نشر الأعمال بما جعل «الكتاب» يدخل مرحلة الابتذال، مما دفع إلى تعدد الآراء والمواقف: من متشائم اعتبر الكتابة قد دخلت مرحلة «هشاشة مؤسساتية» غير مسبوقة، فمتفائل رأى في الظاهرة نفسها مؤشرا لبلورة النبوغ الجماعي، فقائل بتحقق الطموح السقراطي لإنزال المعرفة إلى الساحات والطرقات العامة، إلى مؤكد أن الذوق الأدبي نفسه بصدد اجتياز فترة تحول؛
ومن جهة أخرى، من رحم التكنولوجيا نفسها التي حطمت الأسوار التقليدية لمؤسسة الأدب خرجت كتابة لتحقق أحلاما راودت الأدباء على مدى قرون، كحلم إشراك القارئ في عملية الكتابة(2)، والرغبة في تخطي إكراه الخطية وما تفرضه من قيود في التعامل مع مقولتي الزمان والمكان، و«حلم» توظيف الآلة في كتابة نصوص أدبية الذي تعود بداياته إلى عام 1953(3)، لكن هذه الكتابة ظهرت أيضا لمناهضة النظام الأدبي القائم(4). ولهذه الكتابة الناتجة عن اللقاء بين المعلوميات والأدب اليوم أجناسٌ بعضها يعرف تواترا في الإنتاج مثل الرواية التي تستخدم تقنية التشعب، والشعر الرقمي، وآخر انطلق بالكاد مثل «الرواية – الصورة التفاعلية» le roman – photo interactif، وقد يكون المزيد في الانتظار بالنظر للآفاق الكبيرة التي يفتحها لقاء الأدب بالتكونولوجيا.
أول عمل روائي وظف الحاسوب والتشعب ظهر عام 1986 في أمريكا، تحت عنوان «ظهيرة» لمايكل جويس، وكان ثمرة لقاء مؤلفين حول البرنامج المعلوماتي «فضاء الحكي» Storyspace والناشر Eastgate ومؤلف نقدي تحت عنوان «الكتابة الفضائية»(5). عشر سنوات بعد ذلك سيظهر أول نصين فرنسيين هما: «الزمن القذر» لألان شيفو وجيل أرمانيتي وفرانك ديفور(6) و«20% حب زيادة» لفرانسوا كولون(7).
بتخصيص مجلة نيويورك تايمز ملحقها الثقافي ليوم 15 غشت 1993 للنص التشعبي ومؤلفيه، وإعادة نشر مجلة البريد الدولي Courrier International تلك المادة يوم 23 شتنبر من العام نفسه، وتخصيص صحيفة لوموند الفرنسية مقالا لهذا الأدب يوم 1999، تحت عنوان: «الأنترنت: عنوان جديد للأدب؟»، وحصول «الزمن القذر» على جائزة المبدعين الشباب Milia 1996، وتلقي الصحافة الفرنسية لعمل «20% حب زيادة» باعتباره رائدا للرواية التشعبية، بذلك كله تعرَّف الجمهور الواسع على هذا النوع من الكتابة(8).
مواكبة من النقد لهذه الكتابة السردية الجديدة ستشهد الضفة الأخرى من الأطلسي، على يد جورج لاندو بالخصوص، شبه حفرية للبحث عن جذور النص التشعبي، فكانت النتيجة أنَّ معظم نظريات القرن العشرين في حقلي النقد الأدب والفلسفة كانت إما مُبشرة بظهور هذا النص باعتباره العمود الفقري لهذه الكتابة أو ممهدة له: «حوارية» باختين، «جثت» السورياليين «الشهية»، «موت المؤلف» و«تداخل الحقول المعرفية» عند ميشال فوكو، «النص – الشبكة» و«موت المؤلف» عند رولان بارث، «نهاية الكتاب» و«اللامركز» عند دريدا، «جُذروم» جيل دولوز، «تناص» جوليا كريستيفا، بل وحتى «متاهة» بورخيص، الخ. كل ذلك وجد نفسه مشدودا لـ «النص التشعبي» بأكثر من خيط.

2. الأدب العربي الرقمي، النقد الرقمي العربي في مرآة نظيره الغربي
أول نص عربي وظف تقنيات الحاسوب هو «رواية ظلال» الصادرة سنة 2001 من تأليف الروائي الأردني محمد سناجلة الذي بلغ رصيده الآن في الكتابة الرقمية ثلاثة أعمال، حيث أضاف عام 2005 رواية «شات» وسنة 2006 نص «صقيع». إذا تذكرنا ما تردد – خطأ – في منابر ومنتديات عربية أن «شات» هو العمل الأول من نوعه على الصعيد العالمي استخلصنا مسألتين:
أ) الحاجة لكتابة نصوص أدبية غير تقليدية يمكن أن تتولد تلقائيا لدى المبدع جراء احتكاكه بالحاسوب؛
ب) ولادة هذا الأدب في اللغة العربية تمت داخليا، أي خارج أي تأثير وبعيدا عن أي تقليد. يتأكد هذا عبر مئات «الأعمال الفلاشية» الإسلامية المنشورة في مواقع إسلامية عديدة، والتي تتوفر في العديد منها سمات القصيدة الرقمية(9)، بل وحتى بعض سمات السرد الرقمي لاسيما في الأعمال المستوحاة من الحكي القرآني، كقصص نوح ولوط وموسى(10). هذه النصوص لا يُدرجها أصحابها بتاتا في باب الأدب، فضلا عن التقائهم جميعا في نقطة «قتل المؤلف» عبر إخفاء اسمه.
في حدود ما هو معلوم، حصيلة الأدب العربي الرقمي الرسمي في مجال الحكي الآن خمسة أعمال لا غير(11). ومع ذلك أثير حول بعضها ضجيج مضى إلى حد نشوب خصومة وسوء تفاهم تمحور تارة حول التشكيك في هذا المنجز وإخراجه من دائرة «سرديات الحاسوب»(12)، وتمثل تارة أخرى في استنكار «بدعة» توظيف الحاسوب وبرمجيات الفيديو لإنتاج نصوص إبداعية(13)، وأخذ مرة ثالثة شكل استياء ضمني من كثرة الاصطلاحات المستخدمة لنعت الأدب الجديد، ومن ثمة هذه الدعوة لضرورة استخدام موحَّد للأسماء المعبّرة عنه. ضمن هذا المنظور، سيُسعى أحيانا إلى رسم حدود بين مصطلحات، مثل «التفاعل» و«الخيال التشعبي»، أو إقصاء استخدام والإبقاء على آخر، كما في حالة «الترابط» و«التشعب». كأن الأمر يتعلق لدى استخدام المصطلحات السابقة بسوء فهم لها أو بقصور في إدراك معانيها الأصلية والحال أن المرجعية المعتمدة في تفسير هذا المصطلح أو ذاك هي نصوص (أو تعاريف) نقدية غربية وضعها أصحابها استنادا إلى مُنجز نصي، بمعنى أنها جاءت لاحقة لنصوص خرجت إلى حقل التداول وليست سابقة لها. النقد يلحق الأعمال ولا يسبقها. هذا أحد منسيات المحاولات النقدية العربية التي سعت لحد الآن إلى مواكبة الكتابات الرقمية.
أبرز الاستخدامات المتداولة لنعت سرديات الحاسوب العربية المنجزة اليوم هي: «الرواية الرقمية»، «الرواية الإلكترونية»، «الرواية التشعبية»، «الرواية الترابطية»، «الرواية التفاعلية»، ثم «رواية الواقعية الرقمية» وهو مصطلح عربي محض يعبر عن مدرسة خاصة. وبالتقريب بين هذه الاستعمالات نحصل على ثلاثة مصطلحات لا غير، هي: («ترابطية» / «تشعبية»)، («إلكترونية» / «رقمية») ثم «تفاعلية».
لا داعي للقلق من هذه الاستخدامات جميعا؛ فهي لا تبلغ من الكثرة على كل حال نظيرتها السائدة في لغات أخرى للدلالة على هذا السرد الجديد نفسه؛ ففي اللغة الفرنسية وحدها نجد الاستخدامات التالية: «الرواية التشعبية»(14)، «الخيال الشبكي»، الخيال التفاعلي»، الخيال النصي التشعبي»(15)، «رواية الوسائط التشعبية»(16). ها هي خمسة مصطلحات إذن من استخدام المبدعين، يَختزلها ناقد مرموق مثل جان كليمون جميعا في مصطلحي «النص التشعبي التخييلي» و«الخيال التفاعلي»(17). وبضم هذا الاجتهاد إلى سابقه تصير الحصيلة سبعة مصطلحات لتسمية «الشيء نفسه». وإذا انتلقلنا إلى محركات البحث بشبكة الأنترنت وجدنا العمل الواحد يُصنف في أكثر من خانة.
مرد هذه «البلبلة المصطلحية»– إن جاز التعبير – كون اللقاء بين المعلوميات والأدب لازال أوليا، والوضع الاعتباري للأدب الجديد الذي أثمره هذا اللقاء لم يتحدد بعد، والإنتاج لم يبلغ درجة من التراكم تتيح التمييز بوضوح بين أجناس فرعية داخل النوع الجديد. وبكلمة واحدة، فإن هذا الأدب لم يؤسس نماذجه العليا بعدُ. من ثمة، لا داعي للانزعاج من كثرة الاصطلاحات في اللغة العربية لتسمية ما هو بصدد الإنجاز في هذا الحقل. وإن كان لابد، فهذه وجهة نظر في الموضوع:

3. رواية «رقمية» أم «إلكترونية» أم «تشعبية» أم «ترابطية» أم «تفاعلية»؟
3. 1. رواية «رقمية» أم رواية «إلكترونية»؟
يشترك النعتان معا في الدلالة على غياب السند الورقي، أي في التدليل على أننا أمام رواية غير منشورة في كتاب قابل للحمل والنقل، الخ. ولكن ما أن يخضع نص ورقي للرقمنة حتى يكتسب صفة «رقمي»، ثم إن مجرد كتابة نص بمحرر نصوص، كالوورد أو غيره، وحفظه يُكسبه صفة «رقمي». من هذه الزاوية للنظر، يكون اصطلاح «الرقمي» عاما تندرج تحته الكتابة الخطية والتشعبية على السواء. من شأن هذا أن يكون مصدر غموض، لكن هذا اللبس المُحتمل يمكن رفعه بسهولة على ما سنبين في العنصر الرابع من هذه الورقة.
الأمر نفسه يقال عن مصطلح «إلكتروني»، ولكن فيما يركز اصطلاح «رقمي» على طبيعة السند غير المادية يركز رديفه «الإلكتروني» على الحاسوب باعتباره الجهاز الذي تتم بواسطته رقمنة النصوص أو إنتاجها وتداولها. للاصطلاحين معا وجاهتهما لاسيما إذا استحضرنا التعريف الذي يرى الحاسوب «بمثابة “آلة نصية” تنتمي في آن واحد إلى حقول التقنية والسيميائيات والممارسة الاجتماعية و«المستخدمين» (…) ومن ثمة ضرورة تعدُّد التحليل وانكبابه على الأبعاد البرمجية (التقنية) والكتابية (السيميولوجية) للوسيط…»(18).
3. 2. رواية «ترابطية» أم رواية «تشعبية»؟
يشترك المفهومان معا في إبراز طبيعة تعامل السرد الحامل لهذه الصفة مع فضاء الكتابة. جوهرُ هذا التدبير غيابُ الخطية بحيث يمكن أن تبلغ درجة تتعدد معها مداخل القراءة فيتحول التصفح إلى ما يشبه «الزابينغ» داخل النص الواحد؛ فعبر تنشيط روابط الحكي (أو وصلاته) التي تأخذ شكل كلمات أو جمل متناثرة هنا وهناك في أنحائه (تبعا لمنطق يبتكره المؤلف) يتاح للقارئ الانتقال إلى وجهات سردية أخرى أو الوصول إلى حكايات فرعية كلها في نهاية الطاف واجهات من جسد النص العام الذي يستحيل في بعض الأحيان الإمساك به في كليته، أي تستحيل قراءته كاملا.
ولكن كلمة «الترابط» بسيعها إلى إبراز أهم خاصية للنص موضوع الحديث، وهي تلاحم أجزائه عبر «عقد» (أو «روابط» أو «وصلات»، وكلها كلمات مترادفة)، يمكن أن تجازف بعدم الإيحاء بالخاصية القوية الأخرى للنص ذاته وهي التشتت والتشعب والمتاهة.
بالرجوع إلى أصل اشتقاق مصطلح «التشعب»، وهو «شعب»، يتضح أن هذه الكلمة تنتمي في اللغة العربية إلى هذا النوع من المفردات المتصف بسمة طباق المعاني، حيث تعني الكلمة الشيء وضده في آن. يعرف صاحب اللسان «شعب» بـ «الجمع، والتفريق، والإصلاح، والإفساد»(19)، ولإجلاء كل غموض محتمل يسوق حديث ابن عمر: «وشعب صغير من شعب كبير»(20)، ثم يشرحه بقوله: «صلاح قليل من فساد كثير». والمعنيان معا (الجمع والتفريق) يتحققان في هذا النوع من النصوص التي يُصطلح على تسميتها في اللغة العربية بـ «النصوص التشعبية» (أو المتشعبة) مقابلا للأصل الأعجمي hypertexte. علما بأن الترجمة تعود لفريق البرمجة بشركة ميكروسوفت وأصلها موجود في الواجهة العربية لبرامج مثل الوورد أو الفرنت بيج، حيث ما يطلع مقابلا للتعبر الفرنسي insérer un lien hypertexte هو «إدراج وصلة تشعبية»، وربما كانت هذه الترجمة هي مصدر الاستعمال الرائج في مجموع المواقع والمنتديات العربية المعلوماتية التي تعد بالمئات، حيث يقال «وصلة تشعبية» و«رابط تشعبي» ولا يقال بتاتا «وصلة ترابطية» أو «رابط ترابطي». وقد أثير الموضوع حديثا في منتديات الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب فأجمع كل المشاركين في فيه على تعريب hypertexte بـ «تشعب»(21).
3. 3. رواية «تفاعلية»؟
لهذه التسمية ميزة إبراز دينامية العلاقة التي تنشأ بين النص الرقمي وقارئه، حيث لا مكان للحيادية والسلبية والسكون من الطرفين؛ فخلف النص المعروض في الشاشة توجد مجموعة من العمليات الحسابية والبرامج القابلة لإعادة تشكيل الوحدات النصية المعروضة على الشاشة، وأمام القارئ نصّ يطلب أكثر من مجرد عبور علاماته ورموزه بصريا على نحو ما هو معتاد في مطالعة النصوص التقليدية. النص الرقمي التفاعلي يدعو القارئ إلى تنشيط هذا الرابط أو ذاك، وقد يترتب عن كل اختيار الدخول في مسلك جديد للقراءة، بل قد يطلب النص من القارئ القيام بما هو أكثر: أن يتدخل مباشرة في الحكي بالمساهمة فيه أو بإنجاز عملية أو أكثر بدونها يمكن أن تتوقف القراءة أو تتعذر.
بالجملة، يُبرز هذا المصطلح الجانب الآتي من السرد الجديد: النص والقراءة معا هما حصيلتا حركات، متبادلة يتوقف بعضها على بعض، بين جهاز الحاسوب / مجموعة من البرامج، من جهة، والقارئ من جهة ثانية. بدون تدخل القارئ لن يحقق التفاعل بين وحدات البرنامج، وبالتالي تتعذر صيرورة عرض النص، تتعذر إمكانية قراءته. لكن، وفي الآن نفسه، بدون وجود هذه الآلة والبرامج لن يكون هناك نص أصلا. وبما أن هذه الخاصية تتوفر في مجموع النصوص السردية العربية الرقمية فالتسمية تنطبق عليها قاطبة. وحصر الاستخدام على هذا النص دون ذاك يقتضي الدخول في مجال التصنيفات الفرعية للأعمال، تبعا لدرجة حضور خاصية التفاعل فيها، وهذا غير متيسر الآن في اللغة العربية بالنظر إلى صغَر المتن المتوفر.
والخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذه النقطة هي أن هذا التعدد التلقائي للاستخدامات المصطلحية عندنا يطابق ما يجري في سياقات أخرى، ومن ثمة فهو ظاهرة صحية: «كل تسمية تُركز على جانب مُحدد من الأعمال. في فرنسا، لا يولي المؤلفون أية أهمية إطلاقا للمصطلح المستخدَم، إنما العبرة في معرفة عمَّ نتكلم»(22).

4. من الخاص إلى العام، من الجنس إلى النوع
باستثناء مصطلح الـ «hypertexte» الذي لا بأس في توحيد تعريبه إذا دعت ضرورة ما لذلك، لا مانع في استخدام الاصطلاحات السابقة كلها (رواية رقمية / إلكترونية / تشعبية / تفاعلية) للدلالة على النص الذي تجتمع فيه كل هذه الأبعاد؛ فكل تسمية تركز على بُعد، والنص هو هذه السمات مجتمعة.
هل يمكن ابتكار مُصطلح لاختزال هذه الخصائص جميعا؟ أمامَ السؤال ذاته وجدت اللغة الفرنسية نفسها عاجزة عن تقديم أي جواب؛ يؤكد فيليب بوطز، مثلا، وهو دارس ومُبدع رقمي مرموق، أنه لا توجد تسمية قادرة على تلخيص مجموع خصائص الكتابة الجديدة: «ليس بمقدرة أي مصطلح أن يقوم بذلك. ومن هذه الوجهة للنظر، تكون جميع النقاشات الخاصة بالمصطلحات غير مرتكزة على أي أساس»(23). إذا أمكن اعتبار هذا التعذر مشكلة، فقد يكون الحل الأفضل هو الاتجاه رأسا إلى تسمية هذا النوع من الكتابة في انتظار اكتمال تشكل أجناسه والاتجاهات التي ستنشأ داخل كل جنس. في هذا الصدد، يمكن إجراء اختيار ضمن ما هو قائم في ثقافات أخرى(24):
في المجال الأنجلوساكسوني، المصطلحُ المستخدم لوسم الأعمال الأدبية الناتجة عن لقاء المعلوميات بالأدب هو الـ hypertext، ولكن عيب هذه التسمية أنها تُطلق كذلك، وفي السياق نفسه، على أعمال لا يشكل «النص التشعبي» بنيتها الجوهرية.
في السياق الأوروبي، يُستخدم مصطلحا «الرقمية» و«الديجتالية»، بمعنى واحد، للدلالة على الأدب الجديد نفسه. الاختلاف لا يتجاوز حكاية جغرافيا وترجمة؛ في إنجلترا وألمانيا يُستخدم لفظ digital وفي فرنسا يُستخدم مُصطلح numérique؛ ترجمة digital من الأنجليزية والألمانية إلى الفرنسية تتم بـ numérique، وترجمة numérique من الفرنسية إلى الأنجليزية والألمانية تتم بـ digital(25).
ضمن هذا المنظور، يُستحسن تبني مقولة «الأدب الرقمي» لتسمية جميع الأشكال الأدبية الناتجة عن توظيف برامج معلوماتية. هذه التسمية تتيح تجاوز اعتبار «التشعب» (أو الترابط) مكونا جوهريا للكتابة الجديدة، وهو ما لا يتوفر في مجموعة من الإبداعات دون أن يسوِّغ هذا الغياب إقصاءها من حقل الإبداع الرقمي، كما في حالة مجموع القصائد العربية الرقمية المتوفرة اليوم. يمكن لتسمية «الأدب الرقمي» هذه أن تستمد قوتها من نسبة هذا الأدب لعصره، وهو عصر الثورة الرقمية. أما مسألة الخلط ممكن النشأة من اكتساب النص الورقي صفة «رقمي» بمجرد رقمنته فيمكن حلها بسهولة عبرَ تبيين صيغة الرقمنة، وهو ما يجري عموما الآن في الأعمال الموجودة في الشبكة، حيث يقال، مثلا، «ملحمة الأوديسا لهوميروس» (نسخة رقمية بصيغة PDF) أو «رواية إحدى عشرة دقيقة… لباولو كويلو» (نسخة رقمية بصيغة وورد) ولا يقال: «الأوديسا (ملحمة رقمية)» أو «إحدى عشرة دقيقة» (رواية رقمية). ثم تحت هذه التسمية العامة (رقمي)، نُصنف النصوص المنجزة حاليا، فنتميز بين ثلاثة أجناس كبرى هي: «الرواية الرقمية» و«القصة الرقمية» و«الشعر الرقمي»، وذلك في انتظار حصول تراكم في الإنتاج يسمح بتصنيف النصوص، تبعا لسماتها الغالبة، إلى «تفاعلية» و«تشعبية» ووسائط – تشعبية»، الخ.، بل وبتفريع «التفاعل» إلى أصناف، ومثله يقال عن «التشعب» وباقي المصطلحات. علما بأن ثمة تصنيفا يقترحه الناقد فيلبي بوطز على النحو التالي:
«يمكن تصنيف الأعمال في مجموعتين رئيسيتين. الأولى تشمل تلك التي تركز على قراءة النص على الشاشة، والثانية تركز أكثر نظام الاتصال في مجموعه. هاتان المجموعتان قد تتداخلان، لذلك سوف لن نستخدم هذا التصنيف إلا لما يتيحه من سهولة في العرض.
يمكن تفريع المجموعة الأولى وفقا للنصوص السائدة المنشأة في مختلف أنواع الثقافات، رغم أن الأعمال اليوم تنتمي في كثير من الأحيان إلى أنواع عدة، إلى النص التشعبي، الأدب التوليدي، والشعر المتحرك.
أما المجموعة الثانية، فتشمل الأجهزة المعلوماتية، والأعمال الجماعية أو التعاونية، والأعمال المتحمورة حول دور البرنامج»(26).

خاتمـة
يمكن التساؤل عما إذا كان مشكل تسمية الأشكال السردية الناتجة عن لقاء الأدب بالحاسوب لا يكمن في تعدد المصطلحات وإنما في السعي لتوحيد ما قد لا يقبل التوحيد أصلا. للإحاطة بمصطلح محوري ومتواتر الاستخدام، كـ «النص التشعبي» مثلا، يجب الرجوع إلى حقول الفلسفة والمعلوميات والذكاء الاصطناعي والعلوم المعرفية وتاريخ التوثيق فضلا عن الأدب وكبريات نظرياته في القرن العشرين، مما يقتضي من مقاربة النصوص الرقمية التي توظف هذه التقنية تغييرا دائما لمواقع القراءة والفهم والتعبير. وحيث نسعى إلى توحيد الرؤية والفهم والتفسير والكلام، قد نجازف لاشعوريا بإعادة إنتاج ميتافيزيقا الواحد في سياق يقال عنه إنه عالم لـ «ما بعد الحداثة» وإن أهم ما يُميزه انعدام اليقين وتواري الحتمية وصعوبة التوقع وتعدد الأبعاد، الخ. وتقويض مجموعة من الأسس الكبرى التي قام عليها العلم الحديث نفسه(27).
أخيرا، هل يجب التذكير بأن النقد يأتي بعد الإبداع، وأنه بدون أعمال إبداعية لا مكانة للنقد الأدبي بتاتا؟ مهمة النقد، من هذه الزاوية للنظر، يجب أن تكون وصفية تأويلية دون أن تتجاوز التشخيصَ إلى المؤاخذة على ما كان أو إملاء ما يجب أن يكون.

محمد أسليـم

(منتديات ميدوزا، 17/08/2009)
———–
هوامــش
(1) PASCAL RENAUD ET ASDRAD TORRE, «Internet, une chance pour le Sud», Le Monde Diplomatique, Février, 1996.
يمكن الاطلاع على نصه في الشبكة انطلاقا من العنوان:
http://www.monde-diplomatique.fr/1996/02/RENAUD/2308
(2) من هؤلاء: Sterne et Diedrot, Balzac, André Guide, Marcel Proust, Céline, Joyce, Jacques Raubaud. لمزيد من التفاصيل حول الموضوع، يمكن الرجوع إلى كتابات جان كليمون، منها مثلا:
– Jean Clément, «L’hypertexte de fiction. Naissance d’un nouveau genre?»;
http://hypermedia.univ-paris8.fr/jean/articles/allc.htm
(3) في هذا الصدد، يُحال على مقال بوريس فيون: «الروبوت الشاعر لا يُخيفنا»:
VIAN Boris, “Un robot-poète ne nous fait pas peur”, ARTS 10-16, avril 1953 : 219-226.
(4) كان ذلك في أمريكا بالخصوص، حيث ظهر الرابط «بمثابة تفويض قسم من سلطات المؤلف للقارئ». يُنظر:
– Jean Clément, «Hypertexte et fiction: la question du lien», in Actes du colloque Les défis de la publication sur le web. Hyperlectures, cybertextes et méta-éditions;
http://www.interdisciplines.org/defispublicationweb/papers/16/version/original
(5) Jay David Bolter, Writting Space, The Camputer Hypertext and The History of writingm 1991 – 258 pages
(6) Alain Chifot, Gilles Armanetti et Franc Dufour, Sale temps (Cédérom, 1996)
(7) François Coulon, 20% d’Amour en plus, Editions Kaona, Cédérom, 1996.
(8) Aurélie Cauvin, La littérature hypertextuelle: Analyse et typologie, mémoire de maîtrise de Lettres Modernes, Université de Cergy-Pontoise, Département de Lettres Modernes, juin 2001.
(9) من ذلك مثلا عمل «فرشي»، يمكن تحميله انطلاقا من أحد العنوانين:
http://www.islamway.com/flashes/2/farshy.exe
أو:
http://www.midouza.net/prog/farshy.exe
للوقوف على قائمة طويلة من هذه الأعمال، انظر: محمد أسليم، «أعمال إبداعية رقمية إسلامية»:
http://www.midouza.net/vb/showthread.php?t=5746
(10) هذه الأعمال متوفرة في الشبكة بالعنوان:
http://www.islamweb.net/flash/index.htm
(11) بالإضافة لأعمال محمد سناجلة سابقة الذكر («ظلال الواحد»، «شات» و«صقيع»)، هناك عملان آخران، هما:
– «ربع مخيفة» للدكتور أحمد خالد توفيق:
http://www.angelfire.com/sk3/mystory
– «احتمالات (سيرة افتراضية لكائن من زماننا)» للقاص المغربي محمد اشويكة:
http://chouika.atspace.com
(12) أبرز ناقد عربي عبر عن ذلك بوضوح د. سعيد الوكيل في مقاله: «لأن النوايا الطيبة لا تكفي لصنع نوع أدبي جديد: خرافة الواقعية الإلكترونية! ». صدر في أسبوعية «أخبار الأدب، يوم 30 اكتوبر 2005، ويمكن قراءة نصه كاملا انطلاقا من العنوان:
http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/642/0800.htm
(13) أبرز من عبر هذا، وبوضوح، الكاتب والصحفي نبيل سليمان في مقاله: « محمد سناجلة والكتابة الرقمية وتغييب مفهوم الأدب»، مجلة «جذور» (رقمية) بالعنوان نفسه، يوم الخميس 21 ديسمبر 2006:
http://www.jozoor.net/main/modules.php?name=News&file=article&sid=513
(14) Hyper-roman: استخدمه كل من آن سيسيل برناندنبورجيه وفرانسوا كولون لتسمية عمليهما، على التوالي:
– Anne Cécile Brandenbourger, Apparitions inquiétantes;
http://www.anacoluthe.com/bulles/apparitions/jump.html
– François Coullon, 20 % d’amour en plus, roman, Paris, Kaona (Ici et ailleurs, 4 allée des Argelas, 13790 Châteauneuf-le-Rouge, France), 1996, un cédérom.
(15) على التوالي: Cyber-fiction وFiction interactive وFiction hypertextuelle: واستُخدمت مجتمعة من لدن ألان صالفاطور لتصنيف عمله:
– Alain Salvator, Ecran total;
http://alain.salvatore.free.fr/
(16) Roman hypermédia: واستخدمته لوسي دو بوتينييه لوسم عملها:
– Lucie de Boutinym, NON-ROMAN;
http://www.synesthesie.com/boutiny/
(17) على التوالي: Hypertexte de fiction وFiction interactive. مما يمكن الرجوع إليه في هذا الصدد، على سبيل المثال:
Jean Clément, «Hypertexte de fiction: naissance d’un nouveau genre?»:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/jean/articles/allc.htm
– Jean Clément, «Fiction interactive et modernité»:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/jean/articles/litterature.html
(18) Emmanuël Souchier, «Lorsque les écrits de réseaux cristallisent la mémoire des outils, des médias et des pratiques», in Actes du colloque Les défis de la publication sur le web…, op.cit.;
http://www.interdisciplines.org/defispublicationweb/papers/18/version/original
(19) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، 1300 هـ، مج. 1، (مادة: شعب)، ص. 497.
(20) نفسـه.
(21) عنوان هذه الساحات هو:
http://www.arabswata.org/forums
(22) Phillipe Botz, Les basiques: la littérature numérique (Qu’est-ce que la littérature numérique?)
http://www.olats.org/livresetudes/basiques/litteraturenumerique/basiquesLN.php
(23) نفسـه.
(24) نفسـه.
(25) نفسـه. في فرنسا، إلى جانب مصطلح numérique littérature الشائع، توجد استخدامات أخرى أهما: cyberlittérature وlittérature électronique، وlittérature ergodique.
(26) Philippe Bootz, Qu’est-ce que la littérature numérique?
http://www.olats.org/livresetudes/basiques/litteraturenumerique/1_basiquesLN.php
(27) لمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع، يمكن الاطلاع على الأدبيات التبسيطية لنظريات مثل «الفيزياء الكوانتية» التي تنتمي إليها التكنولوجيا المعلوماتية من زاوية اتنمائها إلى إلى العوالم اللامتناهية الصغر، و«نظرية العماء»، و«نظرية الأوتار) Théorie des cordes».

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الثلاثاء 04-09-2012 09:26 مساء

الاخبار العاجلة