تتيح ورقة عمل هذه الندوة التقاط ثلاثة مفاهيم تقع في صلب الراهنية، وهي: الرقمية، الإعلام والثقافة، وستشكل محور هذه المداخلة التي تتمحور حول الفكرة البسيطة التالية: نحن في مجتمع يباشر، كسائر مجتمعات دول العالم الثالث والجنوب عموما، الخطوات الأولى في عملية التحديث، مما يعني عدم اكتمال عصرنة جميع قطاعاته ومؤسساته بعد، بل إن مجموعة من هذه المؤسسات لا زالت قيد التشكل لا غير، لكنه يشهد الآن مداهمة تحولات قسرية كبرى تفد إليه من المكان نفسه الذي داهمتنا منه الحداثة، وهو الغرب الذي يطالب سائر المجموعات البشرية اليوم الانخراط في عملية ما يسمى بـ « ما بعد الحداثة». فهل يكون هذا مناسبة لحرق المراحل عبر إجراء طفرة تتيح تدارك ما فات الوصول إليه على نحو ما يتحدث البعض عندما يعتبر الرقمية فرصة جديدة أمام دول الجنوب للحاق بالغرب أم سنخطئ هذا الدخول مثل سابقه؟ للاستجابة لهذا النداء، أيجب التخلي عن الورشات المفتوحة أم يتعين إغلاقها لفتح أخرى جديدة أم يجب العمل على واجهتين: واجهة مواصلة التحديث مع الدخول في ما بعد الحداثة في آن؟ لا تزعم هذه الورقة الإجابة عن هذه الأسئلة ولا تقديم وصفة سحرية للخروج من مأزقنا الجديد، وفي المقابل ستكتفي بمحاولة وصف بعض مما يجري الآن في القطاعات الثلاثة موضوع التأمل.
1. الرقمية:
بتعريف بسيط هي الثورة الصناعية الثالثة، ومثلما كان للثورتين السابقتين عناوين بارزة للحالية أيضا سماتها الجلية؛
– الثورة الأولى انطلقت باكتشاف الفحم الحجري والآلة البخارية، مما أدى إلى تغيير في إدراك مقولة المكان وفتح الباب أمام التوسعات الاستعمارية الكبرى؛
– في الثانية تم اكتشاف الكهرباء والبترول، ما أدى إلى تغيير في مقولة الزمان عبر البث المباشر بواسطة المذياع والتلفزة، وظهور وسائل نقل جديدة، مما سيؤدي إلى كثافة الاتصال والتواصل وإعادة هيكلة المدن، الخ.
– أبرز ما يميز الثورة الرقمية التي انطلقت منذ سبعينيات القرن الماضي ظهور ما يسمى بـ «الآلات المفكرة» التي يتوقع أن ينجح بعضها في أداء مهام وعمليات ذهنية تفوق نظيرها لدى الإنسان متوسط الذكاء[1]. هذه الآلات تتيح مضاعفة الإنتاج وخفظ كلفته، مما يغرق الأسواق بالمنتوجات الصناعية بشكل غير مسبوق، من جهة، ويخفظ تدخل الإنسان في عمل أهم قطاعات الشغل في الأزمنة الحديثة، وهي الفلاحة والصناعة والخدمات، من جهة ثانية، وبالتالي انتشار البطالة بشكل غير مسبوق أيضا في الأزمنة الحديثة. ثمة من يرى أن الثورة الرقمية ستضع نهاية للعمل البشري المأجور نفسه، مما يحتم على المجتمعات الحالية إعادة التفكير في توزيع الترواث، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى ظهور ثقافة جديدة[2]. وبما أن الرقمية تدشن حضارة جديدة، فحديث النهايات صار يتردد اليوم في كل مكان: «نهاية التاريخ»، «نهاية العمل المأجور»، «نهاية السياسة»، «نهاية الأدب»، الخ.
الحاسوب الذي بدأ انتشاره منذ أوساط السبعينيات ويتوقع أن يتزايد انتشاره بشكل كبير بالنظر إلى أن أحد أهداف ما يسمى بـ «الأهداف الألفية للتنمية» OMD التي صاغتها الأمم المتحدة عام 2000 وضعُ التكنولوجيات الجدية، بالخصوص تكنولوجيات الإعلام والتواصل في متناول الجميع»[3]، نقول: الحاسوب هو أحد هذه الآلات المفكرة. وهو يتجاوز مجرد وسيط إلى كونه جهازا يختزل مجموعة من الأجهزة، ويتيح القفز على مؤسسات عريقة النشأة والرسوخ في المجتمعات البشرية. إليكم بعض الأمثلة:
– ثمة برامج في مجال تعدد الوسائط تتيح للمستخدم الفرد إذا ما تعلمها وأجاد استعمالها أن يمتلك بمفرده ما يعادل استدويو إذاعيا بكامله؛
– ثمة برامج معلوماتية تتيح للمستخدم بمفرده إنشاء محطة بث إذاعي، عبر شبكة الأنترنت، انطلاقا من منزله، تغطي مجموع أنحاء الأرض، مستغنيا ليس عن سائر آليات وطواقم محطات البث التقليدية فحسب، بل وكذلك عن الإجراءات الإدارية والقانونية الضرورية لإنشاء محطة مماثلة في العالم الواقعي؛
– المراسلة بالبريد الإلكتروني تتيح التواصل السريع بين المرسل والمرسل إليه في وقت قياسي، وبتكلفة تكاد تبلغ الصفر، مما يجعل مقارنته بنظيره التقليدي غير واردة؛ لإرسال رسالة بالبريد العادي يجب: تحرير الصفحة، طيها، إدخالها في ظرف بريدي، تحرير العنوان في واجهة الظرف، إلصاق طابع البريدي في الظرف، إيداع الرسالة في صندوق رسائل البريد لتدخل في دورة من التدخلات: الفرز، الشحن برا أو جوا، الإيداع في مؤسسة بريد الاستقبال، الفرز، التسليم لساعي البريد، لتصل أخيرا، وبعد هذا كله، إلى المتلقي. مقابل ذلك، لدى استخدام البريد الإلكتروني، لا يتطلب وصول الرسالة إلى متلقيها سوى تحريرها والضغط على زر الإرسال، وها هو يستلمها في بضع ثوان أنى كان مسكنه في أرجاء الكوكب الأربعة.
وما قيل في الأمثلة السابقة يصدق أيضا على النشر الإلكتروني عبر الحاسوب والشبكة؛ امتلاك جهاز حاسوب ومساحة استضافة صار اليوم معادلا لامتلاك دار نشر بكاملها لبث سائر أنواع الملفات التي ظلت مهمة إيصالها إلى القراء حتى اليوم مقصورة على – بل ومن اختصاص – المطابع ودور النشر الورقية: كتب، مجلات، صحف. أكثر من ذلك، كلفة النشر الإلكتروني هي من القلة بحيث لا فائدة في المقارنة بينها وبين نظيرتها المادية، مما جعل المسألة نظريا في يد الجميع. وكون الشبكة قارة جديدة مفتوحة لكل الناس، لا تعود ملكيتها لأية جهة، فمن الطبيعي ألا تشهد عملية النشر كثافة غير مسبوقة فحسب، بل وتشهد أيضا ما يمكن أن يوصف بـ «الفوضى» و«التسيب» من منظور مصافي النشر التقليدي متمثلة في لجان القراءة بدور النشر وهيآت تحرير الصحف والمجلات. لم يعد إنتاج الخطاب اليوم مقصورا على أهله؛ صار بإمكان أي كان أن يلتقط أحداثا بجهازه الخلوي ويبثها في أحد مواقع مشاركة الأشرطة، مثل اليوطوب والـ myspace والـ dailymotion وغيرها، وها هو يستولي على قسم من عمل الصحافة وهو تقديم الروبورتاج الحي لحدث ما. والأمر نفسه ينطبق على قطاعات الأدب ونشر الخبر سياسيا كان أم ثقافيا؛ بالمثل، صار بإمكان أي كان أن يكتب ما شاء، ويودعه في الشبكة، مقدما إياه بالصفة التي يشاء، ناعتا نفسه بـ «الشاعر» أو «الكاتب» أو «الناقد»، بل وحتى بالصحفي، الخ.
2. الإعـلام
أ) لمحة تاريخية موجزة جدا:
الإعلام بتعريفه البسيط هو تدوين معلومة وإشاعتها في المكان. يرتبط تاريخه بتاريخ الكتابة نفسها، ولكن نشأته الحقيقية ترتبط بظهور المطبعة عام 1448؛ فلكي يكون إعلام لابد من توفر عناصر: الطباعة، انتظام الظهور، وجود جمهور من القراء الفضوليين.
أول منشور منتظم الظهور صدر في فرنسا عام 1631، هو La gazette، ولكن يجب انتظار حوالي قرنين عن ظهور المطبعة لتصدر أول يومية في فرنسا وهي صحيفة لوفيغارو، ومن ثمة يشهد الحقل الصحفي بداية تشكل حقيقية له، حيث ستظهر وكالات للأنباء، وستظهر مهنة «الصحفي» بعد كانت الحدود بين الصحافة والأدب غير واضحة تماما في البداية.
في عام 1917، بلغ مجموع سحب اليوميات الباريزية وحدها 6.5 مليون نسخة.
بيد أن ظهور الراديو سنة 1930 والتلفزة عام 1950 سيعرض هذا القطاع لمنافسة حقيقية، ستشهد ذروتها في الثورة الرقمية التي نعيش بدايتها الآن، وذلك بظهور منافس جديد يدعى بـ «الصحافة الإلكترونية المجانية». هكذا، ففي فرنسا وحها فقدت الصحف الباريزية 12% من قرائها، أي ما يعادل 000 800 قارئ يومي[4]، وفي أمريكا، في عام 2006، سيفقد 000 18 صحفي وظائفهم بسبب التمدد المتزايد للصحافة الإلكترونية في شبكة الأنترنت[5].
ب) المشهد الإعلامي المغربي في الشبكة:
يشكل قطاع الإعلام بالمغرب، وضمنه الإعلام الثقافي، مثالا حيا لما تحدثنا عنه في مستهل هذا العرض، وهو: في غمرة انغماس مجموعة من الحقول في عملية التحديث، بل وحتى قبل اكتمال تشكل مجموعة منها، بحكم جدتها الكاملة، ومنها قطاع الإعلام، يُداهمها إكراه وجوب اللحاق بتحولات ما بعد الحداثة؛
في سياق تتجاوز نسبة الأمية بمعناها التقليدي (عدم معرفة القراءة والكتابة) نسبة 50% من مجموع السكان، مما يعني غياب قاعدة واسعة من القراء تتيح الحديث عن وجود صحافة حقيقية احترافية، وهو ما يعاين واقعيا، حيث لا يتجاوز سحب أول يومية مقروءة في المغرب اليوم 000 186 نسخة (صحيفة المساء). في هذا السياق، يفاجأ قطاع الصحافة قيد التشكل بميلاد الصحافة الإلكترونية المجانية ومنافستها الشرسة للإعلام المكتوب. وبقدر ما يصعب التكهن بما ستؤدي إليه هذه المنافسة يصعب اقتراح حل سحري للخروج من هذا الوضع، ومن ثمة، وقوف هذا التأمل عند حدود وصف ما يجري لا غير:
مجموع مواقع البث الإعلامي المغربية بالشبكة 33 يومية، وهو ما يجعله يحتل المرتبة الثانية على صعيد شمال إفريقيا بعد مصر التي تتوفر على 42 موقعا، ويحتل الرتبة الرابعة عربيا بعد لبنان التي تتوفر على 59 موقعا والعراق التي تملك 50 موقعا، ثم مصر التي لها 42 موقعا[6]. تقتضي هذه الإشارة الإحصائية وقفة لمقارنة حجم الإصدارات الإلكترونية مقارنة مع نظيرتها الورقية، من جهة، ثم مقارنة عدد الإصدارات الإلكترونية بالعدد الإجمالي لسكان كل بلد على حدة أيضا، من جهة ثاية، وهو ما لا نزعم القيام به في هذا السياق. في المقابل نود إبداء ملاحظاتين:
– معظم ما ينشره الإعلام المغربي الرقمي هو إعادة نشر لما يصدر في الورق، ولكن بخصم، إن جاز هذا التعبير؛ باستثناء صحيفة الصباح التي تتطابق نسختاها الرقمية والورقية كل الصحف تحذف العديد من مواد إصداراتها الورقية كما لا توظف تقنيتي الصوت والصورة. الاستثناءات في هذا الباب تتجسد في المواقع الإسلامية وبوابات، مثل منارة، ومواقع صحفية غير مهنية مثل هسبريس.
– جل المواقع لا تجدد أخبارها على مدار الساعة. وسبب ذلك يعود دون شك إلى اعتماد هذه الصحف في بناء مواقعها وتحيينها على معلوماتيين وليس على صحفيين، وهو ما يعكس غياب التكوين المعلوماتي لدى الصحفيين، من جهة، ويولد تبعية معلوماتية تبلغ حد انقطاع تحيين بعض المواقع لمدة طويلة كما في حالة موقع صحيفة «العلم» الذي يوجد منذ عدة أسابيع ظاهريا تحت الصيانة والتطوير وباطنيا ربما في مشاكل أو صعوبات تقنية، وتعذر تصفح مواقع أخرى مثل «الأحداث المغربية» و«المساء» و«بيان اليوم» وملازمة مواقع أخرى مرحلة البناء منذ عدة شهور، كموقع «نيشان»؛
يستنتج مما سبق وجود ما يمكن تسميته بـ «مكان فارغ» في حقل الإعلام الرقمي. هذا المكان الفارغ الذي له نظيره في الفن ويستغله في المغرب شباب ضعيف التكوين فنيا وثقافيا، استحوذ عليه على صعيد الإعلام الثقافي أيضا شباب لا يبدو أنهم ذوي تكون صحفي أو فني. مكنهم من هذا الاستيلاء امتلاك المعرفة والتقنية المعلومياتيين، فأسسوا بذلك منابر نجحت في استقطاب رقميا ما لم تنجح في تحقيقيه معظم الصحف الورقية. باستثناء موقع صحيفة هسبريس الإلكترونية، المحتويات التي تروجها هذه المواقع هي: الغناء والأفلام والبرامج المعلوماتية والدردشة والشات وكرة القدم والفكاهة؛ الموقع المغربي الأول الذي لا منازع له في الوقت الراهن هو موقع «الحيوح» www.hyooh.com المتخصص في الغناء والفيديوكليبات: أقل عدد زيارات شهدها في الشهر الأخير كان 867 642 زائر يوم 25 شتنبر 2007 وأكبر عدد: 774.158 يوم 13 من الشهر نفسه متجاوزا ثاين موقع في الترتيب، وهو «هسبريس» بحوالي 7 مرات.
3. الثقافـة:
تتيح الثورة الرقمية وإحدى أبرز مُلازمتيها في الوقت الراهن، وهما العولمة والشوملة، إجراء مراجعة جذرية لمفهوم الثقافة على نحو ما صاغه الحقل الأنثروبولوجي سابقا. من هذه المراجعات التعريف الذي يحددهها باعتبارها حقلا لتوترات ثلاثة تُضفي عليها (أي الثقافة) صبغة الدينامية: توتر (فرد – جماعة)، توتر (داخل – خارج)، ثم توتر (ماضي – حاضر). />- في الأول يُحدد الفرد باعتباره عنصرا داخل جماعة، ولكن لا يمكن اختزاله إلى حاصل مجموع سمات ثقافة أفراد الجماعة مقسوما على عددهم. على هذا النحو يتم الحديث عن فرد أكثر ثقافة من الآخر داخل الثقافة الواحدة (الروسي الذي يقرأ شكسبير والمغربي الذي يقرأ فوكو، الخ)؛
– في الثاني يتم الحديث عن مجالات ثقافية محددة جغرافيا، ولكن هذا الانغلاق لا يكون كاملا كما يبدو لأول وهلة؛ فالثقافة كانت على الدوام – ولا زالت – حصيلة اتصالات وتفاعلات مع الخارج (حروب، علاقات اقتصادية، تبادل الديانات، النساء، الخ.)؛
– في التوتر الثالث: الثقافة تراكم ماض، ولكن لا حياة لها إذا لم تتطور ولم تنفتح على المستقبل[7].
هذه التجاذبات تشهد اليوم، في سياق الرقمية، حركة قوية بسبب كثرة التنقلات (شمال – جنوب عبر السياحة والاستثمار ثم جنوب – شمال عبر الهجرة)، واجتياح الصورة ووسائل الإعلام السمعية – البصرية لحياتنا. صار اليوم بإمكان الفرد، داخل بيته ومن وراء شاشته، أن ينظم إلى أية جماعة بشرية في أي نقطة من الكوكب، بمعنى أنه صار بإمكانه أن يتواصل مباشرة مع المجموعة البشرية الكونية، وهو ما يرى فيه بعض الباحثين أحد مظاهر تحول عميق تشهده كافة الثقافات البشرية اليوم، يتميز بظهور تقنيات جديدة لتخزين المعارف وإيصالها، من جهة، وبتحول المرجعيات التقليدية للهوية[8]. والأمر نفسه يقال عن التوتر الثاني (داخل – خارج)، حيث زحف العولمة والفرضنة virtualisation يُزيحان بشكل منهجي حدود ما يُسمى بالدولة القطرية المؤطرة بحدود جغرافية مادية كانت إلى وقت قريب هي ما يتيح الحديث عن جهات أو مناخات ثقافية. في هذا المستوى، يمكن طرح السؤال: أين تقف حدود ما هو مغربي عن غيره عندما نكون إزاء منبر ليس له من المغربية إلا جنسية صاحبه في حين يتكون قراؤه وكتابه من خليط من الأفراد متعددي الجنسيات على نحو ما نجد في العديد من المنابر الرقمية وفي مقدمتها المنتديات التفاعلية والمجلات الثقافية الرقمية؟ تتضح هذه النقطة أكثر بالنظر إلى إمكانيات النشر والانتماء الثقافيين المتاحين لرواد الشبكة المغاربة.
ب ) فضاءات وأشكال رواج الثقافة في شبكة الأنترنت:
– قوائم الاتصالات الفردية: تتيح جميع الحسابات البريدية الرقمية للمستخدم إنشاء قائمة عناوين للاتصال، وبذلك يمكنه أن ينشر، وبضغة زر واحدة، أية معلومة ثقافية أو إبداع شخصي إلى مجموع أعضاء قائمة اتصاله ولو عُدَوا بالمئات. هذه الإمكانية مستغلة بكثرة من لدن المغاربة؛
– المجموعات البريدية: خدمة مجانية تقدمها العديد من الشركات، مثل قوقل والياهو ومكتوب. وعبر إنشاء مجموعة أو الانضمام إليها يُتاحُ للعضو الحصول على نُسخة من كل رسالة يبثعها باقي أعضاء المجموعة الذين يمكن أن يبلغوا الآلاف، كما يتاح للمستخدم نفسه أن يُبلغ أي معلومة ثقافية إلى مجموع زملائه برسالة واحدة تصل نسخة منها للجميع؛
– المدونات: خدمة مجانية تقدمها العديد من الشركات، مثل مكتوب وموقع www.blogger.com وغيرهما، تمكن كل فرد من الحصول في بضع دقائق على ما يشبه موقعا جاهزا يمكنه أن ينشر فيه ما شاء (أخبار، شعر، حكي، خواطر، فيديوهات، صور، أغاني، الخ.)، عمليا خارج أية رقابة. هذه الخدمة يستفيد منها المغاربة بكثرة، بل وينتضمون في هيأة لهم تسمى «تجمع المدونين المغاربة».
– مواقع نشر أشرطة الفيديو: تقدمها شركات عديدة، مثل غوغل وMyspace وDailymotion، على أن أشهرها هو موقع اليوتوب الذي يعرفه جل المغاربة للتداعيات المترتبة عن نشر أشرطة فيه استقطبت الرأي العام المغربي (قناص تارجيست، حفل الشواذ بالقصر الكبير؛
– المنتديات الثقافية: تعد بالمئات، وتتيح لكل منخرط أن ينشر أعماله الإبداعية والفكرية والفنية بغاية القراءة والمناقشة بقدر ما تتيح له مناقشة أعمال باقي الأعضاء. هنا أيضا ينتشر عدد كبير من الكتاب والمبدعين المغاربة؛
– الصحف الإلكترونية: هي الأخرى عديدة، والنشر فيها متيسر جدا لمن شاء.
– المجلات الرقمية: عديدة أيضا، وينتشر فيها المغاربة بكثرة، لاسيما في المنابر التي تعرف احتشادا كبيرا مثل دروب وكيكا.
– تجمعات ثقافية عبارة عن خليط من هيئات ومؤسسات ومنتديات، كاتحاد كتاب الأنترنت العرب والجمعية الدولية للمترجمين العرب والمركز الاستراتيجي العربي ومنتدى من المحيط إلى الخليج…
ترتب عن تعدد هذه الفضاءات الناتجة عن هذا المنعطف الكبير المتمثل في ظهور تقنيات جديدة لتسجيل المعلومات وتخرينها وإيصالها نتيجتان أساسيتان على الأقل:
الأول: وجود الخبر في جميع الأمكنة دون أن يكون في مكان بعينه؛ صار من المتعذر مواكبة كل ما يُنشر بقدر ما صار عمليا من المستحيل حصر جميع أماكن تنقل المثقفين والمبدعين مغاربة كانوا أو غيرهم والإحاطة بكل ما ينشرونه. والسبب في ذلك أنه مع حادث الشبكات دخل العالم إلى مرحلة لم يعد يوجد فيها أي مركز سمته الأساسية تدفق المعلومات بما يتيح الحديث عن «الطوفان الثاني»[9].
الثاني: دمقرطة بث المعلومة والخبر الثقافيين والوصول إليهما. بيد أن هذه الدمقرطة وإن كانت إيجابية من حيث إنهائها احتكار مؤسسات ومنابر الإعلام التقليدية الكتابية والسمعية البصرية امتلاك المعلومة ونشرها، فإنها (الدمقرطة) في إتاحتها لأي كان أن ينشر ما شاء، بمنتهى السهولة وخارج أي رقابة، تعيد حقل الإعلام بمعنى ما إلى مرحلة بداية تشكله، حيث كانت تسود النميمية والمشافهة، مما يجعل سؤال المصداقية يُطرح بحدة.
خلاصة:
الثورة الرقمية التي نعيش بداياتها الآن هي بصدد التأثير جديا على عدد كبير من مؤسسات العالم القديم، عالم ما قبل الرقمية. وقطاع الإعلام عموما، وضمنه الإعلام الثقافي، لا يسلم من هذا التأثر الذي تتجلى أبرز مظاهره في ما يُشبه عودة إلى حقبة ما قبل تشكل قطاع الإعلام. هل هو مؤشر نهاية لهذه المؤسسة أم هو بداية إعادة تشكل لهذا الحقل؟
في السياق المغربي، التغيير على صعيد الإنتاج الثقافي عموما، وضمنه الإعلام الثقافي، هو من السرعة والمداهمة بحيث يُدخل تغييرات عميقة على ما لم يكتمل تشكله بعد. نشأة الصحافة المغربية حديثة جدا، وشريحة القراء لازالت ضعيفة جدا، ومع ذلك نجحت بعض الصحف الرقمية في استقطاب من القراء ما لم تنجح في استقطابه معظم الصحف الورقية.
لاستمرار منابر النشر الحالية يجب عليها استغلال جميع الإمكانيات التي تمنحها الرقمية، من تكوين معلوماتي للصحفيين، وتجديد الخبر على مدار الساعة، والتكيف مع البيئة الجديدة لرواج المعلومات، هذه البيئة التي توفر وثائق من الكثرة والمجانية بما يجعل القراءة تأخذ شكل ترحال متزايد من لدن مبحري الشبكة.>
محمد أسليـم
( ورقة ألقيت في ندوة الإعلام الثقافي المغربي. قراءة في تجارب الماضي ومساءلة مشروع المستقبل، تنظيم تنظيم جريدة روافد (ثقافية شهرية)، تطوان 27 اكتوبر 2007)
——–
[1] Jeremy RIFKIN, La fin du travail, préface de Alain CAILL&Eacute, Michel ROCARD, traduit de l’américain par Pierre ROUVE, éd. la Découverte, Coll. La Découverte Poche / Essais, (n°34), 1996 (532p).
[2] نفسـه.
[3] يمكن الاطلاع على النص الكامل لتصرح الألفية انطلاقا من روابط عديدة، منها مثلا:
http://www.aidh.org/mill/decl_millen.htm
[4] معلومات هذه النقطة استقيناها من الإصدار الفرنسي لـ «موسوعة ويكيبيديا» بالأنترنت، مادتي: «Histoire de la presse» و«Histoire de l’information» بالخصوص.
[5] انظر: «الإعلام الإلكتروني يُنزل ‘الصحافة التقليدية’ من برجها العاجي»، منتدى كتاب الأنترنت العرب:
http://forums.arab-ewriters.net/viewtopic.php?t=1673
[6] هذه الإحصائيات مأخوذة من موقع: www.onlinenewspapers.com
[7] Marc Augé, «Culture et déplacement», conférence donnée à l’université de tous les savoirs le 16/11/2000:
http://www.tous-les-savoirs.com/index.php?op=themes&c=372&a=audio
[8] Bertrand Gervais, «Entre le texte et l’écran», Actes du colloque Les défis de la publication sur le web. Hyperlectures, cybertextes et méta-éditions:
http://archivesic.ccsd.cnrs.fr/index.php?halsid=e10sfajdrbk2v7186nkj98fuq4&view_this_doc=sic_00000283&version=2
[9] Pierre Lévy, Essai sur la cyberculture. L’Univers sans totalité. Rapport au conseil de l’Europe:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/pierre/cyberculture/cyberculture.htm>