Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
م. أسليم: ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 05 – حول مفهوم الأشكال ما قبل المسرحية – محمد أسليـم

م. أسليم: ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 05 – حول مفهوم الأشكال ما قبل المسرحية

1272 مشاهدة
م. أسليم: ذاكرة الأدب (في الشعر والرواية والمسرح): 05 – حول مفهوم الأشكال ما قبل المسرحية

1. المسـرح المغـربي ومسـألـة الهـويـة

2. مفهـوم «ماقبل المسـرح» المغـربـي
2. 1. الأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها ليست مسرحا
2. 2. الأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها أشكالا مسرحية
2. 2. 3. الخلفية الأنثروبولوجية لمفهوم الـ «ما قبل»
2. 2. 3. 1. موكب بوجلود
2. 2. 3. 2. سلطان الطلبة
3. نحـو «إثنولوجيا للمسـرح المغربـي»
3. 1. إثنولوجيا الطب العقلي: تجربة للاحتذاء؟
3. 2. المسرح، الأسطورة، المقدس
3. 3. المسـرح، المثاقفـة والتحول الاجتماعي
3. 4. المسرح، الجماعة والفــرد
خــلاصــــة

ستقتصر هذه الدراسة على التطرق لمسألة واحدة يمكن أن تشكل نقطة تقاطع بين كتابي الباحثين المغربيين حسن المنيعي وحسن بحراوي. ويتعلق الأمر بقضية هوية المسرح المغربي التي تؤول في نهاية المطاف إلى مسألة أكبـر هي الهوية المغربية ذاتها كما يقدمها المسرح المغربي على صعيدي الممارسة والخطاب النقدي الذي يُنتج حول هذه الممارسة. وسنتطرق لقضية الهوية هذه من خلال مناقشة مصطلح «ما قبل المسرح المغربي»، لنخلص، من ذلك، إلى أن الكتابين معا يؤسسان لما يمكن تسميته بـ «إثنولوجيا (أو أنثروبولوجيا) المسرح المغربي»[2].

والمصطلح المذكور لا يختص باستعماله الدكتورُ حسن المنيعي والأستاذ حسن البحراوي، بل هو شائع بين عدد لا يستهان به من الباحثين العرب المغاربة (المغاربيين) والمشارقة على السَّواء، يرد استعماله عموما في سياق الجواب عن سؤال: هل وُجد نشاط مسرحي محلي قبل الاتصال بالغرب؟، وإن كان استعماله يتأرجح بين عدة تعابير، فيقال: «الأشكال ما قبل المسرحية» [3] أو «التقليد المسرحي»[4]، أو «الأشكال المسرحية الأولى»[5]، أو «الظواهر المسرحية»[6]. أكثر من ذلك، لا يقتصر مفهوم «الماقبل» على حقل المسرح وحده، بل يمتد استعماله إلى بعض الأجناس الأدبية كالرواية، مثلا، حيث يشيع استخدام مصطلح «الأشكال ما قبل الروائية»[7].

1. المسـرح المغـربي ومسـألـة الهـويـة
وبالفعل، إذا كان موضوع هذين السفرين يبدو في الظاهر محدودا، يتمثل في رسم رحلة هذا المسرح منذ بداياته الغامضة، بهذا القدر أو ذاك، إلى أن اكتسب شخصيته المستقلة التي يمكن وضعها على قدم المساواة مع باقي المسارح العالمية، فإن الموضوع نفسه يلامسُ، من موقعه الخاص، سؤالا جوهريا يتعلق بمسألة الهوية في المغرب الراهـن متمثلة هنا في المسرح، لكنه يلامس أيضا بشكل ضمني هوية ممارسيه. ويمكن صياغة هذا السؤال على النحو التالي: هل المسرح الممارس بشكله الحالي في المغرب فن داخلي المنشأ (endogène) أم هو فن خارجي المنشأ (exogène)، مستورد من الغـرب؟
أي شيء يدعو إلى طرح مثل هذا السؤال؟ أهو انعدام ثقة في النفس أم هو محاولة نيل اعتراف من آخر يفترض أنه لا يعترف بهوية المتنازع بشأنه؟ من هو هذا الآخر؟ أهـو الغرب الذي تفترض له أستاذية وسبق في المسرح أم هو الذات بشطريها معا: شق التقليد الديني الأرثذوكسي الذي مضى إلى حد مصادرة فن المسرح، فحرم التمثيل واعتبر «الممثلين قردة وخنازير» [8]، ثم شق الدولة الحديثة التي طالما اشتكى رجال المسرح من عدم اكتراثها لأحوالهم المادية مما يتضمن استياء من عدم اعتراف بهذا القطاع؟
لا تروم الدراسة الحالية الحسمَ في هذه المسألة العسيرة عُسرَ سائر القضايا المتعلقة بالأصول[9] بقدر ما تطمح إلى تناول كيفية اشتغال مقولة «ما قبل المسرح» في الكتابين المذكورين.
فهما معا يلتقيان في التأكيد على وجود ظواهر ثقافية لهـا صلـة مَّا بالمسـرح، لكن دون المضي في أغلب الأحيان إلى تسميتها بممارسات مسرحية اعتبارا إلى أن المسرح الحقيقي عندهما هو المسرح في شكلـه الإيطالي، وإذن في قالبـه الغربي:
«لا نعرف أي تقليد مسرحي في الثقافة المغربية القديمة باستثناء الظواهر الماقبل – مسرحية التي يمكن اعتبارها البداية الممكنة للمسرح المغربي، والتي انعكست في الطقوس الاحتفالية كـ «البساط» وسلطان الطلبة» وسيدي الكتفي» وغيرها من الطقوس القديمة التي تنتظم في باطن الخيال الشعبي. لهذا السبب يظل المسرح عندنا – وكما هو الشأن في البلدان العربية الأخرى – فنا مستوردا فرض على رواده جملة من السلوكات أهمها احتضانه في شكله الإيطالي ثم تثقيف أساليبه عبر اقتباس النصوص واستيعاب التقنيات السائدة»[10].
وهذا المسرح الإيطالي كان وليد مثاقفـة (طوعية) أخذت شكل احتكاك مع فرق مسرحية شرقية، لكن أيضا وليد مثاقفة (قسرية)[11] تمثلت في إشراف أطر فرنسية على تكوين ممثلين مغاربة (أندري فوازان، ولوكا)[12]. ومن المعروف أن «مشاكل المثاقفة هي أساسا مشاكل للهوية والاختلاف»[13]، وأن قضايا الأصول كثيرا ما تطرح بحدة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن شرعية أو نيل اعتراف[14]
ومسألة الهوية والاختلاف هذه مطروحـة في المسرح المغربي على مستويين: مستوى البحث الأكاديمي ومستوى الممارسة المسرحية ذاتهـا:
– على الصعيد الأول: يفترض في سائـر الدراسات من هذا النوع أن تفرز جوابين متعارضين: أحدهما يجيب بالنفي، فيقول إن المسرح فن دخيل، مستورد من الغرب، وآخر يقول: إنه، على العكس، فن أصيل سبق أن عرفه المجتمع المغربي أو العربي قبل أن تضعه مثاقفة قسرية على اتصال بثقافة الغرب وفنونه. وضمن هذا المستوى الأكاديمي يندرج كتابا حسن المنيعي وحسن بحراوي. علما بأن معظم ما يتضمنه الكتاب الأول سبق أن تناوله صاحبه في سياق أول مؤلفاته الذي يحمل عنوان أبحاث في المسرح المغربي[15]، ثم عاد إليه على عجالة في الكتاب الحالي كما في الدراسة التي خص بها أنطولوجيا المسرح العربي[16] التي أعدتها سلمى الخضراء الجيوسي، الأمر الذي يعني أن مسألة الأصول هذه تشكل أحد ثوابت الدرس المسرحي في المغرب.
– أما المستوى الثاني، مستوى الممارسة المسرحية، فيفترض فيه أيضا أن يقدم جوابين متعارضين: الأول عبارة عن عروض مسرحية تغريبية مأخوذة قوالبها، وربما مضامينها أيضا، من المسرح الغربي. والثاني عبارة عن عروض تتأصل في الواقع المغربي وتوظف مجموعة من الظواهر والممارسات الثقافية المحليـة. وهذا ما يخبرنا به حسن المنيعي جيدا في كتابه الذي نحن بصدده. فمن المسرحيات التي يصنفها ضمن الخانة الأولى يمكن الإشارة إلى تجربة «المسرح العمالي» و«مسرح اللامعقول» عند الطيب الصديقي، و«المسرح العجائبي» عند نبيل الحلو[17]. ومن العروض التي يمكن تصنيفها ضمن الخانة الثانية يمكن الإشارة إلى مسرحيات: «السعد» و«حليب الضياف» للطيب العلج، و«ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب» و«مقامات بديع الزمان الهمذاني» للطيب الصديقي[18].
فيما وراء التأكيد المشار إليه أعلاه، الذي يقـول بأن المسـرح في المغـرب فـن مستورد من الغرب، يمكن التساؤل: ما الجواب الذي يقدمه الكتابان عن هذا السؤال؟ حالما نروم الوقوف على هذا الجانب يطالعنا المؤلفان معا بمقولة «الأشكال ما قبل – المسرحية».

2. مفهـوم «ماقبل المسـرح» المغـربـي
ما أصل هذا المفهوم؟ ما دلالته في الكتابين؟
يمدنا حسن المنيعي بثلاثة مصادر، هي على التوالي:
– «معجم المسرح» لباتريس بافيس: يقصد بما قبل المسرح مجموعة من الطقوس الاحتفالية كالرقص، والغناء، والمرح، والتعبد، والعربدة، والصرع. وهي تنطوي على «عناصر ما قبل مسرحية من خلال ما توظفه من ملابس وشخصيات إنسانية وحيوانات وأدوات، وكذا من خلال ما تقوم عليه من ترميز لفضاء مقدس أو زمن كوني أسطوري»[19].
– كتاب «المسرح والفودو» (Théâtre et Vaudou) للناقد المسرحي الفرنسي فرانك فوشيه: الطقوس الاحتفالية التي اتخذت شكل فرجة في الحضارات القديمة كالحضارة المصرية، مثلا، وبالتالي تندرج ضمن ما يمكن تسميته بما قبل المسرح، وهو «المسرح الذي يتجلى كفرجة شاملة يشارك فيها الفرد عن طواعية بجسمه وروحه دون أن ينسى أنه يشاهد واقعا ممثلا ينعكس عبر الصور والرموز»[20].
– كتاب «المسرح وضعفه» (Le théâtre et son double) للكاتب والمسرحي الفرنسي الشهيـر أنطونان أرطو: بإمكان شكل ما قبل المسرح أن يكون: «تظاهرة شعبية تؤسس فضاء فيزيقيا يفـرض علينا أن نمـلأه ونؤثثه بكلمـات وحركات بحيث نجعله يعيش من ذاته وبطريقة سحرية»[21].
ويتضـح مـن هـذه التعريفـات أن «ما قبـل المسـرح» مصطلـح يطلـق علـى مجموعة من الممارسات الثقافية والطقوس التي تتوفر فيها عناصر الفرجة، واللعب والمرح، الخ. هذه الأشكال قد تكون قدسية أو دنيوية، كما أنها تتضمن مجموعة من مكونات الفن المسرحي الذي يشكل المسرح الغربي المرجع في تعريفه. ومن حيث الزمن يمكن لهذه الطقوس نفسها أن تكــون:
– إما سابقة لظهور المسرح كما هو الشأن بالنسبة لطقوس باخوس في الإغريق، ونبات السوما في الهند[22]، وطقس الجنس المقدس الذي كان يتم بين الإله دوموزي [تموز] وإنانا [عشتار] ممثلين في ملك سومر وكاهنة عليا تمثل إنانا[23]، واحتفالات البكارة عند الفينيقيين والإسرائيليين والإغريق[24]، وطقوس العهارة المقدسة التي كان يواكبها ضرب للأجساد بالسكاكين في سوريا القديمة[25]، الخ.، والاحتفال السنوي الذي كان يخلد في فصل الربيع طيلة 15 يوما في الساحة الخضراء بمدينة تونس إلى حدود القرن 17م[26]، وبعض الطقوس الموسمية الشائعة في اليابان التي تعيد حركة «إزاناجي وإزانامي»، وهما زوجُُ إلهي خالق في الكوزموغونيا[27] اليابانية، حيث « يمر “العجوز والعجوزة”، شخصان مقنَّعان تعتبر إيماءاتهما الفاحشة أحد العناصر الواجبة في أغلب الاحتفالات الموسمية القروية، يمران في العديد من الأمكنة لإعادة إنتاج حركة أول زوج في الكون وتدعيمها، وهـي حركـة ضمنـت محاكاتُها دائمـا الخصوبة والرخاء للبشر والحيوانات والنباتات»[28].
– أو تكون مزامنة لوجود المسرح بمعناه الدقيق، لكنها تمارس بعفوية وخارج أي تقيد بقواعد هذا الفن (انظر تعريف أرطـو).
فكيف يشتغل هذا المصطلح في الكتابين؟
للحديث عن المسرح المغربي لم يجد الباحثان بدا من استدعاء ما يقابل هذه الطقوس في الثقافة المغربية (الحلقة، البساط، سيدي الكتفي، بوجلود، عبيدات الرما، سلطان الطلبة، فرجة بغيلة، الخ.). وفيما وراء التأكيد الصريح الذي يعبران عنه بوضوح، والذي مفاده أن الفن المسرحي فن دخل من الغرب، يسخر المؤلفان هذه الطقوس للحديث عن المسرح المغربي في اتجاهيـن أقل ما يمكن القول عنهما أنهما متعارضين وجدانيا: بمعنى أن المسرح المغربي عندهما هو في آن واحد فن وافد من الغرب، لكنه أيضا فن عريق سبق للمغاربة أن عرفوه قبل تثاقفهم مع الغير. بينما يسود التأكيد الأول أثناء الحديث عن نشأة الفـن المسرحي بالمغرب، يستنتج التأكيد الثاني، خاصة عند حسن المنيعي، من خلال حديثه عما يُسمَّى بالأشكال «ما قبل المسرحية».

2. 1. الأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها ليست مسرحا
إذا كان لا يمكن «الحديث عن البداية الفعلية للمسرح المغربي (إلا) انطلاقا من دخول المسرح الإيطالي إلى سوق الفرجة»[29]، فإن هذا الدخول ما كان ليتم لولا وجود استعداد قبلي لدى المتفرج المغربي لتلقي هذا الفن. وعملية الإعداد هذه مصدرها وجود الممارسات التي خصص لها حسن بحراوي كتابه الذي نحن بصدده، والذي يرمي إلى «بيان مكونات هذه الأشكال الفرجوية ورسم طرائق اشتغالها ثم (تتبع) تطورها أو نكوصها مرفقا كل ذلك بالتساؤل الجوهري، عن علاقتها المفترضة بالفن المسرحي وهل يمكن اعتبارها (…) رافدا من روافده أم هي شكل فني مستقل له هدفه وكيانه الخاص؟»[30].
والجواب الذي يقدمه حسن بحراوي يصب في اعتبار الظواهر المعنية رافدا من روافد المسرح المغربي، بمعنى أنها ظواهر تحمل بذور الفن المسرحي، ظواهر كانت تتطور في اتجاه التحول إلى فـن مسرحي، أي أنها «مسرحيات بدائية لم يكتمل تطورها بعد». وهكذا، فالبساط عنده «من أعتق الأشكال ما قبل المسرحية ببلادنا»[31]، وسيدي الكتفي يتيح الوقوف على وجود تماس شكلي طفيف بينه وبين المأساة اليونانية، يجد تفسيره في أن هذه الأخيرة قد بدأت هي أيضا احتفالا ارتجاليا بسيطا قبل أن ترتقي في شكلها ومحتواها إلى مصاف الروائع الخالدة[32]، وهزليات يهود المغرب التي يعرض لنا الكتاب إحداها (بوريم وبوريمة) هي «مسرحيات بدائية ذات مضامين بسيطة»[33].
وضمن المنظور التطوري نفسه تحضر الظواهـر المعنية في الفصول التمهيدية لكتاب حسن المنيعي الذي نحن بصدده، كما في بحثيه الآخرين المحال إليهما أعلاه، بمعنى أنه يعتبرها أشكالا لامسرحية، ما قبل مسرحية. وهكذا فهي تندرج ضمن ما يسمى بـ «ما قبل المسرح»، أي ضمن: «مسرح لا يرتبط بمفهوم الدراما التقليدية، “وذلك لعدم قيامه بسلطة وهمية وبروزه كفرجة شاملة يشارك فيها الفرد عن طواعية، وذلك بجسمه وروحه دون أن ينسى أنه يشاهد واقعا ‘ممثلا’ ينعكس عبر الصور والرموز”»[34].
وتتحدد هذه الأشكال عنده في المراسيم الاحتفائية الجماعية، وفنون سرد أو رواية الأساطير والسير، وفنون التهريج واللعب التلقائي (الحلقة)، والاهتمام بالمقدس المتجلي في ممارسة بعض الشعائر (سيدي الكتفي – ظواهر الصرع عند حمادشة وكناوة[35].

2. 2. الأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها أشكالا مسرحية
إلا أننا داخل هذا الإطار العام نجـد تنويعـات علـى مستـوى المصطلـح كمـا على مستوى تصنيف الظواهر المعنية بشكل يتيح القول إن المؤلفين يقران بمعرفة المغاربة للمسرح قبل أن يدخلوا في سياق المثاقفة مع الغرب والمشرق. وذلك إما بـ:
– جعل دخول المسرح بشكله الغربي إلى المغرب يظل مدينا لوجود هذه الأشكال: وبهذا الصدد يؤكد حسن المنيعي أن بداية المسرح المغربي «ما كانت لتكون لولا وجود جمهور يحمل في أعماقه استعدادا كبيرا لتلقي المسرح»[36].
– طرح احتمال معرفة المغاربة للفن المسرحي منذ عهد الرومـان، فينقل حسن المنيعي حديث أحد الباحثين عن: «المدن المغربية الرومانية وعن الحلبات التي تتوفر عليها باعتبارها فضاءات احتضنت عروضا مسرحية ونماذج فنية من الفلكلور البربري. إضافة إلى (…) بقايا حكايات ونوادر أقاصيص على ألسنة الحيوانات أوردها الكاتب البربري أبوليوس Apuléé وكانت معروفة في العهد الروماني…»[37].
– أو الحديث عما يسمى بالأشكال ما قبل المسرحية باعتبارها «بداية ممكنة للمسرح المغربي»[38]، أو باعتبارها «فرجة مسرحية» (سلطان الطلبة – البساط)[39]، أو بوصفها تشكل بداية ضمنية للمسرح المغربي، وهذه البداية تتمثل في «الأشكال الفرجوية التقليدية التي تنطوي على إرهاصات مسرحية، إما لاهتمامها بالمقدس (الاحتفالات الدينية) أو لاندراجها في ممارسَات اللعب والاحتفال التي تقـوم في الأساس على فنون السرد والحكي والرقص والموسيقى والإنشاد»[40]، أو باعتبارها «نواة لمسرح تقليدي» (رواية الملاحم والسير كسيرة عنترة – سيف بن ذي يزن – السيرة الهلاليـة، الخ.)[41].
– أو تصنيف بعض الظواهر المعنية باعتبارها أشكالا مسرحية قائمـة الذات:
وهكذا يعتبر حسن بحراوي الحلقة «مسرحا للعامة»[42]، ويعتبرها حسن المنيعي «مسرحا للـراوي»، كما يتحدث المنيعي عن الطقوس التي تنظم سنويا في ضريح الهادي بن عيسى بوصفها «مسرحا للندبة أو النواح»[43]، ويضع بعض الطقوس الاحتفالية أو الشعائرية كسيدي الكتفي، ومهرجانات الطوائف (عيساوة، حمادشة، كناوة، الخ.) وحفلات الشموع ضمن خانـة «مسرح البسيكودرام»[44].

2. 2. 3. الخلفية الأنثروبولوجية لمفهوم الـ «ما قبل»
إلا أننا بالعودة إلى حقل الأنثروبولوجيا نجد هذا المصطلح (مصطلح «الماقبل») كان يشهد استعمالا من لدن اتجاه محدد هو المدرسة التطورية المتأثرة بالداروينية ونظرية تطور الأجناس. وهو تيار ظهر في منتصف القرن التاسع عشر في أمريكا وأوروبا، من أبرز ممثليه مورغان، وتايلور، وفريزر. وقد كان أصحابه يؤكدون على فكرتين أساسيتين، هما: التطور، والتاريـخ.
للتطور عندهم أهمية، بمعنى أن المجتمعات البشرية تنتقل من مراحل دنيا إلى مراحل عليا، وبالتالي فلفهم المؤسسات والظواهر الثقافية الحالية ينبغي الرجوع إلى تاريخها، إلى أشكالها البدائية، بمعنى أن الجنس البشري يتطور تدريجيا، وبالتالي يمكن تصنيف كل المجتمعات الموجودة بحسب مرحلة التطور التي وصلت إليها. كما كان أصحاب هذا الاتجاه يعتبرون المجتمع الغربي حقلا نهائيا للتطور. وهكذا قدموا خطاطات عديدة لتطور الإنسانية، فرأى مورغان أن المجتمعات البشرية تجتاز ثلاث مراحل على التوالي، هي: مرحلة الوحشية، ومرحلة البربرية، ثم مرحلة الحضارة. ورأى تايلور أن الديانات تتطور من مرحلة الإحيائية، إلى شعائر عبادة الطبيعة وتعدد الآلهة، لتصل بعد ذلك إلى عقيدة التوحيد. كما رأى فريزر أن المجتمعات البشرية تتطور من السِّحر إلى الدين، فالعلم، الخ.[45]. ومن هذا المنظور كان يفد على المغـرب كمـا علـى سائـر الشعـوب غيـر الغربيـة، بما فيهـا تلـك التي تنعـت بـ «البدائية»، عددُُ من الإثنوغرافيين الأوروبيين والأمريكيين لجمع الملاحظات الميدانية بغاية تعزيـز هـذا الطـرح.
أما أهمية العنصر التاريخي عندهم فتتمثل في تأكيدهم على أنه لفهم المؤسسات والظواهر الثقافية الحالية ينبغي الرجوع إلى تاريخها، إلى أشكالها البدائية. وبما أن المجتمعات الغربية قد بلغت حدا كبيرا من التطور بشكل يتعذر معه معاينة مجموعة من السلوكات والظواهر، فإنه ينبغي الذهاب إلى المجتمعات التي لازالت توجد في أطوار بدائية من التقدم، ثم ملاحظة الظواهر نفسها المراد بحثها وهي لم تبارح أشكالها البدائية، أو وهي لازالت على شكل «بقايا»[46].
وضمن هذا الإطار تقع معظم المادة الإخبارية التي يعتمدها الأستاذ بحراوي في كتابه الحالي: فالخط المتحكم فيها يمكن اختزاله على النحو التالي: عندما تطورت عبادة الطبيعة، ومجموعة من الممارسات الشعائرية يمتزج فيها العربدة، والمقدس، والاحتفال، الخ. صارت مسرحا. وإذا كانت هذه الطقوس الاحتفالية قد انقرضت في المجتمعات الغربية، فإنه يمكن العثور عليها ومعاينتها من جديد على شكل «بقايا» عند الشعوب التي لازالت في طور متخلف من التطور. وسأكتفي في هذا الصدد بتقديم مثالين:

2. 2. 3. 1. موكب بوجلود
رأى الإثنوغرافيون الفرنسيون الذين اهتموا بهذه الظاهـرة أن الأمر هنا يتعلق ببقية طقس ما قبل إسلامي يرتبط بعبادة الطبيعة والإيمان بقدسية الحيوان والنبات[47]، وكانوا ينطلقون في ذلك من سؤال مركزي، هو: كيف يمكن التوفيق بين ما هـو إسلامي وما اصطلح على تسميته بالجاهلية؟ ثم يجيبون بأن ليس ثمة حل سوى انتظار أن تنتهي كل هذه البقايا. وفي انتظار ذلك لا يجب على الباحث أن يخلط بين الأشياء. يجب عليه أن يفصل بين طقس بوجلود وشعيرة عيد الأضحى… في حين انطلقت دراسة عبد الله حمودي المتميزة الصادرة حديثا في الموضوع نفسه[48] من انتقاد الإثنوغرافيين الكولونياليين الذين تناولوا هذه الظاهرة، والذين يعتمدهم حسن بحراوي مصادر أساسية في بحثه (مولييراس، دوتيه، لاووست، ووسترماك، الخ)، فأظهـرت أن البقايا لا تموت، وأن المجتمع قد تدبر أمره للجمع بين الطقسين المتعارضين تحت علامة واحدة هي نهاية السنة الهجرية (أي بتحويل الطقس الأصلي الذي كان يرتبط بالخصوبة) من التأريخ الشمسي إلى التأريخ القمري، وبالتالي ليس ثمة من حل غير تناول الطقسين مجتمعين، وأن ما يكمن وراء الطقسين إنما هو مسألة التعارض الوجداني، بمعنى أن المذكر لا يوجد إلا مع المؤنث، وأن ما هو إسلامي لا يعاش إلا مع ما هو جاهلي، وأنه لا يوجد قانون بلا خرق، كما أظهر أن ما يتم تجسيده من وراء هذه العادة القديمة إنما هو بعض الأحداث التي شهدها المجتمع حديثا…

2. 2. 3. 2. سلطان الطلبة
لقد بحث لاووست عن دلالة احتفال سلطان الطلبة: «في ارتباطـه بممارسـة الطقوس والأساطير الزراعية التي ترمز بالسلطان المزيف إلى إله النبات الذي بعث البهجة في الربيع، ولكنه سرعان ما يزول مخلفا الحرارة والرياح (…) أما رمي سلطان الطلبة في النهر عند نهاية الاحتفال [عنده] فربما كان يرمز إلى قربان بشري يقدم إلى إله مائي على طريقة المعتقد الأسطوري القديم»[49].
والحال أنه بالنظر إلى السياق السياسي الذي ظهر فيه الطقس (عصر تشتت وصراع قوي متعاقب بين القبائل على السلطة)، وبعض عناصر الطقس كقلب الأدوار بين الملك الحقيقي والملك الزائف، وبين خطيب الجمعة وذلك المهرج الذي يلقي خطبة أقل ما يمكن القول عنها، من وجهة نظر دينية، أنها تهزأ بالإسلام، وتستخف بتعاليمه، وتحرف المقاصد النبيلة لخطبة الجمعة إلى محتويات مثيرة للسخرية، إذ يقول مثلا: «الحمد لله الذي هدانا لخطبة الزردة ولا يحرمنا وإياكم منها (…) إخواني احضيوا الزردة كما تحضيوا الصلاة، فإنها قريبة ولو كانت بينكم وبينها خمسين سنة. وإذا مات منكم رجل فغسلوه بالرايب المهجوج، وكفنوه في الثريد المخبوج، واحفروا في الكساكس المزعفرة، والحدوا عليه بالشهدة المعمرة، اللهم سمعنا غرفد هذا واطرح هذا، ولا تسمعنا بحس الطاس والمنديل»[50].
نقول: بالنظر إلى ذلك يتضح بسهولة أن الأمر هنا يتعلق بضرب من الطقوس الشائعة كَوْنِيًّا، استقطبت اهتمام العديد من علماء الأنثروبولوجيا[51]: وهكذا، فقد أدرجها روجيه كايوا ضمن ما أسماه «بإعادة خلق العالم»، معتبرا أن الحث على انتهاك المحظورات في هذا السياق أو على القيام بعكس ما يتم القيام به في سائر الأيام عبر إتيان أفعال الحمق والتهتك، يؤدي وظيفتين هما: ضمان العودة إلى الشرط الوجودي السائد في الماضي الأسطوري، حيث «كان مجرى الزمن مقلوبا، إذ كان المرء يولد كهلا ويموت طفلا»[52]، ثم إن كل حيوية مفرطة تُظهر زيادة من القوة لا يمكن أن تعود على التجديد المنتظر إلا بالرخاء والرفاهية»[53]. بيد أن هذه الانتهاكات تنطوي في ذاتها على محرمات؛ فهي مع انتهاكها للقواعد التي ظلت قائمة إلى حدود أمس، تبقى موجهة نحو تكريس تلك الضوابط ذاتها لتصير في اليوم الموالي أكثر قداسة وأشد تمنعا عن الخرق[54].
في حين أدرج آخرون السلوكات ذاتها ضمن ما أسموه بـ «طقوس التعويض» (Rituels de compensation)، التي تأخذ أحيانا شكل «احتفالات تعويضية وطقوس للفوضى أو العصيان يثور فيها النساء ضد الرجال، والخدم ضد الأسياد، والرعايا ضد الزعماء السياسيين»[55]، أو «حفلات طقسية للتهتك الجماعي تتم في أثنائها المعاشرة الجنسية المضروب عليها حظر شديد [في الأيام العادية]»[56]، كما ترتبط أساسا بما يسمى «نقط الضعف» في نظام اجتماعي أو ثقافي مَّا (علما بأن ما من مجتمع أو ثقافة إلا ولهما نقط ضعفهما)، وهي نقط «يتعين على المخطط الاجتماعي أن يأخذها بعين الاعتبار ليحقق غاياته بسهولة كبيرة جدا وبكيفية أكثر فاعلية من أن يكافح ضد النظام بكامله»[57]. ومعلوم أن الدين والسلطة كانا يشكلان نقطتي ضعف أساسيتين في مغرب القرن 17، كما يدل على ذلك التطاحن الذي كان قائما بين مختلف الأسر والمناطق المتنازعة على حكم البلاد.
وهذه المآخذ لم تغب عن حسن بحراوي عندما أشار إلى ما في مصادره الأجنبية من «لبس ودسائس معلنة وخفية»[58]، إلا أن هذا الوعي لم يمض إلى حد إرساء قطيعة مع الخلفية النظرية التطورية التي تحكم المادة التي اعتمدها في بحثه. هكذا، وكما أسلفنا، فـالبساط عنده «من أعتق الأشكال ما قبل المسرحية ببلادنا»[59]، وسيدي الكتفي يتيح الوقوف على وجود تماس شكلي طفيف بينه وبين المأساة اليونانية، يجد تفسيره في أن هذه الأخيرة قد بدأت هي أيضا احتفالا ارتجاليا بسيطا قبل أن ترتقي في شكلها ومحتواها إلى مصاف الروائع الخالدة[60]، وهزليات يهود المغرب التي يعرض لنا الكتاب إحداها (بوريم وبوريمة) هي «مسرحيات بدائية ذات مضامين بسيطة»[61].
والنتيجة المنطقية لذلك كله، هي: لو لم تتم عملية المثاقفة التي أدت بالمغاربة إلى معرفة المسرح بشكله الإيطالي، لو تركت هذه الظواهـر الثقافية تتطور بمعزل عن كل تدخل خارجي لآلت إلى المسرح بشكليه الإغـريقي والإيطالـي.
لقد وجهت لهذا المنظور التطوري انتقادات عديدة أبرزها تلك التي تبلورت على شكل مدرسة عرفت باسم التيار الانتشاري، ويقول بأن أهم المبتكرات التي عرفتها الإنسانية على مدار تاريخها تظل محدودة العدد، وأنها إذا كانت موجودة في كل بقاع العالم، فذلك إنما يعود لعامل الانتشار – نتيجة احتكاك الشعوب فيما بينها – انطلاقا مما أسماه أعلام هذا الاتجاه بـ «المراكز الثقافية» (Foyers culturels)[62]، هذه الأخيرة التي يقدم رالف لينتون مثالا جيدا عنها حينما يقول:
«بعد أن يتناول الأمريكي وجبته ينصرف لتدخين سيجارة، والتدخين عادة للهنود الأمريكيين، يدخن وهو يحرق نبتة تم زرعها في البرازيل، وذلك إما بغليون جاء من هنود فرجينيا أو سيجارة أتت من المكسيك. وإذا كان هذا الأمريكي متشددا جدا في مواقفه أمكنه حتى تدخين سيجارا جاءنا من جزر الهايتي مرورا بإسبانيا. ثم وهو يدخن، يقرأ أخبار اليوم مطبوعة بحروف ابتكرها قدماء الساميين، على آليات ابتكرت في الصين، انطلاقا من أسلوب أو منطلق تم ابتكاره في ألمانيا. وإذا كان هذا الأمريكي مواطنا صالحا محافظا، فإنه، وهو يلتهم تقارير عن الحروب الخارجية، يحمد، بلغة هندو أوربية، إلها عبريا لكونه جعل منه أمريكيا مائة في المائة»[63].
وهذا المنظور هو الآخر حاضر في كتابي حسن المنيعي وحسن بحراوي، وهو الكامن وراء هذا التأرجح الذي نلمسه لديهما بين اعتبار ما يسمى بالأشكال ما قبل المسرحية مسرحا تارة، ولامسرحا تارة أخرى: فهي ليست بأشكال مسرحية لكون المسرح بمفهومه الحقيقي قد ظهر عند الإغريق ومنه انتشر إلى باقي البلدان، الغربية على الخصوص، التي منها وفد علينا المسرح بشكله الإيطالي، وعليه تكون اليونان القديمة هي (المأوى الذي ولد فيه المسرح ثم انتشر). إلا أن التماثلات الموجودة بين الأشكال التي يقدمها حسن بحراوي والمسرح الإغريقي تندرج ضمن البرهان القاطع الذي كانت تقدمه الانتقادات الموجهة للتيار الانتشاري: إذا أمكن الحديث عن معاقل أو مراكز ثقافية منها انتشرت بعض الابتكارات والممارسات الثقافية، فكيف يمكن تفسير وجود ظواهر مشتركة بين شعوب من المحقق أنها لم تلتق ببعضها على الإطلاق؟
وما أن نصل إلى هذا المستوى حتى يصير المفهوم الدقيق للمسرح كما هو متعارف عليه هو الذي ينبغي مراجعته، بمعنى أنه يجب – حسب ما أعتقد – الحديث عن الأشكال المعنية ليس باعتبارها أشكالا ممهدة للمسرح، ولا أشكالا جنينية للمسرح، ولا «أشكالا مجهَضة للمسرح»[64] أو غير ناضجة، وإنما يتعين الحديث عنها باعتبارها أشكالا مسرحية قائمة الذات، مسـرحا آخر مخالفا للنموذج الغربي للمسرح، إغريقيا كان أم إيطاليا. وهو ما لم يغب، على نحو ما، عن بعض الإثنولوجيين، عندما قال بصدد العلاقة بين الفودو والمسرح[65]:‎ «لا يجب على التماثلات بين المسّ والمسرح أن تنسينا كون الجمهور لا ينظر إلى أي ممسوس باعتباره ممثلا، ذلمك أنه لا يلعب [دور] شخصية [مسرحية] ما، وإنما يكون هو الشخصية نفسها طيلة مرحلة الجذبة. كيف نتجنب إطلاق اسم مسرح على الارتجالات التي ينظمها الممسوسون تلقائيا عندما تتجلى أرواح عديدة، وبكيفية متزامنة، في عدة أشخاص؟»[66]. وهو تأكيد استحضره إثنولوجي آخر مغربي قبل أن يصوغ طرحا مماثلا بخصوص شعيرة كناوة، على النحو التالي: «وكذلك الأمر لدى كناوة حيث تكون ليلة الدردبة “مسرحا” خلاله لا يعود المريدون وهم يرتدون [ملابس بـ] ألوان الملوك مسكونين بهؤلاء الملوك. ذلك أنهم، وبواسطة لوازم مختلفة، يحاكون أوصاف أولئك الملوك وقدراتهم فوق الطبيعية. وبذلك يُمثل الأولياء التائهون بخرقهم المرقعة، وملوك البحر بحركات تذكر بالسباحة، وملوك المجازر بخناجرهم، ثم ملوك الغابة ببأسهم وضراوتهم»[67].
من ثمة ضرورة الحديث عما يمكن تسميته بـ «إثنولوجيا المسرح» ، من خلال فتح أفق أرحب هو الحـديث عـن المسرح باعتباره بعـدا من أبعاد الإنسان، الحديث عن الإنسـان المسرحي (Homo-théâtralicus) على غرار الإنسان المفكر (Homo-sapiens)، والإنسان اللاعب (Homo-ludens)، والإنسان السياسي (Homo-politicus)، والإنسان الساحر (Homo-magus) الخ. ومعنى ذلك أنه حيثما وُجدَت جماعة بشرية وُجدَ عندها مسرح، وتتعدد وتختلف بعد ذلك الأشكالُ التي تمسرح بها الجماعات البشرية مشاغلها الدينية والدنيوية في قـوالب تديـر بها الزمن، والمكان، والملابس، وأشياء المحيطين الطبيعي والبشري، واللغة، الخ. لتحقق المتعة، والفرجة، واللعب، أو تبعث على التذمر، أو تحث على التمرد، أو تسخر من القيم التي تؤسس وحدة الجماعة نفسهـا.

3. نحـو «إثنولوجيا للمسـرح المغربـي»
وبالفعل، فقضية «ما قبل المسرح» التي يطرحها حسن بحراوي في مؤلفه الحالي – وتناولها حسن المنيعي في كتابه أبحاث في المسرح المغربي – تشكل مادة لاجدال في طابعها الإثنوغرافي، وبالتالي فهي تقع في صلب ما يمكن تسميته بـ «إثنولوجيا المسرح» أو «أنثروبولوجيا المسرح»[68]. فالمادة المقدمة تمثل لبنة هامة نحو بناء هذا القطاع من البحث المسرحي الذي ينبغي أن يكون دراسة للمسرح بما هو سلوك اجتماعي، لكن أيضا دراسة للمجتمع بما هو إخراج مسرحي. إن هذه الإثنولوجيا حاضرة في الكتابين معا، لكن بمستويين متفاوتين؛ فكتاب حسن المنيعي يركز على الجوانب التقنية في المسرح المغربي فيما يركز مؤلف حسن بحراوي على الجوانب الاجتماعية لهذا المسرح. ومن شأن عملية تركيبية للمقاربتين معا أن تفضي إلى إثنولوجيا المسرح المغربي التي نتحدث عنها هنا. وبديهي أن ذلك لن يتحقق إلا بعملية تركيب بين أدوات البحث في الفن المسرحي وأدوات البحث في العلوم الاجتماعية. وبعيدا عن زعم رسم المعالم النهائية لهذا النوع من الدراسات يمكن تقديم بعض الأفكار والتساؤلات الأولية خارج أي تنظيم:

3. 1. إثنولوجيا الطب العقلي: تجربة للاحتذاء؟
يمكن أن تستفيد «إثنولوجيا المسرح» أو «المسرح الإثنولوجي» من تجربة ما يدعى بـ «إثنولوجيا الطبّ العقلي» أو «الطب العقلي الإثنولوجي» (ethnopsychiatrie) الذي يترجمه بعض المشارقة بـ «التحليل النفسي العرقي»[69] أو «التحليل النفسي الأصولي»[70]. فمن المعروف أن مؤسسة طب الأمراض العقلية لم تظهر إلا في القرن 19 في أوروبا، وفي فرنسا بالضبط[71]، وأن نشأتها تساوقت وتحولات اجتماعية واقتصادية وعلمية، وفكرية أساسا (النزعة العقلانية، ولاننس بهذا الصدد أن هذه المؤسسة قد تأسست غداة حملة اضطهاد الساحرات، من قِبل محاكم التفتيش، التي استغرقت ثلاثة قرون في مجموع أنحاء أوروبا (ق. XV، وXVI، ثم XVII[72]). وقد قدمت هذه المؤسسة نفسها بديلا لكل أشكال العلاجات التقليدية، وبهذا المعنى يذهب الكثيرون إلى اعتبار الطبيب الأوروبي ابنا للساحرة[73]. إلا أنه من خلال الاحتكاك بشعوب أخرى وثقافات أخرى اتضح أنه منذ أن كان الإنسان كانت الأمراض العقلية، وأن سائر المجتمعات لم تبق مكتوفة الأيدي أمام المرض العقلي تنتظر القرن 19 كي تأتيها أوروبا بالعلاجات الملائمة، بل على العكس اهتدت عبر تاريخها إلى أنماط علاجية تتصف بفعالية مماثلة لفعالية الطب الغربي، إن لم تكن أفضل منها في بعض الأحوال[74]، كما اتضح أن النمط العلاجي الأوروبي غالبا ما يفشل في السياقات غير الغربية، أي يفشل حيث تتبدى العلاجات التقليدية شديدة الفعالية. ومن ثمة لم يجد الأوروبيون بدا من الاعتراف بمؤسسة العلاج التقليدي، واعتبارها أنماطا علاجية أخرى موازية أو مساوية للمؤسسات العلاجية الغربية، فأحدث هذا الفرع المعرفي الذي يسمى بـ «إثنولوجيا الطب العقلي» أو «الطب العقلي الإثنولوجي» (ethnopsychiatrie) ومن هذه الزاوية لا تخلو وضعية المسرح المغربي بشقيه العصري والتقليدي من مجموعة من التماثلات مع المؤسسة العلاجية المغربية حاليا بجانبيها التقليدي والعصري:
فمستشفى الأمراض العقلية هو الآخر دخل إلى المغرب مع دخول الاستعمار، أي هو نتيجة مثاقفة قسرية. قبل أن تفد هذه المؤسسة كانت هناك مؤسسة قائمة الذات[75]. وبهذا المعنى فإن طبيب الأمراض العقلية، بل والطبيب المغربي نفسه، هو وريث المطبب التقليدي والفقيه والعرافة وطوائف الطرق العلاجية كما أن رجل المسرح وريث للحلايقي، وهو ما لم يغب عن بعض المسرحيين المغاربة، أمثال الطيب الصديقي، إذ يقول: «منك تعلمنا جوهر مهنتنا. من خلال عصا واحدة لاغير تحولها حسب إرادة الحكي، تصبح العصا شجرة مخضرة، تتحول إلى مظلة أو إلى حصان راكب… وفجأة هو ذا السيف الذي يجرح أو هو ذا القلم الذي يدون… »[76].
كما أن وفود الطب الغربي وقيامه على سلطة المعرفة التجريبية المعززة بسلطة من القانون (يمنع ممارسة الطب على من لم يتخرج من جامعة للطب) قد أحال ممارسات الفقيه والعرافة والطرق إلى ممارسات هامشية أو موازية – في أفضل الحالات -، فإن قدوم المسرح بشكله الغربي قد أحال الأشكال المسماة «ما قبل مسرحية» إلى ممارسات هامشية أو فلكلور – في أفضل الحالات – أو فنون شعبية، إذ مَن منا يجرؤ اليوم على القول إن الحلايقي رجل مسرح؟ إذ حالما نفكر بالأمر نجد نفسنا أمام ممنوع الحداثة الذي يقتضي من المسرحي أن يكون على معرفة ليس بالكتابة والقراءة فحسب، بل وأيضا التخرج من أحد معاهـد الفنون المسرحيـة، حيث يفترض فيه أن يتلقى تكوينا في الإخراج والتمثيل والديكور والماكياج والإنارة…، فضلا عن الإلمـام بنشأة المسرح وتاريخه، ومدارسه، وتاريخ علم الجمال، الخ.

3. 2. المسرح، الأسطورة، المقدس
الأشكال الثقافية المعنية، من رقص علاجي وحلقة وطقوس إنشاد الشعر، كلها تقوم على أساطير، أي على حكايات تروي كيف جاء واقعُُ ما إلى الوجود، وتعَلمُ اللغة الوصفاتِ الطقوسية القادرة على التحكم في القوى المقنَّعة، ومن ثم تشكل، بمحتواها، بنية دائمة ترتبط بالماضي والحاضر والمستقبل على حد سواء[77]. كما تؤدي (الأشكالُ ذاتها) وظائف معينة بعضها قار لا يتغير، لأنه يمس قضايا إنسانية أزلية لاتتأثر بالزمان والمكان، كمسألة الموت، وأصل الحياة، والمرض، وأصل اختلاف الجنسين، والحب، والعدالة، والظلم، والجمال، الخ. ولو أنَّ المجتمعين المدني والخطاب العلمي يتأسسان على الامتناع عن تقديم إجابات عن أغلب هذه الأسئلة[78]. ومن بين الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا المستوى: ما هي الأساطير التي يركن إليها المخرجون المسرحيون المغاربة في إخراج مسرحياتهم اليوم؟ ما هي تجليات المقدس في المسرح العصري؟ ما هي الوظائف التي يؤديها هذا المسرح؟ كيف يتوصل المسرحان معا، التقليدي والعصري، فيما وراء الاختلاف الظاهري بينهما، إلى تحقيق آثار في المتلقي ربما تكون واحدة؟

3. 3. المسـرح، المثاقفـة والتحول الاجتماعي
علاوة على الوظائف الاجتماعية والنفسية والدينية والدنيوية التي تؤديها تلك الظواهر، يتضح من خلال مؤلفات حسن المنيعي وكتاب بحراوي أن ممارسات بوجلود والحلقة وسلطان الطلبة كانت تندرج ضمن سياق ثقافي واجتماعي واقتصادي محدد، هو ما يصطلح عليه حاليا في الدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية بالمجتمع التقليدي[79]، الذي يتحدد في أحد التعريفات بكونه مجالا يتألف من «إطار هو الفصل بين الجنسين، وبنية هي النسب الخطي الأبوي، ونمط في الممارسة هو السلطة الأبوية، وإوالية لإعادة الإنتاج هي الإيصال الثقافي»[80]. من الناحية الاقتصادية تندرج هذه الممارسات ضمن ما يمكن تسميته باقتصاد الاكتفاء الذاتي: فالفرجة لا تقدم من أجل الفرجة (غياب الفن للفن)، وإنما لمنفعة تتمثل في التنشئة الاجتماعية والوعظ، يوازيها أو يعقبها دائما مقابل يأخذ شكل مواد غذائية (مقايضة ¬ غياب النقد[81]؛ عرض مسرحي مقابل طعام، ونادرا فرجة مقابل نقود). وهذا ما لازال يشاهد حتى اليوم في الأشكال التي استطاعت البقاء، كالحلقة، والرقص العلاجي، والحفلات التي تخلدها بعض الطوائف الدينية بشكل موسمي: فالحلايقي يوقع عرضه المسرحي دائما بالاستجداء ما لم يضع الحصول على مقابل شرطا مسبقا لتقديم عرضه، والرقص العلاجي الذي تقوم به طوائف، ككناوة، وإن كان مداره طرد روح معتدٍ من جسم شخص مريض، فهو لايتم إلا بحضور جمهور من «المدعوين / المتفرجين» تستدعيهم عائلة المريض لحضور الطقس، لكن أيضا للمساهمة في تسديد ثمن العلاج على شكل هبات تقدم للراقصين على مدار الشعيرة. إذا كانت هذه الأشكال الثقافية لا زالت تحافظ على نمطها الاقتصادي. نعم يحدث أن ينقل أفراد الطوائف إلى خارج المغرب للمشاركة في تظاهرات فلكلورية يُنقلون خلالها أحيانا حتى إلى خارج المغرب، لكن الجماعة لا زالت المصدر الوحيد الذي يقدم مكافأة على العروض. فضمن أي اقتصاد تقع الممارسة المسرحية العصرية؟ إذا كانت الدولة لا تعترف ضمنيا بممارسي المسرح التقليدي من خلال تركها إياهم يتدبرون أمرهم كيفما اتفق[82] فكيف تعامل هذه الدولة نفسها المسرح العصري؟ بتعبير آخر، هل نجح هذا المسرح في الحصول على مكانة داخل عملية المأسسة التي تشهدها البلاد منذ دخول الاستعمار؟ إن الخطاب المتذمر الذي ظل رجال المسرح يصوغونه إلى وقت حديث جدا، من خلال التذكير المتواصل بوضاعة أحوالهم الاقتصادية والدعوة إلى إرساء تقليد الاحتراف، ليحمل على الاعتقاد بأن العكس هو ما ساد منذ الاستقلال إلى اليوم[83]. وإذا كان هذا الأمر حقيقة واقعية، فأي تصور تحمله الدولة المغربية العصرية – ولو ضمنيا – للمسرح؟
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا المستوى هو: ما نوع التأثير الذي يلحقه التحول الاقتصادي الذي يشهده المغرب منذ دخول الاستعمار (والمتمثل أساسا في حلول قيمة النقد محل الشرف، والإنتاج من أجل السوق بدلا من الإنتاج من أجل الاستهلاك، واضطلاع الدولة بوظيفة الأب الاقتصادية، وتراجع سلطة هذا الأخير داخل الأسرة، ومراجعة وضعية المرأة[84]، أقول ما نوع التأثير الذي يلحقه هذا التحول بالمسرح التقليدي؟ هل التطور ماض نحو استبدال كلي للمسرح التقليدي بالمسرح العصري أم أن هذا الأخير ستتعزز مكانته رغم كل شيء بالنظر إلى وظائف التنشئة الاجتماعية وترسيخ المعتقدات التي يقوم بها، من جهة، وبالنظر إلى عفويته واستخدامه للغة الأم، من جهة ثانية، وبالنظر إلى تسربه ضمنيا إلى المسرح العصري من خلال الأعمال التي يستلهمه فيها مخرجون كالطيب الصديقي في المغرب وعز الدين المدني في تونس؟ هل هذا التوظيف تكيفُُ للمسرح التقليدي مع المعطيات الجديدة التي يفرضها التقدم، أي ضربُُ من التغيير الذي يشهده هذا المسرح، أم هو نوع من النكوص إلى الذات، وبالتالي يمكن إدراجه ضمن ما يسميه بعض الباحثين بـ «المثاقفة المعاكسة» (acculturation antagoniste) أو «المثاقفة الداخلية» (enculturation) التي تؤول في نهاية المطاف إلى عملية مقاومة للقيم الدخيلة إما لعجز المثاقف عن التكيف معها أو للتهديد الذي تشكله هذه القيم للهوية الأصلية؟ أم يتعين النظر إليه باعتباره نوعا من التلوين المحلي للمسرح الغربي الوافد، وبالتالي نوعا من ممارسة مسرح على الطريقة المغربية، هذه العملية التي تنطوي هي الأخرى على نوع من التغاضي عن الشروط التي أنتجت ضمنها الواردات الغربية؟

3. 4. المسرح، الجماعة والفــرد
إن ما يسمى بالمسرح التقليدي، شأنه شأن سائر قطاعات الثقافة التقليدية، لا يُمارَس إلا داخل وحدة ينصهـر فيها الفـرد بالجماعة، باعتبار المجتمع التقليدي يعطي الأسبقية للجماعة على الفرد، يغلب قيمها على قيمه، وبالتالي فهو [المسرح] يكون دائما نوعا من اللغـة التي تحكـي بها الجماعة عن نفسها ومشاغلها على لسان فرد (الحلايقي) أو مجموعة (اعبيدات الرما، الطوائف، الخ.) تختارها الجماعة الاجتماعية ذاتها. بمعنى أن المرء لا يصير «حلايقيا» أو مغنيا بفرقة اعبيدات الرما، أو مطببا أو ساحرا، إلا إذا قدم نفسه بهذه الصفة وقبلته الجماعة واعترفت له بها. ومعناه إمكان الحديث عن نوع من التوظيف (recrutement): يرشح الفرد نفسه لشغل وظيفة، فتنيطها به الجماعة استنادا إلى مجموعة من التقاليد والتمثلات والأعراف والأساطير. وعلى غرار ما يقوله ليفي ستراوس، يمكن القول: «إن الممثلين التقليديين لم يكونوا ممثلين كبارا لأنهم يحققون الفرجة، بل كانوا يحققون الفرجة لأنهم كانوا ممثلين كبارا»[85] فهل يعمل مزاولو المسرح العصري في المغرب الراهن ضمن هذه القاعدة أم وفق قاعدة أخرى؟ ما هي؟ إن نزعة الفردانية، على صعيد السلوك كما على صعيد القيم، لا تفتأ عن الترسخ يوما بعد يوم في سياق التحول الذي يشهده المغرب حاليا. وبالتالي، يمكن قلب القولة السابقة لتصير: «إن الممثل حاليا لا يحقق الفرجة لأنه ممثل كبير، بل هو ممثل كبير لأنه يحقق الفرجة». فكيف يصير المرء ممثلا كبيرا في المغرب الراهن؟ أو كيف يتحقق الولوج إلى المكان المسرحي؟ ما نوع التعاقد الذي تقيمه الجماعة مع الممثل؟ ما هي الجماعة أو الجماعات التي تتلقى المسرح العصري؟ مانوع الجماعة أو الجماعات التي تتلقى المسرح التقليدي؟ ما نوع العلاقة القائمة بينهما؟ كيف يمكن تفسير هذا الصنف من المسرح الذي يدعى بالمسرح الفردي الذي يعتبر عبد الحق الزروالي والسنوسي وبنياز من أعلامه البارزين في المغرب حاليا؟ هل يمكن اعتباره تعبيرا رمزيا على هذا الانتقال الذي تشهده القيم حاليا بالمغرب من قيم جماعيـة إلى قيم فردية؟

خــلاصــــة
مما سبق يمكن استخلاص أن الكتابين اللذين نحن بصددهما، بما يقدمانه من معارف عن الأشكال المسرحية في المغرب بوضعها في السياق الاجتماعي، إنما يؤسسان لإثنولوجيا للمسرح المغربي يمكن أن تساهم في معرفة الكثير من جوانب هذا الفن، لكن أيضا في معرفة الكثير حول المجتمع المغربي، والإنسـان عامــة.
——–
هوامـــش
[1] ألقيت هذه المداخلة خلال القراءة التي نظمتها المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، يوم 23/01/1995، لكتابي د. حسن المنيعـي، المسرح المغربي [من التأسيس إلى صناعة الفرجة]، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية (ظهر المهراز)، فاس، 1994، وحسن بحراوي، المسرح المغربي. بحث في الأصول السوسيوثقافية، بيروت – البيضـاء، المركز الثقافي العربي، 1994، ثم نشرت بجريدة العلـم (الملحق الثقافي الأسبوعي)، 25 مارس 1995.
[2] نشير إلى أننا نستعمل مصطلح «إثنولوجيا» في هذا المقام مرادفا لـ «أنثروبولوجيا»، أي بوصفها علما يهتم بدراسة المؤسسات الاجتماعية والتنظيمات والمعتقدات و الطقوس والتقنيات، وذلك بخلاف الاستخدام الأشمل لـ «أنثروبولوجيا» الذي يعتبر هذا الحقل المعرفي مرحلة أخيرة للدراسة الإثنولوجية التي يكون موضوعها، في هذه الحالة، هو المعالجة التركيبية والتحليلية للمجتمعات البشرية اعتمادا على وثائق إثنوغرافية، للوصول إلى صياغة استنتاجات عامة في قضايا الانتشار والاتصال والتواصل والأصل وإعادة تشكيل الماضي. للوقوف علىاختلاف دلالة المصطلحين في المجالات الأمريكية والفرنسية والانجليزية، يمكن الرجوع، على سبيل المثال، إلى:
– Michel Panoff et Michel Perrin, Dictionnaire de l’ethnologie, Paris, Payot, 1973;
– د. محمد حسين دكروب، أنثروبولوجيا الحداثة العربية، منطلقات نقدية، بيروت-طرابلس، معهد الإنماء العربي-الهيئة القومية للبحث العلمي، 1992، ص. 6-7؛ جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، ترجمة: حسـن قبيسـي، البيضاء – بيروت، المركز الثقافي العربي، ط. I / 1996، صص. 12-20.
[3] على سبيل المثال يمكن العودة إلى: محمد عزيزة، الإسلام والمسرح، ترجمة: د. رفيق الصبان، البيضاء، عيون المقالات، ط. II / 1988، صص. 52-72، حيث يضع المصطلح نفسه (ما قبل المسرح) عنوانا للقسم الأول، ويتناول فيه العناصر التالية: «الفعل الممثل»، و«التظاهرات ذات الطابع القريب من الديني»، ثم «الأشكال المجهَضة للمسرح» التي يدرج ضمنها (مقامات بديع الزمان الهمذاني)، و(مسرح خيال الظل)، و(مسرح العرائس)؛
– Abdelwahed Ouzri, Le théâtre au Maroc. Structures et Tendances, Casablanca, les Editions Toubkal, 1997, p. 20-21,
حيث خصص المؤلف أحد مباحث المفصل الأول لموضوع: «الاحتفالات المغربية ماقبل المسرحية»، «عالج» فيه: (الحلقة – البساط – سيدي الكتفي – سلطان الطلبة)، وهي الموضوعات نفسها التي أدرجها حسن المنيعي ضمن ما يسميه «التقليد المسرحي في المغرب»، على نحو ما سنذكره في الهامش الموالي.
[4] حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، مكناس، مطبعة صوت مكناس، 1972، الفصل الأول: «التقليد المسرحي في المغرب»، صص. 13- 30، وتناول فيه: (الحلقة – البساط – سيدي الكتفي)؛ حسن رجب قرفال، تاريخ المسرح في ليبيـا وارتباطه بالتغيـر الاجتماعي (1911م – 1977 م)، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، (مرقونة)، الفصل الأول: «التقليد المسرحي في ليبيا»، صص. 16-64، وتطرق فيه لـ: (الراوي – القره قوز – الشيشباني – البوسعدية – أمك طانبو – الكاسكا – الغزال – الطريقة العيساويـة)؛
[5] Laïla Belhaj, «La possession et ses aspects théâtraux chez les Aïssaouas d’Afrique du Nord», in MAKNASAT, Revue de la Faculté des Lettres et des Sciences Humaines de Meknès, N° 10, 1996, pp. 67-72;
نوال بنبراهيم، «الأشكال المسرحية المغربية الأولى. فرجة اللبوءات والأسود نموذجا»، ضمن مجلة المناهـل، كتابة الدولة المكلفة بالثقافة – المملكة المغربية، ع: 56، س: 22، شتنبر 1997، صص. 323-337.
[6] د. أحمد علبي، «المظاهر المسرحية عند العرب»، ضمن مؤلف جماعي، المسرح العربي بين النقل والتأصيل، كتاب العربي، الكتاب الثامن عشر 15 يناير 1988، صص. 32-43.
[7] انظـر: عبد العالي بوطيب، «إشكاليـة تأصيل المنهج في النقد الروائي العربي»، ضمن عالم الفكـر، المجلس القـومي للثقافة والفنون والآداب – الكويت، المجلد 27، العدد 1، يوليو – سبتمبر 1998، صص. 9-33.
[8] انظر حسـن المنيعـي، المسرح المغربي…، م. س.، حيث يحيل على كتاب أحمد محمد بن الصديق، إقامة الدليل على حرمة التمثيل. وللوقوف على قراءة نقدية لهذا الكتاب، يمكن الرجوع إلى: حسن بحراوي، «الإسـلام والمسـرح: إقـامة الدليـل على حرمة التمثيل»، ضمن مجلـة عـلامـات، مكناس، العدد الرابع، 1994، صص. 7-15.
[9] نقول هذا مع مشاطرتنا إلى حد ما النظرة للمسألة على نحو ما فعله البعض بالنسبة للرواية الإفريقية: «توزعت القضية إلى معسكرين: «أحدهما يرى القصة الأفريقية المعاصرة غربية أساسا، والآخر يراها أفريقية أساسا، وكلاهما يحكم عليها بناء على رؤيته” على حد تعبير بارتولد الذي قدَّم حلا وسطا للخلاف، فقال: إن الرواية غربية على وجه الاصطلاح، ولكن إذا كتبها أفريقي تصبح أفريقية على وجه الاصطلاح أيضا. ومن ثمة سيجد الذين ينطلقون من كونها نوعا أدبيا جذورا غربية في الرواية الأفريقية، وسيجد الذين ينطلقون من كونها وسيلة للتعبير الشخصي أو التعليق الاجتماعي جذورا أفريقية لها». Bonnie, Three African Novelists, p. 9، نقلا عن: د. علي شلش، الأدب الأفريقي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، العدد 171، مارس 1993، ص. 142.
[10] حسـن المنيعـي، المسـرح المغربـي…، م. س.، ص. 19.
[11] يصنف الأنثروبولوجيون أشكال المثاقفة عادة إلى ثلاثة: «مثاقفة عفوية: عندما لا يكون هناك اتصال دائم بين الجماعتين المعنيتين (علاقات تجارية – استيراد إيديولوجيات)؛ مثاقفة قسرية: عندما يفرضها السياق أو الوضعية، لكن إيقاع هذه المثاقفة وكيفيتها يتركان إلى حد ما لمبادرة الجماعات والأفراد؛ وأخيرا مثاقفة إجبارية: عندما يخطط أشكالها الجهاز الحاكم ويفرضها على جميع السكان». انظر على سبيل المثال:
– Selim Abou, L’identité culturelle, relations interethniques et problèmes d’acculturation, Paris, Editions Anthropos, 1986, p. 56-57.
[12] انظر: د. حسن المنيعـي، المسرح المغربي… ، م. س.، ص. 9، حيث يقول: « إن الفهم الجديد للمسرح كان حصيلة تكوين مؤطر من لدن الأجنبي [الغربي، الفرنسي] (أندري فوزان – لوكا)».
[13] Salem Abou, L’identité culturelle…, op., cit., p. 30
[14] G. Grandguillaume, «Culture et identité nationale au Maghreb», Peuples Méditerranéens, N° 9, Déc. 1979, pp. 3 – 28.
أو: ج. غرانغيوم، «اللغة والهوية الوطنية في المغرب العربي»، ضمن اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي، ترجمة: م. أسليم، مكناس، الفارابي للنشر، 1995، صص. 73-105.
[15] انظر: د. حسن المنيعـي، أبحاث في المسرح المغربي، مكناس، مطبعة صوت مكناس، 1974، الفصل الأول: «التقليد المسرحي في المغرب»، صص. 13-30، حيث يعالج المؤلف ظواهر الحلقة، والبساط، وسيدي الكتفي، ثم سلطان الطلبة.
[16] عنـوان الدراسـة: أوضاع المسرح المغربي. وقد أمدنا بها الأستاذ حسن المنيعـي وهي في حالة مخطوط مشكورا.
[17] د. حسن المنيعـي، المسرح المغربي…، م. س.، ص. 11.
[18] نفســـه، ص. 24.
[19] د. حسن المنيعي، «تقديم» كتاب حسن بحراوي، المسرح المغربي. دراسة في الأصول السوسيوثقافية، م. س.، ص. 7.
[20] نفســـه، ص. 7.
[21] نفســـه، ص. 8.
[22] ول ديورانت، قصة الحضــارة، ترجمـة: د. زكي نجيب محمود، بيروت – تونس، دار الجيل، 1986، ج. 3، مج. 1، (الهند وجيرانها)، ص. 31
[23] انظر: صمويل نوح كريمر، إينانا ودوموزي. طقوس الجنس المقدس عند السومريين، ترجمة: نهاد خياطة، طرابلس-بيروت، مكتبة السائح-مختارات، ط. III / 1987.
[24] Jacques, Mariceau, Histoire des rites sexuels, Paris, Robert Laffont, 1971, p. 311.
[25] ول ديورانت، قصـة الحضـارة، م. س.، ج 2، ص. 318.
[26] Abdelhamid & Dalinda Larguèche, Marginales en terre d’Islam, Tunis, Cérès Productions, 1992, p. 24-25.
[27] الكوزموغونيا (أو الأسطورة الكوزموغونية): حكاية تروي البدايات الأولى للكون، وكيفية خلق الإنسان والنباتات والحيوانات. وهذه الأسطورة بقدر ما توجد في جميع الثقافات، تلعبُ دور النموذج الذي تتفرع عنه كافة الأساطير. انظـر:
– Mircea Eliade, «Création – Les Mythes de la création», in Encyclopaedia Universalis, 1995, t. 6, p. 727.
[28] Encyclopaedia Universalis, 1995, (Izanagi & Izanami).
[29] د. حسن المنيعـي، المسرح المغربي….، م. س.، ص. 7.
[30] حسن بحراوي، المسـرح المغربـي…، م. س.، ص. 19.
[31] نفســه، ص. 43.
[32] نفســه، ص. 67.
[33] نفســه، ص. 129-130.
[34] د. حسن المنيعـي، المسرح المغربـي…، م. س.، ص. 6.
[35] نفســـه، ص. 16 – 17.
[36] نفســـه، ص. 7.
[37] د. حسن المنيعـي، «أوضاع المسرح المغربي»، م. س.
[38] نفســه، ص. 5.
[39] نفســه، ص. 6.
[40] نفســه.
[41] نفســه.
[42] حسـن بحراوي، المسرح المغـربـي…، م. س.، ص. 30.
[43] د. حسـن المنيعـي، المسـرح لمغربـي…، م. س.، ص. 16-17.
[44] د. حسـن المنيعـي، تقديـم كتاب حسن بحراوي المسرح المغربي…، م. س. ، ص 12.
[45] لمزيد من التفاصيل يمكن العودة لسائـر أدبيات مبادئ الأنثروبولوجيا. ويمكن أن نذكر منها، على سبيل المثــال، لا الحصـر:
– (S. A), L’Anthropologie, Origines, Développement, concepts, Oeuvres, Théories, Paris, ED.MA, (S.D.); Evans Pritchard, Anthropologie sociale, Payot, P.B.P., 1967.
أو: إ. بريتشارد، الإناسة المجتمعية. ديانة البدائيين في نظريات الإناسيين، ترجمة: حسين قبيسي، بيروت، دار الحداثة، ط. I / الأولى 1986.
– Jean Poirier, Histoire de l’ethnologie, Paris, P.U.F., Que sais-je? (n° 133), 3ème édit., 1984; – François Laplantine, Clefs pour l’anthropologie, Paris, Seghers, 1987; Robert Lowie, Histoire de l’ethnologie classique des origines jusqu’à la 2ème guerre mondiale, Paris, Payot, 1971.
أو: ر. لوي، تاريخ الإثنولوجيا من البدايات حتى الحرب العالمية الثانية، ترجمة: نظير جاهل، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، 1992).
– Jean-Paul Colleyn, Eléments d’anthropologie sociale et culturelle, Bruxelles, Edition de l’université de Bruxelles, 1988.
– د. حسن فهيم، قصـة الأنثروبولوجيا، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة، الكويت، 1986؛ جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، م. س.، 1996.
[46] البقايا أو المخلفات (survivances): «عنصر من ثقافة يعتبر بمثابة شاهد على حالة أقدم للثقافة، أو بمثابة أثر لاتصالات تاريخية بين مجتمعات مختلفة..». عن:
– Michel Panoff et Michel Perrin, Dictionnaire de l’ethnologie, Paris, Payot, 1973.
[47] حســن بحراوي، م. س.، 74-75.
[48] Abdellah Hammoudi, La victime et ses masques, Paris, Seuil, 1989.
انظر ترجمتنا لقراءتين أنجزهما جلبير غرانغيوم في هذا الكتاب. الأولى بعنوان: «كرنفال في المغرب العربي»، الاتحاد الاشتراكي (الملحق الثقافي)، يوم 9 يوليوز، 1989، والثانية تحت عنوان: «الضحية وأقنعتها»، الاتحـاد الاشتراكي، 23 غشت 1989.
[49] حسـن بحـراوي، المسـرح المغربي…، م. س.، ص. 112.
[50] نفســـه، ص. 104.
[51] من الدراسات الهامة التي يمكن الإشارة إليها، في هذا الصدد، بحث غ. بايدزن في موضوع حفل يدعى «النافن»، حيث يقوم أهالي قبيلة الياتمول، بغينيا الجديدة، بقلب أدوار الجنسين، فترتدي النساء ملابس الرجال ويلبس الرجال ثياب النساء… انظر:
– Gregory Bateson, Cérémonie du Naven, trad. Jean. Paul Latouche & Nimet Safouan, revue. et corrigé par Jean Claude Chaboredon & Pascale Maldidier, Paris, les Editions de Minuit, 1971.
[52] Roger Caillois, L’homme et le sacré, Paris, Gallimard, idées, 1950, p. 146.
[53] نفســه، الصفحة ذاتها.
[54] نفسـه، الصفحة ذاتها.
[55] Roger Bastide, Anthropologie appliquée, Paris, Payot, P.B.P., 1971, p. 60.
[56]Sigmund Freud, Totem et tabou, Paris, Payot, P.B.P., 972, p. 20-21.
بالإضافة إلى المراجع السابقة، يمكن الرجوع إلى دراسة هامة
أو: س. فرويد، الطوطم والحرام، ترجمة: جورج طرابيشي، بيروت، دار الطليعة، ط. I / 1983، ص. 21.
[57] R. Bastide, Anthropologie appliquée, op. cit.
كما يمكن الرجوع بشأن هذه النقطـة إلى:
– Georges Devreux, Essais d’ethnopsychiatrie générale, Paris, Gallimard, Tel, 1977, p. 10.
[58] المسرح المغربي…، م. س.، ص. 76.
[59] نفســه، ص. 43.
[60] نفســه، ص. 67.
[61] نفســه، ص. 129-130.
[62] انظر المراجع السابقـة نفسهـا التي أحلنا عليها في الهامش رقم 42 بالدراسة الحالية.
[63] Ralph Linton, De l’homme, Paris, Minuit, 1968, p. 358.
نقلا عن جان بول كولين، مبادئ الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (بالفرنسية)، م. س.، ص. 51.
[64] مرَّ بنا أن هذا التعبير يعود لمحمد عزيزة الذي يدرج ضمن هذه الأشكال مقامات بديع الزمان الهمذاني، ومسرح خيال الظل، ومسرح العرائس. انظر كتابه، الإسلام والمسرح، م.س.، صص. 61-72.
[65] الفـودو هو المعادل التقريبي لظاهرة كناوة في المغرب، إذ يعتبره البعض «ديانة تركيبية لسود بلاد هايتي، تمزج بين عناصر مسيحية وعناصر إفريقية (من أصل داهومي بالخصوص) أدخلها إلى منطقة الكارايبي العبيد الذين ينحدر منهم السكان الحاليون. وتشكل ظواهر المس (possession) سمة هامة لاحتفالات الفودو وطقوسه». عـن:
– Michel Panoff et Michel Perrin, Dictionnaire de l’ethnologie, op. cit.
[66] Alfred Métraux, Le vaudou haïtien, préface de Michel Leiris, Paris, Gallimard, Tel, 1958, p. 113.
[67] Abdelhafid Chlyeh, Les Gnaoua du Maroc. Itinéraires initiatiques, transe et possession, Editions Le Fennec / La Pensée sauvage, 1998, p. 118-119.
[68] يذكر حسن يوسفي أن أقطاب اتجاه أوجينو باربارا المسرحي يعبرون عن نزعتهم بـ «الأنثروبولوجيا المسرحية»، وأنشأوا معهدا دوليا لهذا الحقل المعرفي. انظر: ح. يوسفي، «الحساسية الأنثروبولوجية بين المسرح الغربي والمسرح المغربي: مطارحات حول مفهوم “العودة إلى الأصول”»، ضمن فكـر ونقـد، العدد: 15، يناير 1999، صص. 47-60. هذا، وفي حدود علمنا لا يوجد سوى باحث أنثروبولوجي واحد اهتم بالظواهر المسرحية انطلاقا من طقوس مس الأرواح والجن والجذبة، وهو ميشيل ليريس الذي ألف كتابا في الموضوع تحت عنوان:
– Michel Leiris, La possession et ses aspects théâtrales chez les Ethiopiens de Gondar, Paris, le Sycomore. ، بالإضافة إلى الكتاب الذي يحيل عليه الأستاذ حسن المنيعي تحت عنوان المسرح والفودو (Théâtre et Vaudou)، فضلا عن كتاب القدرات الساحرة (Dominique Camus, Pouvoirs sorciers, Paris, Imago, 1988)، الذي سخر فيه صاحبه مصطلحات مسرحية، كالدراما، والخشبة، والأدوار، والممثلين، والإخراج، لكن دون أن يمضي في هذا التوظيف إلى حد جعل مؤلفه قابلا لإفادة المتخصصين في قطاع المسرح. ويذكر حسن يوسفي في دراسته الآنفة بحثا آخر هو:
– A. Simon, Les signes et les songes: essai sur le théâtre et la fête.
ويبدو أن هذا الموضوع (دراسة الجوانب المسرحية في الطقوس) قد أخذ مؤخرا يستقطب اهتمام الباحثين المغاربة. يمكن الإشارة، على سبيل المثال، إلى الدراسات الثلاث الآتية (لنلاحظ التطابق بين عنوان الأولى وعنوان مؤلف ميشال ليرس السابق الذكر، وإن كانت كاتبته لا تذكر ليرس في قائمتها الببليوغرافية):
– Laïla Belhaj, «La possession et ses aspects théâtraux chez les Aïssaouas d’Afrique du Nord», op. cit.
– نوال بنبراهيم، «الأشكال المسرحية المغربية الأولى. فرجة اللبوءات والأسود نموذجا»، م.س.؛ سعيد الناجي، صناعة الفرجة في احتفال سلطان الطلبة»، ضمن فكـر ونقـد، العدد: 15، يناير 1999، صص. 79-96.
[69] انظر: «لقاء مع جورج ديفريه (G. Devreux) مؤسس التحليل النفسي الإثني»، ترجمة: لجنة الترجمة / أ. عكازي، ضمن الثقافة النفسية، بيروت، مركز الدراسات النفسية والنفسية – الجسدية، العدد 12، المجلد الثالث، تشرين الأول [أكتوبر] 1992، صص. 12-15.
[70] عيسى مخلوف في ترجمته لدراسة جان فرانسوا كليمان «الوزراء السبعة»، مواقف، ع 61/62، صص. 30 – 47.
[71] حول نشأة مؤسسة الطب العقلي بفرنسا، يمكن الرجوع إلى:
– Michel Foucault, Histoire de la Folie à l’âge classique (Folie et déraison), Paris, Plon, 1961; Gladys Swain, Le Sujet de la Folie. Naissance de la psychiatrie, Toulouse, Privat, 1977.
[72] كتبتْ مئاتُ المصنفات حول هذه الظاهرة. يمكن العودة، على سبيل المثال، إلى:
– Julio Caro Baroja, Les sorcières et leurs monde, Traduit de l’espagnol par M. -A. Sarrailh Paris, Gallimard, 1972; Josane Charpentier, La sorcellerie en pays basque, Paris, Guénégaud, 1977; Jean Palou, La sorcellerie, Paris, P.U.F., Que sais-je?, 1973.
[73] أول من أعرب عن هذا الرأي المؤرخ الفرنسي الكبير ميشليه في كتابه «الساحرة». حول هذه النقطة راجع: كاترين باكيس-كليمون، «الموضوع الرديء»، ضمن مؤلف جماعي، أبحاث في السحر، ترجمـة: م. أسليـم، مكناس، مطبعة سندي، ط. I / 1995، صص. 49-63.
[74] يراجع بهذا الصدد المقارنة التي أجراها كلود ليفي ستراوس بين الساحر والمحلل النفساني، في دراسته «الفعالية الرمزية» المنشورة في كتابه الأنثروبولوجيا البنيوية (بالفرنسية)، باريس، بلون، 1958، 1973، ج1، صص. 205 – 226؛ أو ترجمته العربية، إنجاز: حسن قبيسي، الإناسة البنيوية، بيروت – البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1995، صص. 203-223.
[75] حول هذه المسألة، يمكن الرجوع إلى:
– Mohamed Mjouti, Hôpital psychiatrique et thérapies traditionnelles au Maroc, thèse pour le Doctorat de 3ème cycle, Toulouse Le Mirail, 1983, pp. 37-72; Souad Berrada, Maraboutisme et maladies mentales au Maroc, thèse pour le Doctorat de 3ème cycle , Paris VII, 1982, pp. 126-172; Jalil Bennani, La psychanalyse au pays des saints, Casablanca, Ed. Le Fenec, 1996, Ch. I.
[76] عن حسـن المنيعـي، المسرح المغربي…، م. س.، ص. 22.
[77] استخلصنا هذا التعريف للأسطورة من:
– Claude Lévi-Strauss, Anthropologie structurale, Paris, Plon, 1958, 1973, t. 1, p. 231; Mircea Eliade, Le sacré et le profane, Paris, Gallimard, idées, 1967, pp. 67-82; Jean Brun, L’Homme et le langage, Paris, P.U.F., 1985, p. 86.
[78] في هذا الصَّدد يقول ببير شوني: «إن المجتمع المدني لا يستطيع التلفظ بخطاب حول معنى الحياة والوجود والمصير. أما الخطاب العلمي فيلتزم برفض كل اشتغال لاهوتي، وذلك ليتأتى بناء التماسك الذي تنطوي عليه الظواهر، علما بأنه مفروض عليه أن يقوم بهذا التشييد. و البحث عن المعنى، والمصير، والهدف، أمور لا تدخل في مجال هذا الخطاب؛ لأن من شأن اعتبار المعنى والهدف أن يعود بالمعرفة إلى الوراء، ويقحم فيها هامشا من الخطأ». انظر:
– Pierre Chaunu, La mémoire et le sacré, Calmann-Lévy, Pluriel, 1978, p. 290-291.
[79] يمكن العودة بهذا الصدد، على سبيل المثال، إلى:
– Germaine Taillon, Le Harem et les cousins, Paris, Seuil, Points, 1966; Fatima Zerdoumi, Enfants d’hier, l’éducation de l’enfant en milieu traditionnel algérien, Paris, Maspéro, 1970; Pierre Bourdieu, Le sens pratique, Paris, Minuit, 1980, pp. 441 – 446; Fatima Mernissi, Sexe, Idéologie, Islam, Paris, Tierce, 1983.
[80] ج. غرانغيـوم، الأب المقلوب واللغة الممنوعة»، ضمن اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي، ترجمة: م. أسليم، مكناس، الفارابي للنشر، 1995، صص. 110-111.
[81] يعتبر ريتشار وسيوري الفن من أجل المنفعة، والمقايضة بدل النقد، إحدى الخصائص الأساسية للفن الإفريقي التقليدي. راجع مقالهما:
– R. Richard et J. Seury, «Socio-critique et littératures africaines», in L’Afrique Littéraire et Artistique, (Critique et réception des littératures Négro-Africaines), N° 50, 1979, pp. 69-76.
[82] نقف في كتاب حديث لعمر منير، جمع فيه أحاديث الحلايقية، على الانحطاط الرهيب الذي يشهده قصاص الحلقة، إذ يقول: «لم يعد القصاص سوى راسب من الماضي. مضى زمن كان فيه هو والشاعر يدخلان في جملة الشخصيات الأشد أهمية في المدينة. فقد كان (القصاص) يحضر في الحفلات وينشط، في مناسبات مختلفة، الأسمار داخل العائلات. وكان يتلقى هباتٍ اعترافا بموهبته، وعندما كان يشتغل في ساحة عمومية، كان نوع من الميثاق الضمني يربطه بالحاضرين ويجعل الميسورين يؤدون محل المحتاجين، ذلك أن الجميع كان له الحق في السرور. انظر:
– Omar Mounir, Paroles de Charlatan, Casablanca, Eddif, 1992, p. 8-9.
وبعد ذلك بقليل كتب المؤلف: «صار القصاص متسولا. فهو يقدم الفرجة ويتسول أجر متاعبه. لم تعد هذه المهنة لا تعيل صاحبها إلا بصعوبة فحسب، بل وصارت تلحق به الإهانة»، نفسـه، ص. 9. وللوقوف على واقع انحطاط المهنة كما يرويه القصاص نفسه، راجع: الكتاب ذاتـه، صص. 9-10.
[83] كان ذلك، طبعا، قبل صدور المذكرة الملكية الخاصة بهذا القطاع، وتخصيص وزارة الثقافة في أول حكومة تناوب بالمغرب (1998) شطرا من ميزانيتها لدعم الفرق المسرحية، ابتداء من الموسم الثقافي 1998-1999. وللوقوف على علاقة المسرح بالدولة (المغربية)، قبل هذا التاريخ، يمكن الرجوع إلى دراسة عبد الواحد عزري، المسرح المغربي… (بالفرنسية)، م. س.، صص. 57-99، حيث يخصص المؤلف فصلا للموضوع بالعنوان نفسه.
[84] حول هذه المسألة راجع: ج. غرانغيـوم، «الأب المقلوب واللغة الممنوعة»، م. س.
[85] يقول ليفي ستروس بصدد أحد السحرة: «لم يصر قصاليد ساحرا كبيرا لأنه كان يعالج مرضاه، بل كان يشفي مرضاه لأنه كان ساحرا كبيرا». انظر:
– Claude Lévi-Strauss, Anthropologie structurale, Paris, Plon, 1958, 1973, t. 1, p. 198.
أو: ليفي ستروس، الإناسة البنيوية، ترجمة: حسين قبيسي، بيروت-البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1996، ص. 197.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الثلاثاء 04-09-2012 04:38 صباحا

الاخبار العاجلة