Warning: Undefined array key 0 in /home/aslim/public_html/wp-content/themes/amnews/includes/filters.php on line 1374
Warning: Undefined array key 0 in /home/aslim/public_html/wp-content/themes/amnews/includes/filters.php on line 1374
تمهيد:
تعيش المجتمعات البشرية قاطبة اليوم فترة تحول عميقة لا يسلم منها أي قطاع من قطاعات الحياة المادية في بعديها الطبيعي والاصطناعي (أو الرمزي على حد تعبير جاك لاكان)، وبالمثل لا ينجو منها أي صعيد من أصعدة الفكر والعلم والثقافة.
مداخل هذه التحولات متعددة جدا: علمية تقنية معرفية اقتصادية، الخ. وهي من التشابك والتركيب بحيث يمكن اتخاذ أي منها مدخلا للنفاذ إلى مجموع مكونات العالم الذي نعيشه بقدر ما لا يمكن الحديث عن قطاع بمعزل عن الباقي.
لقد أفرزت الثورة الجديدة نسقها الرمزي ممتثلا في الثقافة الرقمية التي تشكل الثقافة سوى أحد مكونات سبع لا يمكن الحديث عن أي منها بمعزل عن الآخر، وهي: التكنولوجيا، والثقافة، والمجتمع، والاقتصاد، والقانون، والجيوسياسة[1].
نحن في الوقت الراهن لا زلنا في بداية هذه الثورة التي يشبهها البعضُ بموجة هي الآن بصدد جرف كل شيء، وإذا لم يكن بإمكان أحد معرفة أي شاطئ ستحملنا إليه قبل أن تتلاشى، فالمؤكد أنَّ هذا التلاشي لن يتم قبل حوالي عقد إلى عقد ونصف[2].
لا يتسع المقام لبسط مرتكزات هذا اليقين الذي يستند إلى التطور والسرعة المذهلين الذين يعرفهما حقل الصناعات التكنولوجية بالخصوص، في كافة الأصعدة، بحيث صارت أجيال المصنوع الواحد تتعاقب في ظرف وجيز جدا، على نحو ولى فيه زمن الاطمئنان إلى إمكان استعمال الأداة الواحدة لعدة سنوات، لا لشيء سوى لأنها تتعرض للتجاوز والإلغاء في ظرف وجيز، ما يقتضي وضعها في المتحف في وقت قياسي، وما أدى ببعض المفكرين إلى القول بأننا دخلنا مرحلة نهاية الملكية الفردية لفائدة عصر أو النفاذ أو لوج الخدمات الدائمة المؤدى عنها[3].
في المقابل، تسعى الورقة الحالية إلى استشراف مستقبل الأدب، بما هو مؤسسة وإنتاج فكري ثقافي، في ظل هذه الثورة التي نعيش اليوم ثالث محطة في تاريخها[4]، وذلك بالاقتصار على جانب واحد منها، وهو كونها تقنية لتسجيل الذاكرة.
يعيش الأدب اليوم حصارا رُباعيا قد يؤشر على نهايته، أو يؤشر على الأقل على دخوله مرحلة قطيعة على غرار ما يجري في العلم عندما يشهد ثورة كبرى تُنعتُ عادة بـ «إبدال جديد nouveau paradigme»[5]. هذا الحصار تمارسه أداة الإنتاج، والنهاية الوشيكة للورق، واحتمالان آخران، هما: نهاية الكتابة ونهاية الإنسان الحالي نفسه على إثر ترقيته أو تحسينه أو الزيادة فيه في غضون العقود المقبلة.
وعلى هذه النقط الأربعة ستركز الورقة الحالية:
1.الأدب وأداة الإنتاج
بات مما يدخل في باب المسلمات في حقول الأنثروبولوجيا والبيولوجيا أن كلا من تطور الدماغ واكتشاف الإنسان للغة والفكر الرمزي والأداة قد لعب دورا حاسما في انتخاب الجنس البشري ليحتل المكانة التي يشغلها الآن في كوكب الأرض، حيث تميز عن مجموع الكائنات البيولوجية بالعقل والذكاء وبناء حضارة مكنته ليس من تأمين غذائه والخلاص نسبيا عنف الطبيعة فحسب، بل وكذلك من القدرة على التدخل فيها وتعديل وجهة مسارها[6].
مهما تكن الأداة، يمكن اعتبارها في نهاية المطاف مُرادفا للوسيط بين الإنسان والعالم: فاللغة وسيط يمكن الفرد من إخراج وترجمة ما يعتمل في ذهنه من أفكار ونوايا، الخ. لولاها لكان كل فرد يشبه علبة مُغلقة ولظل الجسد هو الوسيلة الوحيد للتعامل مع العالم على نحو ما كان عليه الأمر في العصور السحيقة: « «لا نستهن بالكلمة! فهي أداة للسلطة (…) حقا في البدء كان الفعل، أما الكلمة، فلم تأت إلا فيما بعد. وقد حققت الحضارة تقدما كبيرا عندما تمكَّن الفعلُ من الاعتدال إلى أن صار كلمة»[7]. اللغة وسيطٌ بين ما يجري في ذهن كل فرد وآخر، مجموعة بشرية وأخرى وإلا لعاش الجميع على شكل علب مُغلقة لا سبيل للقاء بينها سوى الجسد، على غرار ما كان يحصل في حقبة ما قبل اللغة، وما يحصل اليوم مع سائر المخلوقات التي لا تتكلم.
وسائر ما يُحيط بنا من اختراعات هو في نهاية المطاف وسائط أو بدائل لجسد الإنسان: وسائل المواصلات قاطبة التقليدي منها (حيوانات) والآلي (عربة، سيارة، طائرة، الخ.) هي وسائط أو بدائل للقدمين[8]، والأسلحة قاطبة التقليدي منها والعصري (أحجار، منجنيق، أسلحة بيضاء، سيوف، رماح، قنابل، دبابات، الخ.) هي وسائط أو بدائل ليد الإنسان: يرى سلوتردايك أن الفعل التقني هو ما أتاح لنوعنا البشري أن ينتقل من طول ما قبل الإنسان إلى رُتبة الإنسان: «ليست الحركة geste المؤسسة للجنس البشري هي الكلمة الأولى المتمفصلة، ولا رسم حدود بينه وبين العالم، بل هي إلقاء الحجر، وهذه الحركة هي أيضا ما يؤسس السياسة»[9].
خلال المسيرة الطويلة لتطور الجنس البشري شكلت الأداة وسيلة لتدوين الفكر والذاكرة، وبتراكم هذا التسجيل تيسَّر النقل الثقافي والعلمي عبر الأجيال، ما مكَّن البشرية من تكوين ذاكرة على المدى البعيد[10].
شكل ابتكار الكتابة حدثا هاما في تاريخ البشرية، والكتابة نشاطٌ تكنولوجي يقتضي استعمال أداة تطورت عبر العصور بما جعلها تحقق تراكما له تاريخه الخاص. الأطروحة المركزية لهذه الورقة هي أنَّ الأدب على نحو ما نعرفه اليوم، ووصلنا منذ قرون، سواء من حيث تمثله أو القيمة التي يحظى بها أو إنتاجه وتداوله، إنما هو حصيلة تراكم يدخل اليومَ في طور قطيعة جراء الاختلاف الجوهري بين سائر الأدوات التي تمَّ بها حفظه ونقله وتداوله منذ ظهوره إلى اليوم والأداة الجديدة المتمثلة في جهاز الحاسوب.
إذا كانت الأداة هي العمود الفقري تطور الإنسان وبلوغه ما بلغ اليوم، فماذا سيحصل لو اختفت من الخارج وصار مقامها جسد الإنسان نفسه على نحو ما يبشر به البعضُ وتبرهن على إمكانيته مجموعة من الإنجازات العلمية، مثل قيادة السيارة بأوامر الدماغ والتواصل عن بُعد بدون هاتف ولا شبكة أنترنت؟
كان الأدب على الدوام منتوجا نفيسا يقتضي الجمع والحفظ أو التخزين في أماكن آمنة بغاية استعادته وتناقله من جيل لآخر. استمد قيمته القصوى من اختلافه عن الكلام اليومي العادي، ما جعل إنتاجه ليس في متناول سائر الناس، لكنه استمدها أيضا من سهولة تعرضه للتلاشي والنسيان ما لم يُحفَظ. كونُه ليس في متناول سائر الناس خلق ما يسمى بالأديب، وهو شخص حظي بوضع اعتباري خاص في سائر الثقافات والمجتمعات، وكونه هشا استدعى تقنيات لجمعه وحفظه، بمعنى إبقائه.
هذا الحفظ له تاريخه:
في الأزمنة الشفاهية، كان يتولى المهمة الرواة، والطريقة هي الحفظ، والحامل هو الذاكرة. وحيث يتعذر استنساخ هذه الأخيرة، فقد كان التلقي يقتضي الحضور الفعلي أمام الراوي، وكانت وسيلة البث والنشر هي الإلقاء اللغوي، وكان بالتالي تذوق الأدب يمر عبر الأذن. في تلك الأزمنة كان موت شيخ يعادل حرق مكتبة كاملة[11]؛ ولما ظهرت الكتابة، منذ حوالي 4000 سنة، صارت حوامل النصوص الأدبية مادية، وعرفت بدورها تطورا بلغ ذروته في القرن الثاني قبل الميلاد، عندما تمَّ اكتشاف الدفتر، لأسباب دينية (حاجة المسيحية إلى نشر الكتاب المقدس) واقتصادية (ارتفاع كلفة ورد البردي المستورد من مصر). كان يُصنع الدفتر من جلود الحيوانات، ويتيح الكتابة من وجهي الصفحة، ويسع الواحد منه حوالي 300 صفحة[12]. صار الكتاب هو حامل الأدب، وظهر الشارح والمفسِّر[13]، أبُ الناقد طبعا، كما ظهر النحو والبلاغة وسائر علوم تأويل النصوص، وظهر أيضا المؤلف الذي كان وضعه الاعتباري في الأزمنة الشفهية إما غير موجود وغير هام أصلا، كما في حالة النصوص التي لا يُعرف لها مؤلف، وتتعرض للزيادة والنقصان، عبر الأزمنة، بفعل تناقلها بين الأجيال، أو كان هشَّا ومحاطا بهالة من الأساطير، كما في حالة الشعر العربي الجاهلي.
بظهور الدفتر، صار أيضا بالإمكان استنساخ الكتاب واقتناء نسخ منه. بتعبير آخر، دخلت الكتابة دورة الصناعة، وظهر حرفيون مختصون في إنتاج الكتاب وتسويقه، إن جاز التعبير، وهم الوراقون[14]. زاد عدد الأدباء، وظهرت أجناس أدبية لم يكن بالإمكان ظهورها لا في أزمنة المشافهة ولا في أزمنة الكتابة الأولى، حيث كانت الحوامل نادرة ومكلفة. زيادة عدد الأدباء والمتعلمين والمتلقين يفيد زيادة قوة تأثير الأدب وإسهامه في أنسنة الإنسان، ونشر القيم، الخ. يكفي تصفح أي كتاب من كتب تاريخ الأدب في أية ثقافة لملاحظة كيف أنه بمدى التوغل إلى الوراء، في اتجاه أزمنة المشافهة، تشح أسماء الأدباء وتقل النصوص الصغيرة لفائدة الملاحم والنصوص الكبرى، وبمدى التقدم إلى الأمام، ابتداء من تاريخ ابتكار الدفتر تكثر أسماء الأدباء والنقاد، والنصوص الصغرى. بعبارة واحدة، كان من نتائج ابتكار الدفتر الكبرى تحوُّّّّّّّّّّّّّل الأدب إلى مؤسسة.
لكن في منتصف القرن XVم، سيحصل حدث عظيم في تاريخ البشرية، وهو اختراع المطبعة من لدن الألماني يوهان جتنبرغ. أدى الاختراع الجديد إلى الانتقال من عصر المخطوط إلى زمن الكتاب الذي سيطبع القرون الخمسة الأخيرة، ونعيش اليوم آخر حلقاته؛ ففي سنة 2000 تمَّ تنظيم ندوة تحت عنوان: «وداعا جتنبرغ»[15].
من الصعب حصر كافة وجوه الثورة التي أحدثتها المطبعة، لأنها ساهمت، وبشكل حاسم، في تشكيل العالم الذي نعيش اليوم، من ثورتين صناعيتين أولى وثانية، وتوسعات استعمارية، وجر شعوب العالم قاطبة إلى الزمن الحديث، فالعولمة التي تطرق اليومَ أبوابَ سائر بقاع المعمور، الخ.، على غرار ما تساهم، وبشكل حاسم أيضا الثورة الرقمية في تشكيل العالم الذي نحن بصدد الدخول إليه. في المقابل، يمكن رسم الخطوط العريضة للتغييرات التي لحقت بالمؤسسة الأدبية، جراء ظهور المطبعة، على النحو التالي:
– إمكانية إنتاج عدد كبير جدا، وفي وقت وجيز، من نسخ المؤلف الواحد، وبصورة متطابقة، يغيب فيها ضجيج المخطوط الذي اقتضى قيام علم تحقيق المخطوطات لتخليص كتاب ما من شوائب النقل والتحريف القصدي أو العرضي الذي كان يطال العمل جراء تناقله بين الأجيال؛
– اتساع دائرة القراء والأدباء بشكل غير مسبوق، بسبب قلة كلفة إنتاج الكتاب مقارنة مع زمن المخطوط، ما جعل بعض مؤرخي الكتاب ينعت الظاهرة بـ «سُعَارُ القراءة[16] la rage de lire»، بألمانيا في زمن غوتة بالخصوص. صدر لأراسموس (1469 –1517م) Erasme خلال حياته ستون طبعة من كتابه «أقوال مأثورة»[17]، وأربعون طبعة من كتابه الثناء على الطيش «Éloge de la folie [18]، كما «عُرض نحو 15 مليون كتاب في الأسواق على مدى أربعين عاما، ما بين السنوات 1400 و1500»[19].
– ظهور القراءة الصامتة، مقابل نظيرتها الصائتة التي كانت تقتضيها نُدرة الحوامل السابقة، حيث كان يتولى شخص واحد قراءة الكتاب على جمهور من الحاضرين. نحن هنا إزاء خطوة عملاقة مقارنة مع نظيرتها التي تمت مع ظهور الدفتر متمثلة في استدراج العين والذهن إلى القراءة بدل البقاء في أسر اللسان والأذن. ولهذا التحول عاقبتان: إحداهما على الكتاب نفسه والثانية على القارئ.
بخصوص الكتاب، ستتاحُ إمكانيات جديدة لتنظيم فضاء الصفحة، حيث ستظهر الفقرات والنقط والفواصل وفصول الكتاب وأبوابه وفهارس محتوياته، الخ. أما على صعيد القارئ، فستتاحُ له إمكانية الانفراد بالنص وإعمال فكره النقدي والتحليلي بعيدا عن وصاية الوسطاء السابقين. من هذه الزاوية لا يتردد بعض مؤرخي الكتاب في اعتبار ابتكار المطبعة شكل وبالا على الكنيسة وملوك أوروبا آنذاك في وقت واحد، إذ أبعدت القراءة النقدية المؤمنين عن الكنيسة وجعلت الرعايا يشقون عصا الطاعة على ملوكهم (الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ممثلين لسلطة الله في الأرض)[20].
– ظهور القراءة التوسعية extensive وهي قراءة عدد كبير من الكتب بدل القراءة المكثفة extensive التي كانت تقتصر على عدد محدود جدا من الكتب بسبب ندرتها طبعا. الأولى تسجن القارئ ضمن عدد محصور من المتون التي يقرأها القارئ ويعيد قراءتها ويحفظها عن ظهر قلب، ويتم تناقلها جيلا عن جيل[21]، ما يجعل القراءة هنا معادلا على نحو ما لنشاط الحفظ في الأزمنة الشفهية، في حين تحرر الثانية القارئ من شبيه الحفظ هذا وتتيح له التنقل بين عدد كبير من الأعمال والربط بينها وممارسة فكره النقدي ومنهج الشك الذي لا يستثني أي مجال من مجالات الكتابة[22]، ممهدة بذلك الطريق إلى تحول الأدب إلى منتوج استهلاكي، وإلى ظهور هذا النوع الجديد من القراءة الذي انتشر مع الرقمية، ويطلق عليه اسم الزابينغ؛
– ظهور أجناس أدبية جديدة، مثل القصة والقصة القصيرة والرواية؛
– مع المطبعة أيضا، شهدت مأسسة الأدب التي انطلقت مع ظهور حرفة الوراقة خطوة عملاقة؛ فبقدر ما صار إنتاج الكتاب عملية كثيفة وسهلة وسريعة، خلافا لعصر المخطوط، وضعت على إنتاج الكتاب نفسه ورواجه قيودٌ لم تُعهَد من قبل، لأسباب اقتصادية:
في عصر المخطوط، كان بإمكان أي كانَ يتوفر على القدرة على الكتابة أن يقوم يدويا بتدوين كتاب، أو استنساخه، دونَ استئذان أحد، وهنا مكن سر وصول الأعمال التي تصنف في باب الأدب الشعبي في التراث العربي، مثل ألف ليلة وليلة وسيرة بني هلال وسيف بن ذي يزن، وكنانيش عدة، منحتها الرقمية اليوم سُبُل الظهور والرواج. في تلك الحقبة كانت حرية التأليف والاستنساخ لا تُقيَّدُ عُمُوما إلا بعجز تقني يتمثل في غياب الأداة الكفيلة بإنتاج عدد كبير من النسخ ونشره بين الناس.
أما في عصر الكتاب، فاختفت الحرية السابقة، لكون العمل الأدبي صار مجال استثمار مالي. فقد وجدت البورجوازية في الكتاب، باعتباره منتوجا صناعيا، مادة للاستثمار والتسويق[23]، ثم إنَّ لا ناشر يقبل المغامرة بنشر مؤلف غير مضمون مردودية الاستثمار، ومن ثمة ظهور سلسلة وسطاء بين المؤلف والقارئ، هي دور النشر نفسها، ثم هيئات القراءة والتحرير التي تمنح – أو تمنع – تأشيرة مرور هذا العمل أو ذاك إلى السوق الأدبية، وشركات التوزيع، ونقط البيع (أكشاك، مكتبات، الخ.)، هو ما عزَّزَ هالة الأديب السابقة ورسَّخَ وضعه الاعتباري وسلطته الرمزية داخل المجتمع، وخلق ظاهرة الأعلام الأدبية الكبرى التي بفعل ظهور شبكات النقل والمواصلات التي اختزلت المسافات والأزمنة بين أرجاء المعمور، وبفعل التواصل والمثاقفة بين الشعوب، وانتشار الترجمة، أحرز بعضهم على شهرة عالمية. الجميع يعرف اليوم إرنست همنغواي وفكتور هوغو ورابندرانه طاغور وبودلير وشكسبير، الخ.
مع الثورة الرقمية ستشهد المؤسسة الأدبية اهتزازا عميقا يُشبه زلزالا؛
فمن جهة، عبر أداة الحاسوب، تواصلتْ بأعداد هائلة وبإيقاع خيالي عملية الإنتاج الكثيف للنصوص والأعمال المكتوبة التي كانت قد انطلقت مع اختراع المطبعة، حيثُ بات بإمكان العمل الأدبي أن يخترق الحدود المادية والزمانية وإكراهات السحب، فيُستنسخ في الأرجاء الأربع للكوكب على مدار الساعة.
وما يميز الحاسوب عن جميع الوسائط السابقة كونه جهاز يؤدي وظائف خمس في آن واحد، هي: الكتابة والقراءة والتخزين والبث والاستقبال.
الكتابة تتم عبر تشفير سائر البيانات (كتابة، صورة، صوت) بالنظام الزوجي 0 و1، ما يحولها إلى أشياء مجرَّدة immatériels ويتيح تخزينها بكميات هائلة، تزداد يوما بعد يوم بفعل تصاعد الطاقة التخزينية للأقراص الصلبة، كما يتيح استعادتها في وقت قياسي، بشكلها الأصلي، عبر سحبها على الطابعة، في حالة رقمنتها بصيغة الصورة، أو بعرضها على الشاشة، في حالة التخزين بصيغة النص. أما البث والاستقبال فلا يكفي أي حاسوب للقيام بالعمليتين معا سوى أن يكون متصلا بشبكة الأنترنت، هذه الشبكة التي هي في الواقع «تركيب من الهاتف والرسائل البريدية ووكالة الزواج والـ traderx والكازينو وعدد كبير من الخدمات النافعة وغير النافعة»[24]. على هذا النحو يمكن لأي جهاز أن يُرسل مواد لباقي الأجهزة في أي نقطة في العالم، كما يمكنه أن يتلقى منها أيضا مواد منه، من موقع يختفي فيه المركز والمحيط، لأن الشبكة لا وجود فيها لمركز ولا لمحيط[25].
بذلك أمد تطور المعلوميات اليوم جزءا هاما من حلم علماء، أمثال فانيفار بوش وبول أوتليه وأدباء أمثال جول فيرن وبول فاليري ولوي بورخيص[26]، بتحقيق مكتبة كونية تجمع سائر منتوجات البشرية، بأسباب التحقق.:
في عام 1945، من موقع الانشغال بتخزين المنتوجات المعرفية والعلمية وتيسير استعادتها، إمكانية رقمنة مجموع المنتوجات الفكرية البشرية منذ اختراع الكتابة في ميكروفيلمات تسعها شاحنة واحدة، ثم يتم تخزينها بحيث تتيسر استعادتها عبر جهاز يُشبه مكتبا، أسماه الميميكس[27]…
فمع شبكة الأنترنت، تشهد اليوم المكتبات الورقية هجرة ضخمة إلى الرفوف الافتراضية، ما أفضى إلى تشييد معالم هامة من الموارد الفكرية والأدبية إما للتسويق، كما في حالة خزانة قوقل، أو للعرض بغاية التصفح والتنزيل المجانيين. من أشهر المشاريع في المجالات الأنجليزية والعربية والفرنسية وحدها:
– مشروع جتنبرغ http://gallica.bnf.fr: افتتحت في اكتوبر 1997، ويتم إغناؤها بانتظام بحيث بلغ فاق عدد وثائقها اليوم 000 860 على الخط، 000 320 مرقمن بصيغة النص.
– قاعدة بيانات فرانتيكست www.frantext.fr: تتضمن 3737 نصا في العلوم والفنون والآداب والتقنيات، من ق XVI م إلى ق. XX م، منشورة على شكل متن يتألف من 80% من الأعمال الأدبية و20% من المؤلفات التقنية.
– الموسوعة الشاملة www.islamport.com: تضم 5300 كتابا بصيغة النص، يمكن تحميلها مجانا من الشبكة وتثبيتها في الجهاز، كما يُمكن استشارتها انطلاقا من موقع يعد أضخم محرك بحث في الثقافة الإسلامية لما يوفره من خيارات عديدة في الوصول إلى المعلومات.
– الموسوعة العالمية للشعر العربي www.adab.com: تشتمل على عدد هائل من قصائد الشعر العربي (القديم والحديث) الفصيح والشعر العامي والشعر العالمي وسير أدباء عرب، ونصوص ترجمات أعمال عربية إلى الأنجليزية، إضافة إلى قصائد سمعية.
– مكتبة الإسكندرية www.bib-alex.com: وتشتمل على 20 ألف كتاب بنسخته الكاملة في شتى فروع المعرفة (أدب وعلوم إنسانية، فلسفة، فقه، الخ.) موضوع للتحميل المجاني.
– موقع اتحاد الكتاب العرب awu-dam.net: ويضم النصوص الكاملة لعدد كبير من الكتب والمجلات التي يصدرها الاتحاد.
– موقع المصطفى www.al-mostafa.info: يشتمل على عشرات آلاف الكتب العربية من سائر الحقول المعرفية والإبداعية.
– مواقع رفع الملفات مثل www.archive.org وwww.4shared.com: وتحوي عشرات آلاف الكتب العربية التي يقوم أفراد مجهولون بمسحها ضوئيا ووضعها رهن إشارة التنزيل المجاني.
لكن من جهة أخرى، ثمة ما يُشبه عودة إلى مرحلة ما قبل مأسسة الأدب، أو بالأحرى، ثمة عملية تفكيك للمؤسسة الأدبية وعودة إلى أزمنة المشافهة الأولى[29]، حيثُ لم يُعد بإمكان من يكتبُ أدبا – حقيقيا كان أم مزعوما – في حاجة إلى الحصول على تأشيرة أي سلطة أو وسيط للمرور إلى القارئ عدى وساطة جهاز حاسوب متصل بشبكة الأنترنت، وهو متطلب يتيسر الوصول إليه يوما بعد يوم بفعل التطور الحاصل في مجال تصنيع الحواسيب[30] والتشبيك الذي تخضع له كافة أقطار المعمور اليوم في سياق العولمة واقتصاد السوق، لكن أيضا – وأهم من ذلك – في سياق ظهور فضاء جديد اسمه «فضاء الإعلام[31] «info-sphère، انضاف إلى مكونات النسق الإيكولوجي الذي كان قبل الثورة الرقمية يتألف من أربعة أنظمة فرعية لا غير، وهي: «الهواء أو الغلاف الجوي athmosphère، وفضاء الحياة biosphère؛ وكتلة الماء hydroshère أو المحيط الحيوي، ثم الأرض أو الغلاف الصخري lythosphère»[32]. في فضاء الإعلام هذا لم يعد الإنسان وحدة مستقلة بقدر ما صار كائنا حيا معلوماتيا inforg يعيش في فضاء يسوده التشبيك بين الكائنات الحية المعلوماتية والآلات العاقلة والأشياء المادية التي تتحول إلى معلومات في عملية سحب كبيرة للواقع إلى العالم الافتراضي، ستفضي قريبا، مع ظهور الويب 3 أو أنترنت الأشياء[33]، إلى اختفاء التمييز بين ما نسميه اليوم بالاتصال on-line والانفصال off- line لفائدة اتصال مباشر دائم، ما يؤدي إلى تعذر الاتصال بالعالم الخارجي دون المرور من العالم الافتراضي، ويطرح سؤال ما إذا كان الثاني سيبتلع الأول…
تشكل سنة 2004 نقطة حاسمة في هذا التحول، إذ ظهر ما يُسمى بالويب 2، الذي يتميز أساسا بمنح رواد الأنترنت إمكانة النشر الواسع والتفاعل بشكل غير مسبوق، وذلك عبر المدونات والشبكات الاجتماعية، مثل يوتيوب وفايسبوك وغيرهما، وبذلك صارت أداة الإنتاج في متناول الجميع، ما أزال عمليا عن الأدب هالت، فصار إنتاجا لحظيا استهلاكيا، واختفت الحواجز بين الكاتب والقارئ، كما صار صار بإمكان الجميع أن يكتب نصوصا أدبية ويُدرجها في الجنس الذي يشاء دون استئذان أحد، واختفت القيم الجمالية الكبرى المشتركة لفائدة قيم جماعات صغيرة، يُسميها البعضُ بالقبلية الجديدة، كما غدا بعض الأدباء يتقبلون الأخطاء، ويزكونها ضمنيا بحضوره.www.gutenberg.org: أخذ على عاتقه رقمنة الأعمال الأدبية المنتمية إلى المجال العمومي، ووضعها مجانا على الخط، وبلغت حصيلة عمله اليوم 000 33 كتاب بـ 14 لغة تغيب فيها العربية)، صرح صاحب الموقع عزمه على نقلها إلى مليار كتاب ليتجاوز بأضعاف مضاعفة مكتبة غوغل التي رقمنت لحد الآن 129 864 880 كتابا[28].
– مكتبة غاليكا التابعة للمكتبة الوطنية الفرنسية http://gallica.bnf.fr: افتتحت في اكتوبر 1997، ويتم إغناؤها بانتظام بحيث بلغ فاق عدد وثائقها اليوم 000 860 على الخط، 000 320 مرقمن بصيغة النص.
– قاعدة بيانات فرانتيكست www.frantext.fr: تتضمن 3737 نصا في العلوم والفنون والآداب والتقنيات، من ق XVI م إلى ق. XX م، منشورة على شكل متن يتألف من 80% من الأعمال الأدبية و20% من المؤلفات التقنية.
– الموسوعة الشاملة www.islamport.com: تضم 5300 كتابا بصيغة النص، يمكن تحميلها مجانا من الشبكة وتثبيتها في الجهاز، كما يُمكن استشارتها انطلاقا من موقع يعد أضخم محرك بحث في الثقافة الإسلامية لما يوفره من خيارات عديدة في الوصول إلى المعلومات.
– الموسوعة العالمية للشعر العربي www.adab.com: تشتمل على عدد هائل من قصائد الشعر العربي (القديم والحديث) الفصيح والشعر العامي والشعر العالمي وسير أدباء عرب، ونصوص ترجمات أعمال عربية إلى الأنجليزية، إضافة إلى قصائد سمعية.
– مكتبة الإسكندرية www.bib-alex.com: وتشتمل على 20 ألف كتاب بنسخته الكاملة في شتى فروع المعرفة (أدب وعلوم إنسانية، فلسفة، فقه، الخ.) موضوع للتحميل المجاني.
– موقع اتحاد الكتاب العرب awu-dam.net: ويضم النصوص الكاملة لعدد كبير من الكتب والمجلات التي يصدرها الاتحاد.
– موقع المصطفى www.al-mostafa.info: يشتمل على عشرات آلاف الكتب العربية من سائر الحقول المعرفية والإبداعية.
– مواقع رفع الملفات مثل www.archive.org وwww.4shared.com: وتحوي عشرات آلاف الكتب العربية التي يقوم أفراد مجهولون بمسحها ضوئيا ووضعها رهن إشارة التنزيل المجاني.
لكن من جهة أخرى، ثمة ما يُشبه عودة إلى مرحلة ما قبل مأسسة الأدب، أو بالأحرى، ثمة عملية تفكيك للمؤسسة الأدبية وعودة إلى أزمنة المشافهة الأولى[29]، حيثُ لم يُعد بإمكان من يكتبُ أدبا – حقيقيا كان أم مزعوما – في حاجة إلى الحصول على تأشيرة أي سلطة أو وسيط للمرور إلى القارئ عدى وساطة جهاز حاسوب متصل بشبكة الأنترنت، وهو متطلب يتيسر الوصول إليه يوما بعد يوم بفعل التطور الحاصل في مجال تصنيع الحواسيب[30] والتشبيك الذي تخضع له كافة أقطار المعمور اليوم في سياق العولمة واقتصاد السوق، لكن أيضا – وأهم من ذلك – في سياق ظهور فضاء جديد اسمه «فضاء الإعلام[31] «info-sphère، انضاف إلى مكونات النسق الإيكولوجي الذي كان قبل الثورة الرقمية يتألف من أربعة أنظمة فرعية لا غير، وهي: «الهواء أو الغلاف الجوي athmosphère، وفضاء الحياة biosphère؛ وكتلة الماء hydroshère أو المحيط الحيوي، ثم الأرض أو الغلاف الصخري lythosphère»[32]. في فضاء الإعلام هذا لم يعد الإنسان وحدة مستقلة بقدر ما صار كائنا حيا معلوماتيا inforg يعيش في فضاء يسوده التشبيك بين الكائنات الحية المعلوماتية والآلات العاقلة والأشياء المادية التي تتحول إلى معلومات في عملية سحب كبيرة للواقع إلى العالم الافتراضي، ستفضي قريبا، مع ظهور الويب 3 أو أنترنت الأشياء[33]، إلى اختفاء التمييز بين ما نسميه اليوم بالاتصال on-line والانفصال off- line لفائدة اتصال مباشر دائم، ما يؤدي إلى تعذر الاتصال بالعالم الخارجي دون المرور من العالم الافتراضي، ويطرح سؤال ما إذا كان الثاني سيبتلع الأول…
تشكل سنة 2004 نقطة حاسمة في هذا التحول، إذ ظهر ما يُسمى بالويب 2، الذي يتميز أساسا بمنح رواد الأنترنت إمكانة النشر الواسع والتفاعل بشكل غير مسبوق، وذلك عبر المدونات والشبكات الاجتماعية، مثل يوتيوب وفايسبوك وغيرهما، وبذلك صارت أداة الإنتاج في متناول الجميع، ما أزال عمليا عن الأدب هالت، فصار إنتاجا لحظيا استهلاكيا، واختفت الحواجز بين الكاتب والقارئ، كما صار صار بإمكان الجميع أن يكتب نصوصا أدبية ويُدرجها في الجنس الذي يشاء دون استئذان أحد، واختفت القيم الجمالية الكبرى المشتركة لفائدة قيم جماعات صغيرة، يُسميها البعضُ بالقبلية الجديدة، كما غدا بعض الأدباء يتقبلون الأخطاء، ويزكونها ضمنيا بحضوره.>
2.نهاية الورق والكتاب عموما:
إضافة إلى ما سبق، ثمة سير حثيث نحو نهاية الكتاب الورقي. إذا كان البعض قد توقع منذ مستهل العقد الأول من القرن الحالي أن يختفي الورق في مستهل العقد الثالث (حوالي عام 2020)[34]، فإنَّ التطور الجاري حاليا في قطاع صناعة الكتاب المدرسي تؤكد صواب هذا الحدس؛ فقد بدأ منذ مستهل العقد الماضي تجريب ما يُسمى بالحقيبة الإلكترونية، وهي عبارة عن حاسوب محمول صغير يشتمل على كافة الكتب المدرسية، موصول بشبكة داخلية أو بشبكة الأنترنت، الخ.[35]. ويبدو أنَّ شركة آبل قد صنعت أخيرا النموذج المعياري لهذه الحقيبة ممثلا في اختراعها الذي أطلقته حديثا جدا، وهو عبارة عن لوح حاسوبي I-Pad، لا يتجاوز سعره 15 دولارا، يُقالُ إنه سيحدث ثورة في عالم التربية والتعليم[36].
بصرف النظر عما إذا كان هذا الجهاز أو غيره هو ما سيتم اعتماده في نهاية المطاف، فثمة بلدان أحرزت خطوات في هذا الاتجاه:
– ألغت كوريا الجنوبية الكتاب المدرسي الورقي لفائدة الكتاب الإلكتروني[37]؛
– أطلقت تركيا مؤخرا مشروع «فاتح» للفصول الدراسية الذكية، رصدت له مبلغ 7 ملايير دولار، لاقتناء 15 مليون لوح حاسوبي I-Pad توزع على 15 مليون طالب ومليون مدرس وتجهيز 260 ألف حجرة دراسية بسبورات ذكية[38]؛
– قررت أمريكا أن تتجه تدريجيا نحو إلغاء الكتاب المدرسي الورقي لفائدة الكتاب الإلكتروني التفاعلي، وذلك ابتداء من عام 2015، حيث ستكون حصة الكتاب الرقمي 5% لترتفع إلى 50% في عام 2020[39].
ولنا أن نتصور ما سيحصل للكتاب الورقي مع الأجيال المقبلة التي ستتعلم القراءة والكتابة في مدرسة يختفي فيها كليا هذا الوسيط.
ضد هذا الرأي تقوم اعتراضات من هنا وهناك، لكون الكتاب التقليدي لا زال مهيمنا في الوقت الراهن والركب الأعظم من مثقفي العالم العربي ومبدعيه ومثقفيه ومفكريه، بل وحتى في العالم الغربي نفسه، لم يلتحق بالعالم الافتراضي بعد، والتقنياتُ الجديدة للمعلومات والتواصل لم تغز جميع المؤسسات التعليمية بعد، ومن ثمة فهي تواصل رفد هيمنة الكتاب الورقي.
إزاء هذا الاعتراض قد يكون من المفيد التمييز بين ثلاثة مستويات للتوقع: قصير، متوسط، وبعيد.
– في المدى القصير لا يبدو في الظاهر حدوث أي تغيير على الكتاب التقليدي؛ فالمطابع لازالت تشتغل بشكل جيد، ودور النشر تعمل، ومعارض الكتب تشهد رواجا كبيرا، الخ.
– في المدى المتوسط يمكن أن يحتل الكتاب الرقمي مساحة معادلة لنظيره الرقمي في حقلي التعليم والثقافة على السواء، على غرار ما حصل في فترة الانتقال من الرولو إلى الكوديكس ومن المخطوط إلى المطبعة: «ففي القرن Ilم، جميع مخطوطات الإنجيل التي تم العثور عليها كانت مكتوبة في أوراق البردي (…) ولم يُعادل عدد الدفاتر نظيره في الرولو إلا في الحقبة الممتدة بين القرنين III وIVم»[40]…
– في المدى البعيد سيبدأ الكتاب الورقي دخوله الرسمي إلى المتحف، ويتحول إلى مقتنى أثري نفيس مثلما هو الأمر الآن مع الألواح الطينية وأوراق البردي والمخطوطات القديمة.
لكن للكتاب أيضا بُعد آخر نصي، إذ يتشكل الدفتر من نص خطي مسترسل له بداية ونهاية، لا يمكن بأي حال من الأحوال العبث بمحتواه لأنه محفوظ في صفحات مادية، كما لا يمكن قراءته بطريقة شذرية كأن نقرأ فقرة من الصفحة 10، مثلا، وبعدها أخرى من الصفحة 40، ونكملها مباشرة بفقرة ثالثة من الصفحة 100؛
لقد حررت الرقمية الكتابة من الحامل المادي، فصار النص المكتوب بمثابة سائل قابل للسكب في أي وعاء[41]: يمكن التدخل في إعدادات صفحاته الأصلية، كما يمكن تكبير حروفه أو تصغيرها، إعادة ضم فصول أو فقرات منه إلى نصوص أخرى إلى ما لا نهاية في نسق يذكر بلعبة الشطرنج.
ويتجلى هذا بشكل أكبر في المواقع التي تتوفر على قواعد بيانات وتخزن عددا هائلا من الكتب، حيث لا يتأتى عموما للقارئ غير النبيه مَوْضَعَة هذه الفقرة أو تلك، هذا الفصل أو ذاك في سياقه الأصلي الذي قد يكون كتابا، بل وحتى مصنفا يتألف من عدة مجلدات.
بهذا المعنى تكون النصية الإلكترونية بصدد إنهاء الكتاب باعتباره سندا لنص واحد مكتمل ومتكامل.
.
3. هل هي نهاية الكتابة؟
ومن جهة ثالثة، ثمة من يتوقع نهاية الكتابة نفسها اعتبارا للتطورات الحاصلة في صناعة بعض البرمجيات. هذا ما لم نحتسب التجارب الجارية منذ بضعة أعوام لإدراج مجموعة من الوسائط في جسد الإنسان[42].
ظهرت الكتابة، كما أسلفنا، منذ 4000 آلاف سنة قبل الميلاد، وهي حقبة قصيرة جدا في مسيرة التطور البيولوجي للإنسان التي استغرقت ملايين السنين ليتشكل دماغه على نحو ما هو عليه اليوم، ومن ثمة فإنَّ هذا العضو لا يشتمل على باحة خاصة بالقراءة مثلما هو الأمر بالنسبة للباحة (أو القشرة) المخيَّة cortex cérébrale أو باحة المخ البصرية cortex visuel التي تمكننا من التعرف الأوتوماتيكي على أجسام العالم الخارجي وهيآته والأشكال الهندسية دونَ حاجة إلى صرف وقت طويل في معالجة أجزائها ومكوناتها على نحو ما يفعل الأشخاص المستفيدون اليوم من عمليات زرع شرائح في الدماغ والتزود بحواسيب محمولة لاستعادة بصرهم بعدما فقدوه نهائيا[43]. ففي غياب برمجيات متطورة جدا، بسبب كلفتها الباهظة اليوم، يحصل تفاوتٌ يبلغ عدة ثوان بين وقوع بصر هذا النوع من الأشخاص على شيء ما في العالم الخارجي وبين التعرف عليه عبر مُشاهدته لما تستغرقه المعالجة من عمليات معقدة. وغياب باحة خاصة بالقراءة في الدماغ هو الأصل في البطء الشديد الذي تستغرقه عملية القراءة لدينا في الوقت الراهن مقارنة مع قدرتنا على إبصار العالم المحيط بنا. لو كانت هذه الباحة موجودة لكان بوسعنا أن نمسح ضوئيا الصفحات بأعيننا فلا يستغرق قراءة صفحتي كتاب مفتوح بين أيدينا سوى إلقاء نظرة شاملة على فضائيهما دون التنقل بين الكلمات والجمل والفقرات. بتعبير آخر، نحن نسخر للقراءة باحة تشكلت للقيام بوظائف أخرى. يلزم انتظار ملايين السنين لنمتلك القدرة على القراءة السريعة تناظر قدرة الإبصار. ومعنى ذلك أن القراءة والكتابة لم ترقيا بعد إلى الشرط الوجودي لبقائنا مثلما هو الأمر بالنسبة للتفكير والإبصار، ومن ثمة فمن السهل التخلي عنهما، لأنهما لا تعدوان مجرد بروذكسين أو قوسين في تاريخ تطور النوع البشري[44].
ثمة من يرى أنَّ تعلم الكتابة والقراءة عمليتان مكلفتان جدا، ما يفسر نخبويتهما منذ ظهورهما، إذ تتطلبان استثمارا ماليا في التعليم والتعلم، بيد أنَّ التطور الحاصل في صناعة برمجيات التعرف على الأصوات من لدن الحاسوب يُمكن أن يفضيا إلى اختفاء لوحة المفاتيح واضطلاع الكمبيوتر بكتابة ما سنمليه عليه، ما سيوفر كلفة تعلم الكتابة، ليستوي الجميع في هذه المهارة[45].
في صلة بالموضوع، على نحو ما، هناك من يرى أنَّ الإنسانَ كان قارئا على الدَّوام، للطبيعة وحركات الجسد وتعبيرات الوجه، الخ.، وأنَّ حصر القراءة في رموز مكتوبة مُنحدرة من قدماء السومريين والمصريين قد أدَّى إلى تراجع رهيب لهذه القدرة الأصلية، وَأنَّ المدرسة صارت اليوم صارت المكان الوحيد الذي لا يُعلم القراءة اليوم، بفعل الاجتياح الذي تعرضت إليه الساحة العمومية من لدن الخط والصورة، وربما حتى الصوت، وبالتالي، فنحن على أبواب مستقبل إما يتعين فيه على المدرسة أن تتجاوز مفهوم القراءة التقليدي فتعلم القراءة فعلا، أو لا تفعل، فيُجَازفُ بالوجود في وضع يصير فيه متعلمو القراءة والمثقفين عامة هم الأميون، وغيرهم هم القراء الحقيقيون[46]…
إذا أضفنا إلى هذا الرأي موقفا آخر يرى أنَّ الكتابة أوسع من أن تُختزَلَ في رموز مادية تمَّ اختراعها في مصر القديمة منذ حوالي 4000 سنة قبل الميلاد، وبالتالي لا يوجد شعب واحد على وجه الأرض لا يعرف الكتابة ولا يمارسها، بالنظر إلى أن هذه الممارسة تمتد إلى الطقوس والأساطير والرقص[47]، فإنَّه يمكن افتراض أنَّ نهاية الكتابة بمعناها الضيق، إذا ما تمَّت، ستُفضي إلى عودة إلى الكتابة الكبرى التي وُضِعَت في المتحف، في مجموعة من الشعوب، على امتداد الستة آلاف سنة الماضية، ومن ثمة بدل الحزن أو الانهمام للنهاية المرتقبة لهذا النشاط، يجب التهيؤ للغنى الأكبر الآتي الذي سيعوض الفقدان المقبل لاسيما أنَّ التقنية بوسعها أنْ تُمدَّ القراءة الآتية بأدوات إنجاز وإدراك أفضلين للوجود والعالم وبتواصل أغنى.
وقد يكون أهم ما في هذا التوقع، من زاوية اهتمامنا، هو الآثارُ التي ستترتب عن الكتابة الأدبية. إذا أمكن للجميع أن يكتب نصوصا على نحو ما صار عليه الأمر منذ إطلاق شبكة الأنترنت، فإنَّ متعلقات الأدب قد تختفي، ما سيكون له أثرٌ بليغ على اللغة نفسها التي ستشهد تحولا جذريا: فالنحو والتفسير والبلاغة والنقد وسائر علوم التأويل هي مدينة بنشأتها لوجود نصوص مكتوبة ثابتة، فماذا سيحصل عندما ستختفي هذه النصوص؟ أترك السؤال مفتوحا.
من ناحية أخرى، ثمة من يؤكد أنَّ تجارب مختبرية بصدد الإنجاز منذ بضع سنوات في موضوع إلغاء مجموعة من الوسائط الحالية، مثل الحاسوب والهاتف المحمول[48]. إذا كان من الصعب الحسم في مآل مثل هذه التجارب عمليا، بمعنى هل ستُخرج إلى الوجود أم لا، فإنها نظريا ممكنة لاعتبارات ثلاثة على الأقل:
– القانون الذي يخضه له تطور التكنولوجيا المعلوماتية، وهو قانون مور، يقضي بأنَّه ما تمضي على حاسوب 18 شهرا حتى يظهر حاسوب يضاعفه في القدرة على التخزين بمرتين ويصغره في الحجم بمرتين[49]، هذا القانون هو ما أدى إلى ظهور الجيل من الحواسيب الذي نعرف اليوم، والتي اندمج بعضه في الهاتف المحمول نفسه، بعد أن كان الجيل الأول يشغل بناية بكاملها؛
– بحسابات البعض، ابتداء من عام 2029 سينطلق العد العكسي في تراجع ذكاء الإنسان لفائدة زيادة ذكاء الحواسيب، ما سيقتضي مواجهة الوضع الجديد بضرورة الزيادة في ذكاء الإنسان لمواجهة الوضع الجديد[50]؛
– التقدم الحاصل اليوم في التواصل مع الآلة بأوامر الدماغ، لأسباب طبية أو تكنولوجية أو علمية: فقد نجحت مجموعة من التجارب في تمكين أشخاص مشلولي الجسد على إثر حوادث سير من التواصل مع الحاسوب عبر أوامر الدماغ لا غير، كما صنعت شركة ألمانية مؤخرا سيارة لا تحتاج في قيادتها إلى تعلم سياقة، لأنها تأتمر بأوامر الدماغ[51]…
4. ما بعد الإنسان، هل نحن في حقبة ما بعد الأدب؟
سعى الإنسان على الدوام إلى تطوير نفسه، عبر التدخل في جسده، من أجل التغلب على طبيعته الهشَّة، باعتباره نوعا وفردا، أمام الطبيعة الأخرى المتمثلة في النظام الإيكولوجي الذي لا يعدو جنسُنا البشري فيه مجرد مخلوق ينتمي إلى الفضاء البيولوجي باعتباره أحد مكونات النظام الأب المذكورة أعلاه.
وقد يكون الإنسانُ في بقائه إلى اليوم مدينا إلى عملية التطوير المتواصلة التي أخضع إليها جَسَدَه، منذ أن ألقى الحجر الأول (كي نتذكر قولة الفيلسوف سلوتردايك)، ما يجعل الحديث عن وجود جسد بيولوجي طبيعي خالص مجرَّد وهم. إذا كان متوسط عمر أقدم سلافنا المعروفين لا يتجاوز ثلاثة عقود على الأكثر[52]، فالفضل في اتجاهه نحو الارتفاع إلى مائة عام في بلدان متقدمة مثل أمريكا وقريبا منها في بلدان أخرى، بل وما فوق ذلك بكثير إذا صحَّت تأكيدات بيولوجيي اليوم المفيدة بأنَّ تطور الطب اليوم يُفضي إلى إضافة سنة واحدة في كل أربع سنوات إلى متوسط عمر الإنسان[53]، هذا ما لم نتحدث عن تجارب بعضهم المؤكدة بأنَّه سيكون في متناول الإنسان أن يعيش 1000 عام[54]، ذلك الفضل إنما يعود إلى سلسلة التدخلات التي عرفها جسد الإنسان على امتداد التاريخ، بالتطبيبين التقليدي والعصري والعمليات الجراحية والبروذكسات prothèses.
هذه واحدة من الحجج التي يُقدمها دُعاةُ الزيادة في جسم الإنسان وتطويره، عبر التدخل فيه تقنيا وتحويله إلى جسد – آلة أو سيبروغ[55] أو إنسان بيوني[56]، عبر إصدار نسخة جديدة منه، تحت اسم الإنسان العاقل 2 .0، يتميز عن الإنسان الحالي بالخلاص رحمة التطور البيولوجي البطيء والانتقال إلى شرط جديد يُنتَزَعُ فيه الإنسانُ من شرطه النفسي والصحي والعقلي الحالي الهش جدا مقارنة مع الشرط الذي يمكن الارتقاء إليه عبر علوم تكنولوجيا النانو والبيولوجيا التكنولوجية والمعلوميات والذكاء الاصطناعي والعلوم المعرفية[57].
أخيرا لهذه الحركة التي تأسست سنة 1998، والمتألفة من علماء ومعلوماتيين وفلاسفة، بلغ عددهم اليوم 4600 عالما من سائر أنحاء العالم[58]، رأي في الأدب نجده عند الفيلسوف سلوتردايك، ويتمثل في أنَّه، على امتداد الألفيتين السابقتين شكلت الكتابة الوسيط الوحيد لتربية الإنسان وأنسنته، وحيثُ هذا الوسيط فقد قيمته اليوم ولم يعد حصريا، جراء التقدم التكنولوجي، وبالإنجازات التقنية الكبرى التي حققها العلم بحيث بات بإمكانه إنجاز خطوة كبرى في تحقيق إنسية الجنس البشري، فإننا اليوم بصدد الخروج من العصر الأدبي إلى عصر جديد يُطلق عليه اسم عصر ما بعد الأدب أو عصر ما بعد المراسلات[59].
5. كيف سنقرأ وماذا سنقرأ؟
الأدب يقوم على الكذب (لا بمفهومه الأخلاقي) وعلى الخيال واللغز والإبهام والرمز والتلميح والاحتمال وإعادة خلق العالم، كما في حالة الشعر الذي متى أخذنا استعاراته ومجازاته بمعانيهما الحرفية صار مصدر قلق عميق إذ يَكفي أن يخرُج الشعراء إلى الساحة العمومية ويجعلوا من اسْتعاراتهم وصُورهم البلاغية عملة للتواصل يفرضونها على سائر الناس باعتبارهَا هِي لغة التخاطب من الآن فصَاعدا، فيَكون هناك أكثر من داع لإدخال جميع الشعراء إلى المَعَازل الطبية ومستشفيات الأمراضِ العقلية. ماذا يتم عندما تصير كل هذه العناصر مُلغاة من العالم الذي يعيش فيه الإنسان؟
إنَّ شعار الشفافية الذي بات من الاصطلاحات المألوفة وواسعة التداول اليوم في حقل السياسة بالخصوص يجد أصله في علم السيبرنطيقا[60] الذي في ظله تمَّ اختراع أول جهاز حاسُوب سنة 1946 والذي (أي العلم) يشكل أحد الروافد الهامة للإعلام باعتباره أحد المنظومات الهامة لعصر ما بعد الحداثة الذي نعيشه اليوم والذي منه تنحدر اصطلاحات الفضاء الإعلامي ومجتمع المعلومات والمجتمع المعرفي، الخ.، ذلك الشعار كان مرماه في البداية منع تكرار فظائع الحرب العالمية الثانية، فلا يتمكن أحد من التخطيط في الخفاء مجددا لكارثة لا يُفطنُ بها إلا بعد فوات الأوان:
«تعتبر هندسة الروابط الاجتماعية التي ستحتل فيها الشفافية الموقع الأول مظهرا أساسيا لرغبة فيينر Wiener في محاربة الفوضى التي يسقط فيها العالم. من المهم، في رأيه، أن يكون كل شيء معروضا ومعروفا وليس سرا.
يمكن لهذا العالم، وإلى حد ما، أن يقترب من «الواقع-الشاشة» الذي نعرفه اليوم، حيث ما من شيء يقع إلا ويُشاهدُ ويُعرَف. من هناك، لا يعود للكائن وجود إلا من خلال تبادل معلومات في مجتمع شفاف كليا، وذلك بفضل آلات الاتصال»[61].
وبتقدم صناعة الحواسيب والهواتف النقالة وتكنولوجيا النانو وغيرها سيتم إمداد هذه الشفافية بكل أدوات التحقق، فلا يبقى لإنسان قدرة على إخفاء شيء ما. بتعبير آخر، لقد دخل الإنسان في الحقبة الراهنة طور التعرض لحصار الآلة والتقنية[62]، بحيث لن تُجرده من القدرة على الإخفاء والاختفاء والكذب فحسب، بل وقد تجرده كذلك من القدرة على الخيال.
لا يعني الكلام السابق أنَّ الأدب سينتهي غدا. فسوف نقرأ لحقبة قد تطول، لكن إذا صعبَ التكهن بما سيكون عليه الأدب إن كان سيبقى هناك أدب، فالأكيد أننا في غضون عقد على الأكثر سوف لن نقرأ ما نقرأ اليومَ ولن نكتبَ ما نكتب اليوم.
ثمة من يرى أن المستقبل سيكون لهذا الأدب الناشئ الذي يُسمى بالأدب الرقمي، والذي لازال اليوم حبيس الجامعات ونخبة صغيرة من النقاد والمبدعين. إذا صحَّ هذا الطرح، فمما يدعو إلى التأمل في هذا الصدد السيناريوهات الثلاث التي يقدمها البعضُ لهذا الأدب.
السيناريو الأول:
أن يكون أدبا رقميا تفاعليا على غرار ما نرى اليوم في النصوص التشعبية والشعر المتحرك والأدبين التوليدي والتوليفي؛
السيناريو الثاني: أن يكون أدب تجهيزات؛
السيناريو الثالث: هو ما أتوقعه شخصيا، وفيه قد يقترب الأدب من السينما، بمعنى أن تأخذ الرواية ما يُشبه شريطا سينمائيا، لكن مع تجاوز الخاصية الجوهرية للفيلم السينمائي الراهن، على الأقل، وهي خاصيتي الخطية، حيث يضطر المشاهد إلى مشاهدة الشريط من البداية حتى النهاية، وخاصية أحادية البث، إذ يتوجه الشريط من جهاز واحد أو حامل واحد إلى الجميع. الخاصيتان السابقتان قد تعوضان بالتفاعل، تماما على غرار ما يحصل مع بعض النصوص التشعبية الرقمية. بتعبير آخر، قد تعود الرواية بقوة، ويستعيد الروائي سلطته الرمزية، وربما مردودية مادية أقوى، لكن سبيل الوصول لكن يكون هو تحرير نص أدبي وحده، على غرار ما هو قائم اليوم، مع الأدب الورقي، بل إلى جانب تحرير النص، سيكون الأديب محتاجا لولوج عالم الصناعة الإبداعية، فيضطر للبحث عن فريق موسيقي وطاقم تصوير وكاتب أكواد معلوماتية، وكل ذلك لن يتأتى بسهولة للجميع، على غرار ما لا يتأتى للجميع اليوم ولوج عالم النجومية في الغناء والتمثيل[63].
محمد أسليـم
(ألقيت في مائدة: الإبداع الأدبي والهجرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء يوم 15 فبراير 2012)
———
هوامــش
[1] Hervé Le Crosnier, Culture numérique 01 :
[2] المرجع السابق.
[3] يتعلق الأمر بعالم الاقتصاد الأمريكي جيريمي ريفكن الذي صاغ الأطروحة السابقة في كتابه:
Jeremy Rifkin, The Age Of Acces. The New Culture of Hypercapitalisme, Were All of Live Is A Paid-for Experience, Putnam Publishing Group, 2000.
وتم ترجمته إلى الفرنسية تحت عنوان:
– Jeremy Rifkin , L’Âge de l’accès. La nouvelle culture du capitalisme, Paris : La Découverte, 2005. (396 p).
كما صدرت ترجمته إلى العربية بعوان: جيريمي ريفكن، عصر الفرص: الثقافة الجديدة للرأسمالية حيث الحياة تجربة مكلفة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سنة 2003:
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:60234&q=
[4] حول هذه المحطات، راجع: محمد أسليم، «الثقافة والمثقف في ظل الثورة الرقمية»، عرض القي ضمن أشغال ندوة الثقافة في خدمة تقارب الشعوب، فرع تمار لاتحاد كتاب المغرب، يوم 04 نونبر 2011.
[5] يُنظر، في هذا الصدد، كتاب الفيلسوف ومؤرخ العلوم توماس كوهن:
– Thomas Kuhn, La structure des révolutions scientifiques, éditions Champs Flammarion, (1983) France,(284 pages).
أو ترجمته العربية: توماس كون، بنية الثورات العلمية، ترجمة: شوقي جلال، المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب – الكويت، سلسلة عالم المعرفة، عدد: 168، شتنبر 1992، (322 ص.).
[6] انظر الشريط الوثائقي:
– A la conquête de l’infiniment petit :
http://www.dailymotion.com/video/x1sii_a-la-conquete-de-l-infiniment-petit_news
[7] عـن:
– Jean – Jaques Winenburg, Sigmund Freud, Paris, Balland, 1985, p. 282-283
[8] Jean Gagnepain, Huit leçons sur la théorie de la médiation :
http://www.institut-jean-gagnepain.fr/huit-leçons-d-introduction-a-la-théorie-de-la-médiation/
[9] Daniel Jacques, «Fin et retour de l’humanisme. De la domestication de Heidegger par Sloterdijk», in Horizons philosophiques, Printemps 2007 vol. 17 no 2, pp. 19-40.
http://ww2.college-em.qc.ca/long/horizonsphilo/documents/Jacques_Sloterdijk_vfinale.pdf
[10] Dan Sperber, L’avenir de l’écriture, Colloque texte-e, 2002 :
Dan Sperber (2002) L’avenir de l’écriture. Colloque virtuel “text-e”
[11] Pierre Lévy, Essai sur la cyberculture: L’univers sans la totalité. Rapport au conseil de l’Europe, version provisoire:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/pierre/cyberculture/cyberculture.html
[12] Roger Chartier, Du Codex à l’Écran : les trajectoires de l’écrit, In Solaris, nº 1, Presses Universitaires de Rennes, 1994 :
http://biblio-fr.info.unicaen.fr/bnum/jelec/Solaris/d01/1chartier.html
[13] Pierre Lévy, «Essai sur la cyberculture…», op.cit.
[14] يمكن الرجوع، في هذا الصدد، إلى:
– محمد المنوني، تاريخ الوراقة المغربية. صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة، الرباط، منشورات جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة: بحوث ودراسات، رقم: 2، 1991، (358ص).
– علي بن إبراهيم النملة، الوراقة وأشهر الوراقين العرب. دراسة في النشر القديم ونشر المعلومات، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 1415هـ / 1995م (188ص).
[15] “L’ADIEU À GUTENBERG”, enjeux et défis culturels du 21ième siècle, Paris, 21 Janvier, 2000, Paris, Palais du Luxembourg.
حول وداع جتنبرغ، يمكن الرجوع أيضا إلى دراسة جان كليمون بالعنوان نفسه:
– Jean Clément, L’Adieu à Gutenberg :
http://manuscritdepot.com/edition/documents-pdf/adieugutenberg-jclement.pdf
[16] Roger Chartier, Du Codex à l’Écran : les trajectoires de l’écrit, In Solaris, nº 1, Presses Universitaires de Rennes, 1994 :
http://biblio-fr.info.unicaen.fr/bnum/jelec/Solaris/d01/1chartier.html
[17] وٍلْ ديورات، قصة الحضارة، ج. 23، الإصلاح الديني، ترجمة: الدكتور عبد الحميد يونس، بيروت-تونس، دار الفكر، ج. 23، ص. 181.
[18] نفسـه، ص. 189.
[19] مارتان، هنري، جون، نشأة الطباعة في الغرب، تاريخ الكتابة، من التعبير التصويري إلى الوسائط المتعددة، ترجمة: إسحاق عبيد، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2005، ص. 357. نقلا عن: د. إيمان يونس، تأثير الأنترنت على أشكال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث، الطبعة الأولى، 2011، ص. 7.
[20] Laurent Jenny, «Histoire de la lecture», Dpt de Français moderne – Université de Genève, 2003 :
http://www.unige.ch/lettres/framo/enseignements/methodes/hlecture/hlintegr.html
[21] Roger Chartier, Du codex à l’écran…, op. cit.
[22] Ibid.
[23] Lemos André, « Les trois lois de la cyberculture. Libération de l’émission, connexion au réseau et reconfiguration culturelle », Sociétés, 2006/1 no 91, p. 37-48. DOI : 10.3917/soc.091.48.
دراسة متوفرة في شبكة الأنترنت بالعنوان:
http://www.cairn.info/revue-societes-2006-1-page-37.htm
[24] Xaviel Malbreil, L’imaginaire de l’Internet et son évolution:
http://www.e-critures.org/texts/files/text_28.pdf
[25] Pierre Lévy, Essai sur la cyberculture: L’univers sans la totalité. Rapport au conseil de l’Europe, version provisoire:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/pierre/cyberculture/cyberculture.html
[26] Xaviel Malbreil, L’imaginaire de l’Internet et son évolution, op.cit.
[27] Memex: اصطلاح اقترحه العالم الأمريكي فانيفار بوش سنة 1945 في مقاله الشهير كما نعتقد As We May Think الصادر في مجلة The Atlantic Monthly لتسمية ممدد الذاكرة memory extender، وهو عبارة عن جهاز تصوره العالم المذكور لوضع حد لفوران الإنتاج المعرفي الذي بلغ حدا لا يستطيع فيه عالمان يشتغلان في تخصص واحد ما يقوم به الآخر. والآلة السابقة عبارة عن آلة متعددة الوسائط، عبرها يستطيع المستخدم استشارة مجموع المعارف البشرية، وإضافة إنتاجه الخاص الذي ينتظم عبر ما يُشبه التخاطر في خط تخصصه، كما يُمكن الجهاز نفسه القارئ من إضافة حواشيه وتعاليقه على الوثائق التي يقرأها. بيد أن تقنية ذلك العصر لم تتُح إخراج هذه الآلة إلى حيز الوجود. وقد ألهم المقال السابق مؤسسي النص التشعبي الفعليين، وبذلك اعتُبر فانيفار بوش أبا لهذا الاصطلاح. يمكن الاطلاع على النص الكامل للمقال المذكور بالعنوان:
http://www.theatlantic.com/magazine/archive/1945/07/as-we-may-think/3881/
وعن تعرف الميميكس، يمكن استشارة:
http://fr.wikipedia.org/wiki/Memex
[28] http://www.actualitte.com/actualite/20816-projet-gutenberg-milliard-ebook-gratuit.htm />[29] يلتقي في التأكيد على هذه العودة إلى أزمنة المشافهة الأولى العديد من الباحثين، نذكر منهم بالخصوص:
الفيلسوف بيير ليفي في دراسته:
Pierre Lévy, Essai sur la cyberculture…, op.cit.
ودان سبربر في دراسته:
– Dan Sperber, L’avenir de l’écriture…, op.cit.
[30] معروف أن تطور صناعة الحواسيب تخضع لما يسمى بقانون مور Loi de Moore الذي بموجبه ما تمر 18 شهر على حاسوب حتى يظهر آخر يصغره حجما بمرتين ويضاعفه في كفاءة التخزين بمرتين، ما يتيح فهمَ كيف انتقل أول حاسوب، صُنِّعَ عام 1946، من جهاز يحتل بناية بكاملها إلى حواسيب اليوم التي صارتْ تُدمَج في الهواتف النقالة، ويتيح أيضا توقع أن تصير حواسيب اليوم في غضون العقود المقبلة عبارة عن شرائح لحمية puces تُزرَعُ في جسم الإنسان. ولتوضيح هذا التطور، ورد في تقرير كوردييه الخاص بالكتاب الرقمي: «لو كان قطاع صناعات السيارات يسير بإيقاع التطور نفسه لكان سعر السيارات التي نسوق اليوم لا يتعدى 30 فرنكا فرنسيا [حوالي 3 دولارات]، ولكانت لا تحتاج إلى أكثر من حوالي لتر واحد من البنزين لتقطع مسافة 000 35 كلم ! ». انظر:
– Rapport de la Commission de réflexion sur Le livre numérique,
mai 1999:
http://www.culture.gouv.fr/culture/actualites/rapports/cordier/avant-propos.htm
[31]انظر:
– Patrick Peccatt, La révolution numérique considérée comme une quatrième révolution:
http://blog.tuquoque.com/post/2009/11/03/revolution-numerique-quatrieme-revolution
[32] Joël Rosney, 2020 : Les scénarios du futur. Comprendre le monde qui vient, Paris, Des Idées et des Hommes, 2007, p. 34.
http://www.scenarios2020.com/livre/
[33] المرجع السابق، ص. 72. وكذلك:
– Colloque EPITA Internet des objets – Table ronde 1 :
http://www.dailymotion.com/video/xg9j1n_colloque-epita-internet-des-objets-table-ronde-1_school
[34] صاحب الفكرة هو Dick Brass المسؤول عن قسم النشر الإلكتروني في شركة ميكروسوفت، ويرى أن الكتاب الورقي سيختفي في غضون الثلاثين سنة المقبلة. ووراء هذا الاختفاء المرتقب تثوي رهانات اقتصادية واجتماعية وثقافية الكبيرة بالنظر لهذه التعبئة الشاملة في أوساط كبار الفاعلين في قطاع النشر والمعلوميات في الولايات المتحدة الأمريكية. انظر:
– Jean Clément, Le «e-book »,est-il encore un livre?L’expression «livre numérique » a-t-elle un sens? Le livre traditionnel a-t-il encore un avenir ?:
http://www.cndp.fr/archivage/valid/14336/14336-2425-2553.pdf
[35] يمكن مشاهدة نموذج منها على العنوان:
[36] يُنظر، على سبيل المثال:
– الحقائب المدرسية ستصبح شيئاً من الماضي. آبل تطلق ثورة الكتب المدرسية على الآيبـاد، 21 يناير 2012:
http://www.albayan.ae/economy/digital/2012-01-21-1.1576864
– أبل تُحدث طفرة في عالم الكتب الدراسية، 25 يناير 2012:
http://www.gn4me.com/gn4me/details.jsp?artId=4068163
[37] – كوريا الجنوبية لاتريد كتباً في مدارسها، 4 يوليو 2011:
http://www.teedoz.com/2011/
– كوريا الجنوبية تتخلى عن الكتب المدرسية الورقية، 4 يوليو 2011:
http://walhaseb.com/2011/
(لصعوبة نسخ العنوانين كاملين من المتصفح، اكتفينا بإيراد العنوان الرئيسي لموقعي نشرهما. علما بأنه يمكن الوصول إلى المقالين الإخباريين عبر محرك غوغل بكتابة عنوانهما في خانة البحث).
[38] ظهر الخبر لأول مرة في موقع أنباؤنا، ثم تناقلته مواقع عديدة، منها:
http://dafatirhorra.com/showthread.php?t=8734
[39] عبد الإله مجيد، الكتب المدرسية الرقمية من أبل.. ثورة مرتقبة، 20 يناير 2012:
http://www.elaph.com/Web/technology/2012/1/710677.html
– الكتب المدرسية الرقمية من أبل.. ثورة مرتقبة:
http://www.esgmarkets.com/forum/archive/index.php/t-139839.html
[40] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran…», op.cit.
[41] Jean Cléméne, La littérature au risque du numérique, in
[42] Antonio Campos, Cuerpo y medicina. Transito entre dos siglos:
http://www.ramse.org/CUERPO_MEDICINA.pdf
[43] استفاد من هذه العملية لحد الآن 10 أشخاص في العالم، يمكن مشاهدة إحدى المستفيدات في الشريط الوثائقي :
– Le cyborg – de l’avènement de l’homme-machine :
http://www.youtube.com/watch?v=Ohob7HtneoY
[44] Dan Sperber, L’avenir de l’écriture…, op. cit.
[45] نفسـه.
[46] Michel Melot, Nous sommes tous des illettrés ou l’avenir de la lecture, in BBF, 1989, n° , p. 203-206.
[en ligne] <http://bbf.enssib.fr/> Consulté le 11 février 2012
[47] Huits leçons sur la théorie de la médiation ???
[48] Antonio Campos, Cuerpo y medicina. Transito entre dos siglos:
http://www.ramse.org/CUERPO_MEDICINA.pdf
[49] http://fr.wikipedia.org/wiki/Loi_de_Moore />[50] انظر الشريط الوثائقي:
– Robots sapiens L’avenir du cerveau et des ordis :
[51] قيادة السيارة والتحكم بها بواسطة التفكير وأوامر الدماغ من ألمانيا:
http://www.wasse3.com/2011/06/brain-driver/
[52] Michel Marsolais, En route pour l’éternité, 23 mars 1997 :
http://www.sciencepresse.qc.ca/jdm/jdm08.html
[53] J. de Rosnay, On vivra jusqu’à 140 ans:
[54] التأكيد لأحد أعضاء حركة الإنسانية العابرة، وهو عالم الوراثة والبيولوجي Aubrey de Grey، الممثل للجناح المعلوماتي في الحركة. انظر:
– Vieillir est-il inéluctable ? – Vieillissement et longévité – Jusqu’à 120 …
http://www.linternaute.com/science/biologie/dossiers/06/vieillissement/10.shtml
[55] cyborg: كلمة مركبة من organisme، أي كائن، وcybernétique، أي سبيرنطيقي.
[56] Bionique: اصطلاح مركب من biologie، أي بيولوجيا أو علم الحياة، وélectronique، إليكترونيك. حول الإنسان البيولوجي الإلكتروني، يُنظر الوثائقي الهام:
– Documentaire “L’Homme bionique” de l’émission “c’est dans l’air” sur arte en novembre 2006 :
[57] يُختصر ذلك كله في الاصطلاح NBIC. انظر:
http://fr.wikipedia.org/wiki/NBIC
[58] MichèleRobitaille, Culture du corps et technosciences: vers une «mise à niveau» technique de l’humain? Analyse des représentations du corps soutenues par le mouvement transhumaniste, Thèse présentée à la Faculté des études supérieures en vue de l’obtention du grade de doctorat en sociologie, Université de Montréal, Faculté des arts et des sciences, 2008, p. 53.
[59] Peter Sloterdijk, Règles pour le Parc humain. Réponse à la lettre sur l’humanisme, traduction: O. Mannoni, éditions Mille et Une nuits, La petite collection, 26/01/2000, (64 p.) :
http://multitudes.samizdat.net/Regles-pour-le-Parc-humain
[60] انظر:
– Maxime Coulombe, Faire du corps une image. Pour iconographie de l’art postmoderne, Thèse de doctorat en cotutelle présentée à la Faculté des études supérieures de l’Université Laval, Québec dans le cadre du programme de doctorat interuniversitaire en Histoire de l’art pour l’obtention du grade de Philosophiae Doctor (Ph.D, 2006, pp. 141-144.
[61] Maillefer Mathieu, Candelieri Florian, La Cybernétique. Norbert, Dossier de Séminaire sur La Cybernétique réalisé dans le cadre de l’Histoire des Théories de la Communication, Université de Neuchâtel, Faculté ès Lettres et Sciences Humaines, Séminaire d’Histoire des théories de la communication, Institut de Journalisme Enseignant: Thierry Herman, Mars 2004 Wiener :
http://membres.multimania.fr/docmanuweb/dossiers/cybernetique.pdf
[62] انظر: الدكتور عمار، الإعلام الجديد، محاضرة ألقيت في نادي الإعلاميين السعوديين ببريطانيا، يوم الأربعاء 27 شتنبر 2010:
www.youtube.com/watch?v=0_FA_NIq8dQ
[63] يمكن مشاهدة نموذج من هذا النوع في الشهادة الثالثة ضمن اللقاء التالي:
– Atelier Français, Littérature numérique vers quelles écritures ?:
http://www.dailymotion.com/video/xiixqf_atelier-francais-litterature-numerique-vers-quelles-ecritures_creation
الكاتب:محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 05-09-2012 06:23 صباحا