– كيف تقيم علاقة الكاتب المغربي بالمواقع الاجتماعية؟
من الصعب جدا الجواب عن مثل هذا السؤال لاعتبارات كثيرة تتفرع كلها من عنصر رئيس، هو غياب المركز في مواقع التواصل الاجتماعي التي سأقصر حديثي عنها انطلاقا من الفيسبوك. من هذه الاعتبارات يمكن ذكر:
أ) وحدها إدارة الفيس قادرة على ضبط مشهد الموقع بكامله، من حيث فئات الأعمار والأجناس وطبيعة العلاقة بالموقع وبمنخرطيه فيما بنهم، ونوعية الأنشطة المزاولة فيه تبعا لمتغيرات عدة، الخ.؛
ب) في صلة بالنقطة السابقة لا يمكن للمرء الحديث عن الفيس إلا في نطاق دائرة قائمة الأصدقاء والصديقات، وأصدقائهم وصديقاتهم إذا ما فعَّلوا خاصية الكشف عن أنشطتهم لأصدقاء وصديقات أصدقائهم وصديقاتهم، ما يترتب عنه أنَّ كل حديث عن أنشطة أعضاء الفيس سيقتصر بالضرورة على المجال المتاح لصاحب الحديث ولوجه من هذا الفيس الذي يشكل قارة ضخمة، إذ بلغ عدد مستخدميه في اكتوبر الماضي مليار مستخدم، وبحسب إحصائيات إدارة الفيس، فقد بلغ عدد نقرات الإعجاب فيه منذ فبراير 2009 ترليون نقرة، وجرى فيه 140 مليار اتصال بين الأصدقاء ورًفعت إليه 219 مليار صورة و62 مليون أغنية تمَّ تشغليها 22 مليار مرة. هذا مذهل وغير متاح لأي عضو من أعضاء الموقع كائنا ما كان؛
ج) الحكم على علاقة الكاتب المغربي بالمواقع الاجتماعية يقتضي الحضور في عدد كبير منها، بينما لا أتواجد شخصيا إلا في الفيس؛
د) ثم إن إطلاق حُكم مَّا يقتضي التوفر على مرجعية مُحدَّدة، وهذا بدوره غير مُتاح ولا أظنه سيتاح في يوم من الأيام بحكم طبيعة شبكة الأنترنت نفسها التي، مع كونها قارة شاسعة وضخمة، فإن الناس لا يستطيعون التجمع بداخلها إلا في جُزيرات وأرخبيلات… مثلما لا يوجد موقعٌ واحدٌ يستقطب رواد الأنترنت في العالم أجمع يستحيل على صفحة واحدة في الفيس أو تويتر أن تحظى بزيارة مجموع مستخدمي الموقعين، وبالمثل يستحيل على المنخرط في أحد الموقعين أن يُحرز على قائمة من الأصدقاء تبلغ الملايين، ومن ثمة تتعدَّد القيم والسّلوكات بتعدد الجزر وقاطنيها.
ومع ذلك، ومن خلال قائمة الأصدقاء بصفحتي، يمكنني القول بأنَّ قسما كبيرا من الأدباء والأديبات المغاربة، المكرسين منهم الذين اجتازوا مصافي النشر التقليدية أو غير المكرسين الذين حصلوا على شهادة الميلاد أو بطاقة الإقامة في أرض الأدب، إن جاز التعبير، من الفيس، قسم كبير من هؤلاء متواجد في المواقع الاجتماعية لنشر أعماله وصوره وأخبار أنشطته والدخول في صلات مكثفة وفورية مع زملائه وزميلاته، ما لم يكن متاحا قبل ظهور شبكة الأنترنت والويب 2 بالخصوص الذي أتاح ظهور هذا النوع من التفاعل الذي تُعتبر المواقع الاجتماعية أحد أشكاله.
لا يمكن إلا تثمين هذا التواصل المكثف، وإن كانت هذه الكثافة بدورها طبيعية لأنها سمة من سمات العصر الذي نعيش، حيث يُنعت بأنه عصر «انفجار التواصل» وحصول «نزيف في الخطاب».
– هل ساهمت هذه المواقع في التعريف بالكتاب وخلق انتشار لهم أم لا؟
بالتأكيد، إذ أعرف من الأدباء من تجاوز عدد صديقاته وأصدقائه السقف المسموح به (5000 إن لم تخني الذاكرة) فأنشأ صفحة جديدة. ومعنى هذا أنَّ ما من خبر أو نصّ ينشره الكاتب أو الكاتبة إلا ويكون نظريا متاحا لمجموع أفراد قائمة أصدقائه وصديقاته، وهذا ما لم تكن تتيحه وسائط الاتصال التقليدية ممثلة بالصحف والمجلات والكتب بالخصوص.
وإن أذنَ لي بالحديث عن تجربتي الشخصية، فقد أفادني هذا الفيس على واجهتين:
الأولى اتساع نطاق الأشخاص الذين يعرفون اسمي على نطاق واسع جدا،
والثانية زيادة عدد متصفحي موقعي الشخصي على نطاق يفوق بكثير نظيره في الإصدارين الأول والثاني للموقع نفسه. يتجلى ذلك من عداد زوار الموقع. والسبب في ذلك يعود إلى إتاحة الفيس واجهة شبه «إشهارية» لجلب مزيد من الزوار. عندما أنشر مادة جديدة لي أو لغيري في الموقع، وأقيم إليها رابطا عبر الفيس تحظى المادة بعدد كبير من القراء، كما يكثر عدد المتواجدين في الموقع عقب إدراج كل رابط إلى إحدى مواده عبر الفيس.
يبقى فقط من الضروري الإشارة إلى أنَّ الانتشار والتعريف المتاحين في مواقع التواصل الاجتماعي يختلفان جذريا عما هما عليه في حلقات النشر التقليدية (الورقية). إذا كانت الثانية تحقق ما يمكن وصفه بالانتشار والتعريف العموديين، فالأولى تحقق تعريفا وانتشارا أفقيين، الأول عميق ونخبوي، والثاني سطحي وجماهيري إن جاز التعبير…
– ما رأيك في التعليقات المتداولة عبره بين الكتاب؟
هذا السؤال يرتبط بالإشارة السابقة إلى ما أسْميَ بـ «الأفقية» و«السطحية». مواقع التواصل الاجتماعي هي ساحات عمومية بمعنى الكلمة. لا نتأنق ولا نتحذلق في اختيار الكلام الذي نتواصل به في المقاهي والأسواق وسائر أمكنة احتشاد الناس، لذا من الطبيعي أن يغيب العمق والتأمل في ما يتبادله الأدباء المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي، بل وأن تنتشر حتى الأخطاء اللغوية والإملائية، وتتداخل الفصحى بالعامية، ويُجاور الكلام العربي المكتوب بالرسم العربي نظيره المكتوب بالحروف اللاتينية…
على أنَّ هذا لا يشمل الجميع. أعرفُ من غنمَ من تعقيباته على أصدقائه وصديقاته شذراتٍ، ومن اقتنص من تعقيباته ومما ينشره على جداره أعمالا روائية نشرها ورقيا في وقت لاحق. والسلوكان معا طبيعيان جدا: الأوَّل يعكس استخداما شفهيا لمواقع التواصل الاجتماعي، والثاني يعكس استعمالا كتابيا.
أجري هذا الحوار في إطار تهييء ملف في الموضوع، من إنجاز الصحفية سعيدة شريف، وصدر التقرير في الصفحة الثقافية لصحيفة الأخبار، يوم الجمعة 30 نونبر 2012.
الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: السبت 01-12-2012 12:52 صباحا