Warning: Undefined array key 0 in /home/aslim/public_html/wp-content/themes/amnews/includes/filters.php on line 1374
تمهيـد:
تتميز الفترة الراهنة بتطورات سريعة جدا في سائر القطاعات (المجتمع، العلوم، الثقافة، التكنولوجيا) قياسا إلى ما أنجزه الإنسان منذ أن صار عاقلا Homo-sapiens، ما يؤشر على الانتقال الوشيك إلى حضارة جديدة قد تختلف جذريا عن سابقاتها. وبالموازاة مع هذا التقدم ثمة عودة إلى البدايات السحيقة ليس على شكل نكوص ولكن بما يشبه التراجع إلى الوراء تمهيدا لإجراء قفزة كبرى إلى الأمام:
– فمشروع تجاوز الإنسان الحالي، مع حركتي «عبر الإنسانية» و«ما بعد الإنسان»، إلى ما يسمى بـ «الإنسان العاقل، الإصدار 2.0» هو عودة للحكايات الكبرى (بروميثوس ورغبة الخلود)[1]؛
– وإحلال «الميثاق مع الطبيعة» محل «الميثاق الاجتماعي» هو رجوع إلى طقوس البدايات حيث كان الإنسان يمنح للطبيعة هبة مقابلا عن كل ما اقتطاع منها[2]؛
– واختزال الأشياء إلى معلومات وتفاعل مع محيطها يلتقي مع الفترة الإحيائية حيث كان الإنسان يعتقد بوجود حياة في كل الموجودات[3]؛
– وعلى صعيد علاقة المعرفة بالسند، تعيدنا الرقمية الآن إلى عصور المشافهة الأولى[4].
تسعى هذه الورقة إلى تناول النقطة الأخيرة، بالتركيز على أثر تحول حامل الكتابة (أو سندها) support في التدوين والقراءة وتشكل الخطاب والنشر والتلقي، بغية رصد التحولات التي تُدخلها الرقمية حاليا على الحقلين الثقافي والأدبي. علما بأنه سيتم تناول جانب واحد من الرقمية وهو كونها تقنية لتسجيل الذاكرة.
1. الثورة الرقمية:
تنخرط الثورة الرقمية الجارية تحت أعيننا اليوم في مسارين يتيحان التمييز بداخلها بين بُعدين: مادي يجعل منها ثورة صناعية ثالثة، وآخر فكري وجودي تشكل بموجبه رابع ثورة تغير تصور الإنسان للعالم الخارجي وعلاقته به كما تعدل جذريا علاقته بنفسه وتشكل في الآن نفسه واحدا من الإبدالات الجديدة الناشئة في حقبة ما بعد الحداثة.
1. 1. الرقمية بما هي ثورة صناعية ثالثة:
يتميز تحول الإبدالات الاقتصادية بالمرور من مصادر الطاقة المتجددة إلى نظيرتها غير المتجددة ومن الطاقة البيولوية إلى الطاقة الميكانيكية[5].
ضمن هذا المسار، تشكل الثورة الرقمية ثالث تحول صناعي جذري، بعد اكتشاف الفحم الحجري واختراع الآلة البخارية (الثورة الصناعية الأولى)[6]، واختراع الكهرباء واكتشاف النفط (الثورة الصناعية الثانية)[7]، وتتميز أساسا بظهور «آلات عاقلة» وإنسان آلي يتم التحكَّم فيه بأوامر رقمية، وأجهزة الحواسيب، وبرمجيات فائقة الدقة والتطور.
إلى حد اليوم اجتازت هذه الثورة ثلاث محطات أساسية:
– في خمسينيات القرن الماضي ظهر الجيل الأول من الحواسيب التي كانت عالية الكفلة كبيرة الحجم، بحيث كان يشغل الواحد منها بناية كاملة، ومن ثمة قلة أعداد تصنيعها واقتصار استعمالها على أغراض صناعية؛
– في مستهل سبعينيات القرن نفسه بدأ انتشار الحواسيب الشخصية بحكم التطور المذهل الذي تعرفه صناعة التكنولوجيا المعلوماتية؛ ما تمرّ على جهاز الحاسوب ما تمر عليه 18 شهرا حتى يظهر حاسوب جديد يضاعف الأول كفاءة مرتين ويصغره حجما بمرتين (قانون مور)؛
– في مستهل تسعينيات القرن الماضي تمَّ إطلاق شبكة الأنترنت، ما أدى إلى ظهور الشبكات والعالم الافتراضي وسائر التحولات التي تغير وجه العالم تحت أعيننا اليوم؛
منذ حوالي عقدين كان أغلب المعلوماتيين يجزمون بأن الذكاء الاصطناعي قادر في وقت قريب على صناعة أجهزة تفكر أفضل من الإنسان متوسط الذكاء، وهو ما بدأ اليوم يتحقق عبر صناعة بشر آليين يقومون بمهام عديدة (العزف على آلات موسيقية، الغناء والرقص، الطبخ)، ما يُتوقع معه أن يفضي إلى التخلي عن مزيد من ممتهني الأشغال اليدوية (رعاية أطفال وعجزة، استقبال في الفنادق، الخ.) بعد أن كان ظهور الأذرع الآلية قد تسبب في تسريح حشود العمال، في قطاعات مثل صناعة السيارات، ويؤشر على نهاية العمل المأجور في عدد كبير من القطاعات، من جهة، ويتيح فرص شغل جديدة لأقلية عالية التكوين، من جهة ثانية[8].
1. 2. الثورة الرقمية إبدال جديد:
نقصد بالإبدال في هذا السياق نسق أو نظام من التمثلات المقبولة جماعيا، يتألف من الافتراضات النظرية التي بضمانها تماسك رؤية للعالم خاصة بثقافة ما تتيح لهذه الثقافة أن تعيش في بيئتها وتحديد هذه البيئة والتواصل حولها». (مثال الانتقال من إبدال بطليموس إلى إبدال كوبرنيك، في مجال علوم الكون).
تشكل الثورة الرقمية رابع أكبر ثورة يغير بها العلمُ بشكل عميق فهمَ الإنسان للعالم الخارجي ويعدل بها تصوره لنفسه[9]، كما تشكل في وجهها الإعلامي أحد الإبدالات الجديدة التي ظهرت في حقبة ما بعد الحداثة على إثر أزمة إبدالات الحداثة[10].
– فمع كوبرنيك أزاحت علوم الكون الأرضَ ومعها الإنسان من مركز الكون، ومن ثمة لم يعد الإنسان ثابتا في هذا المحور؛
– ومع داروين، اتضح أن جميع الأنواع الحية تطورت عبر الزمن من أصل مشترك عن طريق الانتقاء الطبيعي، وبذلك تم إزاحة الإنسان من المركز البيولوجي فلم يعد صاحب طبيعة متميزة ومختلفة عن باقي الكائنات الحية؛
– ومع فرويد ظهر أن اللاشعور يتحكم في قسم واسع مما نظنّ أننا نتحكم فيه من أفكار وتصرفات[11]، ومن ثمة لم يصر الإنسان عقلا خالصا شفافا أمام نفسه[12].
ومع الثورة الرقمية، لم يعد الإنسان وحدة مستقلة بقدر ما صار كائنا حيا معلوماتيا inforg يعيش في فضاء للمعلومة infosphère يسوده التشبيك بين الكائنات الحية المعلوماتية والآلات العاقلة والأشياء المادية التي تتحول إلى معلومات في عملية سحب كبيرة للواقع إلى العالم الافتراضي، ستفضي قريبا، مع ظهور الويب 3 أو أنترنت الأشياء[13]، إلى اختفاء التمييز بين ما نسميه اليوم بالاتصال on-line والانفصال off- line لفائدة اتصال مباشر دائم، ما يؤدي إلى تعذر الاتصال بالعالم الخارجي دون المرور من العالم الافتراضي، ويطرح سؤال ما إذا كان الثاني سيبتلع الأول.
تغير الرقمية أيضا تصورنا لوجود الأشياء من حولنا من اعتبارها جامدة وميتة إلى كونها تتواصل وتتفاعل، ما يعيدنا إلى الأزمنة الأسطورية حيث كان يُعتقد أن ما من شيء إلا وتسكنه روح. كما بات بالإمكان التمييز الآن، مثلا، داخل المدن بين الفضاء المادي «الجامد» و«الفضاء المجرد، وهو فضاء الاتصال والسيولة والتدفق».
بالموازاة مع ذلك، تحول الرقمية نظرتنا لمقولتي الزمان والمكان وتغير علاقاتنا بالغير وبأنفسنا، ومن ثمة ظهور مفهوم «المجتمع الإعلامي» و«المجتمع المعرفي» بدل المجتمع الصناعي، كما تغير مفهوم العلم الذي لم يعد يُنظر إليه باعتباره منتج حقائق، وإنما منتج معلومات قابلة للرأسملة والمتاجرة…
أخيرا لا يتردد البعض في استخلاص أن الرقمية بصدد تغيير فهمنا لدورنا الأساسي في الكون بحث صار يمتثل في: «أننا ولدنا كي نكون كائنات حية إعلامية، وأننا نواصل برنامجنا الإعلامي بدون توقف منذ العصر البرونزي على الأقل، وهو الحقبة التي ابتُكرت فيها الكتابة»[14].
2. الرقمية تحول جذري في الحقل الثقافي:
2. 1. تعريفان للثقافة:
لاصطلاح «ثقافة» أكثر من 150 تعريفا، يمكن تقسيمها عموما إلى فئتين: فئة تنتمي إلى الفلسفة والأنثروبولوجيا، وتوسع هذا المفهوم بما يجعله مكونا جوهريا للإنسان، إذ يستمد إنسانيته من هذا البُعد بالذات الذي يفصله عن الطبيعة، ومن ثمة لا تخلو أي مجموعة بشرية من امتلاك ثقافتها. من هذا المنظور تعرف منظمة الأمم المتحدة الثقافة بأنها «مجموع السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والوجدانية التي يتميز بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية. ويشمل علاوة على الفنون والآداب أنماط العيش وحقوق الإنسان الأساسية ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات»[15] . بهذا التعريف تكون الثقافة معادلا للهوية.
أما النوع الثاني، فيضيق هذا الاصطلاح بحيث يقتصر نعت «مثقف» على الشخص المنتمي إلى فئة من الناس يرتكز نشاطها على ممارسة العقل والتفكير وتلتزم في المجال العمومي، إذ تشارك بتحليلاتها ووجهات نظرها في مواضيع مختلفة وتدافع عن قيم وقضايا مهما كلفها ذلك من مصاعب ومخاطر، كما تتوفر على شكل من السلطة وتتميز عن غيرها من الفئات بكفاءة فهم وذكاء وقدرة إدراك مفهومي، ما يجعلها جماعة تمتلك روح عصرها وتتعامل مع المعرفة وتنتجها مؤكدة على سمو وظائفها.
الثقافة بالمعنى الأخير مفهوم حديث جدا، ارتبط ظهوره بالصراع الاجتماعي والسياسي الذي هز فرنسا على امتداد 12 عاما (1895-1906) حول ما يسمى «بقضية دريفوس» التي اتهم فيها قبطان من أصل يهودي بالتجسس، فانبرى للدفاع عنه مجموعة من الكتاب مثل إميل زولا وأوكتاف ماريبو وأناتول فرانس، متبعين في ذلك خط فولتير، أطلقت عليهم صفة مثقفين في البداية بمعنى قدحي يعني المفكر المنغلق في التجريد الذي يحجب عنه الواقع فيتكلم / يكتب في ما لا يعرف، لكن الصفة نفسها اكتسبت بعد ذلك المعاني الإيجابية المذكورة أعلاه.
ومع ذلك، فبالرجوع إلى تاريخ الفكر والإبداع البشريين نجد أن هذا الفاعل الاجتماعي كان موجودا منذ ابتكار الكتابة، إذ يحفظ لنا التاريخ أسماء عديدة قبل ظهور المفهوم بمعناه الدقيق (مثل بوثاغوراس وجورجياس وريتورس في اليونان القديمة).
تجتاز الثقافة بمعنييها السابقين تحولات جذرية، جراء الثورة الرقمية الجارية تحت أعيننا اليوم باعتبارها واحدا الإبدالات الناشئة زمن ما بعد الحداثة تحت اسم «مجتمع الإعلام» أو «مجمتع المعرفة» بدل «المجتمع الصناعي».
2. 2. الثقافة والهوية، إبدالات جديدة:
شكل الرابط الاجتماعي، باعتباره ما يجمع الأفراد ضمن جماعات تتصف كل واحدة منها بالتجانس، بوصفها وحدات مغلقة، لكنها تتصف أيضا بالتمايز في صلاتها بغيرها من الجماعات، مما يتيح الحديث عن «بيئات ثقافية»، شكَّل مبحثا هاما لعدد غزير من الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية للقرن العشرين. وحصيلة تلك البحوث أن هذا الرابط يتأسس على طقوس العبور وعلاقات القرابة (قواعد الزواج) والأصل العرقي والجنس والدين والجغرافيا. في المقابل، تجمع أكثر من دراسة على أن الرابط الاجتماعي يعرف حاليا، في ظل التحولات الجارية بفعل العولمة والثورة الرقمية كما في سياق ما بعد الحداثة، تحولا كبيرا أبرزُ سماته أنه صار:
– يُنسج بعناصر أخرى تتمثل في وجود اهتمامات مشتركة (مال، ذوق، انشغال معين)؛
– لحظيا، حيث توارت التواريخ الفردية الخطية لفائدة الحكايات الإنسانية، داخل علاقات تُقلص الزمان إلى مكان، وصار ما يهيمن هو هذا الـ «حاضر الذي أعيشه مع أفراد آخرين في مكان محدد»[16].
– متعددا، إذ أصبح الفرد قادرا على الانسلاخ من جماعته المحلية ليتجه رأسا إلى الجماعة الكونية ويختار ضمنها مجموعة/مجموعات للانتماء[17]، مما أفضى بالبعض إلى الحديث عن «عودة القبلية» أو «القبلية الجديدة»[18]، وعن «تشذر» للهوية، وعن «تسكع» لها، بل وحتى عن تعدد للأنا وتشظيها[19]؛
– قابلا للمتاجرة، إذ «لم يعد منطق النفاذ L’accès (بمعنى الانضمام) يخضع بتاتا للمعايير التقليدية، وهي طقوس وعلاقات القرابة والأصل العرقي والدين أو الجنس، بل [صار] يخضع أساسا لمعيار حقيبة النقود»[20].
– افتراضيا لا ماديا، وذلك بفعل حركة الفَرْضَنَة virtualisation الواسعة التي تجتاح كافة قطاعات الحياة، متمثلة في النقل الحرفي للعالم الواقعي وأنشطته إلى العالم الافتراضي (جسم الإنسان، المكتبات، الشغل، الاقتصاد، الخ.)[21]. بتعبير آخر: «أنا متصل إذن أنا موجود. هذه هي العملة الجديدة لنوع جديد من الإنسان لم يعد الأساسي عنده هو الاستقلال الشخصي، بل تعددية من العلاقات التي تضفي مزيدا من التشويش على الحدود بيني وبين الآخرين»[22].
يدرج جيريمي هذا التحول ضمن سياق التطور الذي تشهده الرسمالية والليبرالية الجديدة اليوم، حيث بات كل شيء قابلا للمتاجرة، بما في ذلك الثقافة، إذ يتخذ في كتابه «عصر الفرص: الثقافة الجديدة للرأسمالية حيث الحياة تجربة مكلفة»[23]. مما يُسميه بـ «الانتقال من الرأسمالية الصناعية إلى الرأسمالية الثقافية» أطروحة مركزية لهذا العمل، ويؤكد أنه «بتحكم احترافيي قطاع المال والأعمال في تقنيات الإعلام والاتصال آل إليهم لعب الدور الذي كانت تضطلع به في الماضي المؤسسات التعليمية والدينية ومنظمات تبادل المساعدة والجمعيات المدينة والجمعوية في تفسير وإيصال وصياغة أشكال تعبير ثقافية والحفاظ على الفئات الكبرى لثقافتنا»[24].
2. 3. الرقمية وإعادة تشكيل الحقل الثقافي:
كان لاكتشاف الكتابة (حوالي 4000 سنة ق.م) تأثير حاسم في تطور الجنس البشري، أي التدوين أتاح حفظ سائر المعارف والتنظيمات المكونة للثقافة بمعناها الشامل ونقلها من جيل لآخر داخل المجموعة البشرية الواحدة كما بين مجموعة وأخرى، ما أدى إلى ظهور الحضارات المتتالية التي عرفها التاريخ البشري؛ فماضي الإنسان يرتد إلى ملايين السنين، بيد أنَّ ما نعرفه عنه فعلا لا يتجاوز ما تنطق به وثائق يعود أقدمها إلى حوالي 4000 سنة ق.م. لا غير.
كما أحدث ظهور الكتابة والقراءة تقسيما داخل المجتمعات التي عرفتها، إلى أقلية صغيرة جدا تزاول هذين النشاطين وقاعدة واسعة تجهلهما. هذه الأقلية التي حُملتْ إزاءها نظرات مختلفة[25] اتسعت بتقدم التاريخ، على إثر الاكتشافات المتواصلة في ابتكار حوامل الكتابة، ما جعل فئة المثقفين بالمعنى الضيق للكلمة هي الأخرى تزداد عددا ليتحول، في ظل الرقمية، ما كان يمنح الفرد صفة «مثقف» داخل مجتمعات القراءة والكتابة من أداة نخبوية إلى وسيلة إنتاج واستهلاك في متناول الحشود.
2. 3. 1. في ارتباط الثقافة بالحامل:
تحتاج الكتابة بما هي تحويل للكلام الملفوظ أو الذهني إلى رموز مرئية، إلى حامل أو سند، أي إلى جسم مادي يُثبت فيه الكلام بما يجعله قابلا لإعادة القراءة عمليا بشكل لا نهائي ما لم يتعرض السند للإتلاف ويتلاشى النص المكتوب[26].
بيد أن هذه القابلية للقراءة اللانهائية لا تعني بالضرورة تمكن كافة الناس من الاطلاع على نص ما؛ فاتساع قاعدة القراء يتبع وفرة السند وسهولة استخدامه وانخفاظ كلفته، ما يفسر تناقص عدد الكتاب والقراء كلما توغلنا في ماضي الكتابة والقراءة، حيث يمكن التمييز في مراحل التسجيل، بين أربع محطات أساسية: ما قبل الدفتر (الكودكس)، الدفتر، المطبعة، ثم الرقمية.
2. 3. 1. 1. حقبة ما قبل الكوديكس:
تمتد من تاريخ اختراع الكتابة (الألفية الرابعة قبل الميلاد)[27] إلى ق. II قبل الميلاد. فيها اتخذت مواد عديدة أسندة للكتابة (حجر، شمع، أوراق أشجار، طين، عظام، حجر).
وباكتشاف السومريين للكتابة المسمارية والألواح الطينية حققت البشرية آنذاك قفزة عملاقة إلى الأمام، بالنظر إلى صغر حجم اللوح الطيني، وإمكان الكتابة على وجهي اللوح، وحمل أعداد كبيرة منه والتنقل بها.
شكل ورق البردي أهم حامل في تلك الفترة، امتد استعماله من الألفية الثالثة ق.م. إلى القرن الأول الميلادي، وعرف انتشارا واسعا في العالم المعروف آنذاك (بيزنطة، روما) عبر استيراده من مصر.
ومن المواد المستعملة في تلك الفترة الرقعة التي كانت تصنع من جلود الحيوانات، ويتراوح طول الواحدة منها بين 30 و40 مترا، تعبأ بالكتابة كاملة، دون أن تتخلل النص علامات ترقيم ولا فقرات. وحيث كانت الورقة تطوى على شكل رولو، فإن القراءة كان تتطلب من القارئ تعبئة جسده أثناء القراءة، ما جعل من المتعذر الجميع بين الكتابة والقراءة ولف الرولو وفتحه في آن واحد.
الكتابة والقراءة في تلك المرحلة كانت ممارسة حكرا على فئة صغيرة جدا داخل المجتمع، وتعلمَ الكتابة يستغرق سنوات عديدة. ناهيك عن تعذر نقل بعض تلك الحوامل وسهولة تعرض بعضها للإتلاف. كتب حمو رابي، مثلا، قوانينه في حجر كبير كانت تنصب نسخة منه وسط مدن أمبراطوريته، وبالتالي لم يكن واردا نقل ذلك النص ولا حمله، كما لم يكن بالإمكان قراءته دون الانتقال إلى عين مكان وجوده. كما لم تتحمل أوراق البردي الرطوبة واحترق 40000 رولو ورق بردي في حريق مكتبة الأسكندرية[28].
وإلى كتابة تلك الحوامل يعود الفضل في ما نعرفه اليوم عن ثقافات تلك الشعوب والحضارات.
2. 3. 1. 2. الكوديكس (أو الدفتر) (الثورة الأولى للكتابة):
في القرن الثاني ق.م. تمَّ ابتكار تقنية تتمثل في تقطيع جلد الحيوانات إلى أشكال مستطيلة، يضم بعضها إلى بعض، وتخاط من أحد الجوانب بما يعطيها عمليا شكل الكتاب الذي نعرفه اليوم. ومن ميزات الدفتر أنه يستوعب نصوصا أكثر (150 ورقة، في بداية ظهوره، أي 300 صفحة)[29] ويشغل حيزا مكانيا أصغر. يمثل هذا الاكتشاف أول تحول جذري في تاريخ الكتابة، وتمَّ لحاجة الديانة المسيحية إلى حامل عملي لنشر النص الديني الجديد، وكفّ المصريين عن تصدير ورق البردي لتأمين حاجياتهم منها لبناء مكتبة الإسكندرية[30].
علما أن اختفاء ورق البردي، باعتباره حاملا للكتابة، لم يتبع مباشرة ابتكارَ الدفتر. فما ما تم العثور عليه من وثائق مكتوبة في الحاملين ظل متساويا إلى حدود ق V م ليبدأ الدفتر في التقدم والبردي في التراجع حتى اختفائه النهائي في القرن IXم بفعل هيمنة ثقافة المخطوط بخطوطها ومهنها وتقاليدها[31]، وانتشار صناعة الورق في العالم أجمع بعد أن اكتشفه الصينيون في ق IIم.
شكل ابتكار الدفتر قفزة عملاقة إلى الأمام، إذ تم تحرير الجسد لفائدة العين أثناء القراءة، وأتاح الاختلاء بالنص المقروء، فضلا عن إمكانية تصميم الصفحة وتقسيم النص إلى فصول وفقرات ووضع فهارس، الخ.، ما أدى إلى اتساع دائرة الكتاب والقراء قياسا إلى المرحلة السابقة. ومن المعلومات الدالة في هذا الصدد ما وصل من العصر العباسي من أن عدد المجلدات في بعض الخزائن أيام المأمون بلغ مائة ألف مجلد وأنَّه يوم سقوط بغداد في يد هولاكو (656هـ) وأمر بحرق الكتب وإلقائها في نهر دجلة شكل ما ألقي في النهر جسرا أمكن الناس أن يعبروا عليه رجالا وركباناً[32].
مع الكودكس «صار الكتاب هو حامل المعرفة. الكتاب الفريد القابل للشرح والتأويل إلى ما لا نهاية، المتعالي، المشتمل على كل شيء: الإنجيل، القرآن، النصوص المقدسة، الكلاسيكيات، كونفوشيوس، أرسطو… هنا الشارح هو من مالك المعرفة والمتحكم فيها»[33] بدل ذاكرة الأحياء، كما كان الأمر في حقبة المشافهة، ودشن الدفتر ما يسميه البعض بحضارة الكتاب التي نحن بصدد مغادرتها.
مع الكوديكس أيضا شهدت الثقافة البشرية ميلاد كبار الشخصيات التي كان لها تثير قوي في مجرى الحضارة والتاريخ (موسى، عيسى، محمد، أفلاطون، أرسطو، ابن خلدون، الخ.) والذين لا نتردد في إدراجهم ضمن المثقفين بالمعنى الحديث للكلمة.
2. 3. 1. 3. المطبعـة (أو الثورة الثانية للكتابة):
شكل اختراع المطبعة في القرن XV م ثاني أكبر حدث في تاريخ الكتابة والقراءة للتغييرات العميقة التي تربت عن هذا الابتكار طيلة القرون الخمسة الماضية. بفضل الحروف المتحركة صار بالإمكان إصدار أعداد كبيرة من النص (أو العمل) الواحد بسرعة وبنسخ متطابقة كليا، خلافا لنشره عبر الورَّاق الذي كان عمله اليدوي، فضلا عن استغراقه وقتا طويلا، يُعرض المنتوج لأنواع من التشويش يعرفها محققو النصوص جيدا.
ومع أن ابتكار المطبعة يعود إلى القرن XVم، فإنه لزم انتظار قرنين كي يختفي المخطوط نهائيا في القرن XVIIم، بل إن المطبعة في بداياتها حافظت على جزء من مهنة الوراقة عبر ترك هامش لتدخل الوراقين في الكتاب المطبوع قصد إنهائه بتدخلات يدوية تشمل تلوين أحرف بداية الفقرات ورسم الصور ووضع علامات الترقيم والعناوين، الخ[34].
بظهور هذا الابتكار خرج الكتاب من حيز الممتلك الثمين الذي لا يقوى على شرائه إلا الأثرياء، ومن ثمة ندرته، إلى مقتنى في متناول الحشود، فتضاعف المتعلمين والكتاب والقراء ، وبرز ما يسمى بظاهرة «سُعار القراءة» التي أفضت إلى ظهور ما يصطلح عليه بـ «القراءة الممتدة extensive»، أي قراءة كتب عديدة بدل «القراءة المكثفة intensive» وهي قراءة كتاب واحد أو بضعة كتب، وتكرست القراءة الصامتة، مما أتاح ظهور الفكر النقدي الذي سيتبلور مع حركة الأنوار التي تشكل الحجر الأساس للحداثة. من هذه الزاوية لا يتردد بعض مؤرخي الكتاب في اعتبار ابتكار المطبعة شكل وبالا على الكنيسة وملوك أوروبا آنذاك في وقت واحد، إذ أبعدت القراءة النقدية المؤمنين عن الكنيسة وجعلت الرعايا يشقون عصا الطاعة على ملوكهم (الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ممثلين لسلطة الله في الأرض)[35].
في ظل الاختراع الجديد نشأت أنواع خطابية جديدة (قصة، رواية)، ومنشورات جديدة (صحف، مجلات، دوريات)، وظهر المؤلف بمفهومه الحديث والملكية الفكرية، ودخلت صناعة الكتاب مرحلة جديدة تتميز بظهور سلسة وسطاء بين المؤلف والقارئ (لجان القراءة، دور النشر، نقاد، مكتبات).
مع المطبعة أيضا، لم يعد الكتاب هو حامل المعرفة، بل المكتبة، وعوضت شخصية العالم والموسوعي شخصية الشارح والمؤول[36].
باختصار، بظهور المطبعة صار المثقفون لأول مرة في التاريخ فئة معتبرة العدد في المجتمع قياسا إلى الحقب السابقة التي كانت تأخذ فيه على الدوام وضع نخبة صغيرة جدا.
2. 3. 1. 4. الرقميــة (أو الثورة الثالثة للكتابة):
تتميز الرقمية عن سائر الحوامل السابقة باعتبارها تقنية للتسجيل ترمِّزُ بالحاسوب سائر أنواع النصوص (خط، صورة، صوت)، عبر ما يسمى بالنظام الثنائي 0 و1 بحيث تصير سلسلة من هذين العددين وحده الكمبيواتر قادر على إعادتها إلى شكلها الأصلي.
من ميزات هذه التقنية أنها تتيح تخزين كم هائل من النصوص في حيز مكاني صغير جدا (قرص صلب، قرص مُدمَج)، ما يتيح سحب النص من سنده المادي ويحوله إلى شيء مجرَّد immatériel، ويسمح بالاستنساخ اللانهائي لأي ملف بشكل يختفي فيه الاختلاف بين الأصل والنسخة. وحيث كلفة العملية تنخفض عن النشر الورقي بما لا مجال للمقارنة بين الحاملين، فقد بدأ الحديث يتردد عن الخروج من عصر جتنبرغ[37] والنهاية الوشيكة للنشر الورقي[38].
بالقدرة السابقة، يرى بعض مؤرخي الكتاب، مثل روجيه شارتييه، أن الرقمية، تواصل بسرعة مُذهلة العمل الذي بدأته المطبعة منذ خمسة قرون، ومن ثمة يختزل ثورات الكتابة في محطتين: الدفتر والرقمية..
العنصر المركزي في هذه العملية هو الحاسوب، حيث بدونه لا يمكن القيام بتسجيل ولا بقراءة النصوص المرموزة بإعادتها إلى شكلها الأصلي بعرضها في الشاشة أو سحبها على الطابعة. ولنا أن نتخيل ما يمكن فعله لدى فصل الحاسوب عن الكهرباء أو إيقاف تشغيله.
3. الحاسـوب وسيط مُركَّبٌ:
يتجاوز الحاسوب مجرد سند إلى كونه وسيطا مركبا يؤدي وظائف خمسا هي: الكتابة والقراءة والتخزين والبث والاستقبال.
3. 1. الحاسوب جهاز للكتابة:
يتجاوز الكمبيوتر مجرد جهاز للتدوين إلى التدخل في عملية الكتابة الأدبية ذاتها إما كطرف أو كمنتج يتجاوز في قدراته الإبداعية الطاقة البشرية بما لا مجال للمقارنة بين الاثنين على نحو ما سنرى في القسم المتعلق بالأدب الرقمي.
ويأخذ التدوين بالحاسوب بأنماط أهمهما:
– صيغة النص، ويتم فيها رقن الأعمال بمحررات للنصوص تتيح إخراج العمل الواحد بأشكال متخلفة من اللون والخطوط وإعدادات الصفحة.
– صيغة الصورة (أو الـ pdf)، ويتم فيها المسح الضوئي لأعمال سابقة النشر ورقيا بحيث تكون نسخة طبقة الأصل للإصدار الورقي. وتختلف عن السابقة في كبر حجم المرقمنة بهذه الطريقة وصعوبة إجراء عمليات على النص مثل التعديل على فقراته.
3. 2. الحاسوب جهاز للقراءة:
مع الحاسوب تعددت أشكال القراءة بحيثُ يميَّزُ فيها بين ثلاثة: قراءة خطية، أخرى تشعبية، وثالثة مدعومة بالحاسوب.
صارت الشاشة هي فضاء القراءة، بيد أن المطالعة هنا تختلف جذريا عن نظيرتها في الحوامل السابقة، من حيث أنَّ فضاء العرض لم يعد مجرد ساحة سطحية ذات طول وعرض، على غرار الكتاب، والصفحة لا يجب النظر إليها باعتبارها مجرد حيز طويل مثل ورق البردي، بل بوصفها أيضا عمق لا ينتهي مليء بالمعارف والنصوص التي يمكن للقارئ أن يلجه في أية لحظة عبر مغادرة نص ما للانتقال إلى نصوص أخرى عبر النقر على الروابط التشعبية. من هذه الزاوية لا يتردَّد مؤرخ الكتاب روجيه شارتييه في تأكيد أنَّ القراءة في الشاشة هي الآن بصدد إحداث ثورة في العقل[39].
إضافة إلى ذلك، يدعم الحاسوب القراءة بأدوات تكسبها ميزات عديدة، منها: إمكانة تدوين النقط أثناء القراءة، واستشارة المعجم أثناء المطالعة، البحث في النص بكامله، وإحصاء تواتر مفردة أو جملة أو موضوعة ما، بل إن قاعدة بيانات، مثل Fancetext، تتضمن آلاف الوثائق التي يتعذر قراءة نص أي منها كاملا، لأن القراءة تتم عبر البحث لا غير.
وبكثرة النصوص المتاحة وتعذر قراءة العمل كاملا، تحولت القراءة إلى نوع من الزابينغ أو الترحال المستمر الذي يعتبره البعض أداة جديدة للمعرفة:
«ليس الويب خزانة، كما أنه ليس متلق سلبي للمعلومات. الويب مكان، أرض، قارة. لكي يحيا المرء فيها ويكون فعالا يجب عليه أن يقفز من مكان لآخر ومن حدث لآخر، أن يتحرك، يبحر في الامتداد المستمر لهذه الشبكة ويقبض هنا وهناك على قطع من المعلومات (…) ولضرورة الحركة هذه تأثير عميق على الاستعمال والسطحية وتطور البنية الجديدة لامتلاك المعارف بما أنها ترغم على الانزلاق، بما أنها تدفع إلى التنقل المستمر، بما أنها تجعل من الترحال البنية الأولى لامتلاك المعارف»[40].
3. 3. الحاسوب جهاز للتخزين:
يمتلك الجهاز قدرة على تخزين عدد هائل من البيانات في حوامل تزداد مساحتها صغرا وطاقتها التخزينية كبرا يوما عن يوم. ففي ملف لا يتعدى 2 جيغا، مثلا، لا يشغل أكثر من حوالي نصف قرص مُدمَج تمَّ رقمنَت الخزانة الشاملة كما هائلا من كتب التراث العربي الإسلامي (حوالي 5300 كتابا).
وبهذه القدرة يتحقق حلم مكتبة كونية الذي راود أدباء مثل بورخيص (أقصوصة مكتبة بابل) وعلماء مثل فانيفار بوش (مشروع الميميكس) وتيد نلسون (مشروع كسانادو)[41]. لو افترضنا إمكانية طبع كل ما تتضمنه الشبكة من نصوص لما كفت أشجار العالم لإصدارها مطبوعة ورقيا.
3. 4. الحاسوب جهاز للاستبقال:
يتلقى الكمبيوتر سائر أنواع الملفات (كتابة، صورة، صوت، أشرطة سمعية بصيرة) من أي بقعة عبر العالم متصلة بشبكة الأنترنت.
3. 5. الحاسوب جهاز للبث:
باستطاعة الجهاز أيضا أن يرسل سائر أنواع الملفات من أي بقعة من العالم إلى أي نقطة أخرى منه متصلة بالشبكة. فبعث نسخة من رواية تتألف من عدة مئات من الصفحات من جهاز إلى جهاز آخر لا تستغرق سوى ثوان. هذه الخاصية تكسب النص قوة كبيرة من حيث أنه صار كلي الحضور، لكنها تجعله في الآن نفسه في منتهى الهشاشة، إذ يكفي أن يحصل عطب تقني فيتبخر تماما ما لم تُحفظ نسخة منه تحسبا لهذا الطارئ. وقد حصل هذا لأكثر من موقع (منتديات فضاءات، منتديات الجمعية الدولية للمترجمين العرب سنة 2006).
وعبر برامج معلوماتية، يمكن إحداث بث مباشر سمعي أو سمعي بصري، ما جعل إمكانية إنشاء محطة للبث الإذاعي والتلفزي عمليا في يد الجميع.
بالوظائف السابقة يعمم الحاسوب ما ظل حكرا على المطبعة ودور النشر والتوزيع ووسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة.
4. الرقمية وإعادة تشكيل الحقل الثقافي:
يعلمنا تاريخ الكتابة أن الانتقال من حامل قديم إلى آخر جديد لا يتم بشكل فوري: مرَّ معنا أنَّ الانتقال من ورق البردي إلى الكوديس استغرق سبعة قرون، والاستعمال النهائي للكتاب المطبوع بدل المخطوط لم يتم إلا بعد مرور قرنين على اختراع المطبعة، ما يعني أن ظهور كل حامل جديد بقدر ما قد يخلق فئة من الكتاب المخضرمين الذين يزاوجون بين استعمال الحاملين القديم والجديد يولد في الآن نفسه فئتين من المؤلفين: إحداهما تتخلى عن الحامل القديم والثانية ترفض السند الجديد كليا.
4. 1. ثقافتان ومثقفان:
في المجال العربي كما في غيره أدى ظهور وسيط الحاسوب وشبكة الأنترنت، إلى ارتسام خط فاصل بين ثقافتين ومثقفين: ثقافة ومثقف شبكيين رقميين عصريين، وثقافة ومثقف ورقيين كلاسيكيين تقليديين.
4. 2. المثقف الورقي:
هو الذي، في زمن «الطوفان الثاني» (المعلوماتي) – على حد تعبير الفيلسوف بيير ليفي[42] – لا زال متحصنا في قلعة الورق إنتاجا واستهلاكا، اختار الخلود إلى الكتاب لما يوفره من أمن وطمأنينة ويقين، حيث يتضمن مادة فكرية مكتملة، ذات بداية ونهاية، محفوظة داخل جسد مادي، يتم التنقل في أرجائه عبر مسلك الخطية الآمن.
المثقف الكلاسيكي هو الذي أمام إمكانية تصفح مئات الصحف العالمية يوميا (هناك أكثر من 1000 صحيفة إلكترونية مطلوقة للتصفح المجاني)، وإمكانية النسخ والتنزيل المجانيين لمئات المقالات والدراسات والكتابات الإبداعية الرفيعة والبحوث الجامعية، وإمكانية التواصل الإلكتروني اليومي مع أناس من كافة أنحاء المعمور بكلفة زهيدة أيضا… أمام ذلك، اختار التقوقع في حيه أو مدينته، والوفاء لصحيفته اليومية وخزانات الإعارة المادية والأكشاك والمكتبات… إذا حرر مقالا أو نصا أو كتابا اتجه به إلى الراقنة، معتبرا جهاز الحاسوب آلة تنتمي إلى عوالم أخرى، معرضا عن التعامل معها.
ضمن هذه الفئة يحدث أن نجد من هو أكثر أصولية من الأصوليات المعهودة، وأكثر سلفية من السلفيات الدينية التي سبقت إلى احتلال مواقع كثيرة في القارة الجديدة، وبنت صروحا شامخة فيها لدرجة أننا إذا اعتبرنا المواقع الإسلامية في تقويم المشهد الثقافي العربي بالأنترنيت خلصنا فورا إلى أن الدخول العربي إلى الشبكة العنكبوتية دخول ديني تراثي بالأساس… من علامات هذا التحجر، مثلا، كون بعضهم ظل إلى وقت قريب يرفض استلام فصول رسائل طلبته ما لم تكن مكتوبة الخط اليدوي، كأن كتابتها بالحاسوب ضرب من الغش يشبه استخدام الحاسبة لإنجاز معادلات رياضية في امتحان يمنع الاستعانة بالآلة… ومن علاماته رفض بعضهم رفضا تاما أن يستخدِمَ الحاسوب، وإعراض البعض الآخر عن التعامل مع شبكة الأنترنيت بدعوى أنها لا تتضمن سوى «ثقافة القشور» ومنع مجموعة من المشرفين طلبتهم أن يستعينوا بمصادر ومراجع من الشبكة.
هذه الفئة الأولى تمارسُ على نفسها حاليا إقصاء ذاتيا لا تبرره اعتبارات سياسية ولا مادية، ومن ثمة فهي تساهم في مُراكمة التقليد السائد بإضافة نوع جديد إليه لتجعل تقليدنا تقليدا مُضاعَفا (أو مزدوجا). إذا كان الاتباع الأول معروفا وسائدا بما لا يستدعي وقوفا في هذا السياق، فالثاني يمكن تعريفه كالتالي:
«هو مُلازمة شكل سكوني وثابت في إنتاج المعرفة ونشرها وقراءتها في سياق يتسم بزحف شكل آخر لإنتاج المعرفة ونشرها وتداولها يتميز بالحركية والتجدد السريعين إلى حد الفوران، بل ويهدد بالعصف بالقسم الأعظم من موروث الثقافات البشرية لفائدة حضارة جديدة بالمعنى الممتلئ للكلمة.
4. 3. المثقف الرقمي:
بخلاف ذلك، المثقف الرقمي هو الذي يتصل يوميا بالشبكة، يجوب هذه القارة، لا ليستكشفها فحسب، بل وكذلك ليترك فيها بصمات لمروره، يتصل بأصدقاء من بلدان متعددة، يشارك في مجموعات للمحادثة، يتصفح صحفا يومية عربية ودولية، يزور مواقع، ينزِّلُ نصوصا للقراءة خارج الاتصال، يتردد على مواقع ثقافية، يتعلم، يُحمل برامج للتعلم والاستخدام، وينشر كتاباته في موقع شخصي أو مدونة أو منتديات أو صحف ومجلات إلكترونية. إن كان بصدد إنجاز بحث أشرك في بحثه زملاء وأصدقاء له من كافة أنحاء العالم، عبر التوجه إليهم بالسؤال والاستشارة… بكلمة واحدة، المثقف الشبكي هو من يدخل الفضاء الافتراضي ويساهم فيها بعملة الأخذ والعطاء.
4. 4. هل هي نهاية المثقف؟
لكن الصنفين معا يغدوان إما تقليديين أو منتميين إلى عالم قيد تغيير هو من الجذرية بحيث لم يعد ولوج الوضع الاعتباري «للمثقف» يسلتزم اجتياز طقوس ولوج الوضع الاعتباري للمثقف، إذ صار بإمكان حشود المتصلين بالشبكة الوصول إلى ما كان يشكل عناصر تلك الطقوس، ما يتيح سؤال ما إذا كنا نعيش «نهاية المثقف».
يرى جويل روزناي في كتابه «ثورة البرونيتاريا»[43] أن نبوءة ماركس القائلة بأنَّ الصراع بين الطبقة الرأسمالية والبروليتاريا سيُفضي إلى امتلاك هذه الأخيرة لوسائل الإنتاج، هي الآن بصدد التحقق لا في العالم المادي، ولكن في نظيره الافتراضي. فالانتشار الواسع لأجهزة الحواسيب والاتصال بشبكة الأنترنت اللذان باتا في متناول مئات ملايين الناس، واحتشادهم في شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات والمنتديات ومواقع تشارك الملفات الصوتية والسمعية والسمعية البصرية قد أمدَّ هذه الحشود بسلطة حقيقية أفضت إلى تقويض جزء هام من السلطات والمؤسسات القديمتين.
وبالفعل فقد بات، مثلا، عبر أجهزة رقمية صارت عمليا في متناول معظم الناس (هاتف محمول، كاميرا، حاسوب، اتصال بشبكة الأنترنت، آلة تصوير، الخ.)، بإمكان أي فرد في المعمور أن يستحوذ على جزء مما ظل إلى قبيل انتشار هذه الأجهزة حكرا على مهن عديدة، كالصحافة، والتلحين والغناء والإخراج السينمائي، والبث الإذاعي والتلفزي…
والأمر نفسه يحصل اليوم على الصعيد الثقافي، إذ يعمد حاليا عدد كبير من المواطنين العرب العاديين من داخل بلدهم الأصلي أو من الخارج إلى بث أشرطة عبر موقع يوتوب والاحتشاد في شبكات التواصل الاجتماعي لأداء جزء من الوظيفة التي احتكرها المثقف والسياسي إلى وقت قريب جدا (توعية، نشر قيم الحرية، والعدالة، والمساواة، إجراء نقاش عمومي حول مسالة ما، الخ.)، محدثين بذلك حراكا اجتماعيا لم يخطر على بال أحد لأنَّ أداء مثل هذه الوظائف لم يكن ممكنا إلى وقت قريب دون المرور عبر الكتابة (صحف، مجلات، مؤلفات) أو الاتصال المباشر بالمواطنين عبر مهرجانات خطابية وغيرها.
يحدث هذا في غياب تام للمثقفين العرب، وضمنهم المغاربة، الذين لازالوا يقرأون المجتمع بالمقولات التقليدية ويرتبطون به بالقنوات قيد التجاوز، فيتحدث الأوائل عن وجوب إعادة معانقة قضايا المجتمع (على صعيد الكتابة) فيما يخطط الأواخر لسبل تجديد اندماجهم في الفئات الواسعة للمجتمع (عبر العمل الميداني المباشر).
لا مثقف عربي واحد ولا سياسي عربي واحد يستغل إلى اليوم الشبكة وسيطا لبث أشرطة سمعية بصرية للتوعية والتثقيف وتحليل قضايا الراهن أو حتى لمجرَّد التعليم الذي لم يعد يقتضي انتظار إنشاء جامعات شعبية.
لا يتردد البعض في تأكيد أن الرقمية من هذا الجانب بالضبط إنما تعيد هيكلة الحقل الثقافي بإفراغه في ثقافتها الخاصة القائمة على قوانين ثلاثة، هي: تحرير البث، مبدأ التواجد في الشبكة، ثم إعادة تشكيل الثقافة[44]، ما يدعو إلى طرح سؤال: هل تجازف الثقافة في التلاشي في التنكولوجيا على غرار ما يجازف الأدب بانتقاله من الحامل الورقي إلى الفضاء التكنولوجي؟[45].
مع الرقمية صارت الثقافة جزءا لا يتجزأ من كل يتألف من عناصر سبعة، بحيث لا يمكن الحديث عن عنصر بمعزل عن باقي المكونات، هي: التكنولوجيا، الثقافة، الشأن الاجتماعي، الاقتصاد، الحقوق، السياسة والشأن الجيوسياسي»[46]، ما يقتضي إعادة النظر في مفهوم المثقف من جهة، ومعايير التصنيف داخل فئة المثقفين، من جهة ثانية.
أخيرا إذا كان يُنظَرُ لتطور مجتمعنا، مع ما يقتضيه كل تغيير من صراع بين القديم والجديد، منذ الاتصال بالغرب بمقولتي «التقليد» و«الحداثة»، فإن الرقمية بصدد إضافة بُعد ثالث هو «ما بعد الحداثة»، ما يُتيح استنتاج أننا نسير اليوم بثلاثة إيقاعات، هي: «التقليد» و«الحداثة» و«ما بعد الحداثة».
في دراسة شهيرة تحت عنوان «حول الطبيعة المركبة للمجتمع المغربي» رصد الراحل بول باسكون تعدد هويات المغاربة وسلوكاتهم بما كان يُنظر إليه بأنه معضلة، فهل يكون كل من «التشظي» و«التعدد» و«اللحظية» و«المصلحة» الذي صار من سمات هوية ما بعد الحداثة – كما مرَّ بنا – مؤهلا لتسريع وثيرة التغيير في مجتمعنا أم أنه لا يعدو مجرَّد تغيير في زاوية النظر للمجتمعات البشرية طرأ على الفلسفة والعلوم الاجتماعية؟
إذا كان المستقبل وحده سيقدم جوابا عن مثل هذا السؤال، فثمة من يرى أنَّ الثورة الرقمية تقدم اليوم لشعوب الجنوب فرصة للالتحاق السريع بدول الشمال[47].
محمد أسليـم
(ورقة ألقيت في ندوة «الثقافة والتنكولوجيا» بكلية آداب مكناس، يومي 4-5 ماي 2011)
———–
[1] Centre Ressources Prospectives du Grand Lynon, La crise de la modernité et l’émergence de nouveaux paradigmes :
http://www.millenaire3.com/uploads/tx_ressm3/Nouveaux_Paradigmes2010.pdf
[2] CRPGL, La crise de la modernité…, op.cit.
[3] Patrick Peccatt, La révolution numérique considérée comme une quatrième révolution:
http://blog.tuquoque.com/post/2009/11/03/revolution-numerique-quatrieme-revolution
[4] Pierre Lévy, Essais sur la Cyberculture : L’Univers sans totalité. Rapport au Conseil de l’Europe, version provisoire:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/pierre/cyberculture/cyberculture.html
[5] Jeremy Rifkin , La fin du travail, Essai (poche), 2005 .
[6] أول ثورة صناعية غيَّرت وجه العالم لما أتاحه هذا الاختراع من زيادة الإنتاج وتكوين شبكة مواصلاتية (برية وبحرية) أتاحت التحرك داخل فضاءات أوسع وفي زمن أقل، من جهة، وساهمت في ظهور التوسعات الاستعمارية الأوروبية، من جهة ثانية، فضلا عن وضع اللبنة الأساسية لما يُسمى اليوم بالعولمة.
[7] شكل اختراع المحول الكهربائي واكتشاف البترول ثورة صناعية ثانية، ما ممكن الإنتاج العالمي أن يتضاعف في مدة 50 عام بين 1820 و1870 ثم يتضاعف في مدة 40 عام بين 1870 و1910 بعد أن تطلب تضاعفه 120 عاما بين 1700 و 1820.
[8] Jeremy Rifkin , La fin du travail, op.cit.
[9] Patrick Peccatt, La révolution numérique…, op.cit.
[10] وهي:
– العقد الطبيعي مقابل العقد الاجتماعي؛
– عبر الإنسانية transhumanité (والوعي التكنولوجي) بدل الإنسانية؛
– الإبدال الإعلامي / المعلوماتي ومجتمع المعرفة. انظر:
Millénaire 3, Le Centre Ressources Prospectives du Grand Lyon , La crise de la modernité et l’émergence de nouveaux paradigmes:
http://www.millenaire3.com/uploads/tx_ressm3/Nouveaux_Paradigmes2010.pdf
[11] نفسـه.
[12] نفسـه.
[13] Joel Rosnay, 2020 : Les scénarios du futur. Comprendre le monde qui vient :
http://www.scenarios2020.com/livre/
[14] Patrick Peccatt, La révolution numérique considérée comme une quatrième révolution…, op. cit.
[15] définition de l’UNESCO de la culture, Déclaration de Mexico sur les politiques culturelles. Conférence mondiale sur les politiques culturelles, Mexico City, 26 juillet – 6 août 1982.
[16] Michel Maffesoli, Sur la Post-modernité :
http://www.miviludes.gouv.fr/IMG/pdf/Michel_Maffesoli.pdf
[17] Marc Augé, «Culture et déplacement», Conférence donnée à l’université de tous les savoirs le 16/11/2000 :
http://www.canal-u.tv/themes/sciences_humaines_sociales_de_l_education_et_de_l_information/sciences_de_la_societe/sociologie_demographie_anthropologie/sociologie/culture_et_deplacement.
[18] Michel Maffesoli, Le Temps des tribus Le Livre de Poche, 2000.
[19] Hélène RICHARD, «Psychanalyse et postmodernité : la Psychanalyse en procès ?», Revue québécoise de psychologie, vol. 18, n°1, 1997, pp. 83-102 .
يمكن تصفحه/تنزيله انطلاقا من العنوان:
http://www.rqpsy.qc.ca/ARTICLE/V18/18_1_083.pdf
[20] Jeremy Rifkin , L’Âge de l’accès. La nouvelle culture du capitalisme, Paris : La Découverte, p.181.
[21] يتناول الفيلسوف بيير ليفي هذا الموضوع بتفصيل في مؤلفه:
– Pierre Lévy, Sur les chemins du virtuel: http://hypermedia.univ-paris8.fr/pierre/virtuel/virt0.htm />[22] Jeremy Rifkin , L’Âge de l’accès… op.cit., p. 270.
[23] تحت هذا العنوان أصدر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سنة 2003، الترجمة العربية لكتاب:
– Jeremy Rifkin, The Age Of Acces. The New Culture of Hypercapitalisme, Were All of Live Is A Paid-for Experience, Putnam Publishing Group, 2000.
ونعتمد ترجمته الفرنسية سابقة الذكر
[24] Jeremy Rifkin , L’Âge de l’accès…, op.cit, p.222.
[25] وموقف سقراط الرافض للكتابة شهير في هذا الصدد.
[26] وهو ما لم ينعدم في التاريخ. مثال تعرض آلاف أوراق البردي بمكتبة الأسكندرية للإتلاف، إغراق ملايين الكتب العربية الإسلامية جراء غزو التتر والمغول لبغداد عام 656 هـ.
[27] ظهرت بأشكال مختلفة في خمس أو ست معاقل للحضارة على الأقل كانت قد تمكنت في الزراعة منذ زمن طويل وتعرف تطورا حضريا كبيرا: في مصر حوالي 3400 ق.م.، وفي بلاد ما بين النهرين حوالي 3300 ق.م.، وفي كريت حوالي 1900 ق.م.، وفي الصين حوالي 1400 ق.م.، ,لإ] أمريكا الوسطى حوالي 900 ق.م.، ومن تلك الكتابات تنحدر مجموع النظم الخطية المعروفة في الوقت الراهن. عن موسوعة ويكبيديا (الفرنسية)، مادة: Histoire de l’écriture
[28] حول تفاصيل حوامل تلك المرحلة، انظر:
– ألكسندر سيبتشفيتش، تاريخ الكتاب، ترجمة د. م. الأرناؤوط، المجلس الوطني للثقافة، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، (في جزأين)، ع. 169، و170، يناير-فبراير 1993. وكذلك ملف «مغامرة الكتابة»، الخزانة الوطنية الفرنسية:
http://classes.bnf.fr/dossisup/index2.htm
[29] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran : les trajectoires de l’écrit», In Solaris, nº 1, Presses Universitaires de Rennes, 1994 :
http://biblio-fr.info.unicaen.fr/bnum/jelec/Solaris/d01/1chartier.html
[30] Laurent Jenny, Histoire de la lecture (2003)
http://www.unige.ch/lettres/framo/enseignements/methodes/hlecture/hlintegr.html#hl012100
[31] انظر، على سبيل المثال، علي بن إبراهيم النملة، الوراقة وأشهر أعلام الوراقين. دراسة في النقل القديم ونشر المعلومات، مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1995.
[32] مكتبات بغداد العامة في العصر العباسي: http://shabak.yahooboard.net/t306-topic />[33] Pierre Lévy, Essais sur la Cyberculture…, op.cit.
[34] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran : les trajectoires de l’écrit» (مرجع سابق)
[35] Laurent Jenny, «Histoire de la lecture», Dpt de Français moderne – Université de Genève, 2003 :
http://www.unige.ch/lettres/framo/enseignements/methodes/hlecture/hlintegr.html
[36] Pierre Lévy, Essais sur la Cyberculture… op.cit.
[37] “L’adieu à Gutenberg?”. Enjeux et défis culturels du 21ième siècle, Colloque international au Palais du Luxembourg, salle Clemenceau, , Paris, 21 Janvier 2000 :
http://www.culture.gouv.fr/culture/actualites/celebrations2000/gutenberg.htm
[38] الرأي لـ Dick Brass مسؤول قطاع النشر بشركة ميكروسوفت، انظر:
– Jean Clément, Le «e-book »,est-il encore un livre?L’expression «livre numérique » a-t-elle un sens? Le livre traditionnel a-t-il encore un avenir ?:
http://www.cndp.fr/archivage/valid/14336/14336-2425-2553.pdf
[39] Chartier, Roger. “De l’écrit sur l’écran.”. Imageson.org, 23 mai 2005 [En ligne]
http://www.imageson.org/document591.html
[40] Olivier Dyens, «Le web et l’émergence d’une nouvelle structure de connaissances», in Actes du Colloque Les défis de la publication sur le web: hyperlectures, cybertextes et méta-éditions:
http://www.interdisciplines.org/defispublicationweb/papers/11/language/fr
[41] Memex اسم أطلقه فانيفار بوش في مقالته «As We May Think» (1945) على جهاز متعدد الوسائط يمكنه تخزين جميع المعارف التي أنتجتها البشرية، وذلك لتمكين كل المتخصصين من تتبع تطورات حقولهم، على إثر فوران الإنتاج العلمي والمعرفي، بيد أن تقنيات ذلك الوقت لم تتح إخراج تلك الآلة إلى حيز الوجود. أما Xanadu، فمشروع تصوره تيد نلسون لإنشاء مكتبة كونية تشتمل على جميع الآداب العالمية بواسطة روابط تشعبية، تستشار في الشبكة، وتتيح للمستخدم إمكانية إغناء تلك الوثائق عبر تنزيلها وتذييلها بملاحظات وإدراج روابط تشعبية، وهذا المشروع بدوره لم يتحقق. بيد أن ثمة من يرى أن الأنترنت الحالي هو تجسيد نسبي لذلك المشروع.
[42] Pierre Lévy, Essais sur la Cyberculture … op. cit.
[43] Joël de Rosnay (avec la collaboration de Carlo Revelli), La révolte du pronétariat. Des mass média aux média des mass : http://www.pronetariat.com/livre/ />[44] André Lemos, Les trois lois de la cyberculture. Libération de l’émission, connexion au réseau et reconfiguration culturelle : http://www.cairn.info/revue-societes-2006-1-page-37.htm />[45] Jean Clément, La littérature au risque du numérique … op.cit.
[46] Hervé Le Crosnier, La Culture Numérique:
[47] Michel Elie, Internet, une chance pour les plus pauvres ?:
http://www.editionsquartmonde.org/rqm/document.php?id=308
الكاتب: محمد أسليم بتاريخ: الأربعاء 05-09-2012 05:26 صباحا