– كيف تنظر إلى مستقبل هويتك في كونية الفيسبوك؟
طرح سؤال مستقبل الهوية في كونية الفيس على هذا النحو يوحي بأن كل شيء يتم كما لو كان هذا الفيس قدرا لا مفرَّ فيه، وكان عدم التواجد فيه حرمانا من الهوية، والحال أن الأمر ليس كذلك؛ لاعتبارات ثلاثة على الأقل:
الأول يرتبط بطبيعة الفيس نفسه: فهو في نهاية المطاف لا يعدو مجرد موقع في ملكية شخص، هو الأمريكي مارك زوكربيرغ، يمكنه في أية لحظة أن يقفله، كما يمكن للموقع نفسه أن ينهار على إثر احتمال عدم قدرة الطاقة والكفاءات البرمجية على إدارة وصيانة الكم الضخم للبيانات التي تصل في كل جزء من الثانية إلى قاعدة أو قواعد بيانات الموقع الذي سبق أن عانى أكثر من مرة من تعثرات في السير إما لصعوبات فنية كان آخرها تلك التي حصلت على التوالي يومي الأربعاء والخميس 22 و23 من شتنبر الحالي أو لتعرضه لقرصنة، على غرار ما حصل يوم 6 غشت 2009، حيث تعذر على الملايين دخول هذا الموقع الذي صار جزءا أساسيا من حياتهم اليومية. ولو حصل هذا الإغلاق، فليس بوسع أي مشترك أن يحتج ولا أن يُلزم صاحب الموقع بإعادة فتحه لا بإمداده ببياناته التي حلما تُرفع للموقع تصير ملكا لهذا المنبر؛
الثاني: الحرية التي يمتلكها كل وافد على القارة الافتراضية في التردد على الأماكن التي شاء والانخراط حيث شاء. من هذه الزاوية لا يصير الانخراط في الفيس إكراها ولا ضرورة لسائر الناس، ومن ثمة فمن يمتنع عن هذا الالتحاق أو ينضم، ثم يغادر، يظل محتفظا بهويته دون اعتبار الفيس، أو بالأحرى، تصير هويته في الفيس ضربا من الماضي العابر والمنتهي.
الثالث: ما ينطبق على الفيس باعتباره موقعا ينطبق على صفحة كل عضو في هذا الموقع، وهو أنه في الشبكة العنكبوتية لا وجود لمركز ولا مُحيط؛ كل موقع هو مركز، لكنه هامش في الآن نفسه لغيره من المواقع، بمعنى أنه لا وجود لمركز ولا هامش في نهاية المطاف. هذا ينطبق على الفيس، حيث ولو أن عدد منخرطيه فاق نصف مليار عضو لحد الآن، ويتزايد بإيقاع انضمام 000 300 عضو جديد يوميا؛ فهو لا يعدو في نهاية المطاف مجرد بناء افتراضي ضمن مئات ملايين البنايات الافتراضية الموجودة في الشبكة، إذ ما كل رواد الأنترنت فيه بالمنخرطين، وحصل نزيف من الانسحابات دفعة واحدة على إثر تغيير الموقع من سياسته إزاء خصوصية مشتركيه…
– ما الذي تحققه أو يتحقق لك في صفحتك على الفيس بوك ولا تجده في المواقع وسند النشر الإلكترونية العربية الأخرى؟
الفيس بوك يضم كل الخدمات والتطبيقات الموجودة على الإنترنت ويقدمها للمستخدم مجتمعة في مكان واحد: التعارف على أصدقاء وصديقات جدد، تجديد الصلة بالأصدقاء القدماء، التراسل الإلكتروني، الدردشة الآنية، النشر الفوري لسائر أنواع الملفات، إشراك الأصدقاء والصديقات في تصفح ما يبدو مهما من المواد الموجودة في النت والاستفادة مما ير تؤون بدورهم فائدة في نشره على هذا النحو. ناهيك عن إمكانية طرح مواضيع للنقاش يُسمح بالمشاركة فيها لجميع الأصدقاء والصديقات بصرف النظر عن مستوياتهم التعليمية وخارج الإكراهات الأكاديمية. وإذا كان البعض ينفر من إقامة هذا النوع من الصلات، لهزال الفائدة المعرفية التي يمكن جنيها منها، فإن ثمة من المبررات ما يجعلها مفيدة في الواقع من ناحيتين: الأولى كون المشاركات تتيح معاينة تباين المستويات الفكرية والثقافية والمعرفية لجماعة الأصدقاء والصديقات المشكلين لمجتمع تواجدي في الفيس، وهذه المعاينة في حد ذاتها مفيدة في معرفة أشكال المعرفة الرائجة خارج أسوار المؤسسات التعليمية. أما الناحية الثانية فتتمثل في الإحساس بوجوب إفادة الغير خارج القنوات التقليدية المتمثلة في جدران المؤسسة التعليمية والنشر بشقيه الورقي والإلكتروني، وذلك بوضع الأفكار للتلاقح والأخذ والرد. شخصيا، أتبنى الطرح القائل بأن الأنترنت هي الآن بصدد إعادة الاعتبار للمنظور السقراطي للتعليم، حيث كان ينزل إلى الشوارع ويحاور العامة… لقد قمِعَت هذه الرؤية بشدة، وعلى مدار التاريخ، لفائدة المنظور الآخر الأفلاطوني الذي كان يرى وجوب حماية المعرفة عبر تسييج المؤسسة التعليمية بأسوار وجدران تحمي أطراف العملية التعليمية والخطاب المعرفي على السواء من تشويش الخطابات الأخرى، وهو ما طبقه أفلاطون في أكاديميته التي تُعتَبر أصلا للمؤسسات التعليمية على نحو ما وصلتنا. الآن، مع نشأة العالم الافتراضي، انهارت هذه الأسوار، حيث بات نظريا تواصلُ الجميع مع الجميع أمرا ممكنا، عبر شبكة الأنترنت وجهاز الحاسوب الذي يعتبر أداة كتابة وقراءة وتخزين وبث وتلقي في آن، فصار بإمكان رجل التعليم والمثقف إفادة عموم الناس في الشارع الافتراضي.
– ما الذي يعنيه لك انخراط العشرات من الصحفيين الألمعيين ومدراء المواقع والمجلات الإلكترونية والورقية المغاربة والعرب في صفحات الفيس بوك؟
قد يكون هذا الالتحاق تعبيرا عن رغبة في التواصل مع أكبر عدد من القراء الفعليين و/أو المحتملين، وانتهازا لإمكانية إيصال المعلومة بأقصى سرعة ممكنة، وفتح إمكانية جديدة للتعريف بالذات وبالمنبر الورقي، كما قد يترجم هذا الانخراط الإكراه الذي بات يمارسه العالم الافتراضي، ممثلا هنا في أحد أبرز معالمه، على هذه الشريحة في العالم العربي التي تردد معظم المنتمين إليها في الالتحاق بركب الثورة الرقمية على امتداد العقدين الماضيين. بهذا المعنى، يكون الإحجام عن امتلاك حساب في الفيس مجازفة بالتموقع خارج المعاصرة وعدم مواكبة للتطورات الجارية.
– بعزوفك عن النشر والتواصل مع المواقع العربية واكتفائك بصفحتك على الفيس بوك جسرك الأوحد وربما الأفضل للتواصل والنشر ألا تخشى على تلك المواقع العربية من الأفول والإنقراض وبالتالي انمحاء مرجعية فكرية إلكترونية عربية بهذه السرعة القصوى والقاسية؟
أوَّلا، لستُ من العازفين عن النشر في المواقع العربية الأخرى والاكتفاء بالفيس ولا ممن يظن أن هذا الموقع يهدد سائر أنواع المنابر الرقمية الأخرى (الإخبارية، الأدبية، الفكرية الثقافية والفنية) بالامحاء، في الوقت الراهن على الأقل. ذلك، أن الفيس ببرمجته الحالية لا يتيح حفظ، وبشكل يسهل الوصول إلى المادة المخزونة، سوى ما يُنشر في باب المقالات. فيما عدا ذلك، فالإدراجات كلها تنشر في صفحة واحدة تنزل عموديا من المشاركة الأخيرة إلى المشاركات الأقدم، ما يَجعلها شبيهة بورقة بردي مع فارق أن هذه كان لا يتجاوز طولها 30 إلى 40 مترا، في حين لا يقدر جدارُ المنخرط في الفيس بطولٍ، نظريا على الأقل. والمشكلة يُدركها بكل سهولة من يودع يوميا موادَّ في جداره، إذ بتقدم الوقت تنزل الإدراجات القديمة إلى «قعر الصفحة»، ما يجعل شبه مستحيل الوصول إلى المشاركات التي تعود إلى بضعة أشهر لا غير، فمن أين الوصول إلى تلك التي تعود إلى عام أو عامين؟ بتعبير آخر: الفيس ببرمجته الحالية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مستودعا للذاكرة، بخلاف المواقع الأخرى.
ثانيا، لو افترضنا حل الفريق المُبرمج للفيس «المشكلة السابقة»، بحيث يُدرج في صفحة كل عضو محرك بحث داخلي يتيح ويسهل عملية الوصول إلى أي إدراج قديم، من جهة، ويدرج، من جهة أخرى، في جدار كل منخرط يومية تتيح بنقرة ماوز التجول في الصفحة حسب التواريخ، على غرار ما يتم في المدونات، فإن هذا الاستدراك وإن كان سيجعل من صفحة كل عضو في الفيس معادلا لمدونة و/أو موقع، فإنه لن يهدد باقي المواقع بالانقراض حتى ولو تم إلغاء خيار الخصوصية الخاص بعرض مواد الجدار الشخصي، بحيث تصير معروضة للعموم، وذلك لسببين:
الأول يتعلق بما يسمى بمشكلة المصفاة أو مصداقية المعلومة، حيث سيكون من الصعب جدا الوصول إلى مادة جديرة بالقراءة في سياق صارت الكتابة فيه ممارسة متاحة للجميع، بشكل يتجاوز أضعافا مضاعفة الحرية المتاحة في باقي أنحاء القارة الافتراضية، علما بأن مشكلة المصفاة مطروحة بحدة في هذا المحيط قبل أن يرى موقع الفيس نفسه النور.
الثاني: على الرغم من كل السلبيات التي جاء بها النشر الإلكتروني قياسا إلى نظيره الورقي الذي كان يعرف أعرافا وتقاليد في النشر، فإن للمواقع الثقافية والفكرية والفنية العربية ما يؤهلها للبقاء مادامت منابر تعتمد على التخصص، بهذا القدر أو ذاك، وتتوفر على أطقم تسيير، وإن تفاوتت مستوياتها وكفاءاتها المعرفية والنقدية والإبداعية، فإن مجرد وجودها سيعطي للقارئ على الدوام نوعا من الضمانة المتعذرة تقريبا في الفيس.
دحنبر 2010.
—–
(احوار: عبده حقي، ملف: الشبكات الاجتماعية (منشور في موقع مجلة اتحاد كتاب الأنترنت المغاربة)
الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأحد 26-08-2012 05:48 صباحا