مقدمـة
ترتبط الكتابة والقراءة ارتباطا وثيقا بحاملها support، ومن ثمة فأي تغيير يطرأ على هذا الوسيط ينعكس الاثنتين كما يعلمنا تاريخهما الطويل. وإذا كان ظهور الدفتر (codex) قد شكل ثورة عظيمة في تاريخ الكتابة والقراءة لما ترتب عن ذلك من توسيع لدائرة الكتاب والقراء، وظهور القراءة الصامتة، بل وإمداد الإنسية وحركة الأنوار الأوروبيتين بمقومات الوجود، فالتحولات التي تلحقها الوسائط الرقمية اليوم بالكتابة والقراءة هي أعظم بكثير من سابقتيها، لأنها بصدد العصف بالكثير من المقولات والأنشطة، كالكتابة، والقراءة، والمؤلف، والملكية الفكرية، والكتاب، وأشكال الإبداع الأدبي، ورواج الأعمال الأدبية وتلقيها، وما إلى ذلك.
الدفتر هو عبارة عن مجموعة من الصفحات التي تُطوى ويُضمُّ بعضها إلى بعض، ثم يُخاطُ من جانب ليصير ما يُصطلح على تسميته بـ «الكتاب». في هذا الحامل تلقى جيلنا تعليمه، وهو لا زال إلى اليوم أهم حامل للعلوم والمعارف والآداب، يُستخدم للتأليف والكتابة كما يُستعمل للقراءة. ومع أن هذا الوسيط يهيمن اليوم بحيثُ يخيل للبعض أنه من المستحيل استبداله أو زواله، فهو لا يعدو في الحقيقة مجرد محطة في تاريخ الكتابة الطويل، وثمرة قُرون من العمل الدؤوب للتعامل مع حوامل الكتابة. فقد سبقته مرحلتان هما: مرحلة الكتابة على أشياء من الطبيعة، كأعضاء حيوانات، والشمع والحجر والطين والألواح المسمارية، ثم مرحلة الرقعة (volumen) أو «الكتاب الدرجي»[1]، وشكل فيها ورق البردي الحامل الشائع الاستخدام في الكتابة والقراءة.
- الحامل، الكتابة والقراءة قبل مرحلة الرقعة:
الكتابة «نسقٌ من العلامات اللغوية تتيحُ نقل مفاهيم مُجرَّدة والحفاظ عليها»[2]، بدونها لا يُمكن أن يوجد نص ولا كتاب.
لا نتوفر على معلومات كثيرة عن تاريخ ظهور الكتابة بالتحديد وأولى الحوامل المستخدمة. قد تكون أولى الكتابات هي تلك الجداريات المنحوتة والمرسومة التي عُثرَ عليها في كهوف، يعود أقدمها إلى 40000 سنة، هي عبارة عن أشكال حيوانات، ربما تعكس رغبة الإنسان في «التواصل أو نقل رسائل تقديم شهادات»[3]. بيد أن أول كتابة فعلية كانت عبارة عن نبوءات غيبية ذات صلة بالعرافة والسحر، ورسائل نصية قصيرة جدا، أقدم ما يُعرف منها عُثرَ عليه في الصين، وكتب على قشرة بطن سلحفاة[4].
وقد تنقلت الكتابة بين مجموعة متنوعة من الحوامل (قشرة بطن السلحفاة، قماش من الحرير، عظام، لحاء شجر، أوراق الشجر، حجر، رقعة، الخ.) قبل أن يصير الخشبُ هو أول حامل حقيقي للكتاب، إذ يفيد المعنى الأول لكلمتي biblos وliber اللحاء الداخلي écorce للشجرة، وتمَّ العثور على ألواح خشبية في جزيرة Pâques، وفي اللغة الصينية يُشار إلى الكتاب برسم خطي يأخذ هيأة ألواح من الـ bambou[5].
أول نص طويل مكتوب تَّم العثور عليه هو ملحمة جلجامش، ويعتقد أنها دُوِّنَت منذ حوالي 4000 سنة[6]. وقد كُتبت على ألواح طينية، بحروف مسمارية، هي عبارة عن أشكال خطية تنحدرُ من صور تمَّ اختصارها وتبسيطُها، ومن تلك الأشكال سوفَ تنشأ الرموز الصوتية. وتعد الكتابة المسمارية واللوح الطيني أعظم تطور عرفته الكتابة في تلك المرحلة، حيثُ صار بالإمكان تدوين وتخزين عدد كبير من النصوص الطويلة، تتجاوز مجرد رسائل أو أسماء سلع وبضائع، ويسهل حملها ونقلها بخلاف الأحجار الكبيرة التي كانَت الكتابة عليها تتطلب مجهودات مضنية، ناهيك عن صعوبة حملها ونقلها، ومن ثمة كان يُكتَفى بنصب نسخة واحدة من النص في مكان واحد في وسط المدينة كما فعل حمو رابي بقانونه.
وقد كانت الكتابة في تلك المرحلة تأخذ عموما شكل رُسوم رمزية، إذ لم تكن الحروف الهجائية قد نشأت بعد، وكان عدد تلك الرسوم كبيرا جدا. ومن اختصار تلك الرسوم وتطويرها ستنشأ الحروف الأبجدية لاحقا التي سوف تشكل خطوة كبيرة إلى الأمام، لأنها ستتيحُ تدوينَ أشياء العالم من خلال التوليف اللانهائي بين عدد محدود من الحروف لا غير، ما يتيح افتراضَ أنَّ اكتشاف الأبجدية سوف يشكل ارتقاء الإنسان درجة أخرى في سلم التفكير والتمثيل التجريديين للأشياء وللعالم. بيد أن من الباحثين من يرى أنَّ الإنسان، استعمل نوعين من الكلام: الصورة للحديث مع الآلهة، واللغة الشفوية للحفاظ على المؤسسات الاجتماعية القائمة والأساطير والمعتقدات (أي ما يُصطلح عليه بالنقل الثقافي)، وأنَّ تاريخ الكتابة، في الغرب، هو تاريخ علاقة ملتبسة قامت على نوع التفاوض أفضى إلى تهجين نوعي التواصل الآنفين (أي الصورة واللغة) لازال متواصلا إلى أيامنا هذه[7].
- 2. الكتابة والقراءة زمن الرقعة (أو الرولو):
ظهرت الكتابة على أوراق البردي في مصر منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. وقد عوّضت اللوح الطيني لخفة وزنها وسهولة حملها، فضلا عن إمكان لصق العديد من صفحات ورق البردي ببعضها البعض للحصول إلى أن تعطي صفحة طويلة يتراوح طولها بين 10 و40 مترا، تُلفُّ على شكل رولو.
كانت تعتمد الكتابة لتدوين كبريات الأحدث التاريخية كسيرة رمسيس الثالث، والنصوص الدينية ككتاب الموتى، وكان يُكتُب في ورق البردي بقلم من القصب أو بريش الطيور، وبحروف مبسطة قريبة من الحروف الهجائية، في حين كانت تعتمدُ الهيروغليفية في النقش والصباغة على الجدران.
أيام اعتماد ورق البردي وسيطا رسميا للكتابة، كانت ممارسة التدوين لا زالت مهمة شاقة، إذ كان التكوين فيها بمصر، مثلا، يستغرق 10 سنوات بكاملها، فيما كانت في الصين القديمة حكرا على طبقة خاصة تسمى (les mandarains). يخضع أفرادها لانتقاء صارم.
ومع أن الكتابة كانت نقلا حرفيا للكلام المنطوق، فقد كان يُنظر إليها بارتياب توضحه في أسطورة أصل الكتابة بمصر القديمة ومفاضلة سُقراط بين الكتابة والمشافهة:
هكذا، فحسب الأسطورة الفرعونية، عندما قدم الإله توت اختراعه الجديد، أي الكتابة، للملك أمون، بوصفه «علما سيجعل المصريين أكثر معرفة وسيسهل فن التذكر»، أجابه الملك:
«لا يمكن لهذه الكتابة إلا أن تجعل النفوس تنسى ما تعرفه، لأنها (أي الكتابة) ستقودها إلى إهمال الذاكرة. ونظرا، لأن الناس سيعتقدون أن الكتابة قادرة على تحفظ المعرفة، فسيعتمدون في تذكرهم للأشياء على الخارج وعلى الدخيل وليس على دواخلهم وأعماقهم. أنت لم تخترع الأداة التي ستثري الذاكرة، بل أوجدتَ أداة لحفظ الذكريات التي تملكها هذه الذاكرة. ستمنَحُ لتلاميذك صورتهم عن العالم لا العلمَ نفسه. وعندما سيتعلمون الكثير بدون معلم، سيتوهمون أنهم قد صاروا علماء كبارا، والحال أنهم لن يكونوا في أغلبهم سوى جهلة (…) وعلماء وهميين بدل أن يكونوا علماء حقيقيين»[8].
يعكسُ هذا النص تصورا للعلم مفادُه أنَّه هو مجموع ما ينقله السلف للخلف، بدون زيادة ولا نقصان، ويُحفظ بالذاكرة، ويُتلقى من مُعلِّم، يتلقاه هو الآخر عن معلم سابق، وهكذا. وإلى هذا التصور للتعلم تحيل تعابير في مجالات ثقافية، كالمثل العربي القائل: «العلم في الصدور لا في السطور» والتعبير الفرنسي: «الحفظ عن ظهر قلب apprendre par coeur»، وغيرها من التعابير التي كانت تتوهم أنَّ ذاكرة الإنسان توجد في القلب لا الدماغ… وقد اجتازت كبريات النصوص القديمة التي وصلتنا، كملحمتي المهابرهارتا والرامايانا الهندتين، والأفستا الفارسية، والإلياذة والأوديسا اليونانيتين، والمعلقات العربية وغيرها، حياة طويلة من النقل الشفهي قبل أن تلج دورة الكتابة.
وفي محاورة فيدروس، نجد سقراط يحط من قيمة الكتابة مقارنة مع النقل الشفوي، إذ يقول:
«للكتابة مثل الرسم سلبية خطيرة. فالرسوم تبدو كأنها حية، ولكنك عندما تسألها، فإنها تلزم صمتا جليلا. كذلك شأن الخطابات المكتوبة. قد تظن بالتأكيد أنها تتكلم كما لو كانت شخصيات عاقلة، ولكنك إن تطلب منها أن تشرح ما تقوله فهي ستجيبك دائما بالشيء نفسه. ثم، بمجرد ما يُدوَّنُ خطاب ما ينتشرُ في كل الأنحاء، فيقع بين أيدي من يفهمونه ومن يعتبرونه عديم الفائدة على السواء. فالخطاب المكتوب لا يعرف بتاتا إلى من يجب أن يتجه بالكلام ولا مع من يحسن أن يصمت. وإذا ما تعرض للاحتقار أو الشتم ظلما، فإنه يحتاج دائما لنجدة أبيه، لأنه لا يقوى على الدفاع عن نفسه وعلى إنقاذ نفسه»[9].
يُثيرُ هذا الاعتراض ما يراهُ سلبية كبرى للكتابة، وهي أنها تحجبُ الشرح والتوضيح ومقصود القول، ما لا يتأتى إلا بحضور صاحبه كي يُبدِّد أي عجز عن فهمه أو سوء إدراكه من لدن المتلقي، كما يُضمر تصورا للمعرفة باعتبارها تتولَّدُ من الحوار بين منتج القول ومتلقيه. وإذا كان هذا الاعتراض يعكسُ تصور سقراط للمعرفة كما ترجمه من خلال «منهجه» الحواري، فربما يبرره أيضا غياب الشارح التي ستظهر لاحقا مع انتشار الكتابة والتأليف، حيثُ سيعمد الكثيرون إلى شرح مؤلفات غيرهم، إما شفويا أو بتأليف كتابات شارحة لأخرى.
في اليونان القديمة، كان نشاطُ الكتابة والقراءة يوكل للعبيد. ولربما كان الأمر كذلك في السياق العربي الإسلامي، حيثُ كانت القراءة توكَلُ لغلمان يزاولون هذه «المهنة»؛ فقد «روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان يستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها (…) ثم ينام طرفا في الليل ولا يلبث أن يستيقظ فتنبسط أمامه الدفاتر فيها سير الملوك وأخبارها (…) ويقوم بقراءة ذلك عليه غلمان مرتبون لهذا العمل»[10].
ونظرا للقيود التي كان يفرضها الحاملُ على الكتابة، وأسبقية المشافهة وأولويتها على الكتابة، فقد كانت هذه الأخيرة في تلك الحقبة نقلا حرفيا للكلام الشفهي، إذ كان النص يأخذ هيأة أشكال متراصة بعضها لاصق ببعض، في ترتيب لا توجد فيه علامات الترقيم ولا فراغات بين الجمل والفقرات ولا فصل للفقرات بعضها عن بعض. في المقابل، كان السجع وتغير نبرات صوت القراءة الجهورية هما ما يتيح للمتلقي المستمع أن يتبيَّنَ أجزاء الكلام.
كانت القراءة في تلك المرحلة أيضا تقتضي تعبئة الجسد: كان يجب على القارئ أن يمسك الرولو باليدين معا فتتولى إحداهما فتح الصفحة (التي كان يبلغ طولها من 30 إلى 40 مترا) من جانب فيما تتولى الثانية طيها من جانب آخر، فلم يكن يتأتى للعين أن ترى إلا المساحة الصغيرة المعروضة بين الطَّيَّتين. كما كانت القراءة تتطلب تشغيل الصوت واليدين والعينين والأذنين، وبالتالي كان من المستحيل البحث عن مفردة أو جملة داخل النص بكامله أو التجول عبر أجزاءه بسرعة أو تكسير خطية قراءته. كما لم يكن في استطاعة القارئ أن يتدخل بأي شكل من الأشكال في النص المكتوب، أثناء قراءته، كأن يسطر على كلمة أو جملة أو يدوين انطباعاته وملاحظاته على هامش النص.
وبالجملة، فقد كان زمن الرقعة زمنا لهيمنة المشافهة على الكتابة بفعل القيود التي كان يفرضُها الحامل. وبذلك، كان تقطيع النص إلى أجزاء يخضع لاعتبارات الوسيط المادية وليس لمقتضيات بلاغية أو خطابية؛ إذا كانت إلياذة هوميروس قد وصلتنا على شكل 24 نشيدا، فذلك لا يعود لتقطيع ناظمها وإنما فقط لأنها دُوِّنَت في 24 رولو من ورق البردي[11]. ونظرا لارتفاع كلفة إنتاج النص المكتوب، وقلة عدد مزاولي نشاط القراءة والكتابة، لصعوبتهما، فقد كانت القراءة تتم بشكل جهوري، وكان شخص واحد يقرأ النصَّ على جماعة من المتلقين – المستمعين. وسنرى أنَّ هذه القراءة «الجماعية»، أي قراءة الواحد على جماعة، ستستمر إلى ما بعد اختراع المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي.
أخيرا، من سلبيات هذا الحامل كونه هشا، لا يتحمل الرطوبة، وسهلُ التعرض للإتلاف والضياع، ناهيك عن سهولة تعرضه للحرائق. فعلى سبيل المثال، التهمت النيران ما بين 40000 إلى 70000 رولو من أصل 700000 مجلد كانت تشتمل عليه مكتبة الإسكندرية[12].
- 3. الكتابة والقراءة زمن الدفتر:
ظهر الكتاب (أو الدفتر) في حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، لأسباب دينية تتعلق بنشر الديانة المسيحية، وأخرى اقتصادية تتمثل في حظر ملك مصر بطليموس تصدير ورق البردي من مصر إلى خارجها لحصر استخدامه في إنشاء مكتبة الإسكندرية[13]. وباختفاء هذا الحامل من الأسواق، اهتدى المسيحيون إلى استغلال جلود الحيوانات في الكتابة حاملا جديدا للكتابة، يحفظ النصوص على نحو أفضل من ورق البردي، فصادف الوسيط الجديد نجاحا كبيرا للميزات التي سنذكرها أسفله. بيد أنَّه لم يعوِّض ورق البردي بين عشية وضحاها، ولم يصر حاملا شائعا للكتابة إلا ابتداء من القرن الثاني الميلادي[14].
تميَّز الحامل الجديد عن سابقه بانخفاض كلفة إنتاجه ووفرة مادته الخام، وبإمكانية تدوين عدد كبير من النصوص فيه، وبذلك شكَّل ثورة حقيقية على صعيد الكتابة. كما شكل الحاملُ الجديد ثورة على صعيد القراءة. بل من مؤرخي الكتاب من يختصر ثورات الكتاب في محطتين كبيرتين هما: ثورة اكتشاف الدفتر (الكوديكس)، وثورة الشاشة[15] مُعتبرا أنَّ اختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ق اقتصر على تسريع وتيرة الإنتاج باستخدام حامل الدفتر باستخدام حامل الدفتر نفسه، شكلا ومحتوى، دون أن يمضي إلى حدِّ استبداله جذريا على نحو ما فعل الدفتر بالرُّقعة وما تفعل الشاشة بالدفتر اليوم[16].
ولكون الدفتر يتألف من عدد كبير من صغيرة الحجم يُمكنُ الكتابة على وجهيها، فهو سيفتح أمام الكتابة والقراءة آفاقا غير معهودة، بل وسيمتد تأثيره إلى الفكر والإنتاج الأدبي والمعرفي:
فعلى صعيد الحجم، بسبب كثرة عدد أوراق الدفتر، فهو يقبل استيعاب عدد كبير من النصوص. وبسبب صغر حجمه، يتيح حمل أعداد كبيرة منه والتنقل بها بسهولة، وهو ما لن يوجد نظير له إلا مع ظهور كتب الجيب في القرن 18 م التي نُظر إليها إبان ابتكارها بمثابة موسوعات محمولة.
وعلى مستوى الكتابة، سيسمحُ الدفتر من الآن فصاعدا بتنظيم النص في فضاء الصفحة طيلة الألفيتين السابقتين إلى أن انتهى إلينا بالشكل المتداول اليوم، إذ سيتمُّ وضع نقط بين الكلمات، ثم فصلها عن بعضها البعض بفراغات، ووضعُ علامات الترقيم بين الجمل، كالنقط والفواصل وغيرها، كمَّا تمَّ الفصل بين الفقرات بعلامات خاصة، ففراغات. وتمَّ ترقيم الصفحات، وتقسيم الكتاب إلى فصول فأجزاء، ففصول ذات عناوين، وتمييز الفصول عن بعضها البعض بصفحات بيضاء. أكثر من ذلك، تم ترك مساحة فارغة محيطة بالنص سيستغلها القارئ ليترك أثَرَ قراءته عبر تدوين ملاحظاته الشخصية، بل وسيمضي البعضُ إلى حد استغلال هذه المساحة لتأليف كتاب مواز للكتاب المقروء على نحو ما نجد في حواشي بعض المصنفات العربية القديمة. صار بالإمكان القراءة والكتابة في آن.
وقد أتاح ظهور الدفتر أيضا تحرير النصوص وإعادة تنظيمها بحيث أصبح بوسع الكتاب أن يتألف من نص يؤلفه شخصٌ واحد، أو من نصوص عدة كتبها أكثر من مؤلف.
وعلى صعيد القراءة، صار بإمكان القارئ أن يجلسَ ويضع الدفتر بين يديه، ويتجول بسهولة بين فقراته وصفحاته وفصوله، مما حرَّرَ اليدين من القيود التي كانت تفرضها قراءة الرولو، وسمح للعينين والذهن بتركيز أكبر، وللبُعد البصري للنص أن يتصدر نشاط القراءة. وقد يكونُ استغلال هذا البُعد أحد عوامل نشأة قصيدة النثر، والانتقال مما يمكن تسميته من «جمالية الأذن والاستماع» إلى «جمالية البصر والعين». ويبدو أنَّ الحوامل الرقمية بشاشاتها تتجه في أيامنا هذه نحو إلى استغلال الحدود القصوى لاستثمار البعد البصري للكتابة وفضائها.
كما سيتيح الوسيط الجديد انتشار القراءة الصامتة التي تعود بداياتها الأولى إلى القرن السادس الميلادي، ظهرت في البداية في الأوساط الرهبانية، وامتدت تدريجيا إلى المدارس والجامعات، حيث انتشرت في القرن الثاني عشر الميلادي[17]، كما أتاح الحامل الجديد أيضا تجاوزَ القراءة إلى القيام بعمليات ذهنية أخرى، كالنقد وإعادة قراءة النص مرات عديدة، وما إلى ذلك، والمقارنة بين نسختين أو أكثر من النص الواحد.
أخيرا، بظهور المطبعة، خرج الكتاب من مرحلة الممتلك النادر والنفيس إلى حقب المنتج الغزير، فزاد عدد القراء على نحو غير مسبوق، ما جعل البعض يُطلق على تلك الظاهرة اصطلاح «سُعار القراءة La rage de lire»[18] وعلى نظيرتها المتواصلة في الربع الأخير من القرن العشرين بـ «جوع القراءة»[19]. كما ظهر ما يصطلح عليه بـ «القراءة الممتدةLecture extensive »، إشارة إلى قراءة عدد كبير من الكتب التي أصبحت في متناول الفرد، بدلا مما يسمى بـ «القراءة المكثفة Lecture intensive» التي كان يُقتصر فيها على مطالعة على كتاب واحد أو بضعة مؤلفات بسبب ندرة الكتب.
كما كان من آثار اختراع المطبعة ظهور الفكر النقدي، فأصبح بوسع القراء أن يقارنوا، على سبيل المثال، بين النصوص الدينية والأعمال الفلسفية اليونانية مترجَمة المباشرة من أصولها القديمة والمطبوعة حديثا ونظيرتها التي كانت تمرُّ من وساطة الكنيسة. من هذه الزاوية لا يتردد بعض مؤرخي الكتاب في القول بأنَّ ظهور المطبعة قد شكل وبالا على الكنيسة وملوك أوروبا آنذاك، إذ أبعدت القراءة النقدية المؤمنين عن الكنيسة وجعلت الرعايا يشقون عصا الطاعة على ملوكهم الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ممثلين لسلطة الله في الأرض[20].
- 4. الرقمية وتحولات الكتابة والقراءة:
الرقمية تقنية لتدوين المعلومات وتخزينها واستعادتها بجهاز الكمبيوتر. يتم تدوين سائر أنواع النصوص، بصرف النظر عن لغتها الأصلية، من خلال ترميزها بالنظام الثنائي 0 و1، في أقراص تزداد طاقتها التخزينية يوما بعد يوم، مما يتيح حفظ كميات هائلة من النصوص المكتوبة والصور والأشرطة السمعية والسمعية البصرية. ولا يمكن إعادة هذه النصوص إلى شكلها الأصلي بدون تدخل الآلة. ويتم هذا العرضُ اليومَ في الشاشة دون حاجة إلى إفراغ النصوص في حامل مادي، وبالتالي فقد دخلت الكتابة دورة التجريد وانفصل النص عن حامله، لأنه صار مجرَّدا immatériel، ما قد يؤشر على:
أ) تراجع استعمال الورق في طباعة المعارف ورواجها وقراءتها لفائدة وسائط رقمية، كأجهزة الكمبيوتر واللألواح الرقمية tablettes والهواتف الذكية، وما إلى ذلك؛
ب) نهاية تنظيم النصوص الشائعة في الكتاب المادي لفائدة إخراجات أخرى؛
ج) نهاية هيمنة الكتاب باعتباره وسيطا حصريا للقراءة لفائدة الشاشة التي تغزو سائر مناحي حياتنا، ما جعل البعضُ لا يتردد في تأكيد أننا قد ولجنا عصر الشاشة[21].
إذا كانت البشرية قد حققت البشرية قفزة كبيرة عندما نقلت الكتابة من رسوم إلى حروف إلى حروف هجائية، كما مرَّ بنا، فالآلة أنجزت اليوم قفزة أعلى وأكبر بقدرتها على تحويل الحروف الهجائية لجميع لغات العالم إلى أشكال مرئية ومقروءة انطلاقا من حفنة أكواد معلوماتية لا غير.
الخاصية الجوهرية التي تطبع عصر الشاشة هي غزارة إنتاج الأعمال والنصوص بكافة أنواعها ورواجها على نحو غير مسبوق في التاريخ، مما أتاح الحديث عن أن الانتقال جار اليوم من «اقتصاد التخزين Economie du stock» إلى «اقتصاد التدفق Economie du flux»[22]، ومن «اقتصاد الندرة économie de la rareté» إلى «اقتصاد الوفرة l’abondance أو الإسراف l’excès»[23] إذا كان اختراع المطبعة في القرن الخامس عشر قد أدى إلى إنتاج أعداد كبيرة من النص الواحد، واتساع دائرة الكتاب والقراء بكيفية غير معهودة من قبل، فالعملية ذاتها تخطو خطوة عملاقة في عصر الشاشة، بما لا مجال للمقارنة بين الحادثين:
فمن جهة، يشهد عالم اليوم هجرة ضخمة للمكتبات من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي. لنذكر بهذا الصدد معالم، مثل خزانة الكونجرس الأمريكي، والخزانة الوطنية الفرنسية، ومشروع جتنبرغ الرامي إلى رقمنة مليار كتاب، ومشروع غوغل الرامي إلى رقمنة 16 مليون كتاب، والموسوعة الشاملة العربية، وجامع الكتب المصورة، ومحرك البحث الذي يُمكنُ من الوصول إلى 250 مليون كتاب وتنزيلها من الشبكة مجانا بصيغة PDF، ما إلى ذلك.
ومن جهة ثانية، مع الرقمية، صار يكفي المرء اليوم أن يمتلك جهاز حاسوب متصل بالشبكة ومساحة للخزين، ويلم بتقنية رفع الملفات إلى موقعه، فإذا به يصير مالكا لما يُعادل ليس مطبعة ورقية فحسب، بل وكذلك دار نشر قادرة على توزيع منتجاتها في أرجاء الكوكب الأربعة، على مدار الساعة، لكافة القراء مهما بلغ عددهم، وبدون حكاية نفاد الطبعات.
أخيرا، مع الثورة الرقمية، تجتازُ شبكة من المفاهيم والأوضاع الاعتبارية بكاملها مرحلة مراجعة جذرية، كمفاهيم «الكتابة»، و«القراءة»، و«المؤلف» ووضعه الاعتباري، و«القارئ»، و«الكتاب»، و«الملكية الفكرية»، وما إلى ذلك.
- 4. 1. الرقمية وتحولات الكتابة:
تلحق الرقمية بالكتابة اليومَ تغييرات جذرية، أهمها تحول الكتابة إلى ورشة مفتوحة على الدوام، واحتمال اختفاء الكتاب التقليدي (الورقي)، ثم فتح آفاق جديدة أمام الإبداع الأدبي.
- 4. 1. 2. الكتابة ورشة مفتوحة:
فتحت الرقمية أمام الكتابة آفاقا عديدة، منها:
أنه صار يمكنُ إدراج الصورة والصوت في النص المكتوب، وقابلية النص للاستنساخ والانتشار السريعين واللانهائيين، ومدّ جسور بين النص ونصوص أخرى كتابية أو سمعية أو مرئية، يمكن النفاذ إليها من داخل النص نفسه أو من موقع وُجوده أو من أماكن خارجية، وذك عبر الروابط التشعبية (Liens hypertextuels)؛
كما أصبح بالإمكان نشر النص متقطعا، لأنه تحرَّر من شرط الاكتمال لكي يصل إلى القراء، فصار بوسع الكاتب أن يضعَ فصول كتابه رهن إشارة القراء فصلا تلو الآخر، في التوقيت الذي يختاره. ولهذا المستجد فضيلة وصول القارئ إلى المعلومات في راهنيتها. فكم من بحث علمي استغرق إنجازه سنوات عديدة، وعندما وصل إلى القارئ كان قسم من معلوماته قد أصبح قديما أو مُتجاوزا بسبب مضي وقت على إنجازه أو بسبب طول المدة الزمنية التي تستغرقها طباعته وتوزيعه ونشره.
كذلك، صار يُمكنُ إدخال تعديلات على النص المنشور بالفعل، بإعادة صياغة فقرات منه أو فصول كاملة، أو حذف أجزاء وإضافة أخرى، بل وحتى بحجبه كاملا من مكان نشره، وما إلى ذلك، لاسيما عندما يكون منشورا في موقع شخصي أو مدونة أو في شبكة للتواصل الاجتماعي أو في منتدى يسمح لأعضائه بإدخال هذا النوع من التعديلات. وإذا كان هذا المستجد يجعل من الحامل الرقمي شبه جنة للكتاب الذين اشتكوا على الدوام من محن المسودات، فإنه يضع الباحثين، في المقابل، أمام تحدّ لن يزعم التغلب عليه إلا مُدَّع من أبناء جيلنا المخضرم بين عصري الورق والرقم، يتمثل في ضرورة تحيين الأبحاث باستمرار. إذا كان بوسع الكتاب الورقي أن يُعلل قدَم معلوماته بتاريخ طباعة بحثه، فالرقمية الرقمية أغلقت منافذ هذا النوع من الأعذار من خلال تجريدها للكتابة من حاملها المادي وتحويله إلى كائن لا مادي وإلغائها لحاجزي الزمان والمكان.
وبتحويل الرقمية للكتابةَ إلى كيان قابل للتحول ومشرع على التغيير الدائم وحذفها للمسافة الفاصلة بين المخطوط/ المسودة والنسخة الأخيرة، صارَ تسجيل المعرفة أحد أمرين:
إما أنه تسويد متواصل، وبالتالي لم يعد هناك نص نهائي، إذ لا يُكمل العملَ إلا الموتُ الإرادي أو الفعلي لمؤلفه، أو أنَّ الكتابة معرضة للتحول الدائم على غرار ما يحصل في البرامج المعلوماتية التي تتوالى إصداراتها ونسَخها، مما يقتضي إعادة النظر في فعل القراءة وممارسته. وإلى هذه المسألة أفرد جان بيير بالب دراسته: «نص بلا مسودة ولا مخطوط »[24].
بيد أنه، إزاء القوة التي اكتسبها النصُّ جراء ما سبق، فقد أصبح هشا ومُعرَّضا لـ «الموت» أكثر من أي وقت مضى؛ ففي حالة تعرض خادم Serveur للقرصنة أو للتلف، لأسباب تقنية، تتبخر النصوص المحفوظة نهائيا وإلى الأبد ما لم تُحفَظ نسخة احتياطية من قاعدة بيانات الموقع. والأمثلة عديدة في هذا الصدَّد: فقد اختفت محتويات منتديات «أروقة الإبداع» بعد وفاة صاحبها، وتبخرت محتويات منتديات فضاءات لأسباب تقنية، كما اختفت مجموع محتويات منتديات الجمعية الدولية للمترجمين العرب سنة 2006، لأسباب التقنية، وحذفت إدارة موقع ياهو مجموع مدونات بعد أن قررت التخلي عن تقديم خدمة المدونات بعد أن اشترت هذه الإدارة شركة مكتوب… ويطلق أحد الباحثين على هذه الظاهرة اسم «قابلية الإتلاف» و«إمكانية تحول الظاهرة الرقمية إلى لا شيء»[25].
- 4. 1. 3. احتمالُ نهاية الكتاب:
نميز في الكتاب بين مُكونين:
الأول نصي، ويتمثل في كون الدفتر يتألف من نص خطي مسترسل له بداية ونهاية، وبالتالي لا يمكن قراءته كيفما اتفق، كأن يُطالعَ بطريقة شذرية، على سبيل المثال، فتُستهل قراءته من الصفحة 100، مثلا، وبعدها يُنتقل إلى الصفحة 50، لتُكمل القراءة في الصفحة 150؛
الثاني مادي، ويتمثل في كون الدفتر يأخذ شكل جسم مادي، طولٌ وعرض وسُمكٌ، يمكنُ وضعه في رف، إدخاله في حقيبة أو رف خزانة، وإمساكه باليدين وحمله ونقله، وما إلى ذلك.
ولكن، بتحرير الرقمية للكتابة من حاملها المادي، صار النص بمثابة سائل قابل للسكب في أي وعاء[26]، فيمكن التدخل في تصميم الأصلي لصفحات الكتاب، وتغيير أنواع خطوطه، وأحجامها وتلوينها، وإعادة ترتيب فقراته وفصوله، أو حتى نقل فصول أو فقرات منه ولصقها في نصوص أخرى إلى ما لا نهاية بعملية تشبه لعب الشطرنج.
يتجلى هذا بشكل واضح في المواقع التي تتوفر على قواعد بيانات وتخزن عددا هائلا من الكتب، حيث لا يتأتى عموما للقارئ غير النبيه أن يتبيَّنَ السياق الأصلي الذي وردت فيه هذه الفقرة أو تلك، والتي قد تكون فقرة في مقال أو كتاب أو مصنف يتألف من عدة مجلدات.
بهذا المعنى تكون النصية الإلكترونية بصدد إنهاء الكتاب باعتباره حاملا للنص، وجسدا مستقلا كامِلا مُكتملا ومُتكاملا، لأنها فصلت بين النص والحامل، فصار بالإمكان الحديث عنهما ككيانين منفصلين:
«من بين الجوانب المميزة للكتاب الرقمي عن الكتاب المطبوع، يشكل الفصل بين المحتوى contenu نص الكتاب) والوعاء contenant (أداة القراءة) الحلقة الأهم. فبينما يشمل الكتاب في كائن واحد وفي كلمة واحدة الحاملَ والمحتوى، يفصل عالم الكتاب الرقمي بين (…) أدوات القراءة (و) (…) المستند الرقمي الحامل لمضمون»[27].
ويُحتمَلُ أن ينتهي الكتاب أيضا في بعده المادي، بالنظر إلى انتشار القارئات الرقمية les liseuses والألواح الرقمية، والتخلي المتزايد للنظم التعليمية في عدد من البلدان عن الكتاب المدرسي الورقي واستبداله باللوح الرقمي والعمل الدؤوب في عدد المختبرات على تصنيع مداد وورق رقميين، وما إلى ذلك.
ضدَّ هذا التوقع، تقوم اعتراضات مفادها أنَّ الكتاب الورقي سيدومُ مادام مهيمنا في الوقت الراهن، ومادام القسم الأعظم من المثقفين والمبدعين والمفكرين في العالم العربي، بل وحتى في الغرب، لم يلتحق بالعالم الافتراضي بعد، وما دامت تقنيات الإعلام والاتصال الجديدة لم تغز جميع المؤسسات التعليمية بعد، ومن ثمة فستظل المدرسة رافدا للكتاب وتمدُّه بأسباب البقاء. بيد أنه يجب التمييز بين ثلاثة مستويات للتوقع: قصير، متوسط، وبعيد.
في المدى القصير لا يبدو في الظاهر حدوث أي تغيير على الكتاب؛ فالمطابع ودور النشر لازالتا تشتغلان بشكل جيد، ومعارض الكتب تشهد رواجا كبيرا، الخ.
في المدى المتوسط، قد يحتل الكتاب الرقمي مساحة معادلة لنظيره الرقمي في حقلي التعليم والثقافة على السواء، على غرار ما حصل في حالة الانتقال من الرولو إلى الكوديكس ومن المخطوط إلى المطبعة.
في المدى البعيد، يحتمَلُ أن يبدأ الكتاب الورقي دخوله الرسمي إلى المتحف، ويتحول إلى مقتنى أثري نفيس كما الحال اليوم مع الألواح الطينية وأوراق البردي والمخطوطات القديمة. ولنتذكر، في هذا الصدد، المدة التي استغرقها استبدال الرولو بالدفتر والمخطوط بالكتاب الورقي؛ فمع أنَّ اكتشاف الكوديكس تمَّ في القرن الثاني الميلادي، فقد وُجدت جميع مخطوطات الإنجيل التي تعود إلى تلك الحقبة مكتوبة في أوراق البردي، ولم يُعادل عددُ الدفاتر عدَدَ النصوص المكتوبة في الرُّولو إلا في الفترة الممتدة من القرن الثالث إلى الرابع الميلادي[28]. ورغم اختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر، تواصَل اعتماد المخطوط وسيطا لتدوين الكتب إلى حدود القرن الثامن عشر، فلم تنته مهنة الوراقة إلا في هذا التاريخ[29].
من ناحية أخرى، ظهر مؤخرا عددٌ من مؤشرات اختفاء الكتاب الورقي، أهمها:
بداية التخلي عن الكتاب المدرسي الورقي في عدد من البلدان واستبداله بالحاسوب اللوحي أو اللوح الرقمي (Tablette)، وتزايد عدد قراء الكتاب الإلكتروني في بلدان أخرى. فعلى سبيل المثال، تخلت كوريا الجنوبية عن الكتاب المدرسي الورقي، في عام 2011، واستبدلته الكتاب الإلكتروني[30]، ورصدت تركيا مؤخرا، في إطار ما أسمته بمشروع «فاتح» للفصول الدراسية الذكية، مبلغَ 7 مليار دولار لاقتناء 15 مليون لوح حاسوبي I-Pad وُزعَت على 15 مليون طالب ومليون مدرس، وتجهيز 260 ألف حجرة دراسية بسبورات ذكية[31]، كما قررت أمريكا الاستغناء تدريجيا عن الكتاب المدرسي الورقي واستبداله بنظيره الرقمي التفاعلي، وذلك ابتداء من عام 2015، حيث ستكون حصة الكتاب الرقمي 5% لتبلغ 50% في عام 2020[32]. وبما أنَّ تلاميذ اليوم هم قراء الغد، فمن المستبعد جدا أن يُقبل الطلبة الذين نشأوا اجتماعيا بالوسائط الرقمية وتلقوا تعليمهم في الألواح الرقمية على قراءة الكتب التي نتداولها اليوم.
يُضاف إلى ذلك أنَّ عدد قراء الكتاب الإلكتروني يتزايد بالفعل في بعض البلدان: ففي فرنسا، على سبيل المثال، بلغ عدد قراء الكتاب في حامل إلكتروني نسبة 16% في سنة 2012، ثم انتقل إلى 20% في السنة الموالية[33]، ومن مجموع قراء الصحف الفرنسية، بلغت نسبة من يقرأون في حوامل رقمية نسبة 38%، حسب صحيفة لوموند[34]. أما في أمريكا، فقد تجاوزت مداخيل الكتاب الرقمي نظيرتها للكتاب الورقي، في سنة 2012، حيث بلغت مبيعات الأول 282,3 مليون دولار بينما لم تتجاوز مبيعات الثاني 229,6 مليون دولار[35].
لا شك أن ما سبق سيمتد إلى بلدان أخرى، لاعتبارات اقتصادية وبيئية. فاللوح الرقمي يتميز بقدرة تخزينية تسعُ مقررات مرحلة تعليمية بكاملها، ما سيُعفي التلاميذ من أحمال من الكتب الورقية المرتفعة الكلفة مقارنة مع الوسيط الجديد، ويقلص كلفة مصاريف التعليم، ويساهم في وضع حد للاستنزاف الذي تعرضت له الغابات في القرون الثلاثة الماضية إلى أن أصبح هذا الاستغلال المفرط يشكل اليوم تهديدا جديا على النظام البيئي وبقاء الإنسان، إذ بلغت مساحة الأشجار المقتطعة 15 مليون هكتار سنويا، وخلال الخمس عشرة عاما الأخيرة تمَّ استئصال 350 مليون هكتار، أي ما يُعادل مساحة الهند[36]. أما إذا تحول مجوع سكان الأرض إلى نمط الحياة الفرنسيين، فسيلزمُ حسب البعض، كوكبان مُماثلان للأرض لتلبية الحاجيات المترتبة عن هذا الانتقال، فيما سيُحتَاجُ إلى 4,1 كواكب مماثلة لكوكب الأرض إذا تبنى جميع سكان المعمور نمط الحياة الأمريكية[37].
- 4. 1. 4. آفاق جديدة للكتابة:
فتح الحاسوب أمام الكتابة الأدبية إمكانيات كثيرة جديدة ومتنوعة لإنتاج أعمال إبداعية تلتقي في مركزية التفاعل بين القارئ والآلة خلال عملية القراءة، بل وحتى في إنتاج النص الأدبي، ودخول وسيط الكتابة، وهو الحاسوب، والبرمجة المعلوماتية طرفين في عملية الكتابة الإبداعية نفسها، مما يجعل من المستحيل طباعة هذا النوع من الأعمال، وتعذر قراءتها في غياب جهاز قراءة رقمي (حاسوب، لوح رقمي، هاتف ذكي)، لكونها تجمع بين الكتابة والصوت والصورة، وتعتمد البرمَجة والتحريك animation. وقد أفضت هذه الكتابة التي تغيِّرُ جذريا العلاقة بين النص والقارئ إلى ولادة ما يُسمى بـ «الأدب الرقمي» أو «الأدب الديجتالي» أو الأدب المعلوماتي» أو المعلوماتية والأدب»، وما إلى ذلك من الاصطلاحات التي تطلق على هذا اللون الجديد من الكتابة الإبداعية الذي لا يُغادرُ النص فيه جهاز الكمبيوتر تأليفا وقراءة. كما أفضت تجاربه إلى ولادة عدد من الأشكال، كالأدب التوليفي والأدب التوليدي، والنص التشعبي التخييلي، والنصوص المتحركة، والشعر الرقمي، ورواية الويكي، والكتابة الجماعية، وما إلى ذلك.
- 4. 2. الرقمية وتحولات القراءة:
- 4. 2. 1. النص وجبل الثلج العائم
يظن البعض أن القراءة في الشاشة تشبه كثيرا نظيرتها أيام كان ورق البردي هو حامل الكتابة المهيمن إذ قد يُخيَّلُ للقارئ أن النص عبارة عن صفحة طويلة تصعد من أسفل الشاشة إلى أعلاها[38]، ولكن الأمر في الواقع مختلف تماما؛ ذلك أنه، يجب النظر إلى الشاشة، حسب مؤرخ الكتاب روجيه شارتييه، باعتبارها جسما رباعي الأبعاد؛ فبالإضافة إلى العلو والعرض والصفحة، هناك بُعدٌ رابع خفي يشبه متاهة أو عمقا لا متناهٍ، يتضمن في الحقيقة مجموع النصوص الموجودة في الشبكة[39] التي لا يعدو النص قيد القراءة سوى اختيار آني من بينها يمكن التخلي عنه في أية لحظة والانتقال إلى نصوص أخرى، إما عبر الروابط التشعبية، من داخل النص نفسه أو من موقعه مباشرة، أو عن طريق استعمال محركات البحث أو عناوين نحفظها.
- 4. 2. 2. تشظية النصوص أو القراءة الشذرية
حالما يُنشر النص في شبكة الأنترنت يتعرض للتقطيع أو التشظية (Fragmentation)، فيتحول إلى مجرد مقطع في نص كبير هو مجموع النصوص المودَعة في الشبكة. وبذلك فقراءته تحرر قيد لزوم قراءة النص من البداية إلى النهاية. ويترتب عن هذا التقطيع للنص ظهور نوع جديد من القراءة يطلق عليه البعض اسم التجوال Zpapping.
وتتأتى مغادرة النص أو المقطع قيد القراءة بسهولة، وبأحد شكلين:
يمكن الخروج من المقطع قيد القراءة من داخل النص نفسه من خلال وجود كلمات أو عبارات تأخذ شكل روابط تشعبية بمجرَّد ما ينقر القارئ عليها بالماوز تظهر نافذة جديدة على الشاشة تعرض نصا / مقطعا آخر، يقع داخل النص الأب نفسه، على غرار ما نجد في الموسوعات؛
كما يمكن الانتقال من نص إلى آخر من خلال قائمة أبواب الموقع، وهي معادل الفهرست في الكتاب الورقي، لكنها تُعرَضُ في كل صفحة من صفحات الموقع؛
– فتح نافذة جديدة، لكتابة عنوان موقع جديد أو البحث في أحد محركات البحث للوصول إلى نصوص أخرى والانتقال إلى قراءتها مباشرة.
- 4. 2. 3. مشاركة القارئ
إذا كانت إمكانية تدخل القارئ في النص من أهم المميزات التي جاء بها الدفتر مقارنة مع الرولو أو الرقعة، حيث صار بإمكان هذا القارئ أن يُدوِّنَ في الفضاء الأبيض المحيط بالنص ملاحظاته وانطباعاته وسائر ما يخطر بباله أثناء القراءة، ويضع علامات أو رموز على الفقرات والأسطر التي تبدو له ذات فائدة، فإنَّ هذه الإمكانية للتدخل في النص تضاعفت مع القراءة في الشاشة، بحيثُ صار بإمكان القارئ أن يتدخل في النص نفسه، عبر نسخه كاملا أو نسخ فقرات منه ولصقهما في أمكنة أخرى، كما أصبحَ بإمكانه أن يتدخل في أسلوب النص ولغته، بما يُعيدنا إلى ما يسميه بعض النقاد بالرجوع إلى «ضجيج المخطوط»[40] الذي أفضى في السابق إلى نشأة فن تحقيق المخطوطات. وتلحق هذه الإمكانيات الجديدة لاستخدام النص مسا جوهريا بالملكية الفكرية للمؤلف وتضعها أمام تحديات كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، عبر إمكانية التفاعل، أصبحَ باستطاعة القارئ اليوم أن يتدخل في النص، بدعوة من المؤلف نفسه وبتشجيع منه، وذلك بأن يضيف مقاطع إلى متن القراءة على نحو ما نجد، على سبيل المثال، في بعض النصوص التشعبية التخييلية كموقع «ألف ليلة وليلة[41] Mille et une nuits» أو «كتاب الموتى[42] La livre des morts» لكزافييه مالبريل Xavier Malbreil وجيرار دالمون Gérard Dalmon، و«صقيع» محمد سناجلة. ويقترح البعضُ الإشارة إلى هذه الإمكانيات الجديدة بمصطلح «الكاتب القارئ[43] «l’aucteur، وهو اصطلاحٌ مركب من مستهل كلمتي «مؤلف auteur» و«قارئ lecteur»، كما يقترح الإشارة إلى القراءة بوصفها كتابة بمصطلح «الكِتابة قراءة «l’écrilecture، المنحوت هو الآخر من جمع بين مستهل مفردة «كتابة «écriture والحروف الأولى من اصطلاح «قراءة «lecture[44].
ومعنى ذلك أن الوضع الاعتباري للمؤلف نفسه، على نحو ما ترسخ عقب صدور المطبعة في أوروبا على الأقل[45]، يجتاز اليومَ مرحلة إعادة نظر يمضي البعض إلى حد القول بأنَّ نبوءة موت المؤلف الذي صدرت عن ميشال فوكو ورولان بارث وغيرهما، تسير الآن نحو التحقق في ظل الرقمية. ومعناه أيضا أن علاقة الغياب المتبادل بين المؤلف والقارئ التي وصفها بول ريكور بقوله: «عندما يكون المؤلف بصدد الكتابة يكون القارئ غائبا، وعندما يكون القارئ بصدد قراءة النص يكون المؤلف غائبا»، تلك العلاقة تشهد الآن تغييرا جذريا. بالإضافة إلى ذلك، مع شبكة الأنترنت صار اليوم بإمكان القارئ والمؤلف أن يدخلا في تواصل مباشر عبر البريد الإلكتروني أو حتى الدردشة الآنية بالصوت والصورة ببرامج مثل اسكايب أو البالتاك وغيرهما.
- 4. 2. 4. وصول المؤلف والقارئ إلى موارد نصية واحدة
أخيرا، مع الشاشة، تؤسس القراءة ما يسميه روجيه شارتييه «قطيعة على مستوى العقل»؛ فقد صار بإمكان القارئ اليوم أن يتحقق من صحة الإحالات الواردة في نصّ ما للوقوف على مدى مطابقتها لمصادرها الأصلية، وكيفية تعامل الباحثين مع الموارد الوثائقية التي يوظفونها في بحوثهم، وذلك طبعا عندما تتوفر نصوصها في الشبكة، وهو ما يُذكرنا بما سبق أن رأيناه مع ظهور المطبعة عندما أتيح لقراء النصوص الدينية والفلسفية المترجمة من لغاتها الأصلية والمطبوعة حديثا أن يقارنوها مع نظيرتها التي كانت تمر عبر وساطة الكنيسة. ولعل هذا وغيره هو ما جع البعضَ يصفُ مجيء شبكة الأنترنت بقدوم عصر أنوار جديدة[46].
كذلك صار بإمكان قارئ النص المترجم من الشبكة أن يعود إليه في لغته الأصلية ليتحقق من مدى أمانة الترجمة وجودتها، وما إلى ذلك.
خاتمة
باستحضار المحطات التي اجتازتها الكتابة في علاقتها بالحامل والقراءة، يتضحُ أنَّ الكتابة ترتبط ارتباطا وثيقا بحامل، وأنَّ هذا الأخير قد عرفَ تحولات منذ اكتشف الإنسان تقنية تسجيل ذاكرته وتراثه وحفظ ملفوظاته. وقد كان لتلك التحولات أثر على نشاطي الكتابة والقراءة معا، بحيث كلما تمَّ انتقال من وسيط لآخر ظهرت أنواع جديدة من الخطاب وأشكال جديدة من القراءة. والانتقال الجاري في أيامنا هذه من الوسيط الورقي إلى وسائط رقمية عن هذه القاعدة، إذ ظهرت أشكال جديدة من الكتابة، أهمها الجمع بين الصوت والخط والصورة، وتحول الكتابة إلى أداة في متناول الحشود، كما ظهرت أشكال جديدة من القراءة أهمها تعزيز التفاعل بين القارئ والنص المقروء على نحو غير مسبوق، بحيثُ انمحت الحدود بين المؤلف والقارئ، على مستوى التواصل كما على مستوى إنتاج النص، وتعرضت مفاهيم المؤلف والكتابة والقراءة والملكية الفكرية لإعادة النظر.
وبالرجوع إلى تاريخ الحوامل الطويل يتضح أنَّ الانتقال من حامل لآخر كانت تمليه أيضا رغبة الإنسان في تخزين أكبر كمِّ من المعلومات والنصوص في حامل واحد، وهو ما يبدو أنه تحق أخيرا مع الرقمية، حيثُ يتيح تطور التكنلوجيا الرقمية يوما عن يوم تخزين عدد هائل من الموارد النصية بهيأة لا مادية (أو مجرَّدة immatérielle) في مساحة يزداد صغرها يوما عن يوم. وبتحول الكتابة إلى جسم لا مادي يبدو أنها تحررت أخيرا من سجن الحامل المادي وانتقلت من حقبة الارتباط بالحامل الواحد إلى قابلية التجلي في أكثر من حامل. بعبارة أخرى، في عَصر الحوامِل المادية كانت الكتَابة بمثابة الرّوح السجينة داخل الجسَد الواحد، إن تلف خرجت منه واختفت إلى الأبد. أما في عصر الحوامل الرقمية، فصَارت الكتابة بمثابة الروح الخالصة القابلة للتجلي في سائر الهيئات والأجساد، فتخرج من هذا وتدخل في ذاك، وتتجلى في صور مختلفة في الوقتِ نفسه، بأعداد لا متناهية وإلى ما لا نهاية…، ما قد يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في أدوات التحليل والتأويل التي تستند إلى الكتابة بصرف النظر عن اختلاف حوامل ووسائط تجلياتها.
إضافة إلى ما سبق، يُظهر تاريخ الحوامل أنَّ ظهور حامل جدي لا يُلغي الحامل الشائع في وقت وجيز، بل قد تتعايَشُ حوامل عديدة في مرحلة تاريخية واحدة، فاكتشاف ورق البردي لم يُنه استعمال اللوح، بل استمر استخدام اللوح الخشبي إلى غاية العصر الأوروبي الوسيط، واكتشاف الرقعة لم يُنه استعمال ورق البردي مباشرة، إذ استمر استخدام البردي وسيطا لكتابة والقراءة لبضعة قرون بعد ذلك، واكتشاف الدفتر لم يُلغ استعمال ورق البردي والرقعة في ظرف وجيز.
كما أنَّ ظهور حامل جديد لا يشكل بالضرورة قطيعة مع حامل سابق له؛ فقد كان الدفتر على سبيل المثال امتداد للوح الخشبي. أكثر من ذلك قد يجمعُ الوسيط الجديد عدة وسائط سابقة، وهذا ما يبدو أنه بصدد التحقق مع الحاسوب الذي يُمكن اعتباره محطة لتجميع لأجهزة ليس لمجموع وسائط تدوين الكتابة التي سبقته فحسب، بل وكذلك آلة لتجميع وسائط حفظ الصورة والصورة والصوت، كآلة التصوير الفوتوغرافي وأجهزة تسجيل الصوت وقراءته، وكاميرات تسجيل الأشرطة السمعية البصرية وقارئ أشرطة الفيديو.
أخيرا قد يكون أهم تحول طرأ على الكتابة في ظل ابتكار الوسيط الرقمي، إلى جانب انفصال النص عن حامله، وتحوله إلى كائن مجرَّد قابل للتجلي في وسائط رقمية مختلفة، هو تحول هذا النص إلى كائن objet في غاية القوة والهشاشة في آن؛ فبتحرره من الحامل أصبح قابلا للاستنساخ اللانهائي والانتشار خارج قيود الزمان والمكان، ما جعل البعض يظنُّ أن الكتابة قد عثرت أخيرا على أداة قوية وموثوقة للتخزين والحفظ، لكنه بمغادرته للحامل المادي الذي يُمكن حمله والتنقل به وحفظ نسخ عديدة منه بات معرضا للإتلاف أكثر من أي وقت مضى، وتتضح هذه الحقيقة بشكل جلي في حالة تعرض النص الذي لا توجد منه إلا نسخة رقمية واحدة للتلف أو الضياع.
وإذا كان من المحتمل جدا أننا سنواصل القراءة في الكتاب لوقت قد يطول أو يقصُر، فالمحقق أننا لن نقرأ هذا الكتاب كما كنا نقرأه من قبل وأنَّ مسيرة تاريخ التدوين الطويل قد أفضت إلى المحطة الحالية التي اجتمع فيها أخيرا الخط والصورة والصوت.
***
تحيينُ هذه النسخة ونشرها في الموقع يوم 26 أبريل 2015، بالعنوان:
http://www.aslim.ma/site/articles.php?action=view&id=59
تحميل نسخة 18 فبراير 2007:
http://www.aslim.ma/site/pdf/aslim/aslim18022207.pdf
[1] هذه هي الترجمة التي يقترحها محمد سناجلة في كتابه رواية الواقعية الرقمية. تنظير نقدي، ولم نتبنها سوى لأنها تتضمن عبارة «كتاب»، والحال أن ظهور الكتاب مرتبط بالانتقال من استعمال أوراق البريد كسند إلى استخدام جلود الحيوانات وغيرها، فالورق. يمكن تنزيل نسخة من كتاب سناجلة آنف الذكر انطلاقا من الرابط:
http://www.arab-ewriters.com/library/3088886520051010153809.doc
[2] Une brève histoire du livre:
http://soleilsdencre.com/histoire-du-livre/50-une-breve-histoire-du-livre.html
[3] Origines de l’écriture – Les premières traces écrites de l’humanité:
http://www.hominides.com/html/dossiers/ecriture-origine-naissance-premieres-ecritures.php
[4] Françoise Bottero, Écriture et linguistique autochtone en Chine, Mémoire d’Habilitation à diriger des recherches, Paris, EHESS, 2011, pp. 1, 12, 13, 1, 18:
http://crlao.ehess.fr/docannexe/file/1515/francoise_bottero_hdr_1_me_moire_2011.pdf
[5] Origines de l’écriture…, op.cit.
[6] L’épopée de Gilgamesh, texte établi d’après les fragments babyloniens, assyriens, hittites et hourites, traduit de l’arabe et adapté par Abed Azrié, p. 3:
http://www.lestoutespremieresfois.com/wp-content/uploads/pdf_L_epopee_de_Gilgamesh_-_Abed_Azrie.pdf
[7] Jean-François Tétu, «Anne-Marie Christin, dir., Histoire de l’écriture. De l’idéogramme au multimedia», Questions de communication [En ligne], 22 | 2012, mis en ligne le 01 décembre 2014, consulté le 13 avril 2015. URL : http://questionsdecommunication.revues.org/6993.
[8] Platon, Phèdre, éditions livres-et-books.fr, p. 72:
http://www.livres-et-ebooks.fr/ebooks/Ph%C3%A8dre_(Platon)-3551/
[9] نفسه، ص. 73.
[10] أحمد أمين، فجر الإسلام، نقلا عن : د. مصطفى الشكعة، مناهج التأليف عند العلماء العرب، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة السابعة، 1991، ص. 34.
[11] Laurent Jenny, Histoire de la lecture, Dpt de Français moderne – Université de Genève, 2003 :
http://www.unige.ch/lettres/framo/enseignements/methodes/hlecture/hlintegr.html
[12] Chronologie égyptienne I:
http://pythacli.chez-alice.fr/civilisations/egypte3.htm
[13] Laurent Jenny, Histoire de la lecture…, op.cit.
[14] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran : les trajectoires de l’écrit», in Solaris, Dossier n° 01 (Pour une nouvelle économie du savoir):
http://biblio-fr.info.unicaen.fr/bnum/jelec/Solaris/d01/1chartier.html
[15] نفســه.
[16] نفسـه.
[17] نفسـه، وكذلك:
– Laurent Jenny, Histoire de la lecture, op. cit.
[18] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran…, op. cit
[19] R. E. Barker et R. Escarpit (dirs), La faim de lire, Paris, Unesco, 1973:
http://unesdoc.unesco.org/images/0013/001376/137662fo.pdf
[20] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran…, op. cit., Jean Hebrard, «Du codex au multimédia: révolution technologique, révolutions intellectuelles», ESSAIM, 2001/I (n°7°, pp. 103-114:
http://www.cairn.info/zen.php?ID_ARTICLE=ESS_007_0103
[21] يُنظر، في هذا الصدد، على سبيل المثال:
– Jérôme Baschet, Dominique Rigaux, «Le médiéviste et les images à I’ère de I’écran global», In: Actes des congrès de la Société des historiens médiévistes de I’enseignement supérieur pubIic. 38e congrès, Île de France, 2007. Etre historien du Moyen Age au XXIe siècIe. pp. 259-272:
http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/shmes_1261-9078_2008_act_38_1_1957
– Stéphane Vial, L’être et l’écran. Comment le numérique change la perception du monde, Paris, PUF., 2013 (336 pages).
[22] Serge Soudoplatoff, «D’une économie de stock à une économie de flux», 11èmes rencontres du FFFOD organisées sur le thème « Nouvelles façons d’apprendre, nouveaux usages numériques, nouvelle économie pour la formation » ayant eu lieu les 6, 7 et 8 novembre 2013 :
http://www.youtube.com/watch?v=dNCisfuLWW4
[23] ???
[24] Jean-Pierre Balpe, Texte sans manuscrit, brouillon absent:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/Jean-Pierre/articles/manuscrit.pdf
[25] Stéphan Vial, L’être et l’écran. Comment le numérique change la perception, Paris, P.U.F., 2013, pp. 232-236.
[26] Jean Clément, »Hypertexte et complexité«, Études françaises, Volume 36, numéro 2, 2000, pp. 39-57:
https://www.erudit.org/revue/etudfr/2000/v36/n2/005256ar.html
[27] عن:
- Lemaire, Petite histoire du livre: du manuscrit au livre électronique, p. 4:
???
[28] Roger Chartier, «Du Codex à l’Écran…», op.cit.
[29] Jean Hebrard, «Du codex au multimédia…»,op. cit.
[30] – كوريا الجنوبية لاتريد كتباً في مدارسها، 4 يوليو 2011:
– كوريا الجنوبية تتخلى عن الكتب المدرسية الورقية، 4 يوليو 2011:
http://walhaseb.com/2011/
(لصعوبة نسخ العنوانين كاملين من المتصفح، اكتفينا بإيراد العنوان الرئيسي لموقعي نشرهما. علما بأنه يمكن الوصول إلى المقالين الإخباريين عبر محرك غوغل بكتابة عنوانهما في خانة البحث).
[31] ظهر الخبر لأول مرة في موقع أنباؤنا، ثم تناقلته مواقع عديدة، منها:
http://dafatirhorra.com/showthread.php?t=8734
[32] عبد الإله مجيد، الكتب المدرسية الرقمية من أبل.. ثورة مرتقبة، 20 يناير 2012:
http://www.elaph.com/Web/technology/2012/1/710677.html
– الكتب المدرسية الرقمية من أبل.. ثورة مرتقبة:
http://www.esgmarkets.com/forum/archive/index.php/t-139839.html
[33] Cabot Auriane, Les pratiques de lecture et le numérique: l’intégration de la lecture numérique dans le quotidien, Mémoire de séminaire Pratiques communicationnelles et numérique, Université Lyon II, Institut d’Etudes Politiques de Lyon, 2013, p. 13.
[34] Alexandre Piquard, «Presse écrite: 38 % des lecteurs lisent sur support numérique», Le Monde le 09/04/2014 ]en ligne [:
http://medias.blog.lemonde.fr/2014/04/09/presse-ecrite-38-des-lecteurs-lisent-sur-support-numerique/
[35] «USA : les livres numériques dépassent les éditions papier», Zdnet, Le 2806/2012:
http://www.zdnet.fr/actualites/usa-les-livres-numeriques-depassent-les-editions-papier-39773543.htm
[36] «Déforestation. La fin de l’hémoragie en 2030?», Le point, 23/09/2014:
[37] Elise, Et si on vivait comme … ou l’empreinte écologique illustrée:
http://www.consoglobe.com/empreinte-ecologique-illustree-par-pays-cg
[38] Lorenzo Soccavo, Livre blanc. Prospective du livre et de l’édition. Défitions, Concepts. Champs d’actions, Paris, Lorenzo Soccavo, 2009, p. 28:
http://www.enssib.fr/bibliotheque-numerique/documents/48577-prospective-du-livre-et-de-l-edition.pdf
[39] Chartier, Roger, «De l’écrit sur l’écran», Imageson.org, 23 mai 2005 [En ligne]
http://www.imageson.org/document591.html
[40] راجع على سبيل المثال:
Jean Clément, «L’adieu à Gutenberg» :
http://www.paris8philo.com/3-categorie-809725.html
[41] يوجد النص في الشبكة بالعنوان:
[42] http://www.livredesmorts.com/
[43] Alain Vuillemin, «Poésie et informatique…», op. cit.
[44] خص أحد النقاد هذا المفهوم بدراسة مستقلة صدرت في كتاب تحت عنوان: «مفهوم القِراءة كتابة من مجلتي الشعر الإلكتروني KAOS وalire»، صدر في رومانيا سنة 1999.
Gillot, Arnaud, La Notion d’«écrilecture» à travers les revues de poésie électronique «KAOS» et «alire», Timisoara (Roumanie), Hestia, 1999.
[45] انظر:
Antoine Compagnon, Qu’est-ce qu’un auteur?:
http://www.fabula.org/compagnon/auteur.php
[46] ???