Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
قراءة في كتاب ‘الأدب الرقمي’ بقلم: عثماني الميلود – محمد أسليـم

قراءة في كتاب ‘الأدب الرقمي’ بقلم: عثماني الميلود

2442 views
<![CDATA[]]>

يعد كتاب “الأدب الرقمي” الذي ترجمه محمد أسليـم حلقة هامة من حلقات البحث في هذا المجال الجديد والحيوي، سواء في الأدب العربي أو المغربي، بعد سلسلة من المؤلفات أهمها؛ “من النص إلى النص المترابط” لـ”سعيد يقطين” (2005). و”مدخل إلى الأدب التفاعلي” لـ”فاطمة البريكي” (2006). و”الأدب الرقمي: أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية” لزهور كرام” (2009). وأهم ما يميز هذا الكتاب “الترجمات”، كما جاء في مقدمة الدكتورة “زهور كرام”، هو “اعتناؤه بالمفاهيم وتحديدها. فلا يمكن تأصيل ثقافة في تربة ما، أو جعلها مُنتجة في سياق معين خارج الوعي المعرفي بالمفاهيم التي تشكلها” . وبذلك، فهو يحاول تقريبنا من مجموعة من المفاهيم التي تولدت عن هذا الأدب الذي أصبح يبني له جغرافيات جديدة ربما على أنقاض الأدب المكتوب. في أفق بناء وعي جديد، من خلال الجمع بين شتات قد تفرق في وضعية الأدب السابقة، “فلأول مرة يجتمع كل من النص والصورة والحركة والصوت والأشكال المتحركة في حامل واحد. وهذه التركيبة الجديدة والمُختلفة للنص الأدبي تحقق وجودا مختلفا لمنتجه وقارئه” .
ووفق هذا السياق، يمكن القول إن مسألة الوقوف عند أهم المفاهيم المتربطة بالأدب الرقمي، لم تكن خارج سياق التاريخ وسياق الوعي المعرفي، فالتغيير الذي يُمَارس بفعل منطق التاريخ، لابد أن يسايره بناء وعي جديد يفتح له مجال الذيوع والاستئناس به، بل أرضية الألفة والمؤالفة، رغم ما يُجابه به من رفض، باعتباره نشازا ضمن بنية تقليدية دأب عليها الإنسان، وكأن التغيير ضمن بنية الذهن العربية تشكل حاجزا هلاميا نحو تطور مستقبلي، هذا إذا لم تكن هناك مآرب أخرى، لهذه العصا التي تسلط على فعل التغيير ورواده المدافعين عنه. ونحن هنا لسنا، خارج مفهوم “الحداثة”، التي نجدها ترتبط بعنصرين اثنين هما؛ أولا الإنسان، فهو جوهر الحداثة المرتبطة بالعقل، واعتماد الحرية والمعرفة والعلمية والعقلانية في فهم العلل والنتائج، في سياق التعامل مع التاريخ وتطورات وقائعه، ومن ثمة “اعتماد المعرفة مجهودا إنسانيا يتطور باستمرار، ويتغير نحو الأفضل” . وثانيا؛ ترتبط بالسياق التاريخي، فهي وظيفة بالأحرى لتاريخ الخطاب الذي يبرز وَفق عوامل إنتاج في فترة معينة، هي فترة ذات معنى حداثي بالذات .
إن هذا المؤلف الذي اختار له الدكتور” محمد أسليم” هذا المنحى، لم يكن اعتباطا، بل بغية الربط عموديا بين منطق التاريخ وبناء الوعي، وأفقيا رهانات التحول التي أصبح يعرفها الأدب من بنيته التقليدية نحو أدب رقمي، يؤسس لمفاهيمه الجديدة، ومن ثمة لمصطلحاته وآلياته القرائية والنقدية.

1- الأدب: نحو برامج تفاعلية
إن أولى المفاهيم الكبرى التي يقف عندها هذا المؤلف هو “الأدب الرقمي”، الذي جسد قطيعة تاريخية مع عصر “المطبعة”، كما جاء في المقال الأول منه، بعنوان “وداعا جتنبرغ”، ومعه “يختم العصر الذي افتتحه اختراع جتنبرغ، وهو المطبعة التي أحدثت ثورة في علاقتنا بالمكتوب وبالنصوص، وجددت وصولنا إلى المعرفة وغيرت نظرتنا إلى العالم” .حيث التحول من الكتاب الورقي نحو الكتاب الرقمي، أسفر عن تحولات أهمها “تشتيت النص، وتفكيك الحوامل التقليدية، ثم التداخل مع وسائط أخرى” . وبذلك، تم التدقيق في مجموعة من المصطلحات منها “الأدب الرقمي” الذي يعد “كل شكل سردي أو شعري يستعمل الجهاز المعلوماتي وسيطا ويوظف واحدة أو أكثر من خصائص هذا الوسيط” ، علما أن مفهوم “الوسيط” هو أداة التواصل المستخدمة، الذي تشتغل فيه الميديات بشكل متناغم، مما ينتج وسائط متعددة، عبارة عن ميديات يفهمها الإنسان “مثل الصوت والصورة والنص، وعليه فالوسائط المتعددة ذات طبيعة سمعية بصرية” . ويتحكم في هذا النظام، “الخوارزم” الذي هو “مجموعة من القواعد المنطقية التي يتم ترميزها برمجية لأنتاج نتيجة” . و”التشفير الرقمي” القائم على ثنائية (01). و”التفاعلية” التي تجسد العلاقة “التي تقوم بين القارئ والبرنامج. إنها قدرة تُمنح للقارئ وإكراه يُلزِمُ البرنامج: يمنح العملُ القارئَ قدرة التأثير في تركيب العلامات المقترحة للقراءة ويفرضُ العملُ نفسُه على البرنامج أن يتجاوب مع بعض المعلومات التي يقدمها القارئ” . و”الوسيط المركب” الذي يعد مقر “تنفيذ البرنامج أو نقل المعلومات بين أجهزة أو بين برامج” . ويمر هذا عبر “جهاز العمل” الذي يجمع بين كل مكونات الأدب الرقمي أي العلاقة بين “الأجهزة والبرامج التي تتدخل في التواصل الذي يحدثه هذا العمل بين الكاتب والقارئ والفاعلين المشاركين فيه”، وحيثما كان العمل جاهزا، فيدخل ضمن مفهوم “العابر المرئي” الذي يعد حدثا “متعدد الوسائط الناتج عن تنفيذ البرنامج والمتاح للقراءة” .
والتدقيق في مثل هذه المصطلحات، لم يكن بترف معرفي، بقدر ما جاء بهدف التمييز بين الأدب الرقمي والأدب الإلكتروني (أو المعلوماتي) الذي ارتبط بالأدب المكتوب الذي يسهل إعادة طبعه في كتاب ورقي. وإن تعددت مفاهيمه، مثل؛ “النص التشعبي” أو “الأدب الرقمي” أو الأدب الشبكي” أو الأدب التفاعلي” (…) أو غيرها، فهو يروم إحداث قطيعة تاريخية مع كل ما هو خارج الشبكية وإن استعمل الوسيط المعلوماتي؛ مثل “الكتب الورقية المرقمنة، وهي مؤلفات لاتدخل ضمن فئة الأعمال الأدبية الرقمية” .
وقد مر “الأدب الرقمي” تاريخيا بثلاث مراحل: فالمرحلة الأولى؛ كانت ما بين (1959) و(1980)، وفيها كانت المقاربة شبه تجريبية. والمرحلة الثانية؛ بدأت “مع المولدات الأوتوماتيكية الأولى التي برمجها جان بييير بالب في عام 1980، وانتهت بتأسيس مجموعة L.A.I.R.E سنة 1988” . أما المرحلة الثالثة، فقد تميزت بهيمنة أعمال جماعة ALAMO بفرنسا، خاصة اقتراحات “جان بيير بالب” وأعماله. كما واكب هذا التطور ظهور مجموعة من المجلات مثل مجلة “LAIRE” في يناير 1989. وتابعت أعمالها فيما بعد، مجلة KAOS.
وتبعا لهذا، تحولت أقانيم العلاقات التي كان يقيمها الأدب التقليدي، مقارنة بالأدب الرقمي، سواء على مستوى المؤلف أو القارئ أو النص. و”بهذا المعنى، يصبح الأدب التفاعلي شيئا آخر وتصير الكتابة، باعتبارها فعله المؤسِّسُ، عملا أو حركة متبادلة حيث العلاقات بين المؤلف والنص والقارئ بداخلها آخذة في التغيير” . فموت المؤلف التي نادى بها “رولان بارت”، قد تحققت بصيغة شبه نهائية، حيث حررت كل من النص والقارئ من سلطته التي كانت متمركزة حوله خلال عهد الكتابة. فمبجرد أن ينبي المؤلِّف خطابه على شكل نص تشعبي، يحضر القارئ، باعتباره المسؤول عن قراءة مثل هذه النصوص، ويستحيل على المؤلِّف “أن يتوقع سائر السياقات التي سيتم فيها قراءة مقاطع نصه” ، وذلك من خلال التحول عن الحامل الورقي نحو الحامل الإلكتروني، أي تحول من مفهوم “القراءة” التي كانت تتم في ظروف تقليدية أساسا، نحو مفهوم آخر نتيجة التفاعلية التي أتاحها ” الكتاب الإلكتروني”، حيث أصبحت “أفعال القراءة والكتابة وإعادة الكتابة التي كانت يُنظر إليها إلى وقت حديث بأنها أنشطة منفصلة تميلُ الآن إلى الانصهار في فعل واحد أو عملية مثالية واحدة هي “الكتاءة” (écrilecture)” .
لقد أتاح “الحامل الإلكتروني” نوعا من الثراء والتنوع على مستوى النشاط القرائي، في صورة تكتمل علاقة النص بالقارئ والمؤلف، ويعود هذا بالتحديد إلى تميز النص الرقمي،من خلال إعادة إنتاجه على آلة الحاسوب، بمجموعة من الخصائص؛ فالخصيصة الأولى تتمثل في “صيغة العرض” حيث “تستطيع شاشة الحاسوب أن تحتضن تخطيطات مختلفة للصفحة وخيارات حروف قابلة للتعديل” . والخصيصة الثانية، هي قابلية مثل هذه النصوص للبرمجة الحاسوبية، فلم تعد تعرض فقط، بل تولَّدُ بالآلة، وبهذا “صار المؤلف هو –مهندس النص- حيث لم يعد يكتب كتبا وإنما يصمم خوارزميات، بل ويصمم أحيانا برامج ليفسرها الحاسوب لاحقا” . أما الخصيصة الثالثة فهي التفاعل، الذي يظهر من خلال قدرة القارئ على التدخل في النص، والتأثير على مجرياته عبر مجموعة من الخيارات.
لقد أفضت مجمل هذه الخصيصات إلى ظهور أنواع عدة من النصوص الرقمية التي تشكل ما ينعت الآن بـ”الأدب الرقمي”؛ وإن اختلفت بين النقاد والمهتمين بهذا المجال، فيمكن حصرها في نوعين كبيرين، وفق ما جاء به الدكتور “محمد أسليم” من خلال هذه المترجمات، وهي “النص التشعبي” الذي يمكن أن تتولد عنه مجموعة من النصوص، تبعا للمقاربة النوعية المعروفة من النص القصصي أو الروائي أو الحكائي أو غيرها، و”الشعر الرقمي” الذي أصبح ينعت ب”الشعر المتحرك”، وتتفرع عنه أيضا أنواع عدة.

2- النص التشعبي: نحو “رؤية كلية”
إن ثاني المفاهيم الكبرى التي وقف عندها مؤلف “الأدب الرقمي”؛ “النص التشعبي”، الذي افترعه “عالم الرياضيات فانيفار بوش، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ووصف مبدأ هذا النص في مقال نشره في عام 1945، معيدا فكرة أن الدماغ البشري يعمل عن طريق التخاطر” . ومن بعده “تيد نلسون” الذي لم يفلح في محاولته، إلا مع ظهور “نظام “الهايبركارد” الذي صممه”بيل اتكنسون” لأجهزة كمبيوتر شركة أبل، وهي أول الحواسيب التي توفرت على الماوس الشهيرة” . ويعرف “جورج لاندو” النص التشعبي أنه “تكنولوجيا للمعلومات تتكون من كتل من النصوص –أو الكلمات- والوصلات الإلكترونية التي تربط فيما بينها” . بينما يعرفه بشكل أكثر وضوحا” إيلانا سنايدر” بكونه “شبكة من الروابط بين كلمات وأفكار ومصادر ليس لها نواة مركزية ولا نهاية” .
ولاغرو أن النمط الذي ارتبط بهذا المفهوم، هو “النص التشعبي التخييلي”، الذي لم يكن جديدا على مجال الأدب في عهد الحامل الورقي، فمفهومه عموما، يلتقي في بعض نواحيه مع تيار الفكر البنيوي، الذي يعتبر النص قائما على فكرة الترابط والتبادل، حيث يرى البنيويون أن الفكر عبارة عن “نسق من التبادلات، بمعنى أنه شبكة، ليس فيها نواة مركزية، ولكن فيها العديد من المجموعات المتفاعلة فيما بينها” ، توافقا مع العرض الذي جاء به “رولان بارت” في مؤلفه “s/z”. وفي هذا الصدد، فالقراءة عنده تعني تشبيك “النص، مثل قائمة زلزال، يباعد بين كل الدلالات بحيث لا تدرك منها القراءة إلا سطحها الذي يلمحه تدريجيا تدفق الجمل، وخطاب السرد المنساب، ومجرى اللغة الطبيعي الكبير. (…)” . مع العلم أن القليل من الأعمال التي يمكن أن تنفلت من “منطق الحكي”، وفق منطق الزمن الذي يحتكم إلى نظام يستدعي تقدما تسلسليا. فالبعودة إلى “أرسطو” لابد أن تكون للحكاية “بداية ووسط ونهاية”، مما يعني أنها قائمة على نظام، ولا تحتكم إلى العشوائية. في حين نجد أن النص التشعبي، “يزعم قطع الصلة بهذا التقليد الراسخ، ومن وجهة النظر هذه يحسن التمييز بين الحكايات الشجرية متعددة الفروع وتلك التي (…) ترسم مسارات خطية وتسرد قصة واحدة أو أكثر سردا تقليديا” .
وبذلك، تم التمييز بين كل من “النص التشعبي” و”القصص الشجرية “والتوليف الخالص”، والرابط بينهم هو عامل النظام على مستوى الوحدات السردية الشذرية، “وبذلك يكون النص التشعبي عبارة عن مجموعة من المقاطع النصية شبه المنظمة، (في أفق تحقق) حلم قديم جدا، هو حلم إشراك القارئ في كتابة العمل الأدبي” ، الذي يسمح له أثناء عملية التفاعل، اعتمادا على ما أسماه “كلود بيرسزتيجن” “ClaudeBursztjen” ب “التزلج على الأمواج” “surfing”، عوض “الإبحار” أو “التصفح”. وهذا ما جعل “ستيورت ملثروب” في “شهوة النصر” يقول “ربما نعيش غارقين في الوسائط التشعبية وما بعد الحداثة، في عالم يشبه على نحو مريب حديقة الممرات المتشعبة” .
لقد أسفرت مثل هذه النصوص عن تحولات ليس في آليات النص بأكمله فحسب، بل في العلاقة التقليدية بين أطراف عملية الاتصال الأدبي.رغم ما أتاحته الكتابة من تجاوز لأشكال المعرفة التقليدية، على اعتبار أن “الأبجدية هي أول نظام تواصل عالمي” . كل هذا خلق وعيا جديدا، في فضاء سبرنتيكي؛ أصبح يتميز بنمط العلاقات المفتوحة، وبالسرعة في التطور والتحول، في أفق بناء ذكاء جماعي، أساسه” الرؤية الكلية”، من خلال “اتخاذ عدد لانهائي من وجهات النظر المتنوعة” . ناهيك عن التأثيرات المتمثلة في “الديموقراطية السيبرانية” واقتصاد السوق “بقيادة أخلاقية للاقتصاد من لدن الاقتصاديات الشعبية على الخط ومن لدن الاستهلاك في الأسواق الافتراضية الشفافة” .

3- الشعر الرقمي: الدينامية والتوليد
وثالث المفاهيم التي تم الوقوف عندها، تتمثل في “الشعر الرقمي” الذي ظهر باللغة الألمانية والإنجليزية عام 1959، أما باللغة الفرنسية فلم يظهر حتى عام 1964، بفعل مجهودات مجموعة من الباحثين والجمعيات، خاص جمعية “الأدب المدعوم بالحاسوب” أو “ALAMO، ثم بعد ذلك واصلت العديد من المجلات الإلكترونية الجديدة العمل على هذا النمط الشعري الجديد مثل مجلة “alire” و مجلة KAOS”.
ولم يتشكل الوعي بهذا النمط الشعري، بشكل سريع، بل عبر ثلاثة مراحل، على وجه التقريب. فالجيل الأول، اهتم فقط ب”تحديد العمليات الرئيسة للإبداع ووصفها بمصطلحات حاسوبية من أجل امتلاك القدرة على إعادة بنائها ومحاكاتها (…) مع ما يسميه فرانسوا هذا بتحليل الإجراءات الأدبية و “الأنيبولية”” . والمرحلة الثانية؛ بدأت عام 1961، التي تم الاهتمام فيها بعمليات جديدة للإبداع، وهو ما أطلق عليه ب “التركيب”، أي “آلات معالجة المعلومات” بهدف “اكتشاف إمكانات الأدب الكامنة والاحتمالية” . أما المرحلة الثالثة؛ فقد بدأت عام 1995، مع ظهور شبكة الأنترنيت، وظهور “الشعراء الشبكيين” و “الشعر الشبكي”. وقد رافق هذا الاكتشاف العديد من الدراسات التي أنجزت في نطاق علمي أكاديمي، مثل “تكنولوجيا الإعلام الجديدة والإبداع الأدبي” لكل من “أورلاندو كارينيو” و”رودريغيز- ماريبونا” بإسبانيا. و”تحولات الواقع. المعلوماتية والإبداع الأدبي” ل”بيدرو باربوصا” بالبرتغال. و”عن دوكس Doc(k)s: طريقة الاستعمال. تاريخ الأشعار التجريبية المعاصر وأشكالها ومعانيها” ل”فيليب كاستيلان” بفرنسا. وقد مهدت هذه الأبحات لظهور مجموعة من الكتب في هذا الموضوع .
ويتميز الشعر الرقمي بمجموعة من الخصيصات، أهمها الدينامية والتوليد، فكونه يتميز بالدينامية “الشعر المتحرك”، لأنه “يسعى إلى إبراز الوجه المحسوس للعلامات اللغوية في الإبداع الشعري” مما جعله يعرض للمشاهدة أكثر من القراءة “أما اليوم فقد تغير الوضع وأصبح الشعر الرقمي يعرف كيف يستغل كل إمكانات العرض والتحريك باستعمال الحاسوب (…)” . أما خصيصة التوليد، “الشعر التوليدي” فتتجلى “في نوع من القصائد التي لا توجد مسبقا ولكن يتم تصنيعها (أو توليدها…) ببرنامج “مولِّد” أو “مركِّب” للنص (…) يصمم خصيصا لهذا الغرض” . وتبعا لهذا، عرف تحولا على مستوى المفهوم، خلاف ما جاء في الأدب المكتوب، فهو شعر يجمع بين الصوت والصورة و الحركة واللغة، بلا حدود فاصلة بينها، بل أصبحت القصيدة الشعرية بلا نهاية، لأنه “لا يعرف حدودا جغرافية ولا لغوية أو تكنولوجية” ، لذلك تولدت عنه أنواع عديدة، وأشكال شعرية غير معهودة “مثل الشعر الشبكي، والفن الشبكي، والشعر الإلكتروني، وشعر الويب، والويب آرت، وفن البريد الإلكتروني، وشعر البريد الإلكتروني، وآلاف التنويعات من الشعر الديجتالي، والرقمي، والتكنولوجي، والإلكتروني، والمتعدد الوسائط، والمشعب الوسائط، والتشعبي، والتفاعلي، والتركيبي، والتوليدي، والمتحرك، وما إلى ذلك” .

تنوير خاص:
لقد أسهم ظهور الأدب الرقمي في إحداث تحولات متجاوزة ما دأب عليه ” الأدب المكتوب”، ومع مرور الوقت ستضاف تحولات أخرى، وفق منطق حركية التاريخ وتحولات بناء الوعي، خاصة أن الأبحاث العلميةالآن تسعى إلى الجمع بين ما هو رقمي وما هو بيولوجي :” البيورقمي”. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ضمن هذا السياق؛ هل سيبقى الأدب كما كان، أم سيتم تجاوزه إلى مسألة التقنية ويصبح الأدب مفهوما شكليا وليس تخييلا بالمفهوم التقليدي في نظرية الأدب، وإذا كان كذلك ، ما مصير الكتابة والكتاب؟. هل الكل ينبغي الانخراك في هذا التحول، وبأية معايير نقدية؟. هل القارئ بدوره قادرا على تطوير النص التشعبي التخييلي بشتى أنواعه أم أن الأمر سيكون حكرا على “مهندسي التكنولوجيا” فحسب. وبالمقابل هل المجتمع المغربي يعي الفوارق المطروحة على المستوى الثقافي والتعليمي؟ أم أن الأمر لا زال رهين المبادرات الفردية وبعض الجمعيات والمواقع الإلكترونية التي تدفع بالجيل الجديد للانخراط في هذا التحول الرقمي؟. ما موقع المدرسة المغربية من هذا، هل تعي الهوة بين مجتمع ينفتح على عالم رقمي ومدرسة لازالت تركن إلى الوسائل التقليدية في العملية التعليمة- التعليمة؟. وملاك القول؛ فمنذ القرن الواحد والعشرين، نحن مقدمون على تحولات بنيوية على جميع المستويات عموما، وعلى المستوى الثقافي والأدبي على جه خاص، ولا سبيل لنا إلا الانخراط الجاد في هذه الثورة مجتمعيا وإنسانيا.

Breaking News