تثير كل محاولة لدراسة الاستعارات غير اللفظية تساؤلات عديدة، أولها معرفة ما إذا كانت اللغة مزدوجة التمفصل قادرة على تناول جعل نظم علامات غير لفظية باعتبارها thèmes. والجواب بالإجماع هو، على الأقل، أنه من السهل جدا ترجمة الأنظمة الأخرى إلى اللغة، إن ليس بشكل مثالي فعلى الأقل بشكل معقول. أما السؤال الثاني، فيتعلق بالوضع الاعتباري للاستعارة غير اللفظية أي الأيقونية. هل استعارة من نفس نوع الاستعارة اللغوية أم أننا نسمي «استعارة» الظواهرَ غير اللفظية التي تقترب من اللغة وبالتالي فهي تستحق هذه التسمية… مجازا؟
نقترح هنا الإشارة إلى بعض وجهات التأمل في هذا الموضوع. ولتسليط الضوء على هذه المشكلة، من يَجدُرُ بنا تحديد ما إذا كانت اللغة جزءا من السيميولوجية، كما زعم سوسور، أم أن السيميولوجيا جزء من اللسانيات، كما رأى رولان بارت. معروف أن القرن العشرين – لا سيما في نصفه الثاني – عرفَ مدّا قويا للإبدال اللساني في العلوم الإنسانية، ولا شك أن ثمة أسبابا وجيهة، بل مشروعة، لتفسير هذه الظاهرة: فاللسانيات كانت، في الستينيات على الأقل، هي الحقل المعرفي الأكثر تقدما في العلوم الإنسانية، وكان موضوعها معروفا بشكل جيد. ومع ذلك، فقد خلفت لنا السيميولوجية مواضيع ومناهج يمكن أن تحرج الباحث الميال إلى التحرر من صعود علوم اللغة. كيف يمكن دراسة أشياء ولدت (وجوديا) أو دُرسَت (معرفيا) وسط تيار متمركز حول الكلمة؟ لا يكفي إقامة الحداد على لسانيات شارحة لكل نظم العلامات. كما يجب (لكن هل يجب؟) معالجة هذه البناءات دون الغوص مجددا في تعابير اللسانيات وشروحاتها.
لنعد إلى الاستعارة الأيقونية ولنركز، لدواعي مناسبة، على الاستعارة البصرية، ولنقتصر على حالة التصوير الفوتوغرافي، إذا جاز التعبير. إن كان وُجدَ شيء باعتباره استعارة بصرية، فما وجه الاستعارة فيه؟ أي في صورة، بمعناها الواسع، تعمل على نقل المعنى. هل هذا النقل تبديل أو تشبيه؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بتلقائية نسبية على الناقد أو السيميولوجي. هل هناك تعويض أو تقريب؟ وعلى افتراض أن الأمر يتعلق بفوتوغرافيا تعرض صورا غير مجردة، هل الشيئان المقارَنان حاضران معا في الصورة أم أن هناك بالأحرى شيئا واحدا يقوم مقام شيء آخر غائب عن الصورة؟ دون الإجابة عن هذا السؤال، لننظر في ما حصل خلال المناقشة. نطلق تسمية «استعارة» على ظاهرة غير لفظية. ثم نتساءل: هل هي مجاز أم تشبيه؟ يتميز هذا الأخير بالحضور الفعلي لأداة التشبيه. فجملة «زيدٌ أسد» هي استعارة، أما «زيدٌ كالأسد» فتشبيه. إذا كان التمييز موجود في اللسانيات، لماذا سنكون أقل دقة في التحليل الفوتوغرافي؟
ومع ذلك، توجد في التصوير الفوتوغرافي معادلة بصرية للتمييز لغويا بين التشبيه والاستعارة. ليس هناك ما هو أقل يقينا.
ثمة إكراه يدفعنا في السيميولوجيا، وبشكل مفاجئ بهذا القدر أو ذاك، إلى استيراد مفاهيم لسانية. ذكرنا الأسباب التاريخية متمثلة في صعود اللسانيات. علاوة على ذلك، نحن فنحاول ألا نتصرف كقضاة – والإغراء هنا كبير حقا – باللهث وراء مسار بديل للغويات في كتابات عن الفوتوغرافيا على سبيل المثال. ومن ثمة، فمن غير المعقول الاعتقاد بأن هذا النقل ضار للسميولوجية. ومع ذلك، يبدو أن كل شيء يشير إلى أنه إذا كانت مفاهيم لسانية قابلة للتطبيق في تخصصات أخرى، فهذا التطبيقُ يجب أن يتم بحذر، وإلا فستغدو هذه المفاهيم مضللة.
لا يجب على السميولوجيا أن تضع الحداد على اللسانيات وأن تنساها، بل، وبتعبير مصوَّر، عليها أن تعيد ما لقيصر لقيصر. هذه ليست وصفات أخلاقية، وإلا فستتعرض للتشكيك، ولكنها منهجية.
قد تكون العقبات هي:
– أولا: إعادة توجيه التكنولوجيا اللسانية داخل السيميولوجيا عموما دون فصل بين الغث والسمين؛
– ومن جهة أخرى، الامتناع عن شكل من تبادل «لأفضل الممارسات» بين التخصصات ذات الاتصال.
أن يقول منظرو الصورة الفوتوغرافية، بطريقة منهجية، إنهم يقرؤون الصورة ويصفون تركيبها ويجدون فيها رسالة، أي تعبيرا ونصا، فالأمر هنا يتجاوز مجرد مسألة أسلوب. يبدو أن الإبدال اللغوي قد صار الاستعارة المهيكلة، بمعناها عند لاكوف وجونسون، وهما منظران للفنون البصرية: لن نستطيع أن نفهم الصور ولا أن ننظرها إلا باعتبارها مقاطع لغوية. ليكن، ولكن الاستعارة المُهيكِلَة لا تهم جميع خصائص المصدر؛ إنها تحصرها في الملاءمات.
ما أن نقبل أنه لا يمكن جعل العلامات الأيقونية موضوعات thèmes إلا بعبارات لغوية، وأن هذا لا يعدو مجرد فرضية، حتى تصير القضية الرئيسية هي معرفة مدى صمود القياس. وقد يعود سبب ضيق السميولوجيين (على الأقل عندما يكونون على وعي به) إلى حداثة سن السميولوجيا باعتبارها علما للعلامات. ومع ذلك، فلا شيء يوحي بأن تغييرا مفاجئا سوف لن يحدث!
المسألة الثانية – وهي هل يمكننا الحديث حرفيا عن استعارة غير لفظية؟ – لا يمكن حلها، أو على الأقل أن تقبل حلا، ما لم نحسم في مسألة مكانة اللسانيات داخل السميولوجيا. حقا، قد تم إبداء هذا الاقتراح مرارا وتكرارا، ولكن هذا التحرر، من الناحية العملية، ليس الوحيد، وأعراض طلاق غير محسوم جيدا بين اللغة واللغات، تلك الأعراض تطفو هنا وهناك، كزلات لسان بحيث سيكون من باب المجاز القول إنها تكشف عن سر الصورة الفوتوغرافية.
قد تكون سيميولوجيا الاستعارة التي يقترحها نيلسون غودمان أحد الاتجاهات، إذ ينظر إلى الاستعارة اللغوية والاستعارة الأيقونية باعتبارهما نوعي استعارة يقعان في مستوى واحد، دون أن يعني ذلك أنَّ إحداهما هي امتداد للأخرى. هل عدم التمييز في الأنجليزية بين اللغة واللسان (كلاهما يترجم بـ language) هو ما أتاح، وعلى نحو مفارق، لغودمان أن يتطرق إلى هذا المشكل بلباقة في مؤلفه لغات الفن؟
س. غولتزبرغ: ملاحظة حول الاستعارة البصرية / ترجمة محمد أسليـم
النص الأصلي:
Note sur la métaphore visuelle
الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأحد 16-03-2014 05:45 مساء