Notice: Function _load_textdomain_just_in_time was called incorrectly. Translation loading for the all-in-one-wp-security-and-firewall domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. Please see Debugging in WordPress for more information. (This message was added in version 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114

Notice: _load_textdomain_just_in_time تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. Translation loading for the amnews domain was triggered too early. This is usually an indicator for some code in the plugin or theme running too early. Translations should be loaded at the init action or later. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 6.7.0.) in /home/aslim/public_html/wp-includes/functions.php on line 6114
الكتابة والموت: 05 – محمـد حجـي محمـد: إستطيقا المـوت في «حديث الجثة» – محمد أسليـم

الكتابة والموت: 05 – محمـد حجـي محمـد: إستطيقا المـوت في «حديث الجثة»

1387 مشاهدة
الكتابة والموت: 05 – محمـد حجـي محمـد: إستطيقا المـوت في «حديث الجثة»

تتوخى هذه القراءة في «حديث الجثة» الوقوف عند القضية الأساسية التي تناولتها جلّ النصوص السَّردية لهذا الكتاب، وتسليط الضوء على ما تنطوي عليه هذه القضية من مفارقات تعطي للمتن المحكي دينامية خاصة.
إن الموضوعة الأساسية التي تشتغل عليها هذه النصوص السَّردية هي موضوعة الموت باعتبارها قضية أنطولوجية حيَّرت الأدباء والأنثروبولوجيين، وشغلت اللوغُوس قبل سقراط وبعده.

لا أحد يجادل في أن الموت انفصال طبيعي عن العالم، وأنَّ الحياة تبعا لذلك ليست في الغالب سوى جملة من الانفصالات المؤلمة التي تظهر فجأة بين الولادة والموت، أي بين ما يسميه إدوارد ت. هال بـ «انفصالين طبيعيين وملزمين لكل شخص داخل محيطه»[1]: الولادة بما هي انفصال عن أحشاء الأمومة والموت بما هو انفصال عن العالم. ومع أنَّ الموت نهاية طبيعية لكل إنسان، فإننا نستبعده من حياتنا، ونتصرف في مجالنا اليومي كما لو أننا أقفلنا عليه في كيس وألقينا به في بحر من النسيان. وإذا حدث أن فكرنا فيه، فإننا «نفكر فيه بوصفه موتا للآخرين، ونتعامل معه بوصفنا متفرجين»[2]. هكذا إذن يضعنا «حديث الجثة» أمام قضية تهمّ الجميع، قضية تمنحنا حقلا للتفكير وتذكرة للسَّفر «خارج المدار البشري»، حيث الانفصالات التي نرفضها في انتظارنا بأعداد هائلة. وإذا كان فرويد يرى «أننا في أعماقنا لا نعترف بأننا سنموت»[3]. فلأن المرء لا يتقبل فكرة الانفصال عن الوجود لأنه انفصال موجع ومفجع، ولعل هذا ما سيؤكده أسليم حين يقول في «ساعة الاحتضار»: «فتحت فمي، وقلت لهم: “مآلكم المجيء إلى هنا، مآلكم الآن. سألني أحدهم مع من تتكلم؟ أجبت معكم، قيل: “إنه يهلوس”»[4].

لكن ما الموت الذي يعنيه الكاتب؟ لماذا نموت؟ متى؟ كيف؟ وأين؟ وهل في استطاعة المرء اختيار موته؟ هل في إمكانه الموت والانتصار عليه؟ إذا كان ذلك ممكنا، فبواسطة ماذا يمكنه موجهته؟
ليس المقصود بالموت في «حديث الجثة» الموت بمعناه الضيق، أي الموت بمعناه الفيزيقي، وإنما المقصود بالموت ذلك الفائض العدمي، أي فائض الفراغ، أو الفراغ المتعذر استعماله والذي لا يتحقق إلا بتجربة خارج كل شيء أي بما يسميه جورج باطاي بـ «التجربة الداخلية»[5]. فالموت هنا هو كل ما يحيل إلى الغياب – الماضي – الانفصال – المحو النسيان – التشيؤ. والموت أيضا هو كل ما يتحدَّد سلبا بالحياة – الحاضر – الاندماج. يقول أسليم:
«ليس الموت هو أن يتوقف جسدك عن الاشتغال ويصير جثة هامدة. أن تموت هو أن تتموقع في جهة ما من الزمان الماضي. هو أن تنتقل من الما يجري أو ما هو كائن إلى الما جرى أو الما كان. هو أن ننتقل من نقطة ما، في شبكة علاقاتك بغيرك إلى نقطة أخرى. ومعنى ذلك أن تكون دائما حيا وميتا في آن واحد: حيا حيثما كنتَ وميتا حيثُ ما غبتَ»[6].
إذا كانت الكتابة «آلة حرب في مواجهة الموت»، كما ترى جانيت كلومبيل[7]، فإن أسليم لم يتردَّد في اتخاذها كسلاح رمزي لمنازلة الموت، بل وللانتصار عليه كما فعل في «عودة ميت»، حيث يخرج منتشيا من معركته ضد الكلمات، مخلفا وراءه جملا ميتة، وعبارات منهكة. وكان كلما احتدت معركة اللغة بدواخله وتحوَّلَ النص إلى جثة، خَرج من معركته مرهقا وظافرا ليزهو أمام نصه مثل بدائي أمام جثة عدوه ساعة النصر. يقـول: «لقد سددتُ للموت لكمات عنيفة، لكن وجهه كان من الصَّلابة بحيث أدماني وهشَّمَ عظامي»[8].
ولعل هذا ما يزكيه التحليل النفسي حين يرى في الأدب وحدَه أداة لمواجهة الموت ودخول كل تجارب الحياة والخروج منها بدون أذى. لذلك يقول فرويد: «يُمَكننـا عالم الأدب من رسم شخصيـات لا تخشـى الموت، وتعرف كيف تختار المنية التي تناسبها، وأخرى لا تخشى الموت، بل تختاره لغيرها»[9].
ولقد قاد اشتغالُ الكاتب بثنائية الموت والحياة إلى عبثٍ جعله يرى الأشياء كلها بدون معنى. ومع ذلك، فالعبث في «حديث الجثة» ليس عبثا مجانيا بقدر ما هو عبث وجودي بالمعنى الذي يعطيه سارتر لهذه الكلمة، ذلك أن أسليم يعي جيدا أن طبيعة العبث الذي يؤثث نصوصه، وكذا الحرية الناتجة عن هذا العبث. إنه يعي جيدا أن الوجود لأجل ذاته يكون ما لا يكونه، ولا يكون ما هو كائنه، وأنَّ الإنسان بطبعه مفطور على الحرية والملاشـاة. وإذا كان العبث هو ما انتهت إليه ثنائية الموت والحياة، فإن الكاتب يؤكد ذلك بقوله:
«اسمع يا رأسي. إذا كانت الحياة، كما تقول، لا تعدو مجرد جسر وهمي يتوسط موتين عظيمين: العدم الذي كنت إياه قبل أن تولد، والموت الذي ستكونه بعد أن تُمحَى، فاختلق لنفسك موتا آخر اقتَنص به هذه الليلة المباركة، وجلِّلها بالتَهتُّك والمجون»[10].
في ظل هذا المناخ العبثي والكافكاوي تفقد الأشياء معانيها فيحل اللامألوف محلَّ المألوف، ويأخذ الجنون مكان العقل، مما يجعل النصَّ يتأسَّس على مفارقات تدمِّر المألوف وتؤسطر الواقع، منتجة معرفة مغايرة. هكذا تصبح «الحياة إصطبلا»، وتغدو المدينة «مقبرة كبرى»، والبشر جثثا وهياكل عظمية»، والإنسان كبشا»، والعلاقات الإنسانية أشياء جامدة، والأحياء «مقابر صغيرة». يقول أسليـم:
«تأملت المرء فوجدته لا يخلو من أن يقيم في قبرين: قبر يشيده هو لنفسه، وقبر يشيده له الآخرون… ومتى مررت بحي من الأحياء عجبت لسمو الذوق الذي يبني به كل شخص قبره»[11].
وليس استخدام الكاتب للعبث وغيره من الكلمات الوجودية التي يزخر بها «حديث الجثة» سوى احتجاج ضد التشيؤ وما أفرزه من أمراض نفسية كالشيزوفرينيا، لهذا نجده يدين كل مظاهر التشيؤ باعتبارها وجوها للموت، ذلك أنها تظهر الحياة الإنسانية في صورة أشياء جامدة وميِّتة. ومع ذلك فهي تتحكم في مصير الناس»[12]. إن التشيؤ يسلب الإنسان حريتَه ويجعله خاضعا لقوة خارج إرادته. في هذا السياق يقول الكاتب: «نحن نساق إلى هنا سَوق قطعان البهائم؛ نأتي دون استشارة ونُسحَب دون تبرير»[13]. ويقول أيضا: «فما أن ألقيتُ بنفسي حتَّى أدركتُ حقيقة أنني لم أكن حذاء ولا قميصا أو قلما، كنتُ عجلا أو صخرة أو كيس إسمنت»[14].
أخيرا، يظل «حديث الجثة» حديثا شيقا وسَفرا ممتعا داخل قارات مجهولة، تشدنا إليها تنويعاته المرحة على الأفق الباطَوي (نسبة إلى ج. باطاي) ورؤيته النيتشويـة السَّاخرة مما يجعلنا نعيش كل حَدَثٍ مرَّتين: مرة في الموت ومرة في الحياة، وننظر إليه داخل مجالين بصريين متعارضين، أفقيا وعموديا. وبذلك، يضعنا «حديث الجثة» أمام أربعة خيارات للتخلص من الموت: إما بالكتابة، أو بالتشيؤ، وإما بالانتحار أو بالجنـون.
————
هوامــش
[1] Hall, E. T., Au-delà de la culture, Paris, Seuil (Points), 1979, p. 219.
[2] سيغموند فرويد، الحرب والحضارة والحب والموت، ترجمة الدكتور عبد المنعم الحنفي، القاهرة، مكتبة مدبولي، ص. 35.
[3] سيغمـونـد فرويـد، المرجـع السابــق.
[4] حديـث الجثــة، ص. 11.
[5] Bataille, G., L’expérience intérieure, Paris, Gallimard (Tel), 1967.
[6] حديــث الجثــة، ص. 61.
[7] Brochier, J. J., «L’exigence de la liberté», in Magazine littéraire, N° 325, p. 70-71.
[8] حـديـث الجثـــة، ص. 25.
[9] سيغمونـد فرويـد، الحرب والحضـارة والحـب والمـوت، مـرجـع سابــق.
[10] حـديـث الجثــة، ص. 69.
[11] سيغموند فرويـد، المرجـع السابـق.
[12] محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، الفلسفـة الحديثة، نصوص مختـارة، الرباط، دار الأمان، ص. 105-106.
[13] حـديـث الجثـــة، ص. 78.
[14] حـديـث الجثـــة، ص. 85.

الكاتب: محمد أسليـم بتاريخ: الأربعاء 19-09-2012 09:22 مساء

الاخبار العاجلة